654449884
654449884
عمان اليوم

قصة عظيمة مع شعب عظيم

18 فبراير 2020
18 فبراير 2020

فصولها كتبت بين شتاءي 1940 ـ 2020 -

رصد: عاصم الشيدي -

الميلاد

كانت أيام شتاء عام 1940 توشك أن تنثر جمالها على عُمان، فقد جرّ الصيف آخر أيامه الحارة، واستبشر الناس بشتاء جميل يزيح متاعب طقس قاتل. كان السلطان سعيد بن تيمور، رحمه الله، في مسقط، عندما وصلته بشارة من مدينة صلالة تقول إن السيدة الجليلة ميزون بنت أحمد المعشنية قد أنجبت ولدها البكر الذي سيحمل اسم قابوس. لم يكن الصيف الذي قضاه السيد سعيد بن تيمور في مسقط شبيها بصيف مدينة صلالة الأقرب طقسا إلى الجنة، ولذلك كانت بشارة الولد قادرة أن تنسيه ثقل الصيف وثقل السياسة.

السلطان كتبوا قصائد تهنئه بمولد ابنه، فالحياة الخاصة في القصر بقيت بعيدا عن الإشهار مثلها مثل جميع الحيوات الخاصة عند العمانيين. ومن بين أشهر القصائد التي هنأت السلطان بمولد ابنه البكر «قابوس» قصيدة القاضي الشيخ عيسى بن صالح الطائي التي يقول في مطلعها:

 

وإذا كان يوم ميلاد السلطان قابوس يوما سعيدا في حياة والده السلطان سعيد بن تيمور وعائلته فإنه كان يوما فارقا في تاريخ عُمان، وسيحتاج الأمر إلى ثلاثة عقود حتى تتضح معالم تلك المفارقة والعظمة التي حملتها تلك البشارة التي طارت من صلالة إلى مسقط. لم يكن في القصر من يقرأ المستقبل أو يضرب على الحجر ليدرك في تلك اللحظة ماذا يخبئ القدر لهذا الوليد الذي أفرح أسرته وأفرح ظفار والأماكن التي وصلها خبر مولده وكأن تلك اللحظة من التاريخ قد طبعت قبلة سرمدية على جبين عُمان.

اختار الوالد المثقف والقارئ لابنه اسما من أسماء العرب وهو «قابوس». وقابوس اسم عربي أصيل معناه وفقا لقاموس المعاني: الرجل الجميل الوجه الحسن اللون. ومن معانيه أيضا: الطاهر، اللطيف، الأصيل، النجيب، الفاتح، المؤيَّد بتأييد إلهي، شعلة، نور.

سيمضي عام كامل تقريبا قبل أن يعود السلطان سعيد بن تيمور لمدينة صلالة ليرى ابنه الوليد الذي أكمل عامه الأول.

ترعرع السلطان في كنف والده الذي أغدق عليه بالرعاية، وكان حريصا أن ينشأ ابنه تنشئة مختلفة. وكان حريصا أن يتعلم كل التقاليد العمانية التي يعتز بها العمانيون.

التعليم

في العام الخامس من عمر السيد «الصغير» بدأ الوالد مهتما بأمور تعليمه ومستقبله. وعهد بهذه المهمة لمدرسين اثنين هما حسن الجمالي وإبراهيم الحكيم. إلا أن الأمر لم يطل كثيرا، ففي سن السادسة من عمر الابن هم السلطان أن يرسله للخارج لإكمال تدريسه وفق ما يروي ذلك مدير المدرسة السعيدية في صلالة حفيظ بن سالم الغساني الذي سيصبح مدرسا للسيد قابوس منذ سن السادسة. لم يكن التدريس في ذلك الوقت حديثا وفق المناهج التي نعرفها اليوم. كان الأمر يبدأ بفاتحة الكتاب وتعليم أبجديات الكتابة ثم ينتقل لدراسة الفقه والحديث وعلوم الدين. ويقول الغساني إن السلطان سعيد بن تيمور بعد أن عهد له بتدريس ابنه وهو في سن السادسة سافر إلى مسقط وعاد بعد عام كامل ليجد ابنه وقد قطع شوطا كبرا من التعليم نتيجة استعداده الفطري وحبه للعلم.

وداعا صلالة

وإذا كان ميلاد السلطان «قابوس» نقطة تحول مهمة في تاريخ عمان ستكشف تفاصيلها لاحقا فإن عام 1958 كان نقطة تحول في مسيرة السلطان قابوس نفسه. فلم يكن حتى ذلك الوقت قد غادر مدينة صلالة أبدا. في هذا العام قرر السيد سعيد بن تيمور، رحمه الله، إرسال ابنه لمواصلة دراسته في بريطانيا. ولنا أن نتخيل اليوم حجم التأثير الذي يمكن أن يتأثر به شاب عاش طفولته وبداية شبابه في مدينة صلالة في أربعينات وخمسينات القرن الماضي وفجأة يجد نفسه في بريطانيا.

ولذلك كانت هذه المرحلة نقطة مهمة في حياة السلطان الراحل.

استقل السلطان قابوس طائرة عسكرية في طريقه إلى بريطانيا وكان الهدف الأساسي الالتحاق بالأكاديمية العسكرية الملكية «ساند هيرست» الكلية العريقة التي تخرج منها الكثير من قادة العالم العسكريين والسياسيين. لكن لم يتوجه السلطان قابوس إلى هناك مباشرة، كانت خطة والده تقضي بأن يستبق هذه المرحلة بدراسة تحضيرية تستطيع أن تهيئه للمرحلة التالية.

ولذلك توجه السلطان الراحل إلى قرية فيلشام التي تبعد حوالي 16 كم شرق بري سانت إيدموندز في دوقية سوفولك شرق العاصمة البريطانية لندن، كانت المدينة ساحرة الجمال، يتخالط فيها جمال الطبيعة بعراقة المباني التاريخية.

هناك تعلم السلطان قابوس على يدي فيليب رومان وهو أكاديمي معروف يهيئ لتلاميذه تدريبا خاصا يسبق المرحلة الجامعية.

وكان يشرف على تعليم السلطان في تلك المرحلة الرائد ليسلي تشونسي الذي يحظى بعلاقة وثيقة بعمان وبالسلطان سعيد بن تيمور حيث كان قد شغل في عام 1949 منصب المستشار البريطاني بمسقط.

ويذكر الدكتور سرجي بليخانوف في كتابه «مصلح على العرش» أن السلطان قابوس، رحمه الله، فور وصوله إلى لندن انهالت عليه الفوارق والانطباعات كسيل عرم، وكان شابا سريع التأثر لما يشهده ويراه، النباتات والمباني والناس والسيارات، كل شيء أثار اهتمامه إلى أبعد الحدود.

ويضيف صاحب مصلح على العرش «أما دوقية سوفولك التي اختارها السلطان سعيد بن تيمور مقرا للمرحلة الأولى من دراسة ابنه، فهي فضاء من المروج، والحقول، والأجمات، والمستنقعات والجداول، والغدران... تخلّص القطار من أطراف لندن المتلاصقة بجدرانها القرميدية الحمراء وانطلق بين الهضاب المنحدرة المكسوة بغابات واطئة، والمدن الصغيرة المبنية من منازل متلاصقة متماثلة من طابق أو طابقين، ومداخن الطابوق تعلو سطوحها، والقصور القديمة تطل على برك داهمتها الحشائش والأعشاب. وفي الحقول تمشي الهوينى أسراب من طيور كبيرة سوداء وقطعان البقر والأغنام ومجاميع الخيل في المروج الخضراء».

وسط هذه الأجواء عاش السلطان قابوس عامين من أهم أعوام حياته، أثرت فيه كثيرا، وأثرت على رؤيته للكثير من التفاصيل والأحداث القادمة التي سيمر بها وهو يتقلد مقاليد السلطة في بلاده. كانت مدينة حالمة، تتيح لساكنها الفرصة الكافية للتأمل في الحياة، والتفكير فيما يحدث في العالم وقراءته بهدوء، كانت الطبيعة تقف إلى جوار ذلك المتأمل بعمق كبير.

وفي مدينة بري بدأت الكثير من ملامح شخصية السلطان قابوس تظهر ومعها ظهرت بعض هواياته. ففي هذه المدينة نما حب قابوس للموسيقى التقليدية، التي بدأ يولع بها منذ كان في بلاط والده في مدينة صلالة التي كانت الطبيعة تعزف فيها أجمل سيمفونية في جزيرة العرب، لكن في بري تحول الولع من الموسيقى العمانية المحلية إلى الموسيقى في بعدها العالمي وهي التي ستلقى لاحقا الكثير من العناية والاهتمام من السلطان شخصيا، وفي هذه المدينة بالتحديد أحب السلطان موسيقى الأورغن.

وكانت بري فرصة جيدة للاطلاع على الثقافة الغربية والغوص في عالم الروايات القديمة والمصنفات التاريخية ودراسة الآثار المعمارية. خاصة وأن المنازل في المدينة وما يحيط بها من واحات تدعو للكثير من التأمل.

كانت مدينة بري مهد القانون حيث صدر في ديرها الأشهر «أدموند» أول نموذج لدساتير ذلك الزمان من القرن التاسع الميلادي، كان هذا الأمر حاضرا في ذهن السلطان وهو يسير في شوارعها، ويتأمل مبانيها العظيمة وتاريخها القديم وما خاضته من حروب طويلة.

مضت السنتان من عمر السلطان قابوس واستطاع خلالها فهم الكثير مما يدور في العالم وفَهِم بشكل أعمق مشاكل العالم المعاصر وقضاياه.

في هاتين السنتين استطاع السلطان قابوس أن يرى الغرب ويفهم اهتمامه ويعرف نظرته لما يحدث في العالم ومن أي منطلق ينطلق وفقا لفهم ثقافته.

بعد أن أنهى السلطان قابوس دراسته التحضيرية في مدينة بري وأتقن اللغة الإنجليزية بشكل جيد جدا توجه إلى الكلية العسكرية الملكية «ساند هيرست» للدراسة كضابط مرشح. وفي شهر أغسطس من عام 1960 بالتحديد دخل السلطان قابوس الكلية الملكية وفيها أمضى عامين آخرين نهل خلالها الكثير من العلوم العسكرية والاستراتيجية واستمع إلى الكثير من تجارب القادة العسكريين العظام أمثال المارشال مونتجمري الذي زار الكلية مرارا خلال فترة دراسة السلطان قابوس فيها.

وفيها عاش السلطان حياة العسكرية بكل تفاصيلها بما فيها من ضبط وربط، وبما فيها من صبر على مشقة العمل، وبما فيها من تفكير في الجوانب الاستراتيجية.

وفي مدينة ميندين الصغيرة في شمال غربي ألمانيا أمضى الملازم ثان قابوس بن سعيد سبعة أشهر في الخدمة العسكرية وحصل هناك على الكثير من الخبرة في مجال عمله لا تقل عن تلك التي اكتسبها خلال دراسته في الأكاديمية في الكلية، فقد كان قائدا لوحدة مشاة آلية، ومارس تطبيقات علمية في هيئات الأركان على اختلاف مستوياتها وساهم في المناورات المخصصة لإتقان العمليات المشتركة بين شتى أصناف القوات.

وعندما اطمأن السلطان سعيد بن تيمور أن ابنه قد أنهى بنجاح ما كان قد خططه له، بدأ له أن الفرصة قد حانت ليرى ابنه قابوس العالم بكل اختلافاته وتجلياته وتناقضاته، وخطط له رحلة يطوف بها العالم لمدة ثلاثة أشهر. كان السلطان سعيد يريد لابنه أن يرى أن العالم لا يتمثل في النموذج الغربي فقط، بل هناك نماذج أخرى في الشرق والغرب.

وتعتبر تلك الرحلة من المحطات المهمة التي أثرت في حياة السلطان قابوس، لقد رأى العالم في 90 يوما واستطاع أن يعقد مقارنات بين الشرق والغرب حضاريا ولكن في بعدين اثنين: التقدم والقيم والأخلاق.

عزلة القصر

كانت مرحلة العزلة التي عاشها السلطان قابوس، طيب الله ثراه، في ملحقه الخاص بالقصر بعد عودته من بريطانيا لها أثر بالغ في حياته. كان السلطان سعيد بن تيمور يريد لابنه أن يتعمق في دراسة تاريخ عمان ودراسة الفقه الإسلامي بعد سنوات قضاها في بريطانيا عاش فيها حياة غربية بعيدا عن التقاليد العمانية، لكن الأمر عندما طال نظر له السلطان قابوس، طيب الله ثراه، وكأنه عزلة جبرية أو أقرب ما يكون بالإقامة الجبرية.

لكن السلطان قابوس استغل تلك المرحلة لمزيد من التأمل، والتأمل جزء من شخصية السلطان الراحل، فتأمل وقارن بين الشرق والغرب، وبين مراحل التاريخ العماني. وكانت هذه المرحلة ثرية جدا بالقراءة، فقد قرأ كتب التاريخ العماني وكتب الفقه، وسيتحدث السلطان الراحل عن هذه المرحلة القرائية كثيرا ومدى تأثيرها في حياته.

إرادة التغيير

كان يوم 23 يوليو 1970 يوما استثنائيا في تاريخ عمان، وتلك الاستثنائية صنعتها إرادة السلطان قابوس الذي رأى أنه لا مجال من أجل مستقبل عمان إلا أن يحدث تغييرا جذريا خدمة للبلاد وتاريخها المجيد. وبتلك الإرادة حصل التغيير في عمان وسرعان ما سرى الخبر في كل أرجاء عمان والعالم واستقبل محليا بترحاب كبير خاصة بعد أن سمع الناس كلمات السلطان الجديد وهو يخاطبهم بعبارات «شعبي» و«أصدقائي» ووعدهم أن «فجرا جديدا سوف يشرق على عمان وأهلها» وأشرق الفجر سريعا، وأبصر الناس الدرب الذي أراده السلطان لعمان.

ولكن الأمر لم يكن بالبساطة التي يمكن أن يتوقعها البعض. كان لا بد من حروب، ليست حروب سلاح فقط، ولكن الأهم منها حروب التنمية. وخاض السلطان تحدي التنمية لأن التنمية وحدها التي كانت بإمكانها أن يقنع الناس وتجعلهم يؤمنون معه بالعهد الجديد.

نصر 1975

كان انتهاء الحرب في جبال ظفار محطة مهمة من محطات مسيرة السلطان الراحل. لأسباب كثيرة ليس آخرها أن إيمان السلطان كان راسخا أن لا تنمية بدون استقرار، ولا استقرار مع قلاقل مهما كانت صغيرة؛ فهي من شأنها أن تعكر صفو المشهد ومعيشة المواطنين البسطاء. لقد أعطى النصر الذي حققته قوات السلطان في 11 ديسمبر من عام 1975 دفعا كبيرا لمسيرة النهضة. ويعتبر البعض أن هذا التاريخ هو التاريخ الحقيقي لبدء النهضة العمانية، رغم أن عُمان كانت قد حققت في هذا التاريخ تقدما كبيرا في المسيرة وبدأت ثمار النهضة تعم جميع الولايات العمانية.

وألقى السلطان في ذلك اليوم خطابا مهما تحدث فيه بفخر بالمنجز الذي تحقق.

ورغم أن هذا الحدث واحد من أهم أحداث السبعينات في عُمان إلا أن السلطان سرعان ما غير اسم عيد النصر إلى يوم القوات المسلحة. فقد عاد الجميع بعد تلك المرحلة جميعهم تحت لواء عمان ولواء قائدها، فلم ترد إنسانية السلطان أن يشعر الذين كانوا في الطرف الآخر أن هناك من يفرح في يوم ربما فقدوا فيه أعزاء عليهم.

نهضة الثمانيناتكانت مرحلة الثمانينات من عمر النهضة مرحلة البناء الحقيقي في عمان، ولذلك خاضها السلطان الراحل بعزيمة وإرادة قوية. وبدأت رؤية دولة المؤسسات تتضح أكثر في عقد الثمانينات فيما كانت خيوط التنمية تمتد إلى كل مكان في السهل وفي الجبل.

وفي مطلع عقد الثمانينات أعلن السلطان عن إنشاء المجلس الاستشاري في خطوة أولية نحو الديمقراطية. ورغم أن المجلس لم تكن لديه صلاحيات رقابية وإنما دوره استشاري فقط إلا أن الأمر ينظر له من منظار أن ذلك المجلس كان العتبة الأولى التي ستؤسس لمرحلة ديمقراطية تبدأ مطلع التسعينات عندما أعلن السلطان عن إنشاء مجلس الشورى.

ومن بين أهم المشاريع التي أنجزت في عقد الثمانينات يأتي مشروع افتتاح جامعة السلطان قابوس لتنقل التعليم في عمان نقلة نوعية.

والمتأمل يرى أن الأمور كانت تحدث بتسلسل مدروس، وكل مشروع يأتي في وقته تماما.

الشورى بالطريقة العمانية

وفي عمان 1991 تأسس مجلس الشورى، وبدأ بداية بطريقة قريبة من التعيين، حيث يختار أعيان كل ولاية ممثلهم في المجلس، ثم بعد ذلك انتقل المجلس إلى مرحلة الترشيح ولكل عن طريق نسبة معينة في الولاية لكن سرعان ما تحول الأمر ليشارك في الانتخابات كل مواطن بلغ سن الـ 21 من العمر، وكانت هذه المرحلة مرحلة مهمة في مسيرة السلطان قابوس.

حادث السير

تعرض السلطان قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، في عام 1995 لحادث سير طبيعي ولكنه أليم حينما كان يقود سيارته في مدينة صلالة. كان ذلك الحادث نقطة محورية في مسيرة السلطان. واهتمت الصحافة العالمية بالحادث وكتبت عنه الكثير من الصحف والمجلات إلا أن مجلة العالم العربي تناولت الموضوع بطريقة مختلفة حين طرحت سؤال: ماذا لو كانت نتيجة الحادث أكبر من ذلك؟ وكانت الصحيفة تعني ماذا لو فقد السلطان حياته في ذلك الحادث ولا يوجد في عمان قانون واضح حتى ذلك الوقت في كيفية انتقال السلطة.

وهذا السؤال دار كثيرا في العديد من الصحف والمجلات.. كان لطف الله بعمان كبيرا.

لم يمض عام كامل من ذلك الوقت حتى أصدر السلطان قابوس بن سعيد مرسوما سلطانيا في نوفمبر من عام 1996 حملت مواده تفاصيل الدستور العماني، ورغم أن المرسوم لم يتحدث عن الدستور ولكن عن النظام الأساسي ولكنه نظام يقوم مقام الدستور.

وكان السلطان قد عهد في ذلك الوقت إلى أربع شخصيات عمانية وعرض عليهم ما يدور في ذهنه، وأعطاهم وقتا للتفكير استمر عاما كاملا لبلورة ما حدثهم عنه على هيئة نظام أو وثيقة قانونية، وعقد السلطان معهم لاحقا اجتماعا ثانيا وثالثا حتى وصل إلى مرحلة الرضى.

عتبة في الألفية

دخلت مسيرة السلطان قابوس في بناء عمان في الألفية الجديدة مرحلة مهمة جدا. وكانت تلك المرحلة نتيجة لما حققه السلطان الراحل في العقود الثلاثة السابقة لها، فقد شهد العالم في هذه المرحلة حربا طاحنة مع الأرهاب القاتل. وكانت عمان وسط إقليم ملتهب دارت فيه معارك الإرهاب إلا أن أرض عمان بقيت طاهرة منه ولم تدنس تربتها به أو بشيء من شروره أبدا.

وكانت هذه الحقبة قد شهدت تطورا في النظام القانوني والقضائي في عمان ما كرس فكرة دولة المؤسسات.

كما توجهت الدولة في هذه المرحلة نحو الانفتاح الاقتصادي وظهرت مشاريع اقتصادية عملاقة مثل ميناء صحار وبدأت الخطوات التأسيسية لمنطقة الدقم الاقتصادية.

وكانت كل خطوة من هذه الخطوات هي مرحلة مهمة في حياة القائد الراحل ساهمت في وصول عمان والعمانيين إلى اللحظة النهضوية الحالية.

الرحيل وإرهاصاته

كان عام 2014 عاما مفصليا في تاريخ عمان وفي حياة السلطان الراحل، طيب الله ثراه، ففي هذا العام بدأت رحلة السلطان مع المرض. ومع هذه البداية بدأ قلب عُمان ينبض بالخوف واستمر الأمر إلى أن رحل السلطان مساء العاشر من يناير الماضي بعد مسيرة مشرفة في خدمة عمان والإنسانية. وكتب الرحيل الفصل الأخير من حياة أهم قائد عماني في تاريخ عمان الذي يمتد لأكثر من خمسة آلاف سنة. وكان الجو شتاء أيضا ولكنه هذه المرة شتاء مسقط وليس شتاء صلالة، وبين شتاء الميلاد وشتاء الرحيل قصة جميلة بنت دولة عظيمة.