ما قبل السمر
جمال رمضان العيسيين -
سمر أسرة مسلمة، كتاب تعليمي تربوي، جاء محتواه في شكل حوار أدبي بين أفراد أسرة وصفت بأنها مسلمة. هذه الأسرة اتخذت من بيتها مكانا مختصا لأحداث هذا الكتاب وهذا الحوار، في زمن مهيأ لهذا اللقاء الأسري، ألا وهو الليل حيث السكون والهدوء والسكينة وراحة البال، وهو الوقت الطبيعي عادة لاجتماع الأسر بعد عمل النهار.
وعلى إبريق الشاي وشيء من الحلويات عادة تلتقي الأسرة لتجاذب أطراف الحديث والنقاش في مسألة عائلية بالخصوص، حتى يشترك فيها كل فرد من أفراد العائلة فيدلو بدلوه في الموضوع المطروح للنقاش، وبالتالي لا ينفرد رب الأسرة بالقرار بل يشارك الجميع في الموضوع، ليخرجوا في النهاية بحل مشترك ساهم فيه جميع أفراد الأسرة.
ولقد كان هذا الحوار الذي دار بين أفراد هذه الأسرة المسلمة، حوارا عقائديا، فأغلب مواضيعه في الجانب العقدي، وذلك بأسلوب سلس وسهل، يطرحه الأب المربي والخبير بشؤون الحياة، على ابنه الذي يعيش فترة حرجة من حياته، ألا وهي فترة الانتقال من الطفولة إلى مرحلة البلوغ والتكليف. حوار فيه طرح للمسائل العقائدية بأسلوب أدبي مميز مفعم بلوحات من البلاغة، من الصور التشبيهية البليغة، والمحسنات البلاغية الرائعة، يستوعبها البالغ من النشء وغيره، ويفهمها بسهولة ويسر. كما يتخلل هذا الحوار طرح للأسئلة والإجابة عليها، تقريبا للفهم، وحتى ترسخ المعلومة وتخزن في الذاكرة (فالحفظ في الصغر كالنقش على الحجر). ومن الأساليب الناجحة التي اعتمد عليها هذا الأب في طرحه لهذه المسائل أسلوب الإقناع بالحجة والبينة وذلك بضرب الأمثلة على أقواله، مع شيء من الطرفة والمداعبة حتى لا يدخل الملل على السهرة.
كما أن للأب نصيب الأسد من هذا الحديث العائلي كذلك للأم دور مهم ومحوري في هذا النقاش والحوار الشيق، حيث تتدخل من حين لآخر بطرح سؤال أو لتأكيد رأي، أو بضرب مثال على ذلك، أو بإيقاف الحوار لتناول كأس من الشاي، ولأخذ قليل من الاستراحة، وحتى يتم استيعاب ما قيل من المسائل.
ومن حسن اختيار شخصيات الحوار، تسمية الابن المشرف على البلوغ بـ (نجيب) وهو اسم أراد به الكاتب أن يكون اسما على مسمى، فهو من النجابة والفطنة والذكاء والتربية والأخلاق، بحيث يسهل الحوار معه، من حيث قدرته على الاستيعاب وعلى المناقشة وطرح الأسئلة في وقتها وفي مكانها، مع الظروف الأخرى الموائمة- كـ (إبريق الشاي ومختلف الحلويات..) - للسهر وطلب العلم، وحفظ المسائل، والتي زادت السهرة ألفة ومودة. وكما أن الحوار تغلب عليه العقيدة الإسلامية، فإنه لا يخلو من طرح بعض المسائل الفقهية، خاصة في موضوع الطهارات. كذلك فيه بعض المواضيع التي تدخل في الثقافة الإسلامية عموما وذلك إثراء للحديث ودفعا للملل والسآمة، وطردا للنعاس والكسل، فعناصر التشويق ضرورية في مثل هذه الحوارات الهادفة، لأنها تبني الأجيال وتؤسس القواعد الراسخة الثابتة للمجتمعات وللأمة الإسلامية بالتحديد. وبعد هذا الطرح لا بد لنا أن نعطي صاحب هذا الكتاب الهام حقه من التعريف، حتى يعلمه من يجهله، فهو الشيخ العلامة علي يحيى معمر، من مواليد مدينة (نالوت) بالجماهيرية الليبية سنة 1919م، وقد سخر قلمه لتبسيط علوم الشريعة في أشكال مختلفة، فألف في ذلك عدة كتب، منها كتاب «سمر أسر مسلمة». وكذلك له عدة مقالات في المجلات والجرائد، منها: الطفل والقرآن الكريم.. ومن المسرحيات: مسرحية ذي قار.. ومن الرسائل: مسلم لكنه يحلق ويدخن.. كرس حياته في طلب العلم ونشره.