"الدين والتراث والهوية" كتاب يوثّق مائة عام من المعارك الفكرية
يشتمل كتاب "الدين والتراث والهوية" للكاتب الصحفي محمود سلطان، على رصد تحليليّ للمعارك التي خاضها المثقفون المصريون حول "هوية مصر" على مدى مائة عام.
وتعدّ هذه المعارك تراثًا من الخبرة يتيح للباحث استخلاص آليات المثقفين في توريث قضاياهم للأجيال اللاحقة من جهة، واستشراف أدواتهم في الدفاع عن تلك القضايا من جهة أخرى، فضلًا عن عقد مقارنة بين الطرق المتباينة والمتناقضة التي تتبعها الجماعات الثقافية عند التعاطي مع الملفات العالقة بينها.
ويحصر المؤلف في كتابه الصادر عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام، عمليات التزوير في النصوص التي استقطعها مثقفون كبار من أمهات كتب التراث، ويوثّق عددًا من الحقائق التي يرى أن هناك تيارات ثقافية عمدت إلى جمعها وإخفائها أو إتلافها، وهو ما حمله على جمع الوثائق التي أرَّخت للمعارك الثقافية الكبرى مثل: "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ علي عبد الرازق عام 1925، و "في الشعر الجاهلي" لطه حسين عام 1926، و"وليمة لأعشاب البحر" للروائي حيدر حيدر عام 2000.
ويحلل المؤلف مضمون الوثائق التي توفرت له، من خلال استعراض السياق العام لتلك المعارك، التي كانت تعتمد على "أنساق سلوكية" تكاد تكون متشابهة، وهي نتيجةٌ من شأن تأملها والتدقيق فيها أن يُثري قدرتنا على استشراف السيناريوهات المتوقعة في حال وقوع معارك مشابهة في المستقبل.
فقد شهدت مصر العديد من المعارك الفكرية، التي اتشحت بصبغة ثقافية حينًا، وبمظاهر أكاديمية حينًا آخر، اشتبك فيها الطرفان: قُوى تشعر بالتهديد في هويتها العربية/ الإسلامية وتتشكك في الجهود الماسَّة بأصولها، وأخرى ترى ضرورة إخضاع التراث الذي تستقي منه الهويةُ الوطنية مشروعيتَها لمناهج النقد الغربية.
وبحسب المؤلف، هناك العديد من التجارب شهدتها الخبرة الثقافية المصرية الحديثة، تضع علامات استفهام حول قدرة المال الأجنبي على "استدراج المثقف، مستشهدًا بقبول طه حسين رئاسة تحرير مجلة "الكاتب المصري" التي أُسست عام 1946م بتمويل يهودي.
ويؤكد سلطان أن هذه الظاهرة انخرطت فيها مجموعات نفوذ في المؤسسات التربوية أيضًا، ومن ذلك أن مؤسسة "فرانكلين" الأمريكية أصدرت في عام 1954م سلسلة موجهة إلى الآباء والمدرسين بعنوان "كيف نفهم الأطفال"، تضمنت توصيات وتعاليم وطرائق لكيفية تقبُّل الأطفال ممارسة الإباحية على أنها أمر طبيعي، والمفارقة أن المستشار الفني لوزارة التربية والتعليم في ذلك الوقت قدَّم لهذه السلسلة.
ويسعى المؤلف إلى تأكيد أن القضايا الفكرية أو الثقافية التي تثار من حينٍ إلى آخر؛ مرتبطة في واقع الحال بأهداف وغايات سياسية، لذلك فإن التعاطي معها يقتضي استحضار المشهد السياسي من جهة، واللحظة التاريخية الحاضنة له من جهة أخرى.
ويشير إلى أن التعاطي مع بعض المفاهيم، مثل الحضارة والنهضة والتنوير وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحريتها، قد تبدو لبعضهم محض اشتباك فكري بريء من أيّ غايات سياسية، وقد يراها بعضهم الآخر ترفًا لا طائل من ورائه، وأن المثقفين ينبغي لهم أن ينشغلوا بالبحث عن أزمات المجتمع الحقيقية، مثل الإدمان والبطالة والعنف وأزمة الإسكان والأُمية وما شابه. لكن واقع الحال أنّ الأزمات الأخيرة قد تكون نتاج مشروع سياسيّ يستند إلى فلسفة فكرية وثقافية، تستقي قوامها من المنظور الغربي لعدد من المفاهيم.