باحثون: 60 % من سكان السلطنة يحملون إحدى جينات أمراض الدم الوراثية و10% منها لأمراض دم خطيرة
80 % ممن قاموا بالفحص قبل الزواج تزوجوا رغم نتائج الفحص -
محافظتا الداخلية والشرقية أكثر المحافظات تأثرا بمرض فقر الدم المنجلي -
كتبت - مُزنة الفهدية -
أشارت آخر المسوحات الصحية في السلطنة إلى مدى انتشار أمراض الدم الوراثية بشكل كبير مقارنة بعدد السكان حيث إن نسبة الأفراد المصابين بالمرض تصل إلى 9% ونسبة حاملي فقر الدم المنجلي 6% ومرض الثلاسيميا 2% بين الأطفال العمانيين أقل من 5 سنوات، وبالرغم من التطور الحاصل في النظام الصحي بالسلطنة والجهود المبذولة في هذا الخصوص إلا أن لغة الأرقام ونسبة الأمراض تشير إلى تزايد أعداد المصابين بهذه الأمراض.
وحسب ما تؤكده الدراسات المسحية بالسلطنة المركزة في مرض فقر الدم المنجلي والثلاسيميا ومرض نقص الخميرة أن محافظتي الداخلية والشرقية من أكثر المحافظات تأثرا بمرض فقر الدم المنجلي، وهو مرض وراثي يصيب نخاع الدم وينتج عنه نقص في الدم وتغيرات في شكل كريات الدم الحمراء أما مرض الثلاسيميا فهو مرض وراثي يصيب نخاع العظم وينتج عنه نقص في الدم بحيث تكون كريات الدم الحمراء غير قادرة على القيام بمهامها نظرا لتكسرها المستمر قبل أوانها.
إحصائيات
وأوضحت الدكتورة ثريا بنت سيف الحوسنية رئيسة الجمعية العمانية لأمراض الدم الوراثية أنه لا توجد في السلطنة حتى الآن بيانات دقيقة حول أعداد المصابين والحاملين لأمراض الدم الوراثية، إلا أن آخر الإحصائيات التي قامت بها مجموعة من الباحثين من جامعة السلطان قابوس ووزارة الصحة أشارت إلى أن حوالي 60% من سكان السلطنة يحملون إحدى جينات أمراض الدم الوراثية و10% منها جينات لأمراض دم خطيرة، كذلك أشارت الإحصائيات بأنه يولد سنويا حوالي 150-170 طفلاً مصاباً بفقر الدم المنجلي وحوالي 25 طفلا مصاباً بالثلاسيميا العظمى سنوياً، أي أنه يوجد حاليا حوالي 8 آلاف شخص مصاب بالأنيميا المنجلية في عمان.
من جهته قال البروفيسور سلام بن سالم الكندي أستاذ واستشاري أمراض الدم بمستشفى جامعة السلطان قابوس (يمكن تقسيم إحصائيات أمراض الدم الوراثية في عمان إلى عدة جوانب أولا: أمراض الدم الوراثية بشكل عام هي من أكثر الأمراض الوراثية انتشارا على مستوى العالم، حيث تشير الإحصاءات إلى أن هناك نسبة 5% من سكان العالم يحملون جين الثلاسيميا تقريبا وان أكثر من 500 مليون شخص يحملون جين فقر الدم المنجلي على مستوى العالم فنحن نتحدث عن أمراض منتشرة انتشارا واسعا).
وأضاف ان (أمراض الدم الوراثية متعددة ولكن عندما نتحدث عن أمراض الدم الوراثية الشائعة فنحن نتحدث عن أمراض الدم المتعلقة بخلايا الدم الحمراء التي يكون داخلها الهيموجلوبين، وأمراض الهيموجلوبين يتم تقسيمها الى ثلاثة أنواع فهناك أمراض عددية متعلقة بالعدد وأمراض متعلقة بطبيعة خلية الدم الحمراء أو الكيف وهناك أمراض متعلقة بالأنزيمات أو ما يعرف بنقص الخميرة وهو الأكثر انتشارا على مستوى السلطنة حيث إن 25% من الرجال و12% من النساء يعانون من هذا المرض لكن في الغالب هذا المرض غير مقلق طالما أن الشخص لا يتعرض للنوبة ولا يعاني من أي مرض لذا يجب التركيز على المرض بحجم تأثيره على المجتمع، أما بالنسبة للأمراض العددية فنحن نتحدث أن هنالك هيموجلوبين يتكون من (أ) و(ب) ويتم انتاجهما بكميات متوازنة من مكانين مختلفين فإذا نقصت سلسلة (أ) تسمى ثلاسيميا (أ) وإذا نقصت سلسلة (ب) تسمى ثلاسيميا (ب)».
وأكد البروفيسور سلام الكندي أن الإحصائيات تشير إلى أن حوالي 48% من سكان السلطنة يحملون جينا من الأمراض المتعلقة بالثلاسيميا (أ) ولكن لحسن الحظ أن هذا المرض لا يسبب خطورة كبيرة بينما النوع الثاني من الثلاسيميا (ب) تعد الأشد ويعاني منها 2.6% من السكان وفي أخطر أوضاعها أن يعاني المريض من الثلاسيميا (ب) العظمى وهؤلاء المرضى يحتاجون إلى تسقية الدم طوال حياتهم).
وعرج في حديثه عن المجموعة الثالثة وهي الأمراض المتعلقة بشكل خلايا الدم المنجلي وهذا يعاني منه حوالي 6% من سكان السلطنة ويحملون جينا من هذه الجينات منهم حوالي 0.3% مصابون بهذا المرض ويعانون من مشاكل مختلفة ناتجة عن فقر الدم المنجلي، متأملا أن تكون هناك إحصائيات دقيقة وحديثة حول مدى انتشار هذه الأمراض في السلطنة.
أبحاث علمية
وتطرق في حديثه إلى الأبحاث التي تقام في عُمان حول أمراض الدم الوراثية فهي في المجمل نستطيع أن نقسمها ضمن ثلاث مجموعات، المجموعة الأولى تتعلق بالمسوحات حول مدى انتشار هذه الأمراض، حيث قامت السلطنة بعمل مجموعة من هذه الدراسات والمسوحات يأتي في مقدمتها دراسة أجرتها وزارة الصحة في عام 1995م شملت عينة فوق 5000 عائلة من جميع محافظات السلطنة، وأوضحت الدراسة مدى انتشار هذه الأمراض في مناطق مختلفة من السلطنة تبعتها بعد ذلك دراسات ومسوحات قام بها باحثون من جامعة السلطان قابوس ووزارة الصحة ومن مختلف الجهات البحثية ذات العلاقة وكلها تشير إلى نفس النتائج وبنسب متقاربة تقريبا.
أما المجموعة الثانية من البحوث هي ما يتعلق بطبيعة هذه الأمراض والمضاعفات الناتجة عنها حيث توجد أبحاث ودراسات صغيرة قامت بها مجموعة من الباحثين بالسلطنة ونشرت في دوريات عالمية محكمة حول المضاعفات الناتجة عن هذه الأمراض في الثلاسيميا وأيضا لفقر الدم المنجلي وكيفية التعامل معها، ويستطيع الباحث العماني المساهمة في البحوث المتعلقة بهذا المجال على مستوى إقليم الشرق الأوسط، وبالنسبة للمجموعة الثالثة المتمثلة في مشاركة الباحث المحلي في البحث عن علاج لهذه الأمراض ولله الحمد توجد مجموعة من الباحثين بجامعة السلطان قابوس لهم مشاركات لدراسات عالمية ما يسمى (بالترايلز) بجانب مجموعة من الباحثين الدوليين حيث إن لي شخصيا تجربة في هذا المجال لإحدى الدراسات التي تجرى لمرض فقر الدم المنجلي لاختبار أدوية جديدة وكان لنا مساهمات في هذا المجال وهي تبرز للعالم مدى الاهتمام البحثي والمؤسسي للسلطنة والإمكانيات المتوفرة للحد منها او إيجاد علاج لهذه الأمراض.
وقال الدكتور مسلم بن سعيد العريمي رئيس الاستشارات الوراثية والتعليم الوراثي بالمركز الوطني للصحة الوراثية (إن الأبحاث الحالية تركز على التدخل العلاجي في أمراض الدم الوراثية حيث لا يوجد حاليا أية علاجات واضحة لعلاج المرض إلا عن طريق الخلايا الجذعية وهي متوفرة في المستشفى السلطاني والمستشفى الجامعي، كما أن البحوث في أمراض الدم الوراثية مجال خصب وواسع ولم يتم التركيز عليه بشكل فاعل، حيث إن العلاج المتوفر حاليا بزرع النخاع او بالخلايا الجذعية وهذا ما نحتاج اليه في الوقت الحالي وهو مكلف ماليا).
تأثيرات المرض
وكشفت دراسة بحثية قام بها الباحث يحيى بن عبدالله السناني في جامعة نزوى بعنوان المشكلات النفسية والاجتماعية للمرضى المصابين بفقر الدم المنجلي وأسرهم بمحافظة الداخلية في ضوء بعض المتغيرات ووجود مشكلات نفسية واجتماعية على المريض أبرزها القلق المستقبلي ونظرات الشفقة من الآخرين والحزن على عدم القدرة للمشاركة في الأنشطة المختلفة وقت المرض والخوف عند التفكير في المستقبل الوظيفي ودوره في بناء المجتمع الأمر الذي يشغل بال المرضى ويسبب لهم القلق خاصة عندما تأتي نوبات الألم فجأة، عوضا عن المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها المريض ومنها صعوبة التنقل والسفر وعدم القدرة على مساعدة الآخرين والاعتماد الزائد من قبل المريض على الآخرين مما قد يشعر المريض بنقص قيمته وذاته وتنتابه مشاعر العطف والشفقة من الآخرين.
كما أن المريض يضطر للتنويم في أوقات كثيرة ويحتاج إلى أدوية مخدرة قوية بسبب نوبات الألم الشديدة الأمر الذي قد يسبب لهم فقدان أيام كثيرة خاصة إذا كانوا طلبة مدارس مما يؤثر على مستواهم الدراسي وإذا كانوا ممن يعملون قد يضطرون إلى التنويم أحيانا مما قد يتسبب لفصل البعض منهم فصلا تعسفيا، كذلك يواجه مرضى الأنيميا المنجلية إشكاليات بسبب نظرة المجتمع خاصة الشباب المصابين بهذا النوع من المرض عندما يتقدمون للزواج يواجهون صعوبة في هذا الجانب بسبب هذه النظرة الرافضة لهم وانه لا يمكن تزويجهم مما قد يسبب للمصابين بهذه الأمراض الوراثية أزمات نفسية شديدة وهناك مجموعة من حالات الانتحار والاكتئاب سجلت في هذا الجانب، وقد يمتد تأثير المشكلات النفسية إلى أهل المريض المصاب بأمراض الدم المنجلية.
الحد من الأمراض
يعد تثقيف المجتمع بأهمية الفحص المبكر أمر مهم يساهم في الحد من زيادة المصابين بهذا المرض، وهناك مقترح أن يكون هذا الفحص خلال فترة الدراسة بالنسبة للشباب (الصف العاشر) نظرا لكون الشاب في هذه الفترة يكون مناسبا لإجراء الفحص من كافة الجوانب عوضا عن اجراء الفحص قبل فترة الزواج الذي قد يقابل بالرفض، حسب ما أشارت الدراسات المسحية التي أجريت في هذا الجانب إلى أن 80% ممن قاموا بالفحص قبل الزواج تزوجوا بالرغم من نتائج الفحص التي بينت مدى تأثرهم بأمراض الدم الوراثية ( وفي هذا الجانب أقر مجلس الوزراء بتاريخ 3 نوفمبر 2019 قيام وزارة الصحة بالتنسيق مع الجهات المعنية ووزارة التربية والتعليم لإجراء الفحص المبكر لأمراض الدم الوراثية لطلبة وطالبات الدبلوم العام).
كما أن العلم وصل لمرحلة متقدمة من التعامل مع المرض وبدون الوقاية تبقى الأدوية الحديثة تساعد على تقليل حدوث الأزمات وتخفيف حدة الألم مع التنويم والتطبيب، حيث أن الصحة والإعلام والمجتمع هم مثلث المعلومة الوقائية ولابد من تطوير طرق توصيل المعلومة لتتناسب مع وعي المجتمع والبعد عن الأساليب التقليدية.
ودعا مسؤولون إلى أهمية تضافر الجهود للحد من ارتفاع نسبة المصابين بأمراض الدم الوراثية بالسلطنة وهذا يعتمد على مدى قناعة المجتمع بضرورة الفحص الطبي المبكر لهذه الأمراض كما ينبغي أن تعطى البحوث العلمية اهتماما أكثر في هذا المجال، إلى جانب ضرورة إيجاد حل سريع لمشكلة عدم تقبل المجتمع للفحص الطبي المبكر، كذلك نجد أن بعض المسوحات أظهرت بأن التكلفة السنوية لعلاج مرض فقر الدم المنجلي للمرضى المولودين سنويا تصل إلى 40 مليون ريال عماني، و15 مليون ريال عماني للمصابين بمرض الثلاسيميا، بينما نجد أن تكلفة الوقاية من هذه الأمراض لا تتعدى 10% من هذه الأرقام، وذلك حسب ما جاء في نشرة إضاءات علمية العدد 25 التي يصدرها مجلس البحث العلمي.