هجوم موتى الجائحة الأحياء
الاثنين / 24 / ذو القعدة / 1442 هـ - 21:07 - الاثنين 5 يوليو 2021 21:07
مع خروج الاقتصادات الغربية من أزمة مرض فيروس كورونا 2019 ( كوفيد-19)، تواجه البنوك والحكومات مشكلة جديدة: كيف يكون التعامل مع الشركات «الزومبي» التي فقدت مقومات الحياة. لكن خطة مبدعة تركز على العمال قد تقدم حلا ممكنا.
في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تراجعت حالات إفلاس الشركات خلال الأشهر الخمسة عشر التي مرت منذ اندلعت الجائحة، على الرغم من الركود الحاد الذي صاحبها.
كان هذا التراجع نتيجة لحرص حكومات الدول الغنية ــ في إطار رغبتها المفهومة في تخفيف الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الجائحة ــ على تمديد كل شبكات الأمان الممكنة للشركات. لكنها كانت تفعل ذلك غالبا دون أن تحاول حتى الفصل بين الشركات التي تحظى بتوقعات اقتصادية جيدة وتلك التي تفتقر إلى أي آفاق جيدة.
نتيجة لهذا، أصبحت عملية الانتقاء الطبيعي في قطاع الأعمال ضعيفة في وقت حيث تسببت جائحة كوفيد-19 في التعجيل بالعديد من الاتجاهات القائمة مسبقا، مما أدى إلى زيادة حصة الشركات التي ينبغي اعتبارها كيانات قائمة لكنها فاقدة لكل مقومات الحياة. لكن يتعين على صناع السياسات الآن أن يتعاملوا مع التأثير الاقتصادي الأوسع المترتب على دعم شركات غير قادرة على البقاء.لا تستطيع الحكومات أن توقف بشكل مفاجئ كل إعانات الدعم التجارية. أثناء الجائحة، تراكمت مقادير ضخمة من الديون على العديد من الشركات التي كانت مزدهرة. ومن الواضح أن إخضاعها جميعا على نحو مفاجئ لانضباط سوقي صارم من شأنه أن يُـفضي إلى عدد كبير للغاية من حالات الإفلاس غير الضرورية.
علاوة على ذلك، سيكون الأثر الاقتصادي والمالي المترتب على القطع الفوري للدعم انتحارا على المستوى السياسي لأي حكومة منتخبة. وسوف تخلف صدمة الناتج المحلي الإجمالي السلبية تأثيرات شديدة على كل من البطالة والموارد المالية العامة، كما أن الخسائر التي ستفرضها موجة من الإفلاس على المقرضين ستزيد ميزانيات البنوك ضَـعفا على ضَـعف.
ستكون النتيجة شبه المؤكدة السُـخط العارم بين الناخبين، وبالتالي خسارة الحكومة المؤكدة في الانتخابات التالية. في الوقت ذاته، من غير الممكن أن يستمر صناع السياسات في مساعدة كل الشركات الحية الميتة. فمثل هذه المساعدة تستلزم تكاليف مالية كبيرة ومن شأنها أن تعيق نمو الإنتاجية الذي تحتاج إليه الحكومات الغربية بشدة لحل العديد من مشكلاتها المالية والسياسية. تستدعي التغيرات التي أحدثتها الجائحة ظهور شركات جديدة ومبدعة. ولكن سيكون من الصعب على مثل هذه الشركات أن تدخل السوق وتنمو إذا أهدرنا قدرا كبيرا من الموارد المادية، والبشرية، والمالية في محاولة للإبقاء على حياة الشركات الفاقدة لمقومات البقاء.
الواقع أن الفصل بين الشركات الحية والشركات الميتة ليس سهلا حتى في الأوقات الطبيعية: هذا هو فن العمل المصرفي في أكثر تجلياته وضوحا. وفي حين أن التمييز بين الشركات الموفورة الصحة والشركات غير القادرة على البقاء أمر شائك ومعقد بالنسبة إلى القطاع الخاص في أفضل الأوقات، فإنه يكتسب صعوبة خاصة الآن، حيث لا تزال درجة عدم اليقين حول عالَـم ما بعد الجائحة عالية. لكن القطاع الخاص قادر على الأقل على استخدام الحوافز بقوة لتجميع المعلومات المتفرقة. من الصعب للغاية أن تتكفل هيئة حكومية بمثل هذا الأمر، وخاصة إذا كانت تفتقر إلى الخبرة المتراكمة اللازمة.
هذه نسخة جديدة من مشكلة قديمة استكشفها على نحو فَـذ فريدريك هايك. كما أوضح هايك فإن تخصيص المعرفة في المجتمع موزع ومنتشر، ومن الصعب على أي حكومة تجميع هذه المعرفة بطريقة غير منحازة. لكن حل هذه الصعوبة أمر ممكن. إذا كنت ترغب في تقييم جودة طالب على سبيل المثال، فلن تجد مقياسا أكثر كشفا للحقيقة من سؤال زملائه في الفصل. فأولئك الذين يتعلمون يوما بعد يوم مع زميل لهم هم أفضل من يقدر مواهبه. على ذات المنوال، لا يستطيع أحد أن يقيس جودة شركة ما أفضل من موظفيها. للتخلص من الشركات الفاقدة لمقومات الحياة، ينبغي للحكومات إذن أن تبدأ بجعل تقديم إعانات الدعم لأي شركة مشروطا بتأييد غالبية موظفيها.تكمن المشكلة هنا في أن الموظفين، على عكس زملاء الفصل، لديهم الحافز للكذب. فإذا فشلت الشركة، فسوف يفقدون وظائفهم. ولأن تأييد شركتهم لا يكلفهم أي شيء، فسوف يبالغ أغلبهم على الأرجح في تقدير آفاقها في المستقبل. لكن من الممكن التغلب على هذه المشكلة بسهولة من خلال الحوافز المناسبة. بموجب مثل هذه الخطة، إذا صوت أغلب العاملين لصالح تصفية الشركة على الفور، يحصل موظفوها على إعانات البطالة لفترة أطول. وإذا صوتوا لصالح استمرار الشركة، تضخ الحكومة بعض الأموال النقدية لجعل الشركة قابلة لمواصلة الحياة. ولكن إذا فشلت في وقت لاحق، فسوف تتقلص تغطية بطالة العمال بشدة ــ وربما إلى الصِـفـر. سوف يفضل العمال الذين لا يرون مستقبلا لشركتهم اختيار الفترة الأطول من الحماية الاجتماعية. من ناحية أخرى، لن يُــقْـدِم أولئك الذين يعتقدون أن لشركتهم مستقبل على تعريضها للخطر بالتصويت لصالح التصفية. بمعايرتها على النحو اللائق، تصبح مثل هذه الخطة قادرة على الفصل بين الشركات الفاقدة لمقومات الحياة وغيرها من الشركات الموفورة الصحة لكن التأثيرات التي تفرضها الجائحة تثقل كواهلها. وسوف تفعل هذا من خلال جعل تكلفة إعانات الدعم واضحة: فالمزيد من الدعم اليوم يعني أن الحكومات ربما تصبح قدرتها المالية على مساعدة العمال أقل كثيرا في الغد.
أخيرا وليس آخرا، هذا النظام من شأنه أن يعمل على تمكين العمال. في كثير من الأحيان يستخدم رواد الأعمال والمديرون التهديد بالاستغناء عن العمال جماعيا لاستخراج إعانات دعم كبيرة غير مستحقة. ولكن هذه المرة، يجب أن يكون بوسع العمال أن يقرروا ما إذا كانت هذه المساعدة مبررة.
أستاذ المالية بجامعة شيكاغو.
** خدمة بروجيكت سنديكيت
في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تراجعت حالات إفلاس الشركات خلال الأشهر الخمسة عشر التي مرت منذ اندلعت الجائحة، على الرغم من الركود الحاد الذي صاحبها.
كان هذا التراجع نتيجة لحرص حكومات الدول الغنية ــ في إطار رغبتها المفهومة في تخفيف الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الجائحة ــ على تمديد كل شبكات الأمان الممكنة للشركات. لكنها كانت تفعل ذلك غالبا دون أن تحاول حتى الفصل بين الشركات التي تحظى بتوقعات اقتصادية جيدة وتلك التي تفتقر إلى أي آفاق جيدة.
نتيجة لهذا، أصبحت عملية الانتقاء الطبيعي في قطاع الأعمال ضعيفة في وقت حيث تسببت جائحة كوفيد-19 في التعجيل بالعديد من الاتجاهات القائمة مسبقا، مما أدى إلى زيادة حصة الشركات التي ينبغي اعتبارها كيانات قائمة لكنها فاقدة لكل مقومات الحياة. لكن يتعين على صناع السياسات الآن أن يتعاملوا مع التأثير الاقتصادي الأوسع المترتب على دعم شركات غير قادرة على البقاء.لا تستطيع الحكومات أن توقف بشكل مفاجئ كل إعانات الدعم التجارية. أثناء الجائحة، تراكمت مقادير ضخمة من الديون على العديد من الشركات التي كانت مزدهرة. ومن الواضح أن إخضاعها جميعا على نحو مفاجئ لانضباط سوقي صارم من شأنه أن يُـفضي إلى عدد كبير للغاية من حالات الإفلاس غير الضرورية.
علاوة على ذلك، سيكون الأثر الاقتصادي والمالي المترتب على القطع الفوري للدعم انتحارا على المستوى السياسي لأي حكومة منتخبة. وسوف تخلف صدمة الناتج المحلي الإجمالي السلبية تأثيرات شديدة على كل من البطالة والموارد المالية العامة، كما أن الخسائر التي ستفرضها موجة من الإفلاس على المقرضين ستزيد ميزانيات البنوك ضَـعفا على ضَـعف.
ستكون النتيجة شبه المؤكدة السُـخط العارم بين الناخبين، وبالتالي خسارة الحكومة المؤكدة في الانتخابات التالية. في الوقت ذاته، من غير الممكن أن يستمر صناع السياسات في مساعدة كل الشركات الحية الميتة. فمثل هذه المساعدة تستلزم تكاليف مالية كبيرة ومن شأنها أن تعيق نمو الإنتاجية الذي تحتاج إليه الحكومات الغربية بشدة لحل العديد من مشكلاتها المالية والسياسية. تستدعي التغيرات التي أحدثتها الجائحة ظهور شركات جديدة ومبدعة. ولكن سيكون من الصعب على مثل هذه الشركات أن تدخل السوق وتنمو إذا أهدرنا قدرا كبيرا من الموارد المادية، والبشرية، والمالية في محاولة للإبقاء على حياة الشركات الفاقدة لمقومات البقاء.
الواقع أن الفصل بين الشركات الحية والشركات الميتة ليس سهلا حتى في الأوقات الطبيعية: هذا هو فن العمل المصرفي في أكثر تجلياته وضوحا. وفي حين أن التمييز بين الشركات الموفورة الصحة والشركات غير القادرة على البقاء أمر شائك ومعقد بالنسبة إلى القطاع الخاص في أفضل الأوقات، فإنه يكتسب صعوبة خاصة الآن، حيث لا تزال درجة عدم اليقين حول عالَـم ما بعد الجائحة عالية. لكن القطاع الخاص قادر على الأقل على استخدام الحوافز بقوة لتجميع المعلومات المتفرقة. من الصعب للغاية أن تتكفل هيئة حكومية بمثل هذا الأمر، وخاصة إذا كانت تفتقر إلى الخبرة المتراكمة اللازمة.
هذه نسخة جديدة من مشكلة قديمة استكشفها على نحو فَـذ فريدريك هايك. كما أوضح هايك فإن تخصيص المعرفة في المجتمع موزع ومنتشر، ومن الصعب على أي حكومة تجميع هذه المعرفة بطريقة غير منحازة. لكن حل هذه الصعوبة أمر ممكن. إذا كنت ترغب في تقييم جودة طالب على سبيل المثال، فلن تجد مقياسا أكثر كشفا للحقيقة من سؤال زملائه في الفصل. فأولئك الذين يتعلمون يوما بعد يوم مع زميل لهم هم أفضل من يقدر مواهبه. على ذات المنوال، لا يستطيع أحد أن يقيس جودة شركة ما أفضل من موظفيها. للتخلص من الشركات الفاقدة لمقومات الحياة، ينبغي للحكومات إذن أن تبدأ بجعل تقديم إعانات الدعم لأي شركة مشروطا بتأييد غالبية موظفيها.تكمن المشكلة هنا في أن الموظفين، على عكس زملاء الفصل، لديهم الحافز للكذب. فإذا فشلت الشركة، فسوف يفقدون وظائفهم. ولأن تأييد شركتهم لا يكلفهم أي شيء، فسوف يبالغ أغلبهم على الأرجح في تقدير آفاقها في المستقبل. لكن من الممكن التغلب على هذه المشكلة بسهولة من خلال الحوافز المناسبة. بموجب مثل هذه الخطة، إذا صوت أغلب العاملين لصالح تصفية الشركة على الفور، يحصل موظفوها على إعانات البطالة لفترة أطول. وإذا صوتوا لصالح استمرار الشركة، تضخ الحكومة بعض الأموال النقدية لجعل الشركة قابلة لمواصلة الحياة. ولكن إذا فشلت في وقت لاحق، فسوف تتقلص تغطية بطالة العمال بشدة ــ وربما إلى الصِـفـر. سوف يفضل العمال الذين لا يرون مستقبلا لشركتهم اختيار الفترة الأطول من الحماية الاجتماعية. من ناحية أخرى، لن يُــقْـدِم أولئك الذين يعتقدون أن لشركتهم مستقبل على تعريضها للخطر بالتصويت لصالح التصفية. بمعايرتها على النحو اللائق، تصبح مثل هذه الخطة قادرة على الفصل بين الشركات الفاقدة لمقومات الحياة وغيرها من الشركات الموفورة الصحة لكن التأثيرات التي تفرضها الجائحة تثقل كواهلها. وسوف تفعل هذا من خلال جعل تكلفة إعانات الدعم واضحة: فالمزيد من الدعم اليوم يعني أن الحكومات ربما تصبح قدرتها المالية على مساعدة العمال أقل كثيرا في الغد.
أخيرا وليس آخرا، هذا النظام من شأنه أن يعمل على تمكين العمال. في كثير من الأحيان يستخدم رواد الأعمال والمديرون التهديد بالاستغناء عن العمال جماعيا لاستخراج إعانات دعم كبيرة غير مستحقة. ولكن هذه المرة، يجب أن يكون بوسع العمال أن يقرروا ما إذا كانت هذه المساعدة مبررة.
أستاذ المالية بجامعة شيكاغو.
** خدمة بروجيكت سنديكيت