
البليد.. من أكبر الموانئ على المحيط الهندي في العصور الوسطى
تعد مدينة البليد الأثرية بمحافظة ظفار من أقدم المدن وأهم الموانئ التجارية، ونمت في القرن الثاني عشر والسادس عشر الميلادي وقد تم بناؤها على جزيرة صغيرة في المنطقة الواقعة بين الدهاريز والحافة بولاية صلالة، وقد لعبت دوراً مهماً في التجارة العالمية في العصور الوسطى حيث شملت صلاتها التجارية موانئ الصين والهند والسند وشرق إفريقيا واليمن من جهة، والعراق وأوروبا من جهة أخرى، حيث كانت تجارة اللبان مزدهرة آنذاك.
وقد وصف كل من الرحالة الكبار (ماركو بولو) و (ابن بطوطة) مدينة البليد على أنها أكثر المدن ازدهارًا، وواحدة من أكبر الموانئ الرئيسية على المحيط الهندي، مما جعلها مركزًا تجاريًا مزدهرًا آنذاك حيث تمتد رقعة تصدير اللبان فيها لتصل إلى الصين وروما.
ولا تزال بقاياها موجودة في منطقة الحافة، حيث تعود آثار هذا الموقع إلى عهد ما قبل الإسلام، وكانت تمثل مركزًا سكنيًا منذ نحو 2000 عام قبل الميلاد، حيث برزت خلال العصر الحديدي المتأخر كمدينة مركزية نشطة كما أنها ازدهرت في العصور الإسلامية، ويمكن رؤية هذا من خلال مسجدها الكبير الذي يضم (144عمودا) ويعتقد أنه شيد في القرن السابع الهجري- الثالث عشر الميلادي، كما تم العثور على حصن البليد والعديد من العملات المعدنية، كما تشير الشواهد التي تم الكشف عنها إلى أن الموقع كان مأهولاً منذ أواخر الألفية الخامسة قبل الميلاد وأوائل الألفية الرابعة قبل الميلاد، ثم أعيد تأسيسها في القرن الرابع الهجري- الخامس الميلادي.
وقد تم اكتشاف هذا الموقع وتصويره للمرة الأولى في عام 1930م من قبل بترام توماس، بينما بدأت التنقيبات الأثرية فيه للمرة الأولى في عام 1952 من قبل البعثة الأمريكية، وفي عام 1977م قامت وزارة التراث والثقافة بتنفيذ برنامج مسح لموقع البليد والذي هو عبارة عن مجموعة من المعالم الأثرية تغطى مساحة مستطيلة تصل إلى 64 هكتارا، يحيط بها جدار عالٍ من ناحية الشرق والشمال وخندق صغير من ناحية الغرب، ويؤكد خبراء الآثار أن البليد كانت مدينة محصنة بأسوار عالية ولها باب كبير وأبراج مراقبة على جوانب الأسوار.
وتقسم مدينة البليد إلى ثلاثة أقسام هي (القسم التجاري) الذي يقع في الجهة الشرقية والقسم السكني والخدمي في الوسط، أما المسجد والحصن فيقعان في الجهة الغربية ويحيط بها من الجانب الشمالي والشرقي والغربي خور البليد الذي يتراوح عمقه ما بين مترين إلى 6,5 متر، وكان الخور يستخدم لنقل البضائع ما بين المدينة والسفن الراسية في البحر وهو بمثابة ميناء طبيعي للسفن الصغيرة، كما يعمل على حماية المدينة من فيضان المياه التي تصب في البحر بالإضافة إلى الحماية من هجمات الغزاة.
متحف أرض اللبان
افتتح متحف أرض اللبان بمناسبة ذكرى يوم النهضة العمانية السابعة والثلاثين ذلك في 23 يوليو 2007م، ويقع تحديدا في متنزه البليد الأثري، بمساحة إجمالية تبلغ 2200 متر مربع واستغرق بناؤه مدة سنتين. ويشمل المتحف قاعتين هما قاعة التاريخ التي تعد نافذة على العديد من الشواهد الحضارية والأثرية، وتحتوي على 6 أقسام هي جغرافية عُمان، وعُمان في الأزمنة القديمة، وأرض اللبان، وإسلام أهل عمان، وملامح من التاريخ العُماني، ونهضة عُمان.
كما تبرز القاعة البحرية أهم الأحداث البحرية المهمة في التاريخ العماني وعلاقة العماني بالبحر، ومساهمة البحر في تطور العلاقات التجارية مع الدول الأخرى، ومهارة العمانيين في صناعة السفن، وتشتمل على 7 أقسام هي التراث البحري، والبحر، وبناء القوارب والسفن الشراعية، والإبحار، والتجارة، وواقع البحر الافتراضي، والنهضة.
ويوفر متنزه البليد الأثري للسياح فرصة التجول في الموقع عبر عربات صغيرة تستغرق رحلتها حوالى 8 دقائق، كذلك يوفر المتنزه للسياح فرصة ركوب قوارب خشبية صغيرة يدوية تتطابق مع القوارب التاريخية للبليد لنقل السياح في جولة عبر الخور الذي يحيط بالموقع، والذي كان سابقاً يستخدم لنقل البضائع والأغراض من السفن الراسية في البحر إلى المدينة.