باحثات: تحديات اجتماعية ومالية ومنهجية تواجه مشروعات البحث العلمي
أكد عدد من الباحثات والمبتكرات أهمية أن تتبوأ سلطنة عمان مكانتها في مصاف الدول المتقدمة في البحث والابتكار لما تمتلكه من كوادر بشرية وعوامل مساعدة لتحقيق تقدم في هذا المجال، وطالبن بإيلاء المزيد من الاهتمام بالابتكارات ودعمها وتمويلها، وإعطاء البحث العلمي والابتكار أولوية في الدعم المالي والاحتضان، والاهتمام به بشكل أكبر لمواكبة التطور العالمي الحاصل على مستوى العالم الذي يعتمد على البحث والابتكار وعلى العقول والكوادر الوطنية لإحداث تنمية شاملة في كافة المجالات.
وفي إطار مواصلة «عمان» استطلاع آراء عدد من الباحثين والمبتكرين حول واقع وتحديات البحث العلمي والابتكار في سلطنة عمان، أكدت مريم بنت أحمد بن يوسف النوفلية عضوة هيئة تدريس بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بشناص وباحثة في مجال الطاقة المتجددة أن البحث العلمي يعد ركنًا أساسيًا لنجاح وتقدم أي دولة تسعى لتحقيق غاياتها العلمية وتنفيذها بالطريقة المنشودة، كما يعد أيضًا السمة البارزة للعصر الحديث وذلك لاعتبارها أداة ضرورية لبناء المعرفة وتسهيل التعلم والتعليم.
وقالت: إن البحث العلمي عبارة عن عملية تهدف إلى إنشاء تقنية علمية جديدة يمكن أن توفر ميزة تنافسية على مستوى الأعمال والصناعة أو المستوى الوطني، لـذا فقـد أولتـه العديد من الـدول أهمية بالغة، لا سـیما المتقدمـة منهـا إدراكا منها لأهميته فـي اسـتمرار تقدمها وتطورها.
وأوضحت النوفلية أن البحث العلمي هو أحد مجالات اهتمامات الباحث ضمن حقول المعرفة الإنسانية، ويتم تفعيله وتطويره من خلال تبادل المعرفة والوصول إليها في إطار التواصل المعرفي بين الباحثين في مختلف دول العالم، لذا يجب النظر باستمرار في أمر تطوير أساليب وطرق البحث العلمي وتوفير متطلباته بما يتناسب مع خطط التنمية الطموحة.
وبيّنت النوفلية أن البحث العلمي ينقسم إلى نوعين رئيسيين، هما: الأبحاث العلمية الأكاديمية، والأبحاث العملية التطبيقية أو المهنية، مؤكدة أن كلا النوعين باختلاف أهدافهما ما زالا محفوفين بشيء من الصعوبات والتعقيدات التي تحيدها عن الظهور على أرض الواقع، مشيرة إلى أن هناك العديد من المشكلات التي قد يواجهها الباحث العلمي قبل وأثناء وبعد رحلته البحثية هنا في سلطنة عمان وتحول دون الاسـتفادة مــن نتائجــه وتقديم أنـسب الحلـول لهـا لتذليل هذه المعوقات. ولعل أبرز وأهم هذه الصعوبات تتمثل في عدة جوانب مختلفة كصعوبات اجتماعية، ومالية، ومنهجية وبحثية، وزمنية، وإدارية والتي نأمل حل الجزء الأغلب منها في المستقبل.
معوقات إدارية
وتحدثت عضوة هيئة التدريس بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية عن المعوقات الإدارية فقالت: لعل أبرز المشكلات البحثية المتعلقة بالجوانب الإدارية تأثيرا، هي عدم إعطاء نتائج البحوث العلمية الأولوية والتطبيق الفعلي من قبل المؤسسات والهيئات المعنية ذات العلاقة وكل حسب تخصصه، وعدم التعاون بين الجامعات والمؤسسات المستفيدة من البحوث، وتأتي المعوقات الإدارية في المرتبة الأولى لمعوقات البحوث العلمية، وقد يعزى ذلك إلى أهمية تطبيق وتوظيف مخرجات ونتائج البحث العلمي في اتخاذ القرارات التنفيذية من قبل الجهات المختصة، والمؤسسات والهيئات المستفيدة كي تتمكن هذه الجهات من ترجمة العمل النظري مع التطبيق، وكذلك عدم وجود خطط استراتيجية وطنية مدروسة للبحث العلمي في مختلف المجالات، وضعف تأثير نتائج البحث العلمي على المنظومات المختلفة في البلاد، إضافة إلى غياب المراكز البحثية المتخصصة.
وأضافت: أن أبرز الحلول لتغيير الجوانب الإدارية تكون عبر وضع سياسة موحدة لوحدات ومراكز البحوث الموجودة بكافة أنحاء سلطنة عمان سواء كانت حكومية أو خاصة وربطها مباشرة بالجهة المسؤولة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ووضع خطط استراتيجية علمية وطنية مدروسة من قبل أخصائيين متمكنين في هذا المجال قصيرة وبعيدة المدى في مجال البحث العلمي، وتحديد أولوياته بناء على المعطيات المتوفرة، وتطوير لجان ووحدات ومراكز البحوث في داخل الجامعات والتنسيق بين مراكز البحوث والجامعات.
تحديات مالية
وقالت النوفلية: من أبرز المعوقات البحثية المرتبطة بالجانب المادي هي قلة وشحّ التمويل الكافي لدعم البحوث العلمية التي تناقش وتبحث في المعضلات المتعلقة بمختلف التخصصات، مشيرة إلى أن ذلك يعزى إلى نقص أو عدم تخصيص مدروس للإنفاق على البحث العلمي أو عدم فهم لأهمية البحث العلمي ودوره في تقدم الشعوب وازدهارهم، وتأتي هذه الرؤية دائما في البلدان العربية وتشكل مشكلة رئيسية أمام تطور البحث العلمي ومخرجاته.
وأكدت أن عدم إسـهام القطـاع المستفيد مـن نتائج هذه البحـوث قد یُعزى إلى عدم ثقة القطاعات المستفيدة من نتائج البحوث وأنشطة البحـث العلمي، وبالتالي تصبح هذه القطاعات هي نفـسها عائقـًا أمـام إنجـاز هـذه البحـوث والمشروعات وعـدم تـوفر البيئة المناسبة والمستوعبة لخطـوات البحـوث العلمیـة بدورها تصبح معطلًا حقيقيًا للتنمية الاجتماعية.
واقترحت النوفلية زیادة التمويل المادي اللازم لدعم البحث العلمي، ووضع خطة مالية مدروسة لتنفيذ وتوظيف نتائج البحوث العلمية ورؤيتها على أرض الواقع، وذلك من خلال رصد مبالغ كافیة في موازنة المؤسسات الحكومية لدعم البحث العلمي، أو إيجاد بدائل أخرى للتمويل والعمل كذلك على إشراك القطاع الخاص في تقديم الدعم المادي للمشروعات التي تخدم خططها التنموية التطويرية.
وأشارت النوفلية إلى المعوقات المنهجية والبحثية والتي وصفتها بأنها تكمن في عدم اختيار البحوث العلمية التي تركز على القضايا المهمة والجديرة بالبحث، وقالت: إن ذلك بدوره يشكل أحد أهم العوائق في هذا الجانب للاستفادة من البحوث، حيث اتسمت نتائج الفئة التي تعمل في هذا السياق بالعمومية في نتائجها، وكذلك ضعف وشح وأحيانًا افتقار إلى الأدوات البحثية المستخدمة لجمع بيانات البحوث ويقتصر أغلبها على الاستبيانات، وضعف طرح وصياغة البحث العلمي أحيانًا لدرجة يصعب على الباحث قراءة وتحليل نتائج وخلاصة البحوث بسبب سطحيتها وبالتالي عدم الاستفادة من نتائجها وتوصياتها.
وأكدت في هذا السياق على ضرورة سن القوانين التي تمنح الباحث حرية مطلقة للإبداع العلمي والفكري وكذلك الأكاديمي وإعطائه المساحة الكافية للتفكير ضمن إطار المسؤولية الوطنية، وضرورة ربط البحوث العلمية بخطط التنمية.
وحول المعوقـــات الذاتية (الشخصية) قالت النوفلية: إن من أبرز المعوقات البحثية المرتبطة بالجانب الذاتي هي عزوف أغلب المختصين كل على حسب تخصصه عن عملية البحث في القضايا المصيرية المرتبطة بالمجتمع وذلك لاشتغال معظمهم بأعمال أخرى غير بحثية كالتدريس أو الإدارة أو انخراطهم في الأعمال التجارية ویمكـن أن یعـزى ذلـك بـشكل رئيسي إلـى أنـشطة البحـث العلمـي التـي تحتـاج إلـى كفـاءات علمية متخصـصة ومتفرغـة للعمـل البحثـي.
وأكدت أن عـدم تفـرغ البـاحثین المتخصـصین والمـؤهلین من أعضاء هیئة التدریس للبحـث العلمـي یعـد من أبـرز المعوقـات الشخـصیة التي تواجه البحث العلمي، كما أن قلة توفر مساعدي الباحثين من القوى البشرية في مجال البحث العلمي في الجامعات أو المراكز البحثية يشكل عبئًا آخر في تطور البحث العلمي والاستفادة من نتائجه. بالإضافة إلى ذلك عدم وجود تعاون بين الزملاء الباحثين في التخصص نفسه لإنجاز بحوث علمية ذات نتائج مشتركة.
وللتغلب عن التحديات بيّنت النوفلية ضرورة تأمين إمكانات ومستلزمات البحث العلمي، من وحدات ومراكز أبحاث متخصصة في شتى المجالات وتجهيز مختبرات وغيرها من المستلزمات البحثية وتخصيص مكافأة مالية تشجيعية للأبحاث المتميزة التي تخدم الخطة الاستراتيجية الطموحة للدولة على مستوى المؤسسات التعليمية، ودعم البحوث ذات الطابع الجماعي التي تبحث في القضايا ذات الصلة بالواقع الحقيقي التي تخدم الدولة بكافة مجالاتها.
جهات مسرعة
من جانبها قالت المبتكرة سمية بنت سعيد السيابية: إن أبرز التحديات في تحويل البحوث العلمية إلى منتجات على أرض الواقع هو عدم وجود جهات خاصة ومسرعات حكومية من شأنها أن تسرع تحويل الأفكار إلى منتجات وتكون على أرض الواقع وتصل إلى السوق، إضافة إلى عدم وجود موجهين وعدم توفر الإمكانات والأدوات والوعي في هذا الجانب. وبيّنت السيابية أهمية وجود مؤسسات خاصة بالموهوبين والمبتكرين لإرشادهم، إضافة إلى أهمية وجود مراكز أبحاث ومختبرات حكومية أو خاصة يستطيع الباحث العلمي اللجوء إليها وتكملة أبحاثه العلمية ومشروعاته فيها.
وأكدت سمية السيابية أن ابتكارها العلمي في المجال البيئي «التحليل الحيوي للميكروبلاستيك بطريقة جديدة من البايولوجي والنانو تكنولوجي» تم تبنيه من قبل شركة (بيئة) إلا أنها لم تبدأ العمل على مواصلة المزيد من البحث والدراسة في المشروع.
فجوة وتراجع
وقالت الباحثة رزان بنت حمد الكلبانية التي بدأت البحث منذ عام 2018: إن الاهتمام الكبير من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - بقطاع التعليم والبحث والابتكار؛ يعطينا الدافع المهم لبذل المزيد من الجهود للبحث والابتكار وتطوير العلوم البحثية.
وبيّنت الكلبانية أن هناك بعض التحديات تواجه قطاع البحث العلمي والابتكار مشيرة إلى وجود فجوة بين المبتكرين (أصحاب الأفكار) وبين الابتكارات النهائية (المنتجات في السوق).
وأضافت: ليست هناك مؤسسة تقف لتوجيه المبتكر إلى الطريق الصحيح، فيعيش المبتكر في حالة تقدم بخطوة والعودة إلى الخلف بعشر خطوات أو يكون بأهداف محدودة جدًا.
وبيّنت الكلبانية أن المبتكر يعيش في حالة ركود بالاكتفاء بالمشاركات وليس هناك توجه ملحوظ إلى تحويل مشروعه إلى منتج في السوق للاستفادة منه، وأرجعت ذلك إلى نقص الاستشارات والخبرات التي يحتاجها لمواصلة متطلبات الفكرة إلى منتج.
وأكدت الكلبانية أن عدد المبتكرين في سلطنة عمان يفتخر به، وسعيهم للمشاركة والابتكار على المستويين الإقليمي والدولي واضح، ولكن حتى الآن ليست هناك قاعدة بيانات للمبتكرين، معربة عن أملها أن تكون هناك قاعدة بيانات يتم تحديثها شهريًا، ومتابعة أفكار المشروعات حتى لا تصبح حبيسة الأدراج.
