قوات المانية تجلي مجموعة من العائلات الافغانية، من مطار كابول، على متن طائرة عسكرية، امس.       رويترز
قوات المانية تجلي مجموعة من العائلات الافغانية، من مطار كابول، على متن طائرة عسكرية، امس. رويترز
العرب والعالم

الدول الغربية أمام خيارات صعبة في العلاقات مع طالبان والحركة تتعهد بالسلام

18 أغسطس 2021
الصين تبحث عن فرص على أنقاض "المشروع الأمريكي" في افغانستان
18 أغسطس 2021

عواصم - وكالات: بعدما أمضت عشرين عامًا في حربها ضد حركة طالبان، تواجه القوى الغربية حالياً خياراً صعباً بين إقامة أو عدم إقامة علاقات مع الجماعة التي باتت تحكم أفغانستان.

ويبدو أن الحركة لاقت ترحيباً دولياً أكثر حرارةً مقارنة بفترة حكمهم التي اتسمت بالعنف (1996-2001)، إذ إن روسيا والصين وتركيا رحّبت بتصريحاتهم الأولى.

فيما يفاوض الأمريكيون حركة طالبان حول "الجدول الزمني" لعمليات الإجلاء، يؤكد البيت الأبيض أنه سينتظر في المقابل ليحكم على أفعالها خصوصاً بشأن احترام حقوق الإنسان قبل اتخاذ قرار حول طبيعة العلاقات مستقبلًا معها.

وقال مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي جايك سوليفان "سيكون على طالبان أن تظهر لبقية العالم من هي"، وأضاف "التقييم ليس جيّداً، لكن سيكون من السابق لأوانه" القول من الآن ما سيكون الوضع في المستقبل.

إلا أن واشنطن أبدت استعدادها لإبقاء وجودها الدبلوماسي في مطار كابول بعد الموعد النهائي للانسحاب العسكري المقرر في 31 أغسطس، بشرط أن يكون الوضع "آمناً"، وفق المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس.

"سنحكم على أفعالهم"

من جهته، أكّد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون امس الأربعاء خلال جلسة استثنائية للبرلمان مخصصة للبحث في الوضع في أفغانستان أن بلاده ستحكم على نظام طالبان بناء "على أفعاله وليس على أقواله".

وصرّح القائد المحافظ أمام النواب "سنحكم على هذا النظام بناء على الخيارات التي سيتخذها وعلى أفعاله، وليس على أقواله - على سلوكه حيال الإرهاب والجريمة والمخدرات، كذلك على حقّ الوصول (للمساعدات) الإنسانية وحقوق الفتيات في الحصول على التعليم".

ويدعو جونسون إلى الاتفاق على "مقاربة موحّدة" للمجتمع الدولي حيال عودة طالبان إلى الحكم. وأجرى في الأيام الأخيرة مشاورات بشكل خاص مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الأمريكي جو بايدن. ومن المقرر عقد اجتماع عبر الانترنت لقادة دول مجموعة السبع في الأيام المقبلة.

وأعلنت الحكومة البريطانية مباشرة إجراءات جديدة تهدف إلى استقبال عشرين ألف لاجئ أفغاني على "المدى الطويل"، بينهم خمسة آلاف في السنة الأولى، بدون تحديد موعد استكمال استقبالهم.

تنسيق القرار؟

وأقرّ وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بالأمر بشكل صريح الثلاثاء فقال "طالبان ربحت الحرب في أفغانستان. إذن، علينا ان نتحدث إليهم".

في المقابل، أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أن بلاده "لا تعتزم الاعتراف بحكومة طالبان".

وتتمتع القوى الغربية بقدرة تأثير أقلّ بكثير الآن بعدما باتت طالبان في الحكم بدلاً من أرض المعركة.

لكن الولايات المتحدة لا تزال تمارس تأثيراً لا مثيل له على الجهات المانحة الدولية ويمكن أن تفرض عقوبات قاسية أو حتى شروطًا على المساعدات الضرورية لإعادة إعمار هذا البلد المدمّر جراء الحرب.

تعتبر ليزا كورتيس المستشارة السابقة للبيت الأبيض المكلفة شؤون وسط وجنوب آسيا في عهد دونالد ترامب، أن على واشنطن استخدام اعتراف دبلوماسي محتمل بطالبان لتمارس عليها ضغوطًا وتفرض اتباع سلوك أفضل.

وتقول هذه الخبيرة في مركز الأمن الأمريكي الجديد "بما أنه سينبغي علينا توصيل مساعداتنا الإنسانية إلى هناك، سيجري التعامل معهم ربما على مستوى ما".

وتضيف "لكن في ما يخص الاعتراف الدبلوماسي، فإن ذلك لا ينبغي أن يُمنح بدون مقابل".

لا مسامحة سريعة

عندما يتعلّق الأمر بعلاقات دبلوماسية، فإن الولايات المتحدة لا تسامح سريعاً. فقد استغرقت عقدين بعد سقوط سايغون لإقامة علاقات مع فيتنام الشيوعية. وانتظرت واشنطن 54 عاماً قبل إعادة فتح سفارة لها في كوبا.

في المقابل، لم تستعد الولايات المتحدة قط العلاقات مع إيران بعد الثورة الإسلامية عام 1979.

وعندما وافق الرئيس الأمريكي الجمهوري السابق دونالد ترامب عام 2020 على اتفاق انسحاب تمّ لتوصل إليه مع طالبان، بدا وكأنه يشير إلى نقطة تفاهم محتملة مع الحركة، هي معركتهم ضد تنظيم داعش. وقال "سيقتلون أشخاصاً سيئين جداً. سيواصلون هذه المعركة".

الصين تبحث عن فرصة

يشير انفتاح بكين على طالبان إلى محاولة لتحقيق الاستفادة القصوى من الانهيار السريع للمشروع الأمريكي في أفغانستان. لكن المحللين يقولون إن بكين ستظل متيقظة حيال الحركةالتي تولت زمام الأمور في كابول، خاصة وأن أفغانستان تحاذي مقاطعة شينجيانغ، موطن الأويغور ذات الأغلبية المسلمة.

قبل نحو أسبوعين من سيطرة الإسلاميين على السلطة في هجوم خاطف أذهل العالم، استضاف وزير الخارجية وانغ يي وفدا من طالبان في بكين. وبعد يوم واحد فقط من دخول طالبان إلى كابول، قالت الصين إنها مستعدة لتعميق العلاقات "الودية والتعاونية" مع أفغانستان.

وفي حين تقول بكين إنها لا ترغب في لعب دور في أي تسوية سياسية مستقبلية في كابول، يبدو أنها لمست وجود فرصة للتقدم في مشروع الحزام والطريق الضخم الذي تبنيه مع انسحاب الولايات المتحدة.

وقال هوا بو، المحلل السياسي المستقل في بكين، إنه مع انتقال السلطة إلى طالبان فإن لدى بكين بعض المطالب الرئيسية، "الأول هو حماية استثمارات الصين وضمان أمن المواطنين الصينيين... ثانيا، من الضروري قطع العلاقات مع انفصاليي شرق تركستان (شينجيانغ) وعدم السماح لهم بالعودة إلى مقاطعة شينجيانغ".

لكن يبدو أن البراغماتية تتغلب على الأيديولوجيا تجاه مجموعة أثارت عقائدها الدينية في الماضي القلق لدى الصين.

كما يبدو أن طالبان أدركتا أنها إذا أرادت علاقات جيدة مع الصين، سيتعين عليها ترك مسلمي الصين وشأنهم، في حين تمثل محنتهم قضية يتبناها الإسلاميون في جميع أنحاء العالم.

ومن ثم، تعهد المتحدث باسم طالبان محمد نعيم بأن "أراضي أفغانستان لن تستخدم للمساس بأمن أي دولة".

في الصين، سلطت وسائل الإعلام الحكومية الضوء على إمكانات تنفيذ مشاريع اقتصادية كبرى في ظل النظام الجديد، من مشروع منجم أيناك للنحاس، وهو أكبر مناجم النحاس في أفغانستان والثاني في العالم، إلى حقول النفط الشمالية في فارياب وساري بول.

استثمرت الشركات المدعومة من بكين مئات الملايين من الدولارات للحصول على حقوق التعدين والبناء، لكن انعدام الأمن الشديد أدى إلى تجميد معظم مشاريعها.

وفي الوقت نفسه، فإن رواسب الليثيوم الوفيرة في أفغانستان - التي شُبهت بما تملكه السعودية من احتياطات النفط - حفزت شركات تصنيع السيارات الكهربائية لاستثمارها. والصين هي أكبر مصنِّع للمركبات الكهربائية في العالم.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هوا تشون ينغ للصحافيين الاثنين إن طالبان التي ستستفيد إلى حد كبير من توطيد العلاقات مع بكين، "تتطلع إلى مشاركة الصين في إعادة الإعمار والتنمية في أفغانستان. ... نحن نرحب بذلك".

وما زالت سفارة الصين في كابول تعمل على الرغم من أن بكين بدأت في إجلاء المواطنين الصينيين من البلاد قبل أشهر مع تدهور الوضع الأمني.

وظلت أفغانستان على مدى قرون مطمعًا للقوى العظمى في آسيا الوسطى، لكنها لم تنل منها ما تتطلع إليه.

وبينما تحاول طالبان تلميع صورتها لتظهر بمظهر القوة الأكثر اعتدالًا مما كانت عليه في ظل حكمها المتشدد الوحشي سابقًا، فإنها تظل كيانًا لا يمكن التنبؤ بأفعاله، على رأس دولة غير مستقرة.

قال رافايللو بانتوتشي الزميل في كلية إس. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة والمتخصص في شؤون أفغانستان إن "الصين تعرف هذا التاريخ، وهم يعلمون أنهم سيتعاملون مع حكومة لن يثقوا بها تمامًا"، وإن هذا يجعل من غير المرجح التسرع إلى ضخ الاستثمارات فيها.

وسأل "لكن لماذا اصبح هذا الاحتمال فجأة أكثر جاذبية الآن، في حين نحن أمام وضع أقل استقرارًا مع حكومة لا يمكن الاعتماد عليها بشكل كبير؟".

من جهته قال بانتوتشي "لا أتوقع أن تقول الشركات الصينية: هيا بنا لنذهب ونقوم بتعدين بعض الليثيوم، خاصة في بعض أجزاء البلاد التي لا تزال شديدة الخطورة".

فوز دعائي

لكن المجال الذي تجني فيه الصين الفوائد بالفعل هو على جبهة الدعاية، مع انتزاع بكين علنًا أقصى قيمة دعائية من الفشل المذهل للسياسة الخارجية الأمريكية في أفغانستان.

فقد واصلت وسائل إعلامها الرسمية بث صور الأفغان اليائسين وهم يحتشدون في مطار كابول في محاولة للفرار الاثنين في ما يشكل علامة على الفوضى التي خلفها الانسحاب الأمريكي.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هوا الثلاثاء إن واشنطن تركت "فوضى مروعة من الاضطرابات والانقسامات والأسر المفككة (في أفغانستان). ... إن قوة أمريكا ودورها هو في الدمار وليس الإعمار".

عمليات الإجلاء مستمرة

قال مسؤول أمني غربي لرويترز اليوم الأربعاء إنه تم إجلاء أكثر من 2200 دبلوماسي ومدني من أفغانستان على متن رحلات جوية عسكرية، مع تسارع جهود الإجلاء بعد سيطرة حركة طالبان على العاصمة كابول.

وقالت حركة طالبان إنها تريد السلام، ولن تنتقم من خصومها وسوف تحترم حقوق المرأة التي تكفلها الشريعة الإسلامية، غير أن آلاف الأفغان، الذين ساعد الكثيرون منهم القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة على مدى 20 عاما، يسعون جاهدين للمغادرة.

وقال المسؤول الغربي "نواصل (العمل) بوتيرة سريعة جدا، لا توجد أي مشكلات لوجيستية حتى الآن، وتمكنا من إجلاء أكثر بقليل من 2200 من الدبلوماسيين وموظفي الأمن الأجانب والأفغان الذين كانوا يعملون بالسفارات". وأضاف أنه لم يتضح متى ستُستأنف الرحلات المدنية.

ولم يذكر المسؤول تفاصيل بشأن عدد الأفغان بين من تم إجلاؤهم، أو ما إذا كان العدد يشمل أكثر من 600 من الرجال والنساء والأطفال الأفغان الذين تكدسوا في طائرة شحن عسكرية أمريكية من الطراز سي-17 غادرت يوم الأحد.

ومع تعزيز طالبان لقبضتها، قالت الحركة إن أحد قادتها ومؤسسيها وهو الملا عبد الغني برادار، عاد إلى أفغانستان لأول مرة منذ أكثر من 10 سنوات.

وقال المسؤول الكبير في طالبان لرويترز "سيرى العالم تدريجيا كل قادتنا، لن يكون هناك جدار من السرية".

وبينما كان برادار في طريق العودة، عقد متحدث باسم الحركة أول مؤتمر صحفي لها منذ عودتها إلى كابول، حيث لمح إلى أنها ستفرض قوانينها بشكل أكثر مرونة مما كانت عليه في فترتها السابقة في السلطة بين عامي 1996 و2001.

وقال المتحدث الرئيسي باسم الحركة ذبيح الله مجاهد للصحفيين "لا نريد أي أعداء في الداخل أو الخارج".

وأضاف مجاهد أنه سيُسمح للنساء بالعمل والدراسة وممارسة كل الأنشطة في المجتمع "لكن في حدود الشريعة الإسلامية".