«الوافدون في الأحياء السكنية».. خطر يهدد أمن واستقرار المجتمع
مختصون ومحامون: التداعيات السلبية تتفاقم.. والحل في إنشاء مدن عمّالية
تتفاقم مشكلة تسكين العزاب والعمالة الوافدة وسط الأحياء السكنية، دون وجود بوادر حل لدى الجهات المعنية والمجالس البلدية التي يقع ضمن اختصاصاتها الاهتمام بالأحياء السكنية وتنظيمها وضمان عيش الأسر براحة وطمأنينة.
ونظرا لتزايد هذه الظاهرة وتفاقمها، شهدت عدد من الأحياء والمناطق السكنية في محافظة مسقط خاصة، انتقال السكان والأسر منها إلى مناطق أخرى، حتى غدت تلك الأحياء مأهولة بالعزاب والوافدين مع وجود قلة من الأسر العمانية التي تعاني من العيش في أوساط العمالة بما تشكله من مصدر قلق وخوف لديهم.
المواطنون وأرباب الأسر ممن يعانون من تسكين العزاب والوافدين في أحيائهم دون مراعاة لخصوصية الأسر، لم يتوقفوا عن تكرار مطالباتهم بتدخل الجهات المعنية لمنع ظاهرة تسكين العزاب والوافدين وسط الأحياء السكنية، فيما أكد مختصون وقانونيون خطورة الظاهرة اجتماعيا، ووجوب إنشاء أحياء سكنية خاصة بالعمال في مناطق بعيدة عن الأحياء السكنية، تضمن عيش المواطن والمقيم براحة وسكينة دون أي خوف على الأسر والأطفال من وجود العمالة والعزاب وسط الأحياء.
معاناة مستمرة
وأكد باسم بن سالم الحسني من سكان منطقة دارسيت أن معاناتهم مع تسكين العمال الوافدين في الأحياء السكنية منذ سنوات، وقال : منذ سنوات طويلة ونحن نعاني من تسكين العمال الوافدين بالمئات في منازل وسط المنطقة السكنية، وبدلا من أن تعالج هذه المشكلة فإن الوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم وأعداد العمال في تزايد مستمر.
وأشار الحسني إلى مشهد العمال وهم يتجمعون عند محلات بيع المواد الغذائية والمقاهي التي يرتادها الأهالي والأطفال وسط الأحياء السكنية بما يوحي بالخطر، قائلا: نحن نخاف على أطفالنا ونسائنا من هذه الأعداد الكبيرة التي تتجمع معظم الأوقات أمام هذه المحلات.
وأضاف: نحن صيادون ونعود في بعض الأحيان في أوقات متأخرة من الليل بعد رحلة صيد، وعند عوتنا دائما ما نصادف مجموعات من العمالة الوافدة تجوب وسط الأحياء، وعندما نسألهم عن أسباب وجودهم في هذه الأوقات وسط الحي السكني، يردون: نبحث عن عمل!.
وبيّن باسم الحسني أن هناك العديد من الأسر التي انتقلت للسكن في مناطق أخرى، وقاموا بتسكين العمالة الوافدة في منازلهم، ولكن هناك أعداد من الأهالي لا يريدون ترك منطقتهم، فهم تربوا منذ صغرهم في المنطقة ويعملون في مهنة صيد الأسماك، ولكن وجود هذه الأعداد من العمالة الوافدة تهدد استقرارهم وراحتهم وتضاعف من قلقلهم على أطفالهم ونسائهم.
وأوضح الحسني أن الأهالي تقدموا عدة مرات ببلاغات لبلدية مسقط، إلا أنهم لم يلقوا أي استجابة لمعالجة الوضع القائم ومنع هذه الظاهرة وإيجاد حلول لها.
وطالب الحسني الجهات المختصة بالنظر إلى خطورة تسكين العمالة الوافدة وسط الأحياء السكنية، والآثار السلبية المترتبة على ذلك، ومستقبل الاستقرار الأسري والاجتماعي، مؤكدا أن المشكلة في تزايد، وأن الجهات المعنية مطالبة بأن تمارس أدوارها بتطبيق اللائحة الخاصة بتنظيم الأحياء السكنية.
مخالفات الأهالي
وقال ناصر بن محمد الجابري: مشكلة تسكين العمالة الوافدة وسط الأحياء السكنية قديمة، ويتحمل مسؤوليتها الجميع بمن فيهم أصحاب المنازل الذين يقومون بتسكين العمالة دون مراعاة للجار والأسر التي تسكن الحي، لذلك فعلى الجهات المعنية أن تقف إلى جانب الأهالي والسّكان في تنظيم الأحياء السكنية وتشديد الرقابة والمتابعة والاستجابة لبلاغات السكان بشأن المخالفات.
وأشار الجابري إلى أن ما يُسهّل تسكين العمال وسط الأحياء هو تجاوزات البناء من قبل ملاك العقارات، عبر تقسم المنازل والمباني إلى غرف وشقق تؤجر بالإيجار اليومي والأسبوعي والشهري، وهذا الأمر تشترك في مراقبته العديد من المؤسسات، لذلك من الضروري أن تكون بلاغات المواطنين والسكان محل اهتمام من قبل الجهات، ويتم التحرّك لرصد التجاوزات، ووضع حد لتزايد ظاهرة تسكين العمال وسط الأحياء السكنية.
من جهته أكد راشد الصوافي أن مخاطر تسكين العمالة الوافدة والعزاب خاصة وسط الأحياء السكنية، تكمن في الممارسات المصاحبة لتسكينهم، حيث يخرجون بين الأحياء بملابس غير محتشمة، وممارسات في التدخين وغيرها من الجوانب التي لا يرضى بها المجتمع العماني، إضافة إلى تجمعهم وسهرهم إلى منتصف الليل وهم يقلقون راحة السكان.
وأضاف: للمجتمع العماني خصوصيته، وفي الوقت الحاضر تعد التربية الحسنة وتعليم الأبناء السلوك الحسن والعادات والتقاليد من أهم الجوانب التي يجب أن يتمسك بها المجتمع، ولكن وجود مثل هذه الجوانب ستؤثر على تنشئة الطفل، ولا توجد راحة في تبادل الزيارات لأن الأسر أصبحت تقضي معظم وقتها داخل المنازل، فيما يتجول الوافدون في معظم الأوقات وسط هذه الأحياء.
آثار سلبية
وقالت آية بنت حمد السالمية خبيرة في الشأن الأسري والاجتماعي: إن تسكين العمالة الوافدة والعزاب في الحارات السكنية قد يزيد من حدة التوتر والصراعات بين السكان من الأسر والعمالة، ويمكن أن يؤثر سلبًا على العلاقات الاجتماعية والتماسك الأسري وحرية الأسرة في ممارسة أنشطتها ولقاءتها بين الجيران.
وأشارت أن أبرز الآثار السلبية المترتبة على وجود سكنات العمالة الوافدة والعزاب في وسط الأحياء السكنية يتمثل في ظهور الخلافات الناتجة عن اختلاف الثقافات في الحي السكني؛ مما يهدد أمن واستقرار المجتمع المحلي، وتؤثر على نحو مباشر على الحياة والعلاقات الاجتماعية بين أفراد المنطقة السكنية، وأيضًا قد تشهد بعض الأحياء زيادة في معدلات الجريمة؛ بسبب وجود العمالة الوافدة بكثافة، خاصة إذا كانت ظروف سكنهم غير مستقرة أو إذا كانوا يعانون البطالة، ومن الممكن أن تسبب الظروف المعيشية السيئة واكتظاظ السكان في هذه الأحياء إلى مشاكل سلوكية أخلاقية كالسرقة، والاعتداء على الآخرين، والحرق عمداً وغيرها، وبالتوازي ظهور مشاكل صحية كانتشار الأمراض المعدية في الأحياء السكنية.
وبينت السالمية أن اختلاف العادات والتقاليد بين العمانيين والعمالة الوافدة في الأحياء السكنية قد يؤثر في ملامح هوية المجتمع العُماني نتيجة إدخال سلوكيات وممارسات يومية من قبل العمالة الوافدة تتنافى مع طبيعة المجتمع العُماني من حيث قيمه وعاداتهِ وتقاليده، الأمر الذي قد يؤدي إلى تدهور الثوابت المجتمعية على المدى البعيد والتأثير في اللغة، والملابس، والموروثات العُمانية كإحدى سمات الهوية العمانية، وهو الذي يخلق فجوة في الهوية العمانية.
وقالت آية السالمية: إنه ومن أجل معالجة هذه المخاطر، يمكن اتخاذ إجراءات مثل تنظيم السكان وتوفير مناطق سكنية خاصة بالعمالة الوافدة، وتعزيز برامج التوعية والتكامل الاجتماعي، وتطبيق قوانين صارمة لضمان الأمن والنظام في الأحياء السكنية..
وأوصت بضرورة تعزير الحوار الثقافي بين الأعضاء المختلفين في المجتمع، وتنظيم فعاليات تثقيفية وتوعوية لتعزيز التفاهم والاحترام المتبادل بين الثقافات المختلفة، كما يجب تشجيع التعلم المتبادل للعادات والتقاليد والتسامح والاحترام بين الجميع.
ونصحت السالمية بتعزيز التواصل والتفاهم بين جميع الأطراف، وذلك من خلال وضع قوانين وسياسات تنظم سلوك السكان في الأحياء السكنية؛ لضمان وجود بيئة مريحة وآمنة للجميع وللحفاظ على التماسك الأسري وحرية الممارسات الاجتماعية بشكل عام.
أحياء عمالية
من جانبه أكد المحامي الحسن بن علي العلوي مطور عقاري أن المطورين العقاريين لديهم خططا جاهزة لإنشاء وحدات وأحياء سكنية خاصة بالعمالة الوافدة والعزاب، تكون مجهزة بمواصفات ومرافق خاصة لتسكين العمال وفق أحدث المعايير وفي مناطق بعيدة عن الأحياء السكنية.
موضحا أن هناك أفكارا لدى المطورين العقاريين بالإمكان الاستفادة منها بالتنسيق مع الجهات المختصة في تجهيز، مثل هذه الأحياء والمباني الخاصة بتسكين العمال متى ما تم منع ظاهرة تسكين العمالة وسط الأحياء السكنية، وتوجيه العمالة الوافدة للسكن في تلك الأحياء والمباني.
وقال العلوي بالإمكان إيجاد حلول جذرية لمعاناة الأهالي والأسر من تسكين العمال وسط الأحياء السكنية، من خلال تبني مشروعات عقارية تستوعب العمالة الوافدة في مناطق لا تسكن فيها الأسر، ولكن الموضوع بحاجة إلى إيجاد شراكة بين المطور العقاري والجهات المعنية، وقانون ينظم عملية تسكين العمالة الوافدة، ومراعاة خصوصية الأحياء السكنية ذات الطابع الأسري العماني.
وأكد الحسن العلوي أن تسكين العمالة الوافدة وسط الأحياء السكنية في الكثير من الآثار السلبية على المجتمع وعلى راحة السكان.
رأي القانون
وقال المحامي الدكتور أحمد بن علي العجمي: وفقا لأحكام قانون الإيجارات، يجوز للمؤجر أن يطلب من المستأجر إخلاء المحل المؤجر قبل إنهاء مدة العقد؛ إذا استعمل المكان المؤجر أو أذن باستعماله في غير الغرض المرخص له، أو كان استعماله ضاراً بالمحل أو بطريقة مقلقة للراحة العامة.
كما يسمح بإقامة سكن عمال بالمناطق الصناعية، ويجوز إقامة سكن للعزاب في قطع الأراضي ذات المساحات الكبيرة والمخصصة كمخيمات أو معسكرات بعد موافقة الجهات المختصة، ولا يسمح بإقامة مجمعات أو مبان لسكن العمال أو العزاب بالمناطق السكنية.
وأكد العجمي على أن المرفق الإداري منوط به تحقيق النظام العام من خلال اتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على عناصره الثلاثة (السكينة - الصحة - الأمن) وعليه إجراء توافق لأي إجراء يتفق مع مقتضيات النظام العام دون الإخلال بأي عنصر من عناصره.
وأشار إلى أن المشرع منح القائمين بالعمل البلدي صلاحيات ضبط إداري عام، تكفل لها سلطة اتخاذ كافة التدابير الضبطية اللازمة للمحافظة على السكينة العامة وعدم إقلالها بما يعكر صفوها من خلال منع إقحام العزاب من العمال الأجانب، وتسكينهم في مناطق مخصصة للسكن بالأحياء السكنية.
ويجوز لكل متضرر الإبلاغ عن أي إقلاق للراحة العامة، وعلى البلدية التدخل لتحقيق المصلحة العامة، وتحقيق السكينة العامة وتطبيق القواعد واللوائح بإنهاء تلك العقود المخالفة. وأعمال البلدية تخضع للرقابة القضائية كما أن لفظ عزاب لا يمتد لأبنائنا الطلبة الذين يحق لهم السكن بالقرب من الكليات والجامعات.
وأوضح أن سكن العزاب تتنازعه مصلحتان، الأولى تتصل بحق الساكنين من أهالي المنطقة في ضمان السكينة والأمان والخصوصية للعوائل الساكنة بالمنطقة، والبلدية ملزمة بتنفيذ أحكام القانون وذلك بمنع إسكان جميع من يصح عليهم لفظ العزاب في المناطق المعدة للسكن العائلي، والثانية تتعلق بحق الطلبة الملتحقين بالمؤسسات التعليمية الموجودة بالقرب من الكليات والجامعات بالسكن المناسب القريب من مقر دراستهم لضمان استقرارهم وتمكينهم من التفرغ لطلب العلم وتطوير تحصيلهم الدراسي، وهذا التنازع منبعه إطلاق عموم مصطلح العزاب في بند المادة 105 من لائحة تنظيم المباني، والتي تتصل ببيان دور البلدية في تنظيم العملية الإنشائية والتوزيع السكاني في المناطق المعدة للسكن.
وأوضح العجمي أنه إعمالاً للقاعدة الفقهية التي يسير علها مبدأ الموازنة بين المنافع والمضار فإن القانون يمنع سكن العزاب الأجانب بالأحياء السكنية؛ للمحافظة على الموروث العماني والتقاليد وعدم إقلاق الراحة العامة والمحافظة على المجتمع وتماسكه وأجاز المشرع للاستثمار بناء مجمعات سكنية بالمناطق الصناعية لتكون مكانا ملائما للعزاب.