«الـدمـج المـجـتـمعـي».. مطلب المكفوفين لإثبات القدرات وتحقيق الاستقلالية والتمكين
هل يمكن أن يحقق الكفيف التمكين في الحياة، بمعزل عن مجتمع يحتضنه ويهيئ له البيئة المناسبة لتطوير قدراته وإمكاناته ويحترم إعاقته؟
وهل يساعد الدمج المجتمعي الأسرة على تقبل الكفيف نفسيًا ومعيشيًا، ويساعدها كذلك على تنشئة الكفيف بالطريقة الصحيحة والأساليب المريحة بعيدًا عن الضغوط النفسية والمادية التي تعاني منها؟
وهل يمكن أن يلعب المجتمع دورًا في تخفيف معاناة ذوي الإعاقة من خلال دعمهم نفسيًا واجتماعيًا ومعاملتهم كأفراد منتجين في المجتمع لا عبئا عليه؟
أسئلة أجابت عنها جمعية النور للمكفوفين التي تعمل على إدماج الكفيف تعليميًا ووظيفيًا، حيث قال مسعود بن مبارك الإسماعيلي، رئيس لجنة الإدماج الشامل بجمعية النور: إن فكرة عمل اللجنة قائمة على وجود فريق يستقبل الحالات التي تحتاج لتوجيه وإرشاد في التعامل مع الإعاقة البصرية من حيث التأهيل والتعليم والتدريب والعمل والتقنيات المساعدة للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية لتحقق إدماجهم في المجتمع. وقال: إن اللجنة تستقبل الحالة المحتاجة للإرشاد والتوجيه وتتابع تطورها خلال فترة محددة، كما تقدم الإرشاد في جوانب أخرى يفرضها واقع الإعاقة البصرية، وأضاف: إن اللجنة تنفذ مشاريع تخدم هدف الإدماج كتقديم استشارات لأسر ذوي الإعاقة وتنفيذ حلقات عمل ولقاءات على برامج التواصل الاجتماعي تصب في الهدف نفسه.
وتحدث الإسماعيلي عن الخطط المستقبلية التي تطمح اللجنة لتنفيذها، حيث أشار إلى أن اللجنة تطمح لرفع كفاءة فريق العمل من خلال الدورات التدريبية التي تسهم في إيجاد متخصصين أكثر قدرة على التعامل مع الحالات، والاستمرار في مشروعها الحالي المتمثل في إدماج ذوي الإعاقة البصرية وظيفيًا، إضافة إلى الإسهام المتمثل في تقديم خدمات التدخل المبكر للأسرة والكفيف بصورة احترافية وعملية يستفيد منها أكبر شريحة من المجتمع، وطموحنا أن يحصل جميع ذوي الإعاقة على فرصة تعليم، وتوفير أدوات لا غنى عنها في التعليم المناسب مع ذوي الإعاقة البصرية، وقال: إن هناك حاجةً لتنوع تخصصات التعليم العالي وتهيئتها لتتناسب مع الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، وتطوير بقية المجالات التي تلامس حياة كل فرد كفيف.
مجالات الإدماج
من جانبها، قالت سعاد بنت حمود الصوافية، نائبة رئيس اللجنة: نقدم الاستشارات للكفيف وأسرته في الجانب النفسي والاجتماعي والتعليمي والوظيفي والتدخل المبكر وكيفية تنشئة الطفل الكفيف، إضافة لتقديم الدورات التدريبية للكفيف في المهارات الحياتية كالتنقل والحركة والمهارات التعليمية في مرحلة التدخل المبكر، بالإضافة إلى دور اللجنة في مساعدة الكفيف في التواصل مع المؤسسات الخدمية والتشغيلية بما يسهم في تبني مشاريعهم الخاصة وتوفير المهن التشغيلية لهم مع إمكانية إطلاق اللجنة للمشاريع التي تسهم في تمكين واستقلال الكفيف اجتماعيًا ووظيفيًا.
وذكرت الصوافية أن أغلب العقبات تكون في عدم الوعي بالتقنيات والأدوات المساعدة والحاجة للتدريب عليها، أو البعد عن المؤسسات المعنية بتقديم الخدمة المناسبة لذوي الإعاقة البصرية، وأكدت أن تجاوز العقبات يتم بتقديم التوجيه والتدريب المناسبين للمستفيد، من خلال وجود ذوي الخبرة في التعامل مع الإعاقة البصرية قادرين على توظيف خبراتهم في تحسين أوضاع ذوي الإعاقة البصرية خصوصًا في حالات فقدان البصر المفاجئ أو عند التعامل مع الإعاقة لأول مرة.
استحداث مهن جديدة
وتحدث عيسى بن سالم الحضرمي، منسق اللجنة، عن تفاصيل مشروع لجنة الإدماج الشامل لاستحداث مهن ووظائف جديدة للأشخاص ذوي الإعاقة، حيث أوضح أن فكرة المشروع تأتي من خلال مخاطبة المؤسسات في القطاعين الحكومي والخاص لمحاولة استحداث وتوفير مهن للأشخاص ذوي الإعاقة تتناسب مع طبيعة إعاقتهم وما يملكونه من قدرات ومؤهلات، مع ضمان تحقيق التعاون المتمثل في تدريب وتأهيل هذه الفئة تأهيلًا فنيًا ومهنيا وفق منهجية علمية تشمل المهارات الفنية والسلامة المهنية ليكونوا قادرين على التكيّف مع المهنة ومتقنين للمهام الوظيفية المرتبطة بها، وبالتالي يحصلون على حقهم في التوظيف وفق ما نصت عليه الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ويصبحون شركاء حقيقيين في التنمية داخل البلد، وهذا بدوره يحقق أهداف التنمية المستدامة، كما يحقق لهم مصدر دخل ثابت يعينهم على الاستقلالية المعيشية.
اتجاهات المشروع
وقال الحضرمي: إن اتجاهات تنفيذ المشروع تكمن في تدريب الأشخاص ذوي الإعاقة الباحثين عن عمل، وتدريب الموظفين في المؤسسات للتعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، وتهيئة البيئة داخل المؤسسة لتتناسب مع توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة، وتمكين ذوي الإعاقة من الحصول على وظائف ومهن من مبدأ تكافؤ الفرص، ودمج الأشخاص ذوي الإعاقة في الحياة العامة والوسط الاقتصادي والتنموي، وإعادة ثقة الأشخاص ذوي الإعاقة بأنفسهم وتقديرهم لذواتهم والشعور بالقدرة على العطاء والإنتاجية، وتوجيه واستثمار الأيدي العاملة والطاقات المعطلة للأشخاص ذوي الإعاقة كمورد من موارد التنمية الاقتصادية المنتجة في المجتمع، وتكوين اتجاهات إيجابية بقدراتهم وإمكاناتهم في دفع عجلة الإنتاجية.
ليس عائقًا
من جانبها، قالت نور بنت عبد الله العمرية: إن فقدان البصر لم يشكل عائقًا لها في مسيرتها الدراسية غير أن الأمر لا يخلو من بعض التحديات التي استطاعت تجاوزها بفضل التقنية الحديثة.
تخصصت نور في التاريخ، وذكرت الصعوبات الدراسية التي واجهتها، وقالت: تحسن الوضع كثيرًا في ظل وجود المكتبات الإلكترونية، أما بالنسبة للصعوبات في الحياة الروتينية فأكثر ما تعانيه وتعتقد أن جميع المكفوفين يعانون منه فهو صعوبة التنقل بسلاسة في المرافق العامة، وذلك بسبب عدم تهيئتها بالشكل المناسب.
تحدثت العمرية عن تصورها عن بيئة العمل مستقبلًا بعد إنهاء الدراسة، وقالت: بالنسبة للعمل فأنا أظن أن عملنا سيكون على الكمبيوتر، وبالتالي فالأمر سهل بما أنني أعرف استخدامه بشكل جيد، أما بالنسبة للتنقل من وإلى مؤسسة العمل، فقد أصبح سهلا الآن نوعًا ما، بسبب توفير خدمة «أوتاكسي» للنساء، وكذلك يمكن الاستعانة بزملاء العمل إن تطلب الأمر ذلك. وأضافت: إن أهم ما نحتاجه هو تهيئة المرافق العامة ليسهل علينا التنقل فيها ومنحنا الاستقلالية والاعتماد الكلي على النفس، وكذلك نحتاج إلى زيادة الوعي لدى المجتمع عن كل ما يخص المكفوفين، ودمجهم بشكل كامل في المجتمع، وإعطائهم الثقة في أداء الكثير من الأعمال.
قارئات شاشة
أما أنور بن عوض آل جميل فيقوم بجميع واجباته الوظيفية بكفاءة، حيث يعمل إمامًا للمصلين في أحد المساجد التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ويقول: أهم الصعوبات التي يواجهها أغلب المكفوفين تتلخص في عدم تهيئة المرافق العامة بما فيها أماكن العمل بحيث لا تعيق الكفيف عن الحركة والتنقل، وقلة توفر وسائل النقل بسبب تكاليفها العالية، وتكييف المواقع الإلكترونية والتطبيقات الخدمية الحكومية وغيرها لتتمكن قارئات شاشة الهواتف الذكية والحواسيب من قراءة محتواها. وأضاف أنور: إن ما ينقصنا الآن فقط هو الدعم وثقة المجتمع بأن الكفيف كغيره من أفراد المجتمع يستطيع أن يعطي ويبدع متى ما توفر له الدعم والحافز، مشيرًا إلى أن التقنية الحديثة سهلت على الكفيف الكثير من الأعمال، والأجهزة التعويضية والبرمجيات، ساعدت على استحداث وظائف عديدة للمكفوفين في مختلف المجالات، بالإضافة إلى تسهيل عملية التعليم والحركة والتنقل من مكان لآخر، واختتم أنور حديثه بقوله: أتمنى أن أحصل على سيارة ذاتية القيادة وأن يتم تطوير التقنيات المساعدة الموجودة حاليًا.
أندية متخصصة
تعمل ندى بنت سلمان التويجرية، موظفة في هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، تحديدًا في قسم التاريخ الشفوي، وقالت: تتعلق وظيفتي بتفريغ المقابلات الصوتية والشفوية وبفضل التقنية والأجهزة الحديثة لم أواجه أي عائق أمام إنجاز مهام وظيفتي، والعمل يتم باستخدام أجهزة الحاسوب المزودة ببرامج قارئات الشاشة، والصعوبات قلت مع توفر الأجهزة الحديثة والتقنيات المساعدة، ومع زيادة وعي الأفراد والمجتمع بشكل عام في التعامل مع ذوي الإعاقة البصرية قلت الصعوبات والمشكلات.
أضافت: إن هناك صعوبات تتعلق بتكييف مكان العمل لكي يكون الكفيف قادرًا على التنقل بمفرده في المؤسسة، مثل تزويد المصاعد الكهربائية بأرقام مكتوبة بطريقة برايل أو توفير المصاعد الناطقة لكي يعرف الكفيف في أي طابق هو، وبالتالي يستطيع أن يستعين بذاته في استخدام المصعد دون مرافق يأخذه لكل مكان.
وأوضحت أن على المؤسسة أن تضع بالحسبان أن هناك كفيفًا يمكن توظيفه في المؤسسة ذات يوم بحيث تكون جاهزة لاستقبال هذه الفئة، مشيرة إلى أن من الصعوبات التي تواجه المكفوفين في العمل، تكليفهم بعمل غير متناسب مع إعاقتهم، فلا بد للمؤسسات أن تراعي الشخص الكفيف وتكلفه بالأعمال التي تتلاءم مع قدراته حتى ينجز بالشكل المطلوب، وعدم اتهامه بالتقصير وأن يتم توظيف ذوي الإعاقة في الوظائف التي تناسبهم.
واختتمت حديثها بذكر بعض الجوانب التي تنقص الكفيف، وأهمها الأندية الرياضية، حيث يفتقر المكفوفون للجانب الترفيهي لعدم وجود الأندية المتخصصة لتنمية مهارات ومواهب الشباب المكفوفين، والأندية تعتذر عن استقبال المكفوفين بحجة عدم المعرفة بأساليب التعامل مع الكفيف، وبالإضافة إلى حاجة الكفيف لوجود تسهيلات ووسائل مساعدة وتقنيات حديثة، وأسعار مخفضة لتوفير متطلبات الحياة.
