«عمان» تبحث عن إجابة للسؤال: ما أسباب انخفاض دافعية طلبة المدارس نحو التعليم ؟!
الجمعة / 20 / رجب / 1442 هـ - 11:30 - الجمعة 5 مارس 2021 11:30
تعاني «أم تسنيم» من تذمر ابنتها في الصف السابع من الذهاب إلى المدرسة، على الرغم من الجهود التي تبذلها من خلال متابعتها الدائمة لمستواها الدراسي وتوفير البيئة المناسبة لها في المنزل للمذاكرة، وتحاول جاهدة تشجيعها للاهتمام بتعليمها، إلا أنها ما زالت تلاحظ انخفاض دافعية ابنتها نحو التعليم!
ويبدو أنها ليست الوحيدة التي تعاني من ذلك، فقد التقت «عمان» قبل البدء في كتابة هذه التحقيق بعدد من الطلبة الذين صرحوا أنهم « لا يحبون» الذهاب إلى المدرسة!! الأمر الذي جعلنا نقترب أكثر لنفهم الأسباب التي تؤدي إلى انخفاض دافعية طلبة المدارس نحو التعليم.
وفي هذا التحقيق نحاول البحث عن إجابة لهذا السؤال المهم: «ما أسباب انخفاض دافعية طلبة المدارس نحو التعليم »؟ وحصيلة ردود المختصين والمعلمين والطلبة وأولياء الأمور نسردها لكم في السطور الآتية:
في البداية كانت لنا وقفة مع عدد من المختصين في القطاع التعليمي.
وأول من تحدثنا معهم سعادة الدكتور سعيد بن سالم الوهيبي رئيس لجنة التربية والتعليم والبحث العلمي بمجلس الشورى الذي أكد في بداية حديثه أنه – وحتى نقف على أسباب انخفاض دافعية الكثير من طلبة المدارس نحو التعليم – فالأمر يحتاج إلى دراسة متعمقة تتناسب مع البيئة التعليمية للطالب حتى يمكن الخروج بنتائج وتوصيات وفقًا لمنهج علمي، ومن خلال الملاحظة العامة نجد نسبة من الطلبة انخفضت لديهم دافعية التعلم وأصبحت هذه المشكلة من المشكلات التربوية التي تستدعي الاهتمام والدراسة العاجلة.
عوامل مهمة
وأردف الوهيبي: العوامل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية تلعب الدور الأبرز في رفع أو خفض الدافعية نحو التعليم وعلى وزارة التربية والتعليم -بصفتها مسؤولة عن سياسة العملية التعليمية- إبراز ومناقشة الأسباب الفعلية لانخفاض الدافعية نحو التعليم والعمل بشكل عاجل على إيجاد حلول عملية قابلة للتنفيذ وفق خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل. وإنّ انخفاض دافعية الطلاب نحو التعليم أصبحت مشكلة تعاني منها الكثير من الدول خاصة الدول التي تحتفظ بالعملية التعليمية التقليدية القائمة على الحفظ والتلقين وتقييم الطالب بنظام امتحانات شهرية أو فصلية أو امتحانات عامة. ومن وجهة نظري الشخصية فالعامل الاقتصادي والنفسي تعد أبرز العوامل في انخفاض الدافعية للتعليم نتيجة عدم ارتباط التعليم والحصول على الشهادة الدراسية بتحسين وضع المتعلم، فالطالب لا يرى أن من يكمل دراسته تتم مكافأته بوظيفة أو مخصصات توازي اجتهاده فهناك من درس الطب والهندسة والتربية وغيرها من التخصصات ولكنه باحث عن عمل منذ سنوات. وأضاف الوهيبي: وإذا كان تغيير عملية التدريس خلال هذه الفترة والتي تسببت فيها جائحة كورونا قد أسهم بشكل أو بآخر في خفض دافعية الطلاب نحو التعليم بسبب إقرار التعليم المدمج أو الاكتفاء بالتعليم عن بعد، وعليه افتقد الطالب إلى الأنشطة المدرسية التي كان يقوم بها من خلال حضوره للمدرسة. وعلى الرغم من أن وضع الجائحة (وضع مؤقت) واستثنائي لكن التحفيز الذي يتلقاه الطالب بحضوره إلى المدرسة من لقاء زملائه وتفاعله داخل الفصل الدراسي وتأدية الأنشطة المدرسية ارتبطت بحوافز تقدم داخل البيئة المدرسية وكانت عاملا مهما في تعزيز دافعية الطالب نحو التعلم. ويرى البعض أن فرض التعلم عن بعد بسبب جائحة كورونا قلّلت من الدافعية نحو التعلم. ولكن هناك بعض الطلبة الذين يرون أن الجائحة قد منحتهم بعض المميزات مثل إمكانية إعادة الدروس التعليمية المتوفرة في المنصة وكذلك قلة الواجبات إضافة إلى سهولة النجاح في الامتحانات. ويعد العامل النفسي من أخطر العوامل التي تقلل من الدافعية نحو التعليم فحين يسمع الطالب أو يقرأ تصريحا لمسؤول يقلل من شأن الشهادة العلمية أو يساوي بين مختلف الشهادات والدرجات العلمية في عملية التوظيف فلا شك أن ذلك سوف يترك أثرا سلبيا على الطالب ويخفض دافعيته نحو التعليم.
مسؤولية جماعية
موضحا أنه إذا كانت مسؤولية التعليم وإعادة النظر في السياسة التعليمية هي مسؤولية وزارة التربية والتعليم فإن التربية مسؤولية جماعية تتحملها بداية أسرة الطالب والمجتمع المحيط به، فلابد من العمل معا لتحفيز الدافعية نحو التعلم ولابد من الاعتراف بأن الجميع يتحمل المسؤولية نحو انخفاض الدافعية، ولا فائدة من اللوم وتبادل الاتهامات؛ فتعزيز الدافعية والأخذ بأنجع السبل لتعزيزها يتطلب التعاون وتضافر الجهود فالأمر يرتبط بمستقبل وطن وأجياله. كما أن الدافعية نحو التعليم تختلف بين الإناث والذكور؛ فنجد أن دافعية الدراسة عند الإناث أعلى من الذكور. وعملية غرس حب العلم في نفوس الطلاب تبدأ من مرحلة التنشئة الاجتماعية وبلغة تختلف من مرحلة عمرية إلى مرحلة عمرية أخرى يتم خلالها عرض تجارب لشخصيات ناجحة حققت نجاحا باهرا بسبب شغفها بالعلم والمعرفة. مشيرا إلى أنه من الصعوبة تغطية كامل الأسباب.
ورفع الدافعية عملية تربوية شاملة تتطلب تدخل كافة الأطراف المعنية من أسرة ومدرسة ومعلم ومجتمع ومؤسسات حكومية وغيرها، ولا تكون تحت المسؤولية الحصرية لوزارة التربية والتعليم. ويقول أحمد بن سليمان الربيعي مشرف توجيه مهني بوزارة التربية والتعليم: بالرغم من تطور نظام التعليم في السلطنة لمواكبة متطلبات العصر الحديث، إلا أن تحدي انخفاض دافعية الطلبة للتعليم لا يزال حاضرا، مما أدى ذلك إلى انخفاض المستوى التحصيلي للطلبة، وأعتقد أن بذل الأسرة المزيد من الاهتمام بالأبناء في فترة الدراسة، واستخدام المعلمين أساليب التعزيز المناسبة للفئات العمرية المختلفة من الطلبة وتوظيف أحدث أدوات التقنية في العملية التعليمية تعد عوامل مساعدة على رفع دافعية الطلبة للتعلم، ورسالتي هنا إلى أخصائيي الإرشاد النفسي والاجتماعي في المدارس بأن عليهم تنفيذ برامج إرشادية للطلبة في مجالات إدارة الوقت وتوظيف التقنية وأساليب التعزيز لشحذ همم الطلبة نحو رفع دافعيتهم للتعلم.
أسباب متعددة
وأبدت صالحة بنت عامر الكاسبية أخصائية توجيه مهني بمدرسة الجوابي للتعليم الأساسي بجنوب الشرقية قائلة: مع جائحة كورونا التي غزت العالم برمته وأغلقت العديد من المناشط وعلى رأسها الجامعات والمدارس والاتجاه إلى التعليم عن بعد، أصبح الطالب مذبذبا بين قرارات أدت إلى ضعف الدافعية نحو التعلم لدى العديد منهم، وذلك لعدة أسباب منها: انعدام الحماس وقلة الاهتمام بالواجبات المدرسية وإهمال استخدام الكتب والأدوات التعليمية التي تعزز العملية التعليمية وتعتبر أمرا أساسيا فيها، وأيضا ضعف الرغبة لدى البعض في الحصول على التعليم لعدم توفر الجو التعليمي المناسب.
كما ظهرت لديهم تناقضات بين معارض للتعليم عن بعد لما يندرج تحته من أسباب كضعف الشبكة أو انعدامها في بعض المناطق وقصر وقت التعلم، وعدم استيعاب الطالب لما يقدم له من معلومات ومواد وبين من يرى أن له مميزات عدة وهي اعتماد الطالب على التعلم الذاتي واختصار وقت العلم وسهولة الحصول على المعلومات باستخدام البرامج والوسائل الحديثة.
واقترحت الكاسبية محاور لمعالجة هذه المشكلة حيث تعتمد على المعلم، والطالب والوسيلة الإلكترونية ومدى فاعليتها مع معلم متحفز ومطور لنفسه ومجرب للتقنية الحديثة في التعليم؛ فالمعلم الجيد والمتحفز ينعكس أثره على طلابه، وطالب شغوف بالتعلم، مع وجود وسيلة تعليمية متطورة ووسيلة إلكترونية مناسبة وفي متناول الجميع وسهلة الاستخدام فهو المسؤول عن تعلمه وتنفيذ المهام وإن التعليم الإلكتروني -في الواقع- يضع عملية التعلم في ملعب الطالب بشكل كبير.
أما الوسيلة التي يتم من خلالها التعلم الإلكتروني فيجب أن تكون ضمن الإمكانات وقوة شبكة الإنترنت في المنطقة التي يعيش فيها الطالب وتمكين التقنية على الوجه الأمثل في خدمة الطالب والعملية التعليمية.
ويؤكد حمد بن علي الهاشمي مشرف توجيه مهني بالمديرية العامة للتربية والتعليم بجنوب الشرقية أن وضوح الهدف المستقبلي سبب رئيس للدافعية، لذا نجد كثير من الطلبة يواجهون صعوبة في تحديد الأهداف المستقبلية مما ينعكس سلبا على دافعيتهم نحو التعلم. كما أن لمحدودية الفرص المستقبلية لمرحلة ما بعد التعليم العام لها دور كبير في ضعف الدافعية، حيث تتخرج كل عام أعداد كبيرة يتوزع منهم عدد محدود على مقاعد الدراسة الجامعية والعمل في القطاعات العامة والخاصة فيما يظل البقية بدون دراسة جامعية أو عمل لفترة زمنية تطول أو تقصر؛ مما يؤثر سلبا على الدافعية نحو التعلم، كما أنّ لوليّ الأمر دورا كبيرا في المساعدة وتشجيع أبنائهم في تحديد المسار المستقبلي وذلك بالتعرف على إمكانيات قدرات الأبناء وأن تكون هذه الإمكانيات والقدرات هي القاعدة الأساسية والمنطلق الأول لتشجيع الطالب على العمل الجاد منذ المراحل الأولى للتعليم، وذلك بالتواصل مع المدرسة والمعلمين ومساعدة الأبناء في توجيه قدراتهم وتوظيفها التوظيف الأمثل.
المناهج الدراسية
ويضيف علي بن محمد الهاشمي مدير مدرسة فلج المشايخ للتعليم الأساسي بجنوب الشرقية: طولُ اليوم الدراسي من العوامل التي تؤدي إلى ضعف الدافعية لدى الطلبة وخاصة طلبة الحلقة الأولى والثانية، وتلعب المناهج الدراسية دورا في ذلك بسبب كثافة المحتوى التعليمي وخاصة إذا قدمت للطالب بأساليب وطرق تدريس تقليدية من قبل المعلم، فتصبح صعبة في تلقيها، ولا شك أن الطالب جزء من المجتمع ومتعايش مع أحداثه الاجتماعية والاقتصادية وإن قلة التوظيف وكثرة الباحثين عن عمل يؤثر سلبا على الطالب فتراوده أفكار من ضمنها: «كيف لي بشهادة ولا توجد فرصة عمل؟»، كما أن البعض يشتكي من ممارسة أساليب غير تربوية على الطالب من قبل بعض المدرسين والتي تنعكس سلبا على الطالب وتسبب له الإحباط.
ولا يكون ولي الأمر بمعزل عن الموضوع، حيث يعد ركيزة أساسية تقوم على عاتقه كثير من الأدوار، ومن ضمنها توجيه الابن نحو المستقبل من خلال توجيه أفكاره وأهدافه ليكون لديه طموح نبيل مما يعزز من أفكاره وتطلعاته، وعدم الزج به في وسط المشاحنات والصراعات العائلية بين الزوجين أو العوائل، فلا بد من وجود جو عائلي سليم حتى يشعر الطالب بالطمأنينة.
ويشاطره الرأي حمير بن ناصر الخروصي معلم في مدرسة وادي بني خروص بولاية العوابي قائلا: وجود أفكار خاطئة لدى الطلاب عن مدى أهمية التعلم، وانعدام الجو التعليمي المناسب لنفسية الطالب، والخلافات الأسرية يجعل الطالب ينفصل عن الدراسة ولا يكترث بها، إضافة إلى المشكلات الصحية التي تتسبب بعدم القدرة على مسايرة أقرانه، وصعوبة المناهج التي لا تتلاءم مع قدرات الطالب الخاصة وغياب الموجه المنزلي وانعدام التواصل مع المدرسة بالرغم من الاستدعاءات؛ جميعها أسباب تؤدي إلى انخفاض الدافعية.
الروتين الممل
كما استمعنا أيضا لآراء الطلبة وأولياء أمورهم، حيث تقول سارة بنت سامي الجابرية طالبة في الصف الثاني: «أنا أحب المدرسة ولكن بعض المعلمات «ينازعنني دائما» وهذا «يخليني ما أحب أروح المدرسة !!»، ويبكي أحمد بن محمد البهلاني طالب في الصف الخامس يوميا قبل ذهابه إلى المدرسة، وعندما سألناه عن أسباب ذلك، أوضح لنا أن الروتين اليومي للمدرسة سبب في ذلك حيث يشعر أحمد بالملل كثيرا، ويتمنى أن يتم بناء ملعب متكامل لكرة القدم في مدرسته حتى تحفزه للذهاب إلى المدرسة.
وقد أثرت جائحة كورونا أيضا على دافعية الطلبة، يقول الطالب يحيى بن يحيى الخروصي طالب في الصف الحادي عشر: بسبب الوضع الاستثنائي للجائحة الذي أوقف وغيّر النظام التعليمي، فنحن كطلاب واجهتنا صعوبة في تقبل التعليم المدمج واختلفت حياتنا التعليمية، كما أن بعض المناهج يصعب علينا فهمها ونتمنى إعادة النظر فيها. وأشار سليمان بن سالم الجامودي -ولي أمر- إلى أن عدم وجود هدف محدد للدراسة وغياب دور الأبوين في إيجاد دافعية التعليم لدى الطالب من خلال عدم التشجيع بالكلمة الطيبة أو الهدايا العينية والتعزيز كلما حصل الطالب على درجات وعلامات مرتفعة، ورؤية الطالب لإخوانه وأقاربه ممن هم أكبر منه سنا وقد أنهوا مرحلة الدبلوم العام أو المرحلة الجامعية ولم يلتحقوا بوظيفة؛ له أثر سلبي في نفسية الطالب ودافعيته لمواصلة التعليم أو التفوق فيه، كما أن البيئة المدرسية غير المحفزة؛ لعدم وجود مرافق للترفيه، فهي في نظر الطالب أشبه بالسجن المؤقت، بالإضافة إلى الروتين المعاد في كل يوم وأسبوع داخل المدرسة؛ أسباب أخمدت دافعية الطلبة نحو التعليم! فهل ستستمر معاناة «أم تسنيم»؟ أم أن الجهات المختصة سيكون لها دور في النظر في هذه الأسباب ووضع الحلول المناسبة لرفع دافعية طلبة المدارس نحو التعليم.