1061585
1061585
مرايا

اكتشف الجمال غير التقليدي لجمهورية سورينام بأمريكا الجنوبية

12 ديسمبر 2018
12 ديسمبر 2018

يزورها الكثيرون للاستمتاع بالحياة البرية الرائعة -

يصل مجال الرؤية على ضفة نهر سورينام إلى عدة سنتيمترات فحسب، مياه قاتمة بلون الطين، ترتطم موجات صغيرة بجانب القارب الخشبي فتحدث نوعا من الإيقاع الموسيقي، السماء ملبدة بالغيوم.

وبحسب ما جاء عنها في وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ ) فإنه منذ من الوهلة الأولى، ليست جمهورية سورينام في أمريكا الجنوبية، مقصدا مفضلا لقضاء الإجازات إذا ما كان المرء يبحث عن مشاهد خلابة يلتقط لها صورا ليضعها في حسابه على موقع “إنستجرام”. فالغابات المطيرة دائما ما تبدو غائمة، ليست ظروفا أفضل الظروف لالتقاط صور تنبض بالألوان والحياة.

وفجأة، تبدأ مجموعة من دلافين فصيلة “جويانا” بالقفز فوق سطح المياه القاتمة، لتظهر مواضع بطونها بلونها الأحمر الوردي. وتبدو هذه المخلوقات المُحببة، وهي نوع صغير الحجم من الدلافين، وكأن الابتسامة لا تفارقها.

وعلى شِمال القارب، يمكن سماع صوت خوار ضعيف، فقد قام أحد الدلافين بقذف المياه من فمه في الهواء لارتفاع نحو ثلاثة أمتار، وكأن المياه تندفع من نافورة. وإلى اليمين، تبرز زعنفة ظهرية صغيرة على سطح الماء، ولكنها سرعان ما تختفي. ليس من السهل التقاط صور لها.

ولا ينكر المتطوعون الشباب على ظهر المركب ذلك… ومنذ عام 2005 تقوم مؤسسة “جرين هريتيج فاند سورينام” (جي اتش اف اس) المعنية بالحفاظ على البيئة في سورينام، بدوريات تفقدية على سطح مياه نهر سورينام صباح كل يوم أحد بمعاونة هؤلاء المتطوعين. فعندما تبزغ شمس يوم الأحد على العاصمة باراماريبو، تنطلق مهمة مراقبة أنواع الدلافين التي يهددها الانقراض.

ويرافقهم في مهمتهم صيادون محليون، كما يصحبهم بين الحين والآخر سائحون شغوفون بحب المعرفة والاستطلاع.

وتشارك مونيك بوول في “مهمة الأحد” الأسبوعية، وهي من مؤسسي “جي اتش اف اس”، وقد عايشت تطور المنظمة من مجرد مشروع صغير للحفاظ على البيئة إلى رمز للسياحة المستدامة.

وتستأجر مونيك وفريقها قاربا، بقائده، صباح كل يوم أحد. ويمكن للمؤسسة غير الربحية شراء قارب خاص بها، ولكن التأجير، يسمح بمشاركة الصيادين في المهمة.

كما تقوم المؤسسة بتنظيم رحلات سياحية مرات قليلة على مدار الأسبوع، للسائحين القليلين الذين يزورون البلاد، فسورينام تنتمي لعدد قليل من الدول التي لم تتمكن بعد من أن تصنع لها موطئ قدم على الخريطة السياحية للعالم، ولم يسمع بها الكثيرون.

وليس هناك ما يمكن أن يطلق عليه “مواطن من سورينام”، فهذه الدولة الصغيرة المستقلة في شمال أمريكا الجنوبية متعدد الثقافات، إلى أقصى ما يمكن أن يعنيه ذلك حرفيا، بسبب سنوات الاستعمار الطويلة.

واليوم، تحيا جماعات متنوعة ذات جذور غرب أفريقية وهندية وصينية وأوربية ولبنانية، معا في سلام وهدوء. وقد انعكس هذا التنوع على وجود أنواع مختلفة ومتنوعة من الأطعمة.

يمضي رودي بسيارته في شوارع باراماريبو، ذات الحارة الواحدة. وهو سائق هندوستاني جاء من غرب أفريقيا، لا يغادر المدينة على الإطلاق، ولطالما سمحت له وظيفته بلقاء الكثيرين من عرقيات مختلفة.

أما التجول خارج المدينة، فليس بالأمر الهين، بل يكاد يكون مستحيلا.

ويقول رودي: “هناك أجزاء واسعة من سورينام لا يمكن الذهاب إليها بالسيارات”، حيث أن 90 بالمائة من هذه الدولة غابة مطيرة.

ويضيف: “ جرى تطوير منطقة الساحل بشكل جيد، ويوجد إلى الجنوب /‏ خزان بروكوبوندو/‏ “ وهو خزان مياه ضخم. ومن أجل التحرك إلى ما بعد منطقة الخزان، يحتاج المرء إلى قارب، فمن الناحية العملية تفتقر البلاد إلى بنية تحتية سياحية، وبذلك ليس أمام السائحين سوى استكشاف سورينام بمعاونة منظمي الرحلات المحليين.

أما السائحون صديقو البيئة الذين يتحاشون استخدام الطيران، لن يجدوا بغيتهم هنا، فالطريق الوحيدة إلى قلب الغابة المطيرة “يأتي من أعلى.”

يصعد رونالد نويي وزوجته إلز، على متن طائرة صغيرة مخصصة للغابات، بمطار “زورج او هوب.” وبعد دقائق من الإقلاع، تختفي باراماريبو من مجال الرؤية، وتمتد الطرق الطويلة المستقيمة عبر الريف الأخضر.

وعندما تحلق الطائرة إلى أعلى حول “خزان بروكوبوندو”، وتظهر مساحات واسعة من الأراضي التي جرى إزالة الأشجار منها من أجل عمليات التنقيب غير القانونية عن الذهب، تظهر بقع مياه متلألئة باللون الأخضر والأزرق وكأنها تزين الأرض التي تبدو كالصلصال.

ويشير قائد الطائرة إلى أسفل، ويهز رأسه على نحو يظهر الاستياء: إنه الزئبق الذي يستخدم في استخلاص الذهب من الصخور، والذي ينتهي به المطاف في مياه النهر. ففي الجنوب، من الأفضل ألا يحاول أحد ممارسة الصيد على الإطلاق، وحتى في الشمال، حيث يتدفق النهر صوب البحر، فنسبة الزئبق في المياه مرتفعة.

هذه هي المرة الثانية التي يأتي فيها الزوجان، وهما من هولندا، إلى هنا.

ويقول مرشد الرحلة، اسبانيو آمازون، بعد أن هبطت الطائرة في قرية “بالوميوس” إن كثيرا من سائحي هولندا يأتون إلى سورينام، التي كانت يوما ما مستعمرة هولندية.

و اسبانيو هو حفيد أحد كبار السن في القرية، وقد نشأ في أحضان غابات الامازون في سورينام، ويعمل مرشدا سياحيا منذ كان في السادسة عشرة من عمره. أما في هذه اللحظة، فهو يعكف على وضع خطة التحرك خلال الأيام القليلة المقبلة، باللغة الهولندية، اللغة الرسمية في سورينام.

ويبزغ العشرات من السكان الأصليين من قبائل “تريو” و”وايانا” و”أكوريو” من بين ظلال الأشجار لإنزال حمولة الطائرة. مكان الإقامة لنحو 20 فردا، عبارة عن خمسة أكواخ من الخشب، وموضعين جماعيين للمعيشة.

وعلى الفور، يحملنا زورق صغير يعمل بمحرك، إلى جزيرة “باروت”، وآسفاه، لا يوجد هنا “باروتس” (بغبغاوات)، ورغم ذلك، نستمتع بنزهة خلوية فوق مقاعد، وموائد خشبية وضعت عليها السلطة الخضراء وأسماك “الانجومارا” التي توجد في المياه العذبة بأنهار أمريكا الجنوبية.

ويُخاطبُنا اسبانيو قائلا: “يمكن السباحة في مياه النهر في أمان”… فأسرعنا نخوض في المياه. وأخرج المرشد سنارة صيد قديمة ألقى بخيطها في المياه… وعلى حين غرة، تلقى أحدنا عضة من سمكة “بيرانا”، ليهرع الجميع إلى الشاطئ. من يريد أن يسبح وسط أسماك “البيرانا”؟

“البيرانا” نوع من الأسماك الصغيرة ولكنها متوحشة، وذات أسنان حادة، ولديها شهية للحوم بصفة عامة، وتوجد في جميع أنهار أمريكا الجنوبية.

وفجأة يصرخ اسبانيو في فخر وهو يدعونا إلى الهدوء،” هذه أسماك بيرانا نباتية”… إنها ليست نكتة، هذا النوع من “البيرانا” النباتية يعيش بصفة خاصة في سورينام و”جويانا الفرنسية” المجاورة.

وعلى النقيض من ذلك، ليس هناك نباتيون من البشر، ها هم يلتهمون “البيرانا” ولحوم العديد من الحيوانات الاخرى. مثل سحالي “الاجوانا” الكبيرة وطيور “الطوقان”. وما زال سكان قرية “ بالوميوس” يعملون بالصيد، رغم ما جلبته السياحة إلى قريتهم من مظاهر الحداثة. وعلى مائدة الغداء، كشف اسبانيو عن غزوات الصيد التي خاضها والتي تمكن فيها من صيد خمسة فهود.

ويأتي الكثيرون إلى القرية للاستمتاع بمشاهدة الحياة البرية الرائعة، ولا يتقبلون فكرة صيد الحيوانات. ولكن اسبانيو يقول إنهم يمارسون الصيد بشكل اضطراري. ففي إحدى المرات كان عليه أن يختار بين حياته و حياة الفهد.

وعلى الرغم من ذلك، هناك محمية طبيعية، هي “كاباليبو نيتشر ريزورت”، حيث يحظر الصيد. ويقصد الكثيرون المحمية ليشبعوا رغباتهم في مراقبة حيوان “سلوث” (الكسلان) وهو محبوب للغاية في سورينام، ولكنه معرض للانقراض على نحو خطير.

ويذهب فريق مختص بحماية “الكسلان” بصفة يومية في مهمة لإنقاذ هذا الحيوان الذي تتهدده عمليات إزالة الأشجار.

وتشرف مؤسسة “جي اتش اف اس” أيضا على حماية “الكسلان”، حيث تحمل الحيوانات إلى مراكز انقاذ ليتلقوا رعاية فائقة، ثم يحملون عائدين إلى الغابة المطيرة عندما تسمح حالتهم بذلك.

وحتى عام 2007، قامت مونيك برعاية العديد من حيوانات “الكسلان” في بيتها، وهي تقول إن أكبر حلم يراودها في هذه الحياة هو أن تملك من الأموال ما يمكنها من شراء باقي مساحة الغابة المطيرة في سورينام، وتحويلها إلى محمية طبيعية.

الحلم أمر والواقع أمر آخر يختلف تماما، حيث يتعين عليها في الوقت الحالي أن تُدبِر أمورها عبر التبرعات الخيرية التي تتلقاها المؤسسة.