صحفيات «عمان» الأُولَيَات يسردن دور الجريدة في تنمية الأسرة وتمكين المرأة
عزيزة الحبسية: كان للقضايا المجتمعية صدى وتأثير واسع وشهدنا حركة تمكين كبيرة للنساء في نهاية التسعينيات -
نضال البحرانية: في مرحلة مبكرة كان الصحفي يتوجه للقراء لتثقيفهم واليوم يتوجه إليه الناس لنقل أصواتهم وقضاياهم -
وردة اللواتية: طبيعة العمل قبل 10 أعوام كانت شاقة على النساء ونضطر للعمل حتى منتصف الليل في أحيان كثيرة -
فاطمة الإسماعيلية: الإقبال على قراءة القضايا والموضوعات المجتمعية جعلتني استمر في الكتابة حتى بعد تغيير مهنتي -
مشهدُ يتكرر في كل منزل، الأم وهي تتصفح جريدة «عُمان» من دفتها اليسرى بحثا عن موضوعات الأسرة والمجتمع، فمنذ بدء انطلاقها في عام 1972م أخذت جريدة «عُمان» على عاتقها تثقيف النساء ورفع مستوى وعيهن إلى جانب أفراد المجتمع بقضايا الصحة والتعليم والعناية بالطفل، وحرصت على استقطاب الكفاءات النسائية العمانية لنقل أقرب صورة ممكنة للبيت العماني واحتياجاته.
وتحدثت «عُمان» على هامش احتفالها بإتمام عامها الـ50 إلى مجموعة من المحررات اللاتي وضعن بصمة في تحول وتطور شكل صفحات المرأة والطفل ووصوله لملحق متخصص يصدر نهاية كل أسبوع.
وفي حديث لـ«عُمان» قالت عزيزة بنت سليم الحبسية، وهي من أوائل النساء اللاتي التحقن بالجريدة: إنها حين باشرت العمل في بداية التسعينيات انضمت إلى قسم المرأة، وكان عمرها آنذاك 17 عاما، حيث قادها شغفها للكتابة منذ نعومة أظافرها إلى اجتياز اختبار القبول في وظيفتها كمحررة بعد تخرجها من الثانوية العامة مباشرة.
وحول دور المرأة في جريدة «عُمان» آنذاك قالت: أولت الجريدة اهتماما خاصا بقضايا المرأة والطفل والصحة في نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثانية، حيث نشأت ونشطت في سلطنة عمان آنذاك الجمعيات النسائية بالإضافة إلى الحملات الصحية والتنموية وكان لا بد للخطاب الإعلامي أن يتوجه للأسرة لتوعيتها، وما لمسناه هو تقبل وإقبال كبير على هذه القضايا من المجتمع بل واستجابة كبيرة.
وكانت تلك هي الفترة التي رأينا فيها أكبر تمكين لأدوار المرأة في المجتمع فبدأن بالانضمام بصورة أكبر للقطاع الخاص وزاد انخراطهن في المجالات الثقافية.
لم يكن الأمر سهلا، هكذا اختصرت عزيزة إجابة سؤالي حول طبيعة عملها كمحررة صحفية في ذلك الوقت، ثم تابعت: لم تكن هناك تقنيات حديثة مما يعني أن أجهزة التصوير والتسجيل الكبيرة كانت بحوزتي طوال الوقت، فلا أحد يدري ماذا من الممكن أن يحدث خلال المرور بجانب مدرسة أو مستشفى، وكصحفية كان عليّ أن أكون متأهبة دائمًا، وعلى عكس المتوقع لم يثر منظري المثقل بالمعدات استغراب المجتمع، وكان الجميع متعاونا.
وتابعت عزيزة الحبسية: كوني امرأة أسهمت في نقل قضايا المرأة والطفل وإيصالها للمجتمع كما ينبغي، إلا أن التحدي الأكبر لي كان في داخل صالة التحرير، حيث كنا امرأتين فقط، وكان عليّ أن أثبت نفسي لأكسب احترام وثقة من حولي.
قصة نضال
وكانت نضال بنت عباس البحرانية، وهي من النساء اللاتي التحقن بالجريدة في ثمانينيات القرن الماضي، ومن النساء اللاتي أخذن على عاتقهن تنمية النساء وتثقيفهن من خلال صفحات الجريدة، وحول مسيرتها تحكي قائلة: انضممت لجريدة «عُمان» في عام 1988 وقضيت 11 عاما في كتابة وتحرير المواد الصحفية في قسم المرأة على يدي أستاذتي فاطمة غلام، فبالرغم من دراستي للصحافة والإعلام في الأردن إلا أن الكتابة للمجتمع العماني وفهمه كان يتطلب خبرة وتجربة.
وقضت البحرانية سنواتها الأولى تكتب للطفل وقضاياه، وبعد تخصيص قسم للمرأة تنوعت الموضوعات المطروحة، وحول ذلك قالت: كنت أستمتع بالكتابة وخاصة التحقيقات، وكانت موادنا مقروءة وتلقى استجابة جيدة من النساء والمجتمع، ولعل أبرز ما كتبت كان تحقيقا حول عمل المرأة في خياطة الكمة العمانية الذي لقي استحسانا من المسؤولين وكانت له أصداء جميلة لا أنساها.
وترى البحرانية أن توجه الصحافة اليوم بات مختلفا، فبعد أن كانت وظيفة الصحفي تقتضي تناول قضايا المجتمع وتوعيتهم وتثقيفهم، بات المواطنون اليوم يتوجهون للصحفي لنقل أصواتهم للمسؤولين وأصحاب المصلحة.
إن تحديات الصحافة في الثمانينيات والتسعينيات في ظل غياب التكنولوجيا الحديثة لم يكن التحدي الوحيد أمام نضال، حيث عانت من حالة صحية كانت تمنعها من قيادة السيارة، وتقول: كنت مولعة بالصحافة وتجاهلت مشكلتي الصحية التي لم تمكني آنذاك من تعلم القيادة فكان الوصول لبعض الأماكن تحديا بالنسبة لي، ولكن لم يمنعني ذلك من النزول للميدان وجمع المعلومات. ولم تكن التكنولوجيا آنذاك معينة لنا بل على العكس، ففي مرة من المرات وبعد انتهائي من عمل مقابلة صحفية مطولة اجتررت آلتي التسجيل والتصوير إلى الجريدة لأتفاجأ بأنهما خذلتاني ولم تلتقطا أو تسجلا أي شيء، وأعتقد بأن أمرا كهذا يمكن تفاديه اليوم.
تضحيات مدفوعة بشغف
وحيدة في قسم الأخبار المحلية بين ما يقارب 15 صحفيا، هكذا بدأت وردة بنت حسن اللواتية عملها في جريدة «عُمان» عام 1993 بعد تخرجها من قسم الصحافة والإعلام بجامعة السلطان قابوس، حيث تقول: بدأت علاقتي بجريدة «عُمان» منذ أن كنت طالبة في المدرسة، كنا نحرص آنذاك على شراء الجريدة ومطالعتها باستمرار، وكنت محظوظة بالعمل فيها بعد التخرج. لم يكن في صالة التحرير أكثر من 4 محررات نساء، وكنت وحدي في قسم الأخبار المحلية وكانت زميلاتي في قسم المرأة، ورغم ذلك كنت أتابع الوزارات المعنية بالتنمية والأسرة والصحة والبلديات الإقليمية، انتقلت بعد ذلك للكتابة في قسم الأسرة، ثم أشرفت على ملحق «مرايا» المتخصص في قضايا الطفل والمرأة والمجتمع.
ويبدو أن تثقيف الأسر آنذك قد أخذ الكثير من اللحظات العائلية من حياة اللواتية، حيث قالت: كانت لمهنة الصحافة في التسعينيات وحتى بداية الألفية الثانية متاعبها التي قد لا يفهمها الجيل الحالي، لا توجد تكنولوجيا حديثة مما يعني أن نذهب للميدان بمعدات ثقيلة، وأن نسجل كل كلمة، ثم نفرغها ونكتبها يدويا، ونحمل المواد المحضرة على مهل إلى الجريدة ليتم رسمها وصفها بدقة، كانت أيام العمل طويلة جدا، وكنت أرجع إلى منزلي وقت العصر لمدة ساعتين لثلاث ساعات حتى أطمئن على أطفالي وأراجع معهم دروسهم لأعود مرة أخرى للجريدة والعمل حتى منتصف الليل أحيانا، ولولا وجود شريك حياة متفهم لطبيعة عملي لما استطعت الاستمرار.
إدمان الكتابة للمجتمع
وللكتابة في قضايا الأسرة سحر لا يمكن مقاومته أو التوقف عنه، وهذا ما حدث لفاطمة بنت علي الإسماعيلية، وهي محررة التحقت بأسرة تحرير جريدة «عمان» في عام 2005، ورغم انتقالها إلى وظيفة أخرى استمرت الإسماعيلية في كتابة ونشر المقالات ذات العلاقة بقضايا المرأة والطفل حتى عام 2020م. تقول: إن دراسة الصحافة في الجامعة وتطبيقها على أرض الواقع أمران مختلفان، وهي مهنة مليئة بالتحديات التي لا يذللها إلا الشغف، وقد وجدت هذا الشغف في قضايا الأسرة وقضايا المجتمع، حيث كنت أمتنع عن الكتابة إلا في الموضوعات التي تلامسني شخصيا، وأستطيع بعد بحث وتقص أن أقدم مقترحات وحلولا للقارئ، وكانت هذه المقالات مقروءة بشكل كبير ودفعتني الردود الإيجابية للاستمرار لفترة أطول.
وحول نظرتها لدور المرأة في الصحافة اليوم، تقول فاطمة الإسماعيلية: لدى النساء اليوم جميع الممكنات التي تؤهلهن للعمل في أي مجال، نظرة المجتمع للمرأة العاملة في الإعلام اليوم أكثر تقبلا عما كانت عليه منذ 10 أعوام، ويتجلى ذلك في عدد الصحفيات والإعلاميات الذي يتزايد، كما نرى أن دورها لم يعد مقتصرا للكتابة في قضايا وملفات بعينها بل أصبحت تكتب في الأدب والاقتصاد وفي أي مجال يعجبها.