No Image
رأي عُمان

حلم المواطن العربي المشروع

25 أغسطس 2021
25 أغسطس 2021

عاشت الدول العربية في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي حلما ورديا هتفت له كل الجماهير العربية من الخليج إلى المحيط تمثل في فكرة «الوحدة العربية» إلا أن هذا الحلم تلاشى وبقي خالدا على الورق فقط وفي أذهان من بقي من رجال ذلك الجيل البعيد الذي اعتقد أن مجرد حصول الدول العربية على استقلالها وتحررها يعني أن وحدتها أمر مفروغ منه وتحققه لا يحتاج أكثر من اجتماع واحد يجمع القيادات العربية. لكن جذور تلك الفكرة بقيت -وإنْ في ضعف- ولذلك ظهر مصطلح بديل «للوحدة العربية» تمثل في «التضامن العربي» الذي لم يصمد كثيرا أمام التحولات التي شهدها العالم وإنْ بقيت البيانات التي تصدرها الدول العربية معلنة تضامنها مع غيرها من الدول العربية إذا ما تعرضت تلك الدولة لأي خطر يهدد كيانها أو يقلق أمنها. ومع الوقت ضاع المصطلح مع ما ضاع في الطريق وظهر في خفوت مصطلح آخر هو «التعاون» لكنه بقي في إطاره الدبلوماسي ولم يتحول إلى مصطلح شعبي تدعمه الجماهير في العالم العربي أو حتى تعلم مظاهره. أما في العقود الأخيرة فقد ضاع كل شيء تقريبا وبقي المشهد قائما على فكرة العلاقات الثنائية بين الدول العربية وأصبح من السهل على المواطن العربي أن يقرأ في صحف الصباح أن دولة العربية قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع دولة عربية أخرى دون أن يكون الأمر حدثا خطيرا أو - نكسة - عربية جديدة تضاف إلى الكثير من النكسات التي عاشتها الأمة خلال المائة سنة الماضية.

وآخر تلك الأخبار التي وصلت إلى أذهان المواطن العربي هو قطع الجزائر لعلاقاتها مع المغرب!

وإذا كانت الأمة العربية تعيش أصعب مراحلها على الإطلاق سواء من حيث بنيتها الداخلية أو من حيث علاقاتها بالعالم العربي وبالمجتمع الدولي الأمر الذي يجعل الأمة على هامش التاريخ ويجعل واقع المواطن العربي مؤلما جدا في وقت يتقدم فيه العالم نحو المستقبل بكثير من الثقة المبنية على العلم وقيم الحداثة وعلى التخلص من تبعات مراحل الضعف والتشتت.

لكن ما زال هناك إيمان راسخ أن أمة مثل الأمة العربية لا يمكن أن تتلاشى وتندثر وتصبح خارج التاريخ وخارج جميع سياقاته ولديها لو أرادت معطيات تقدمها وتجاوزها للراهن الذي تعيشه، وعلى جامعة الدول العربية ذلك الكيان الذي يجمع هذه الأمة أن تقوم بدورها في رأب صدع التشظي العربي وإنهاء أسبابه تحت إلحاح اقتراب الأمة من عمق الخطر الأكبر، وعلى عقلاء الأمة من علمائها ومفكريها وكذلك من قياداتها الذي شُغلوا ويشتغلون بمحاولة وجود واقع عربي مختلف عن الواقع الحالي وأكثر قدرة على الذهاب نحو مستقبل مختلف أن يدفعوا في سبيل بقاء العلاقات العربية ولو عند مستوى «التعاون» الذي هو كل الخير في هذه المرحلة التي وصلت لها الأمة. ولا يتركوا الفرصة لأعداء الأمة ينفذون خطط تقسيمها وتشظيتها وإضعافها. وإذا كانت الأجيال التي مضت في الخمسين سنة الماضية قد تحملت هذا الواقع وصبرت عليه فإن الأجيال القادمة لها مبررات عدم الصبر وعدم الركون له. والشباب العربي يدرك الآن أن التاريخ في هذه الأمة لا ينتهي ولن ينتهي ما دام هناك إنسان عربي يحلم بواقع عربي أفضل.