حكومة « بينيت» والسير في المكان !!
الاثنين / 15 / ذو الحجة / 1442 هـ - 19:54 - الاثنين 26 يوليو 2021 19:54
د. عبد الحميد الموافي -
في ظل طبيعة ومواقف الأحزاب الإسرائيلية المكونة لحكومة نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي، وفي ظل التربص التام من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو حيالها، وهو تربص بدأ قبل تولي الحكومة الجديدة مهامها واستمر معها حتى الآن، ولن يتوقف، حيث يسعى نتانياهو إلى عرقلتها وإفشالها بكل السبل الممكنة، فإنه ليس مصادفة أن تستغرق الحكومة الجديدة مزيدا من الوقت في تحسس وصياغة مواقفها وتحديد خطواتها، ليس فقط على الصعيد الداخلي في إسرائيل، ولكن أيضا بالنسبة لسياساتها حيال القضية الفلسطينية ومحاولات إحياء جهود السلام المجمدة منذ أكثر من ست سنوات وبشكل متعمد من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق. واذا كان قد مضى أكثر من شهر على تولي حكومة «بينيت» مهامها في منتصف شهر يونيو الماضي، وهو ما يظل مدة محدودة، إلا انه ظهر بشكل واضح أن حكومة « بينيت « ستكون أسيرة بشكل أو بآخر وإلى حد غير قليل، لمواقف حكومة نتانياهو السابقة، وذلك بحكم مشاركة أحزاب يمينية متطرفة في الحكومة الجديدة، وكذلك بحكم افتقاد الحكومة، التي تضم أحزابا من كل ألوان الطيف السياسي في إسرائيل، لرؤية متسقة لسياساتها حيال القضية الفلسطينية وإعادة إحياء عملية السلام مع الفلسطينيين والتوصل الى حل عادل ودائم لأقدم نزاع في الأمم المتحدة.
في مثل هذه المعطيات والظروف، فإن الحفاظ على الوضع الراهن، أو السير في المكان، أو إدارة النزاع هو ما يمكن لمثل هذه الحكومة القيام به، حتى تتمكن من الحفاظ على بقائها وتجنب ما يمكن أن يعرضها لخلافات حادة يمكن أن تعصف بوجودها إذا غير نائب واحد في الكنيست موقفه وانحاز إلى المعارضة المتنمرة التي يقودها نتانياهو والليكود.
وهذا ما يدركه ويعمل من أجله نتانياهو بكل السبل التي يمكنه العمل من خلالها. على أية حال فانه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها ما يلي: أولا أنه من المعروف أن هناك تعارضا في الرؤية السياسية لكل من نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي ونائبه وزير الخارجية يائير ليبيد، حيال القضية الفلسطينية وعملية السلام. فرئيس الحكومة – الذي سيستمر في الحكم حتى عام 2023 إذا استمرت الحكومة في ممارسة مهامها - لا يخفي انه يدعم الاستيطان وضم الأراضي في الضفة الغربية وغور الأردن ويعارض حل الدولتين، وهو في ذلك يتبنى مواقف رئيسه السابق نتانياهو منذ أن كان « بينيت « مديرا لمكتبه قبل أن ينشق عليه. أما يائير ليبيد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية والذي سيخلف « بينيت « على رأس الحكومة في النصف الثاني من ولايتها أي من عام 2023 حتى عام 2025، هذا اذا أكملت مدتها، فإنه أكثر مرونة، ولا يعارض حل الدولتين بشكل مبدئي. وبالنظر للحقيقة السياسية المتمثلة في أن موقف ورؤية رئيس الحكومة الإسرائيلية هو الأقوى وهو الذي يحدد مواقف حكومته في النهاية، فان موقف ورؤية « ليبيد « لن تجد طريقها لا بسهولة ولا بقوة الا بعد عام 2023، أي عندما يتولى « ليبيد « رئاسة الحكومة الإسرائيلية خلفا لنفتالي بينيت وفق اتفاق تشكيل الحكومة الحالية. وهذا يعني ببساطة أن الحديث العملي عن مفاوضات سلام مع الفلسطينيين بهدف الحل العملي، أو للتوصل إلى توافقات ممكنة في إطار صيغة حل الدولتين لن تكون ممكنة، ولا سهلة مع حكومة الرأسين ( بينيت وليبيد ) ومن هنا تحديدا فإنه ينبغي التوقف أمام تصريح يائير ليبيد قبل أيام عندما أشار إلى أنه يرى أن « الظروف غير ملائمة الآن لحل الدولتين «، ومع أن « ليبيد « لم يحدد عناصر عدم الملاءمة في الظروف الراهنة، وما اذا كان ذلك سيتطلب الانتظار حتى يتولى هو رئاسة الحكومة بعد عامين، وما اذا كان واثقا من ان « بينيت «و « ليبرمان « سيؤيدانه في ذلك الوقت، إلا أن تصريحه بدد في الواقع بعض الأمل الذي شعر به البعض بشأن إمكانية تحريك عملية السلام ووضع حد لسياسات حكومة نتانياهو السابقة، وافساح المجال أمام حل الدولتين.
وبالرغم من هذه الملامح ذات الدلالة، والتي ستتضح بشكل أكبر عند اصطدام حكومة « بينيت « بأي موقف له صلة باستئناف عملية السلام مع الفلسطينيين أو تحديد الموقف من حل الدولتين بشكل رسمي وصريح، فانه ليس غريبا أن تحاول حكومة ( الرأسين ) أي بينيت وليبيد تقديم نفسها بشكل مختلف على نحو أو آخر عن حكومة نتانياهو السابقة. ففي الوقت الذي حرص فيه كل من « بينيت « و « ليبيد « على بناء علاقة أقوى مع إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، والتأكيد على استمرار الدعم الأمريكي القوي لإسرائيل والحفاظ على تفوقها العسكري، فإنهما - بينيت وليبيد - حرصا أيضا على تحسين العلاقات مع الدول العربية، فإلى جانب التقاء « بينيت « مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، لتجاوز التباعد الذي كان قائما بين نتانياهو والعاهل الأردني، قام « ليبيد « بزيارة القاهرة، وجرى اتصال هاتفي بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي، حاول وزير خارجية إسرائيل يائير ليبيد تنشيط اتفاقيات « ابراهام « بين إسرائيل والدول التي وقعت على تلك الاتفاقيات في ظل إدارة ترامب السابقة، وكذلك إجراء بعض الاتصالات الهاتفية مع وزراء خارجية عرب آخرين للإيحاء بأن الاتصالات قائمة والقنوات مفتوحة مع هذه الدول وأن العلاقات تتطور معها بشكل أو بآخر.ومع الوضع في الاعتبار أن قوة الدفع التي شكلتها إدارة ترامب السابقة لاتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية قد تلاشت، أو انخفضت بشكل كبير على الأقل، إذ لا تزال إدارة بايدن تؤيد اتفاقيات «ابراهام « وتحبذ انضمام دول عربية أخرى لها، فإن من الغريب الزج باسم السلطنة في هذا الأمر. فاذا كانت أطراف إسرائيلية وغربية سياسية وإعلامية تحدثت في توقعاتها في الأشهر الماضية عن احتمال أو إمكانية أن تنضم سلطنة عمان إلى اتفاقيات ابراهام، وهي توقعات تفتقد إلى الأساس الموضوعي، وإلى الفهم الصحيح للمواقف السياسية العمانية، فإن الأمر وصل بنتانياهو نفسه إلى الإشارة أمام الكنيست الإسرائيلي، وفي معرض انتقاده للحكومة الحالية، إلى أن « ضعف حكومة بينيت أدى إلى أن تغير سلطنة عمان موقفها وأن تتراجع عن التطبيع وانه كلما كانت حكومة إسرائيل قوية انضمت دول عربية إلى التطبيع».
واذا كان نتانياهو يريد أن ينال من حكومة « بينيت « ويصفها بالضعف، فإن إشارته إلى سلطنة عمان لا تستند في الواقع إلى أساس، خاصة وأن معالي السيد بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي وزير الخارجية كان قد أشار قبيل زيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم إلى المملكة العربية السعودية الأسبوع قبل الماضي إلى أن « السلطنة لن تكون الدولة الثالثة في التطبيع مع إسرائيل « وهي إشارة واعية وعميقة الدلالة إذ أنها تقطع الطريق على أية تكهنات أو تلميحات لا أساس لها.
على أية حال فإنه إذا كانت حكومة « بينيت « يمكنها ممارسة نوع ما من العلاقات العامة مع بعض الأشقاء لتحقيق ما يمكن أن تعتبره إنجازا لها بشكل أو بآخر، خاصة أن هناك من هو مستعد للسير خطوات أبعد مما تريده إسرائيل ذاتها، فان معطيات الحكومة الإسرائيلية يجعلها غير قادرة عمليا على السير بخطى محسوسة أو مؤثرة على طريق حل الدولتين وإعادة احياء المفاوضات مع الفلسطينيين بشكل يمكن أن يؤدي إلى حل شامل وعادل وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967. ومن ثم فإنه ليس مفاجئا أن تمارس الحكومة الإسرائيلية سياسات نتانياهو السابقة نفسها بشأن الاستيطان واقتحامات المسجد الأقصى وعمليات الهدم الممنهج في القدس الشرقية والضفة الغربية وشن الغارات وعمليات القصف على قطاع غزة ومن الطبيعي ان تفشل هذه الممارسات في تحقيق ما تريده إسرائيل على الأقل على المستوى العربي العام.
ثانيا: انه اذا كانت حكومة « بينيت « لن تقدم ما يمكن أن يدفع نحو إحياء عملية السلام مع الفلسطينيين والسير نحو حل الدولتين بشكل حقيقي، فإن ما يمكن أن يساعدها على ذلك أن إدارة الرئيس بايدن لم تمارس، حتى الآن على الأقل، ضغوطا قوية أو ظاهرة على حكومة بينيت بشأن حل الدولتين. صحيح أنها أكدت على أهمية حل الدولتين وتأييدها له، الا أن انشغالها بإعادة صياغة سياساتها الخارجية وتركيزها على شرق آسيا ومواجهة البزوغ الصيني، وانسحابها من العراق وأفغانستان، يقلل كثيرا من حجم أية ضغوط يمكن أن تمارسها على إسرائيل، خاصة وانها - أي إدارة بايدن - ستحتاج إلى إسرائيل بشكل كبير خلال الفترة القادمة فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية في المنطقة، ومع انه توجد عدة دول عربية على علاقة عميقة ومميزة مع الولايات المتحدة إلا أن إسرائيل يظل لها دورها الخاص في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. وقد شكل ذلك باستمرار قيدا على التعامل الأمريكي مع إسرائيل وطلباتها من الأسلحة والمعونة الأمريكية ولن يكون بايدن استثناء من الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوه في الاستجابة لذلك.
وأمام هذا الواقع فإنه يمكن القول إنه من الأهمية بمكان أن يعمل الفلسطينيون والدول العربية من أجل تغذية ودفع التحول في الرأي العام والمواقف السياسية داخل الولايات المتحدة وفي الاتحاد الأوروبي وعلى المستوى الدولي الواسع لفضح السياسات العنصرية والممارسات الهمجية لإسرائيل وما ترتكبه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بفعل ممارستها في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلة وضد قطاع غزة، وذلك كسبيل يمكن استخدامه في المستقبل ضد إسرائيل وحشد أكبر تأييد دولي ممكن في ذلك. وهناك بالفعل مؤشرات إيجابية في هذا المجال، لعل من ابرزها تحول قطاع غير قليل من الرأي العام الأمريكي وبين اليهود الأمريكيين ضد الممارسات الإسرائيلية العنصرية ضد الفلسطينيين وهو ما أبرزته استطلاعات الرأي العام في الفترة الأخيرة.
كما أن مما له دلالة أيضا أن الاتحاد الأوروبي بات أكثر وضوحا وتحديدا في معارضته للسياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وعلى سبيل المثال أصدر مكتب ممثل الاتحاد الأوروبي في فلسطين بيانا يوم 5 يوليو الجاري قال فيه إن سياسة الاستيطان الإسرائيلية « غير قانونية بموجب القانون الدولي « وكذلك الإجراءات أحادية الجانب « كعمليات النقل القسري والإخلاء وهدم ومصادرة المنازل الفلسطينية « وأن على السلطات الإسرائيلية أن توقف هذه الأنشطة فورا وأن الاتحاد الأوروبي « يعارض بشدة جميع الإجراءات التي تقوض حل الدولتين « وبالرغم مما يقال دوما من أن الثقل السياسي للاتحاد الأوروبي يظل متواضعا، إلا أن موقف الاتحاد الأوروبي يظل مؤشرا على الموقف الأمريكي في النهاية، فضلا عن أنه يحظى بتقدير دولي في الأمم المتحدة وخارجها، وهو ما ينبغي للفلسطينيين والعرب الاستفادة منه، خاصة في هذه الفترة التي ستظل فيها حكومة « بينيت « في الحكم والتي ستمارس سياسة « السير في المكان وإدارة النزاع مع الفلسطينيين « ومن ثم لن تشهد على الأرجح ما يمكن أن يدفع نحو الحل الحقيقي مع الفلسطينيين على قاعدة حل الدولتين.
في ظل طبيعة ومواقف الأحزاب الإسرائيلية المكونة لحكومة نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي، وفي ظل التربص التام من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو حيالها، وهو تربص بدأ قبل تولي الحكومة الجديدة مهامها واستمر معها حتى الآن، ولن يتوقف، حيث يسعى نتانياهو إلى عرقلتها وإفشالها بكل السبل الممكنة، فإنه ليس مصادفة أن تستغرق الحكومة الجديدة مزيدا من الوقت في تحسس وصياغة مواقفها وتحديد خطواتها، ليس فقط على الصعيد الداخلي في إسرائيل، ولكن أيضا بالنسبة لسياساتها حيال القضية الفلسطينية ومحاولات إحياء جهود السلام المجمدة منذ أكثر من ست سنوات وبشكل متعمد من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق. واذا كان قد مضى أكثر من شهر على تولي حكومة «بينيت» مهامها في منتصف شهر يونيو الماضي، وهو ما يظل مدة محدودة، إلا انه ظهر بشكل واضح أن حكومة « بينيت « ستكون أسيرة بشكل أو بآخر وإلى حد غير قليل، لمواقف حكومة نتانياهو السابقة، وذلك بحكم مشاركة أحزاب يمينية متطرفة في الحكومة الجديدة، وكذلك بحكم افتقاد الحكومة، التي تضم أحزابا من كل ألوان الطيف السياسي في إسرائيل، لرؤية متسقة لسياساتها حيال القضية الفلسطينية وإعادة إحياء عملية السلام مع الفلسطينيين والتوصل الى حل عادل ودائم لأقدم نزاع في الأمم المتحدة.
في مثل هذه المعطيات والظروف، فإن الحفاظ على الوضع الراهن، أو السير في المكان، أو إدارة النزاع هو ما يمكن لمثل هذه الحكومة القيام به، حتى تتمكن من الحفاظ على بقائها وتجنب ما يمكن أن يعرضها لخلافات حادة يمكن أن تعصف بوجودها إذا غير نائب واحد في الكنيست موقفه وانحاز إلى المعارضة المتنمرة التي يقودها نتانياهو والليكود.
وهذا ما يدركه ويعمل من أجله نتانياهو بكل السبل التي يمكنه العمل من خلالها. على أية حال فانه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها ما يلي: أولا أنه من المعروف أن هناك تعارضا في الرؤية السياسية لكل من نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي ونائبه وزير الخارجية يائير ليبيد، حيال القضية الفلسطينية وعملية السلام. فرئيس الحكومة – الذي سيستمر في الحكم حتى عام 2023 إذا استمرت الحكومة في ممارسة مهامها - لا يخفي انه يدعم الاستيطان وضم الأراضي في الضفة الغربية وغور الأردن ويعارض حل الدولتين، وهو في ذلك يتبنى مواقف رئيسه السابق نتانياهو منذ أن كان « بينيت « مديرا لمكتبه قبل أن ينشق عليه. أما يائير ليبيد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية والذي سيخلف « بينيت « على رأس الحكومة في النصف الثاني من ولايتها أي من عام 2023 حتى عام 2025، هذا اذا أكملت مدتها، فإنه أكثر مرونة، ولا يعارض حل الدولتين بشكل مبدئي. وبالنظر للحقيقة السياسية المتمثلة في أن موقف ورؤية رئيس الحكومة الإسرائيلية هو الأقوى وهو الذي يحدد مواقف حكومته في النهاية، فان موقف ورؤية « ليبيد « لن تجد طريقها لا بسهولة ولا بقوة الا بعد عام 2023، أي عندما يتولى « ليبيد « رئاسة الحكومة الإسرائيلية خلفا لنفتالي بينيت وفق اتفاق تشكيل الحكومة الحالية. وهذا يعني ببساطة أن الحديث العملي عن مفاوضات سلام مع الفلسطينيين بهدف الحل العملي، أو للتوصل إلى توافقات ممكنة في إطار صيغة حل الدولتين لن تكون ممكنة، ولا سهلة مع حكومة الرأسين ( بينيت وليبيد ) ومن هنا تحديدا فإنه ينبغي التوقف أمام تصريح يائير ليبيد قبل أيام عندما أشار إلى أنه يرى أن « الظروف غير ملائمة الآن لحل الدولتين «، ومع أن « ليبيد « لم يحدد عناصر عدم الملاءمة في الظروف الراهنة، وما اذا كان ذلك سيتطلب الانتظار حتى يتولى هو رئاسة الحكومة بعد عامين، وما اذا كان واثقا من ان « بينيت «و « ليبرمان « سيؤيدانه في ذلك الوقت، إلا أن تصريحه بدد في الواقع بعض الأمل الذي شعر به البعض بشأن إمكانية تحريك عملية السلام ووضع حد لسياسات حكومة نتانياهو السابقة، وافساح المجال أمام حل الدولتين.
وبالرغم من هذه الملامح ذات الدلالة، والتي ستتضح بشكل أكبر عند اصطدام حكومة « بينيت « بأي موقف له صلة باستئناف عملية السلام مع الفلسطينيين أو تحديد الموقف من حل الدولتين بشكل رسمي وصريح، فانه ليس غريبا أن تحاول حكومة ( الرأسين ) أي بينيت وليبيد تقديم نفسها بشكل مختلف على نحو أو آخر عن حكومة نتانياهو السابقة. ففي الوقت الذي حرص فيه كل من « بينيت « و « ليبيد « على بناء علاقة أقوى مع إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، والتأكيد على استمرار الدعم الأمريكي القوي لإسرائيل والحفاظ على تفوقها العسكري، فإنهما - بينيت وليبيد - حرصا أيضا على تحسين العلاقات مع الدول العربية، فإلى جانب التقاء « بينيت « مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، لتجاوز التباعد الذي كان قائما بين نتانياهو والعاهل الأردني، قام « ليبيد « بزيارة القاهرة، وجرى اتصال هاتفي بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي، حاول وزير خارجية إسرائيل يائير ليبيد تنشيط اتفاقيات « ابراهام « بين إسرائيل والدول التي وقعت على تلك الاتفاقيات في ظل إدارة ترامب السابقة، وكذلك إجراء بعض الاتصالات الهاتفية مع وزراء خارجية عرب آخرين للإيحاء بأن الاتصالات قائمة والقنوات مفتوحة مع هذه الدول وأن العلاقات تتطور معها بشكل أو بآخر.ومع الوضع في الاعتبار أن قوة الدفع التي شكلتها إدارة ترامب السابقة لاتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية قد تلاشت، أو انخفضت بشكل كبير على الأقل، إذ لا تزال إدارة بايدن تؤيد اتفاقيات «ابراهام « وتحبذ انضمام دول عربية أخرى لها، فإن من الغريب الزج باسم السلطنة في هذا الأمر. فاذا كانت أطراف إسرائيلية وغربية سياسية وإعلامية تحدثت في توقعاتها في الأشهر الماضية عن احتمال أو إمكانية أن تنضم سلطنة عمان إلى اتفاقيات ابراهام، وهي توقعات تفتقد إلى الأساس الموضوعي، وإلى الفهم الصحيح للمواقف السياسية العمانية، فإن الأمر وصل بنتانياهو نفسه إلى الإشارة أمام الكنيست الإسرائيلي، وفي معرض انتقاده للحكومة الحالية، إلى أن « ضعف حكومة بينيت أدى إلى أن تغير سلطنة عمان موقفها وأن تتراجع عن التطبيع وانه كلما كانت حكومة إسرائيل قوية انضمت دول عربية إلى التطبيع».
واذا كان نتانياهو يريد أن ينال من حكومة « بينيت « ويصفها بالضعف، فإن إشارته إلى سلطنة عمان لا تستند في الواقع إلى أساس، خاصة وأن معالي السيد بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي وزير الخارجية كان قد أشار قبيل زيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم إلى المملكة العربية السعودية الأسبوع قبل الماضي إلى أن « السلطنة لن تكون الدولة الثالثة في التطبيع مع إسرائيل « وهي إشارة واعية وعميقة الدلالة إذ أنها تقطع الطريق على أية تكهنات أو تلميحات لا أساس لها.
على أية حال فإنه إذا كانت حكومة « بينيت « يمكنها ممارسة نوع ما من العلاقات العامة مع بعض الأشقاء لتحقيق ما يمكن أن تعتبره إنجازا لها بشكل أو بآخر، خاصة أن هناك من هو مستعد للسير خطوات أبعد مما تريده إسرائيل ذاتها، فان معطيات الحكومة الإسرائيلية يجعلها غير قادرة عمليا على السير بخطى محسوسة أو مؤثرة على طريق حل الدولتين وإعادة احياء المفاوضات مع الفلسطينيين بشكل يمكن أن يؤدي إلى حل شامل وعادل وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967. ومن ثم فإنه ليس مفاجئا أن تمارس الحكومة الإسرائيلية سياسات نتانياهو السابقة نفسها بشأن الاستيطان واقتحامات المسجد الأقصى وعمليات الهدم الممنهج في القدس الشرقية والضفة الغربية وشن الغارات وعمليات القصف على قطاع غزة ومن الطبيعي ان تفشل هذه الممارسات في تحقيق ما تريده إسرائيل على الأقل على المستوى العربي العام.
ثانيا: انه اذا كانت حكومة « بينيت « لن تقدم ما يمكن أن يدفع نحو إحياء عملية السلام مع الفلسطينيين والسير نحو حل الدولتين بشكل حقيقي، فإن ما يمكن أن يساعدها على ذلك أن إدارة الرئيس بايدن لم تمارس، حتى الآن على الأقل، ضغوطا قوية أو ظاهرة على حكومة بينيت بشأن حل الدولتين. صحيح أنها أكدت على أهمية حل الدولتين وتأييدها له، الا أن انشغالها بإعادة صياغة سياساتها الخارجية وتركيزها على شرق آسيا ومواجهة البزوغ الصيني، وانسحابها من العراق وأفغانستان، يقلل كثيرا من حجم أية ضغوط يمكن أن تمارسها على إسرائيل، خاصة وانها - أي إدارة بايدن - ستحتاج إلى إسرائيل بشكل كبير خلال الفترة القادمة فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية في المنطقة، ومع انه توجد عدة دول عربية على علاقة عميقة ومميزة مع الولايات المتحدة إلا أن إسرائيل يظل لها دورها الخاص في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. وقد شكل ذلك باستمرار قيدا على التعامل الأمريكي مع إسرائيل وطلباتها من الأسلحة والمعونة الأمريكية ولن يكون بايدن استثناء من الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوه في الاستجابة لذلك.
وأمام هذا الواقع فإنه يمكن القول إنه من الأهمية بمكان أن يعمل الفلسطينيون والدول العربية من أجل تغذية ودفع التحول في الرأي العام والمواقف السياسية داخل الولايات المتحدة وفي الاتحاد الأوروبي وعلى المستوى الدولي الواسع لفضح السياسات العنصرية والممارسات الهمجية لإسرائيل وما ترتكبه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بفعل ممارستها في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلة وضد قطاع غزة، وذلك كسبيل يمكن استخدامه في المستقبل ضد إسرائيل وحشد أكبر تأييد دولي ممكن في ذلك. وهناك بالفعل مؤشرات إيجابية في هذا المجال، لعل من ابرزها تحول قطاع غير قليل من الرأي العام الأمريكي وبين اليهود الأمريكيين ضد الممارسات الإسرائيلية العنصرية ضد الفلسطينيين وهو ما أبرزته استطلاعات الرأي العام في الفترة الأخيرة.
كما أن مما له دلالة أيضا أن الاتحاد الأوروبي بات أكثر وضوحا وتحديدا في معارضته للسياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وعلى سبيل المثال أصدر مكتب ممثل الاتحاد الأوروبي في فلسطين بيانا يوم 5 يوليو الجاري قال فيه إن سياسة الاستيطان الإسرائيلية « غير قانونية بموجب القانون الدولي « وكذلك الإجراءات أحادية الجانب « كعمليات النقل القسري والإخلاء وهدم ومصادرة المنازل الفلسطينية « وأن على السلطات الإسرائيلية أن توقف هذه الأنشطة فورا وأن الاتحاد الأوروبي « يعارض بشدة جميع الإجراءات التي تقوض حل الدولتين « وبالرغم مما يقال دوما من أن الثقل السياسي للاتحاد الأوروبي يظل متواضعا، إلا أن موقف الاتحاد الأوروبي يظل مؤشرا على الموقف الأمريكي في النهاية، فضلا عن أنه يحظى بتقدير دولي في الأمم المتحدة وخارجها، وهو ما ينبغي للفلسطينيين والعرب الاستفادة منه، خاصة في هذه الفترة التي ستظل فيها حكومة « بينيت « في الحكم والتي ستمارس سياسة « السير في المكان وإدارة النزاع مع الفلسطينيين « ومن ثم لن تشهد على الأرجح ما يمكن أن يدفع نحو الحل الحقيقي مع الفلسطينيين على قاعدة حل الدولتين.