ماذا بعد وقفات الباحثين عن عمل؟!
السبت / 16 / شوال / 1442 هـ - 19:35 - السبت 29 مايو 2021 19:35
عاصم الشيدي -
assemcom@hotmail.com
أهم سؤال يمكن أن نطرحه الآن بعد أن هدأت وقفات الشباب المطالبة بحل جذري لمشكلة الباحثين عن عمل والمنهاة خدماتهم والتي كانت محور أحداث الأسبوع الماضي في السلطنة هو: ماذا بعد؟
المبادرات التي أعلنتها الحكومة والتي تضمنت -إضافة إلى 32 ألف وظيفة في القطاعين الحكومي والخاص- 2000 وظيفة في القطاع الحكومي بنظام العقود ومليون ساعة عمل في مختلف وحدات الجهاز الإداري للدولة.. الخ، مبادرات مهمة ولكنها لن تعالج أصل المشكلة على المدى البعيد!! فالمشكلة لها جذور عميقة ومتشعبة.
موضوع الباحثين عن عمل ليس مشكلة جديدة ناتجة عن أزمة أسعار النفط أو جائحة كورونا، وإن كانتا قد ضاعفتا الأزمة وصعّبت المضي نحو حلها، ولكنه موضوع قديم، وأحد أهم التحديات التي تواجه الحكومة قبل أن تواجه الشباب الباحث عن عمل وأمل. ولن تنتهي هذه المشكلة حتى لو تم توظيف جميع الباحثين عن عمل الحاليين في السلطنة لأن المدارس سوف تخرّج مع نهاية الفصل الدراسي الحالي حوالي 40 ألف طالب وطالبة.. ولو افترضنا أن 27 ألفًا منهم سيلتحقون بالدراسة الجامعية داخل السلطنة وخارجها و5 آلاف منهم يمكن أن يكونوا ضمن ما يعرف بالفاقد بين من سيعمل داخل إطار الأسرة وأملاكها الخاصة وبين من لا يرغب في العمل أو لا يستطيعه فإن هناك 8 آلاف شاب سيضافون إلى قائمة الباحثين عن عمل إضافة إلى حوالي 20 ألف شاب وشابة سينهون مع نهاية هذا الصيف دراستهم الجامعية وينضمون إلى قائمة الباحثين عن عمل، ما يعني أن علينا إضافة 28 ألف اسم، على الأقل، إلى قائمة الباحثين عن عمل التي تقدر قبل بدء الأسبوع الماضي بحوالي 53 ألف باحث عن عمل نشط.
صحيح أن هناك من يقول إن هذا الرقم مبالغ فيه قليلا لأن فيه نسبة من غير الجادين في البحث عن عمل ولكنهم مسجلون كناشطين للحصول على أي منفعة يمكن أن تصرف للباحثين عن عمل كما حدث في مرات سابقة.
وكل عام يمكن أن نسجل نفس هذا الرقم وهو رقم يمكن تحديده بدقة لأننا نعرف كم طالبا سينهي دبلوم التعليم العام وكم طالبا يتوقع تخرجه من الجامعات والكليات وبذلك يمكن معرفة أعداد الباحثين عن عمل لخمس سنوات قادمة على أقل تقدير.
مرة أخرى ماذا بعد؟
في تصوري أن مشكلة الباحثين عن عمل في السلطنة مشكلة متشابكة جدًا وكلما تأخر حلها الجذري زاد تعقدها واستعصت أكثر.
وأول خيوط هذه المشكلة ثقافي، يتمثل في اعتقاد راسخ بأن المكان الصحيح لعمل المواطن العماني هو القطاع الحكومي أما القطاع الخاص فهو بيئة عمل للوافدين فقط. وكان هذا الاعتقاد سائدا حتى وقت متأخر من تسعينات القرن الماضي عندما بدأت الدولة بتوجيه الشباب للقطاع الخاص بعد أن تعذر الحصول على فرص عمل في القطاع الحكومي، إلا أن المحفزات المطروحة في القطاع الخاص في ذلك الوقت لم تكن مغرية على الإطلاق، وكان الجميع يقارن بين منافع القطاعين الآنية والمستقبلية فتكون كفة القطاع الخاص خاسرة على الدوام.
وفي العقدين الماضيين عندما بدأت المنافع تتقارب والمحفزات تتساوى خاصة مع بدء إنشاء الشركات الحكومية التي كانت تقدم رواتب ومميزات مغرية جاءت الأزمة الاقتصادية وكرّست فكرة أن العمل في القطاع الخاص ليس آمنا، ولا توجد ضمانات تحول دون إنهاء خدمات الموظف في القطاع الخاص أو تقليص راتبه!
كما كانت عقبة الرواتب في الوظائف البسيطة تحول دون انخراط آلاف الباحثين عن عمل ممن لا يملكون مؤهلات دراسية تؤهلهم للحصول على رواتب جيدة. فكان خريج دبلوم التعليم العام على سبيل المثال يحصل من الوظيفة الحكومية على راتب شهري يدور حول 500 ريال عماني بينما يحصل من يجد وظيفة في القطاع الخاص على 325 ريالا عمانيا رغم أنه يعمل عدد ساعات أكثر وسيحصل بعد التقاعد على راتب تقاعدي أقل.
رغم تعقيد المشكلة وتشابكها إلا أنها ليست أصعب أو أعقد من الدول التي عدد الباحثين عن عمل فيها أكبر بكثير عن مجموع عدد الوظائف على اختلاف مكانها ومقدار رواتبها. فعندما يسمع أي عالم اقتصاد أن لدينا في السلطنة مشكلة الباحثين عن عمل وأنها تكاد تهدد موضوع الأمن المجتمعي في حين أن عدد القوى العاملة الوافدة يتجاوز المليون ونصف المليون سيبقى مصدوما!
وقد يكون أمامه توجيه كلمة واحدة تختصر الحل وهي «الإحلال». وهذا الإحلال لا بدّ أن يتكئ على فلسفة مفادها أنه لا يجب أن نعرض على المستثمرين من بين المزايا التي نعرضها عليهم أن لدينا «قوى عاملة رخيصة». هناك مئات المزايا التي يمكن أن تغري المستثمرين من الداخل والخارج غير موضوع «القوى العاملة الرخيصة» التي يعيد العالم النظر فيها الآن بعد جائحة كورونا وبعد أن تقطعت السبل بسلاسل التوريد في العالم بين الشرق والغرب إثر تعطل الحركة والإغلاقات التي شهدها العالم.
سنحتاج إذًا أن نعتبر «الإحلال» كلمة تحمل أكثر من بعد إضافة إلى بعدها الاقتصادي، فهي أيضا تحمل بعدًا سياسيًا وأمنيًا. ومن هذه الأبعاد والدلالات يمكن أن نبدأ مشروعًا حقيقيًا لإحلال العمانيين في الوظائف محل القوى العاملة الوافدة. لكن قبل ذلك لا بد أن تتم معالجة الكثير من الأمور المرتبطة بالقضية ومن بينها موضوع الحد الأدنى للأجور.
وهذه القضية لها حلول مجربة في العالم وقد أثبتت نجاحها وساعدت الكثير من الاقتصادات في العالم لتخطي عقبات الركود نحو النمو كما حصل في ألمانيا بعد أزمة 2008 على سبيل المثال.
ومن بين الحلول التي نقترح أن تسبق مشروع الإحلال الذي يمكن أن يكون له شعار كـ«الإحلال من أجل مستقبل مزدهر» أن يعاد النظر في الحد الأدنى للأجور وهو 325 ريالا عمانيا فهذا مبلغ لا يمكن تصوره في وقت تتوجه فيه الدولة نحو فرض الضرائب!
يمكن للدولة رفع الحد الأدنى من الأجور إلى 400 ريال عماني على سبيل المثال على أن يقدم صندوق الأمان الوظيفي مزايا إضافية للعاملين في القطاع الخاص والذين تقل أجورهم عن 500 ريال عماني كأن تقدم لهم علاوة غلاء معيشة أو أن تتكفل بدفع مساهمتهم في صندوق التأمينات الاجتماعية في أول ثلاث سنوات من توظيفهم، وغيرها من المزايا الترفيهية التي تدفعهم للعمل في القطاع الخاص. كما يمكن اختيار أماكن عمل لأصحاب الرواتب التي تدور في هذه الحدود بالقرب من أماكن سكناهم حتى تخفف عن كاهلهم مصاريف السكن والإعاشة.
وهذه المبالغ التي ستدفع من صندوق الأمان الوظيفي لتحفيز المواطنين للعمل في القطاع الخاص ستنشط سريعًا اقتصاد البلد وستدور عجلة الاقتصاد.
وستحتاج خطة الإحلال إلى وجود دورات تدريبية تأهيلية تستوعب عدد الباحثين عن عمل على أن تكون مقرونة بالتوظيف وتكون دورات عملية حقيقية وليست من أجل إثراء أصحاب المعاهد التي تنشأ في العادة لهذه الأسباب.
ويمكن أن تعمد وزارة العمل على فتح مكاتب لها في مختلف محافظات السلطنة تحت اسم «الإرشاد الوظيفي» ويمكن أن يرتادها المواطنون قبيل تصنيفهم على أنهم باحثون عن عمل.
وما ينطبق على القطاع الخاص لا بد أن ينطبق بشكل أكبر على ريادة الأعمال. فما زلنا في عمان قادرين على توفير أكثر من 50 ألف وظيفة عبر ريادة الأعمال. عشرات آلاف المحلات التجارية الصغيرة والمتوسطة التي يديرها وافدون أتوا للسلطنة وهم لا يملكون قوت يومهم ولكنهم غامروا بعد فترة وجيزة في الاستثمار بمحلات صغيرة كبرت مع الوقت. هذا الأمر يمكن لهيئة المؤسسات المتوسطة والصغيرة أن تؤهل فيه آلاف الشباب العمانيين ليبدأوا مشروعاتهم الخاصة بشكل فردي أو حتى بشكل ثنائي. ويمكن أن تقدم لهم مزايا مشابهة لتلك التي تقدم للعاملين في القطاع الخاص عبر وجود تأمينات اجتماعية وتسهيلات إدارية ومالية، وكذلك عبر برامج تثقيف وإرشاد وظيفي.
وحتى تكون الأمور واضحة ومحددة يمكن وضع سقف زمني لبدء أي شاب عماني في مشروعه الخاص بما لا يزيد على شهر.
وعلى أهمية وجود مكاتب لإرشاد الموظفين إلا أنه من غير المفهوم كيف لخريج جامعي من جامعات السلطنة أو من جامعات عالمية ولديه فكر وخبرة أن يبقى لخمس سنوات بدون عمل! عدم توفر الوظيفة الحكومية أو في شركات القطاع الخاص لا تبرر عدم بناء المشروع الشخصي، أقول لا تبرر ليس للشاب وحده ولكن أيضًا للجهات المعنية التي عليها أن تعين هذا الشاب لبدء مشروعه الخاص إذا لم تتوفر له الفرص الوظيفية المؤسسية.
لن تستطيع الدولة الاستمرار طويلا في توفير فرص العمل، هذا الأمر لا تستطيعه أي دولة في العالم، والشباب المتعلم لا بد أنه يعي ذلك خاصة في ظل تحول العالم أجمع إلى تقديم خدماته عبر التطبيقات الذكية التي اختصرت عدد الوظائف في العالم بشكل كبير، وعبر تحول العمل من يدوي إلى آلي.
وهناك نماذج عمانية رائدة لم ترغب الانتظار في طابور التوظيف وأنشأت مشروعاتها الخاصة وحولت أصحابها إلى رواد أعمال حقيقيين.
والخروج للشوارع إن وفرت اليوم بعض الحلول لن تستطيع مع الوقت توفير حلول أخرى وإلا كانت حلولا تدميرية للاقتصاد، ولذلك لا بد أن تتغير فلسفة الحلول وتتغير ثقافتنا نحو العمل وهذا يحتاج أن يكون مشروعا يبدأ من المناهج المدرسية.
assemcom@hotmail.com
أهم سؤال يمكن أن نطرحه الآن بعد أن هدأت وقفات الشباب المطالبة بحل جذري لمشكلة الباحثين عن عمل والمنهاة خدماتهم والتي كانت محور أحداث الأسبوع الماضي في السلطنة هو: ماذا بعد؟
المبادرات التي أعلنتها الحكومة والتي تضمنت -إضافة إلى 32 ألف وظيفة في القطاعين الحكومي والخاص- 2000 وظيفة في القطاع الحكومي بنظام العقود ومليون ساعة عمل في مختلف وحدات الجهاز الإداري للدولة.. الخ، مبادرات مهمة ولكنها لن تعالج أصل المشكلة على المدى البعيد!! فالمشكلة لها جذور عميقة ومتشعبة.
موضوع الباحثين عن عمل ليس مشكلة جديدة ناتجة عن أزمة أسعار النفط أو جائحة كورونا، وإن كانتا قد ضاعفتا الأزمة وصعّبت المضي نحو حلها، ولكنه موضوع قديم، وأحد أهم التحديات التي تواجه الحكومة قبل أن تواجه الشباب الباحث عن عمل وأمل. ولن تنتهي هذه المشكلة حتى لو تم توظيف جميع الباحثين عن عمل الحاليين في السلطنة لأن المدارس سوف تخرّج مع نهاية الفصل الدراسي الحالي حوالي 40 ألف طالب وطالبة.. ولو افترضنا أن 27 ألفًا منهم سيلتحقون بالدراسة الجامعية داخل السلطنة وخارجها و5 آلاف منهم يمكن أن يكونوا ضمن ما يعرف بالفاقد بين من سيعمل داخل إطار الأسرة وأملاكها الخاصة وبين من لا يرغب في العمل أو لا يستطيعه فإن هناك 8 آلاف شاب سيضافون إلى قائمة الباحثين عن عمل إضافة إلى حوالي 20 ألف شاب وشابة سينهون مع نهاية هذا الصيف دراستهم الجامعية وينضمون إلى قائمة الباحثين عن عمل، ما يعني أن علينا إضافة 28 ألف اسم، على الأقل، إلى قائمة الباحثين عن عمل التي تقدر قبل بدء الأسبوع الماضي بحوالي 53 ألف باحث عن عمل نشط.
صحيح أن هناك من يقول إن هذا الرقم مبالغ فيه قليلا لأن فيه نسبة من غير الجادين في البحث عن عمل ولكنهم مسجلون كناشطين للحصول على أي منفعة يمكن أن تصرف للباحثين عن عمل كما حدث في مرات سابقة.
وكل عام يمكن أن نسجل نفس هذا الرقم وهو رقم يمكن تحديده بدقة لأننا نعرف كم طالبا سينهي دبلوم التعليم العام وكم طالبا يتوقع تخرجه من الجامعات والكليات وبذلك يمكن معرفة أعداد الباحثين عن عمل لخمس سنوات قادمة على أقل تقدير.
مرة أخرى ماذا بعد؟
في تصوري أن مشكلة الباحثين عن عمل في السلطنة مشكلة متشابكة جدًا وكلما تأخر حلها الجذري زاد تعقدها واستعصت أكثر.
وأول خيوط هذه المشكلة ثقافي، يتمثل في اعتقاد راسخ بأن المكان الصحيح لعمل المواطن العماني هو القطاع الحكومي أما القطاع الخاص فهو بيئة عمل للوافدين فقط. وكان هذا الاعتقاد سائدا حتى وقت متأخر من تسعينات القرن الماضي عندما بدأت الدولة بتوجيه الشباب للقطاع الخاص بعد أن تعذر الحصول على فرص عمل في القطاع الحكومي، إلا أن المحفزات المطروحة في القطاع الخاص في ذلك الوقت لم تكن مغرية على الإطلاق، وكان الجميع يقارن بين منافع القطاعين الآنية والمستقبلية فتكون كفة القطاع الخاص خاسرة على الدوام.
وفي العقدين الماضيين عندما بدأت المنافع تتقارب والمحفزات تتساوى خاصة مع بدء إنشاء الشركات الحكومية التي كانت تقدم رواتب ومميزات مغرية جاءت الأزمة الاقتصادية وكرّست فكرة أن العمل في القطاع الخاص ليس آمنا، ولا توجد ضمانات تحول دون إنهاء خدمات الموظف في القطاع الخاص أو تقليص راتبه!
كما كانت عقبة الرواتب في الوظائف البسيطة تحول دون انخراط آلاف الباحثين عن عمل ممن لا يملكون مؤهلات دراسية تؤهلهم للحصول على رواتب جيدة. فكان خريج دبلوم التعليم العام على سبيل المثال يحصل من الوظيفة الحكومية على راتب شهري يدور حول 500 ريال عماني بينما يحصل من يجد وظيفة في القطاع الخاص على 325 ريالا عمانيا رغم أنه يعمل عدد ساعات أكثر وسيحصل بعد التقاعد على راتب تقاعدي أقل.
رغم تعقيد المشكلة وتشابكها إلا أنها ليست أصعب أو أعقد من الدول التي عدد الباحثين عن عمل فيها أكبر بكثير عن مجموع عدد الوظائف على اختلاف مكانها ومقدار رواتبها. فعندما يسمع أي عالم اقتصاد أن لدينا في السلطنة مشكلة الباحثين عن عمل وأنها تكاد تهدد موضوع الأمن المجتمعي في حين أن عدد القوى العاملة الوافدة يتجاوز المليون ونصف المليون سيبقى مصدوما!
وقد يكون أمامه توجيه كلمة واحدة تختصر الحل وهي «الإحلال». وهذا الإحلال لا بدّ أن يتكئ على فلسفة مفادها أنه لا يجب أن نعرض على المستثمرين من بين المزايا التي نعرضها عليهم أن لدينا «قوى عاملة رخيصة». هناك مئات المزايا التي يمكن أن تغري المستثمرين من الداخل والخارج غير موضوع «القوى العاملة الرخيصة» التي يعيد العالم النظر فيها الآن بعد جائحة كورونا وبعد أن تقطعت السبل بسلاسل التوريد في العالم بين الشرق والغرب إثر تعطل الحركة والإغلاقات التي شهدها العالم.
سنحتاج إذًا أن نعتبر «الإحلال» كلمة تحمل أكثر من بعد إضافة إلى بعدها الاقتصادي، فهي أيضا تحمل بعدًا سياسيًا وأمنيًا. ومن هذه الأبعاد والدلالات يمكن أن نبدأ مشروعًا حقيقيًا لإحلال العمانيين في الوظائف محل القوى العاملة الوافدة. لكن قبل ذلك لا بد أن تتم معالجة الكثير من الأمور المرتبطة بالقضية ومن بينها موضوع الحد الأدنى للأجور.
وهذه القضية لها حلول مجربة في العالم وقد أثبتت نجاحها وساعدت الكثير من الاقتصادات في العالم لتخطي عقبات الركود نحو النمو كما حصل في ألمانيا بعد أزمة 2008 على سبيل المثال.
ومن بين الحلول التي نقترح أن تسبق مشروع الإحلال الذي يمكن أن يكون له شعار كـ«الإحلال من أجل مستقبل مزدهر» أن يعاد النظر في الحد الأدنى للأجور وهو 325 ريالا عمانيا فهذا مبلغ لا يمكن تصوره في وقت تتوجه فيه الدولة نحو فرض الضرائب!
يمكن للدولة رفع الحد الأدنى من الأجور إلى 400 ريال عماني على سبيل المثال على أن يقدم صندوق الأمان الوظيفي مزايا إضافية للعاملين في القطاع الخاص والذين تقل أجورهم عن 500 ريال عماني كأن تقدم لهم علاوة غلاء معيشة أو أن تتكفل بدفع مساهمتهم في صندوق التأمينات الاجتماعية في أول ثلاث سنوات من توظيفهم، وغيرها من المزايا الترفيهية التي تدفعهم للعمل في القطاع الخاص. كما يمكن اختيار أماكن عمل لأصحاب الرواتب التي تدور في هذه الحدود بالقرب من أماكن سكناهم حتى تخفف عن كاهلهم مصاريف السكن والإعاشة.
وهذه المبالغ التي ستدفع من صندوق الأمان الوظيفي لتحفيز المواطنين للعمل في القطاع الخاص ستنشط سريعًا اقتصاد البلد وستدور عجلة الاقتصاد.
وستحتاج خطة الإحلال إلى وجود دورات تدريبية تأهيلية تستوعب عدد الباحثين عن عمل على أن تكون مقرونة بالتوظيف وتكون دورات عملية حقيقية وليست من أجل إثراء أصحاب المعاهد التي تنشأ في العادة لهذه الأسباب.
ويمكن أن تعمد وزارة العمل على فتح مكاتب لها في مختلف محافظات السلطنة تحت اسم «الإرشاد الوظيفي» ويمكن أن يرتادها المواطنون قبيل تصنيفهم على أنهم باحثون عن عمل.
وما ينطبق على القطاع الخاص لا بد أن ينطبق بشكل أكبر على ريادة الأعمال. فما زلنا في عمان قادرين على توفير أكثر من 50 ألف وظيفة عبر ريادة الأعمال. عشرات آلاف المحلات التجارية الصغيرة والمتوسطة التي يديرها وافدون أتوا للسلطنة وهم لا يملكون قوت يومهم ولكنهم غامروا بعد فترة وجيزة في الاستثمار بمحلات صغيرة كبرت مع الوقت. هذا الأمر يمكن لهيئة المؤسسات المتوسطة والصغيرة أن تؤهل فيه آلاف الشباب العمانيين ليبدأوا مشروعاتهم الخاصة بشكل فردي أو حتى بشكل ثنائي. ويمكن أن تقدم لهم مزايا مشابهة لتلك التي تقدم للعاملين في القطاع الخاص عبر وجود تأمينات اجتماعية وتسهيلات إدارية ومالية، وكذلك عبر برامج تثقيف وإرشاد وظيفي.
وحتى تكون الأمور واضحة ومحددة يمكن وضع سقف زمني لبدء أي شاب عماني في مشروعه الخاص بما لا يزيد على شهر.
وعلى أهمية وجود مكاتب لإرشاد الموظفين إلا أنه من غير المفهوم كيف لخريج جامعي من جامعات السلطنة أو من جامعات عالمية ولديه فكر وخبرة أن يبقى لخمس سنوات بدون عمل! عدم توفر الوظيفة الحكومية أو في شركات القطاع الخاص لا تبرر عدم بناء المشروع الشخصي، أقول لا تبرر ليس للشاب وحده ولكن أيضًا للجهات المعنية التي عليها أن تعين هذا الشاب لبدء مشروعه الخاص إذا لم تتوفر له الفرص الوظيفية المؤسسية.
لن تستطيع الدولة الاستمرار طويلا في توفير فرص العمل، هذا الأمر لا تستطيعه أي دولة في العالم، والشباب المتعلم لا بد أنه يعي ذلك خاصة في ظل تحول العالم أجمع إلى تقديم خدماته عبر التطبيقات الذكية التي اختصرت عدد الوظائف في العالم بشكل كبير، وعبر تحول العمل من يدوي إلى آلي.
وهناك نماذج عمانية رائدة لم ترغب الانتظار في طابور التوظيف وأنشأت مشروعاتها الخاصة وحولت أصحابها إلى رواد أعمال حقيقيين.
والخروج للشوارع إن وفرت اليوم بعض الحلول لن تستطيع مع الوقت توفير حلول أخرى وإلا كانت حلولا تدميرية للاقتصاد، ولذلك لا بد أن تتغير فلسفة الحلول وتتغير ثقافتنا نحو العمل وهذا يحتاج أن يكون مشروعا يبدأ من المناهج المدرسية.