جانب من المحاضرة
جانب من المحاضرة
ثقافة

النادي الثقافي يناقش سيرة «المنتفقي» وأثره في المخطوطات العمانية

25 أغسطس 2021
25 أغسطس 2021

نظم النادي الثقافي عبر منصاته في وسائل التواصل الاجتماعي محاضرة بعنوان "المنتفقي عَلَمٌ مغمور في بطون المخطوطات" قدمها الشيخ فهد السعدي وتناولت أحد أعلام عمان وهو العلامة المنتفقي الأديب والفقيه والشاعر.

وأوضح فهد السعدي في بداية المحاضرة سيرته حيث قال: هو محمد بن صالح المنتفقي البصري، والمنتفقي هي قبيلة عربية تسكن في البصرة وإليها ينتسب الكثير من العلماء، وكانت ولادته في البصرة كما ذكر أهل التاريخ ونشأ في كنف والده الشيخ الفقيه الأديب الشاعر صالح بن محمد المنتفقي.

وسكن فترة في لنجة وهي من بندر فارس، ولديه أخت متعلمة أديبة وشاعرة، ودرس أولا على يد والده ثم انتقل بعد ذلك طالبا للعلم فارتحل وسافر إلى الإحساء وهناك تتلمذ على يد مجموعة من علماء الشافعية، ثم انتقل إلى لنجة وتتلمذ على يد عدد من العلماء ومكث فيها ثلاث سنوات وبعدها خرج منها وودعها بقصيدة يقول في مطلعها:

أرى لنجة من بعد سكان بها قفرا وكاسفة أنوارها مهمها غبرا

وبعد أن ودع بندر لنجة انتقل إلى بلد الصير وهي رأس الخيمة حاليا فمكث فيها فترة من الزمان والتقى هنالك بتلميذه الفقيه عبدالواحد بن علي الزرافي، ثم انتقل إلى دبا بصحبة تلميذه، ثم انتقل إلى بلدة كمزار وهناك كانت وفاته، إذ له مسجد معروف باسمه، وما زال قبره معروفا إلى يومنا هذا في بلدة كمزار، ولم تصرح المصادر عن الفترة التي توفي فيها، وما نؤكده أن الشيخ محمد بن صالح عاش في آخر القرن الحادي عشر الهجري والنصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري.

ومما تجدر الإشارة إليه أن الشيخ محمد بن صالح كان في عمان في عام ألف ومائة وثلاثة وعشرين للهجرة إذ أنه بهذا التاريخ رثى الإمام سيف بن سلطان بن سيف اليعربي التي كانت وفاته في تلك السنة، وقصيدته مشهورة معروفة.

وأضاف السعدي: إن من المشايخ الذين استفاد منهم الشيخ محمد بن صالح المنتفقي الشيخ حسن المدني والشيخ عبدالله بن علوي الحداد من حضرموت ومن تلاميذه الشيخ عبدالواحد بن علي الزرافي والشيخ محمد بن إسماعيل العبيدلي، والشيخ علي بن عثمان البلوشي، كما يوضح أن المنتفقي لم يوجد له مؤلف قصد إلى تأليفه، وإنما كانت هنالك بعض الجوابات الفقهية التي أجاب بها إلى سائليه ومريديه، من ضمنها رسالة منورة في الإجابة عن أسئلة وردت إليه من البصرة وهي جوابات على أسئلة توجه بها إليه تلميذه محمد بن إسماعيل العبيدلي، وكان تحرير هذه الجوابات في 20 محرم عام 1135 للهجرة، وهناك جوابات على سؤالات توجه بها إليه تلميذه علي بن عثمان البلوشي، وتوجد نسخة من هذه الرسالة في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت، مبينا أن الجوابات مختلفة في موضوعات مختلفة من الفقه، منها ما يتعلق بالطهارات والعقيدة والزكاة، ومنها جواب على سؤال توجه به إليه محمد بن أحمد الحميري سأله عن معنى بعض الأبيات في الحديث وأجابه بشرح هذه الأبيات، وهذه الرسالة مطبوعة حققها واعتنى بها الشيخ سلطان بن مبارك الشيباني وأصدرها بين سلسة "أشتات ومؤتلفات"، وهي في صفحتين فقط، بالإضافة إلى أسئلة متفرقة في الكتب والمخطوطات.

ويبين السعدي أن المنتفقي علّامة ذو صلات واسعة مع علماء من مختلف البلاد الإسلامية، حيث ارتحل وله علاقات بعلماء من البصرة والإحساء ولنجة من بر فارس واليمن في حضرموت، كما سكن في عمان وله علاقة بعلمائها من ضمنهم الشاعر راشد بن خميس الحبسي، وتوجد أبيات للمنتفقي يتبرم فيها من حال زمانه ومن سوء أخلاق أهله وأرسلها إلى صاحبه الحبسي الذي أجابه بأبيات يواسيه بها.

ويتابع: أكثر ما اشتهر به المنتفقي هو جانب الشعر، وخاصة قصيدته التي رثى بها الإمام سيف بن سلطان اليعربي ومن خلالها عرف الناس المنتفقي، وله قصائد كثيرة متوزعة في بطون المخطوطات واعتنى بعض الباحثين بجمعها في ديوان صدر باسم "شاعر صير" جمعها الباحث عبدالله بن قاسم القاسمي وهو ديوان مطبوع، وهناك قصائد أخرى متفرقة في بطون المخطوطات العمانية، منها في دار المخطوطات ومنها في مكتبة السيد أحمد بن أحمد، وفي خزائن أخرى.

وتوجد للمنتفقي قصائد موجودة في كتاب "المواهب والمنن في مناقب قطب الزمان الحسن" تأليف علوي بن أحمد بن حسن الحداد، تضمن هذا الكتاب ثلاث قصائد للشيخ المنتفقي وأتى بها مع مقدماتها منها قصيدة قالها في رثاء شيخه عبدالله بن علوي الحداد، يقول في مطلعها:

أكسف من سماء ساقط أم كسوف ضحى عشيته خسوف

أم السيل العريم طغى فغطى الأماكن فهو جراف عسوف

أم السادات أعلى من هدى قد توفي منه شيخ شريف

وهي قصيدة طويلة نظمها في عام 1135 للهجرة، وتقع في مائة واثني عشر بيتا، كما أن له أبيات أخرى كتبها في سبحة شيخه عبدالله الحداد يقول في مطلعها:

مساحب كف سيدنا الحسين حبيب القلب نور المقلتين

بسبحته التي أعلى وأغلى من الياقوت قدرا واللجين

وله قصائد منها هذه القصيدة المشهورة المعروفة وهي تتضمن مجموعة من النصائح سماها "القصيدة الداعية إلى الهدى الرادعة عن الردى " يقول في مطلعها:

إذا قلت لم أقصد جدالا ولا مرا ولم أطلب الدنيا مريدا تكاثرا

ولا منحة أبغي ولا سمعة ولا رياء ومن راءى يرد إلى الورا

ولكنني أوتيت قلبا يميل للنصائح وعظا لي وللغير زاجرا

وهذه القصيدة طويلة إذ إنها تزيد عن مائة بيت وقد صرح المؤلف بأنه نظمها في ربيع الثاني سنة 1139 للهجرة وتقع في مائة وإحدى وتسعين بيتا.

وله أشعار في أغراض متنوعة، والذي يظهر بقراءة مجموع هذه القصائد، بعضها يتميز بقوة السبك وبعضها لا يدخل في هذا النحو، ويمزج بين الفصيح والعامي ومراعاة الإعراب من غيره، ولعله تأثر في ذلك بالشعر الحميني المعروف في اليمن.

وعن قصيدة رثاء سيف بن سلطان اليعربي يشير الشيخ فهد السعدي أنها مشهورة ومعروفة في المخطوطات العمانية وتوجد لها مقدمة وضعها ناظمها بنفسه لها، كما ضمنها الإمام نور الدين السالمي في كتابه "تحفة الأعيان" وقد قسم القصيدة إلى رثاء للإمام سيف بن سلطان ومدح في ابنه الإمام سلطان بن سيف بن سلطان، والقصيدة تحتاج إلى استقراء وتأمل لمعرفة علاقة الشيخ المنتفقي بالإمام سلطان بن سيف، وفي مطلعها يقول:

الرب باق والخلائق فانية كرهت نفوسهم الفنا أو راضية

والله عز وجل يفعل ما يشا منه القضايا نافذات ماضية

سبحانه لا جور في أحكامه بل كلها بالعدل فينا جارية

إن المقدر كائن والصبر من شأن الموفق إن دهته الداهية

إلى آخر ما قاله يستعرض منجزات الإمام المتوفى سيف بن سلطان وذكر حربه للبرتغاليين في ذلك الوقت، وعدد بعض قواته، ثم انتقل بعد ذلك بعد أن ذكر ونص على تاريخ وفاته حيث يقول:

في الليلة الغرا وثالث شهرنا رمضان غابت شمسه المتلألية

ومن السنين ثلاثا مع عشرين من بعد انقضا ألف تقفوها مائة

وبعد أن انتهى من تحرير هذا انتقل إلى مدح ابنه الإمام سلطان بن سيف، والقصيدة تحتاج إلى استقراء لمعرفة محتواها ومدى علاقة المنتفقي بالبلاط اليعربي.