عن مسقط وجمالها وسحرها
مسقط جميلة في كل وقت، وساحرة في الصباح وفي المساء، في الصيف وفي الشتاء، ولكنها في هذا التوقيت من العام تكون في ذروة جمالها خاصة في فترة المساء عندما تنخفض درجات الحرارة إلى حيث يشعر سكانها أن الوقت حان للخروج والبحث عن الملاذات الجميلة والمتنزهات الساحرة. واليوم انطلقت «ليالي مسقط» بفعاليات مختلفة لتزيد مساءات المدينة جمالا فوق جمال، وإثارة إلى إثارة. وحسب المعطيات الأولية فإن «ليالي مسقط» هذا العام مختلفة عما كانت عليه في السنوات الماضية من حيث نوعية الفعاليات وجدتها. وهي فعاليات ترفيهية وثقافية وفعاليات إثارة وتحدٍ ولكن كلها من الترفيه الجدي الذي يضيف إلى الزائر بعدا قِيَميا وجماليا، حتى مسابقات الإثارة التي ستكون في وادي الخوض، فهي حسب توصيفها تضيف إلى الزائر والسائح متعة جميلة ترتقي به عاليا.
ورغم أهمية «ليالي مسقط» ودلالات التسمية التي تحيلنا إلى «الليالي» في سياق التاريخ العربي وما تتضمنه من إبداع، إلا أن مسقط مدينة جاذبة قبل «الليالي» وبعدها، وهي جاذبة عبر مسارات كثيرة، فمن أراد قربا من البحر فشواطئ مسقط من بين أجمل الشواطئ في العالم، يكفي أن تسير على شاطئ القرم لتكتشف جمال المدينة وتتأمل في هدوء تام امتداد البحر وما يوشوشه من حكايات وتاريخ طويل ليس عن عُمان وحدها ولكن عن المنطقة بأسرها. ومن كان من عشاق المقاهي فإن في المدينة ما يضاهي مقاهي المدن الكبرى خاصة في هذا التوقيت من العام حيث يضاهي فنجان قهوة بالقرب من الشاطئ أجمل لحظة يمكن أن تقضيها في أي مكان آخر في العالم.
لكن مسقط أعمق من ذلك بكثير، وأعرق أيضا. فالمدن الكبرى والحقيقية ليست بالشواطئ والمقاهي وإلا كان جمالها محدودا ويمكن تصنيعه مع وفرة المال. جمال مسقط الحقيقي يشكله تاريخها وقلاعها التي تحكي قصة الماضي، ومتاحفها التي تأخذ الزائر لها إلى قصة عُمان عبر ملايين السنين وكيف استطاع إنسان هذه الأرض من خط أبجديات حضارته.
كيف تزور مسقط ولا تزور المتحف الوطني، وتنتقل بين قاعاته لترى عظمة التاريخ العماني. أو لا تدخل القسم الخاص بالسلطان الراحل قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - ولا تقف أمام هيبة مقتنياته الخاصة، ولا تيمم وجهك شطر قصر العلم لتشعر من هناك أنه امتداد طبيعي لقاعات المتحف ولهيبة ما فيه، وللحظة ستسأل نفسك، أيهما جزء من الآخر، القصر جزء من المتحف أم المتحف جزء من القصر. لتصل في النهاية إلى عبقرية التصميم وعبقرية التقابل.
أو كيف يأتي السائح إلى مسقط ولا يزور متحف التاريخ الطبيعي ولا يشاهد غروب الشمس من فوق قلعة مطرح أو من المسافة الضيقة بين قصر العلم وقلعة الميراني حيث يشاهد ارتطام أمواج البحر بحافة القصر الذي شهد الكثير من التحولات في التاريخ العماني.
وكيف يزور سائح مسقط في الصيف أو في الشتاء ولا يصلي ركعتين في جامع السلطان قابوس الأكبر ليقف على جمال التصميم والمعمار العماني ويعيش لحظات مفعمة بالروحانيات ويقرأ بشكل جيد كيف تكون مساجد عُمان ملتقى للتفاهم بين الثقافات سواء من حيث جماليات النقوش أو ملتقى للتفاهم بين الديانات.. وهذه قصة كبرى أتقنتها عُمان عبر التاريخ.
وكيف يزور سائح مسقط ولا يدخل سوق مطرح ويشم عبق الأسواق الشرقية القادمة من أعماق التاريخ ولا يرى البحر وهو يعزف سمفونيته الخالدة عن ارتطامه بجبال مطرح وبطريقها البحري.
ومساءات مسقط ساحرة في دار الأوبرا السلطانية حيث تتناوب كبرى أوركسترات العالم على زف أعذب الألحان لتشعر أن مسقط تطير بزائرها عاليا خارج حدود الزمان والمكان. وتشاهد أعظم عروض الأوبرا القادمة من مختلف مدن العالم. وجمال مسقط في الفعاليات الثقافية التي ينظمها النادي الثقافي والجمعيات المتخصصة وفي العروض المسرحية.
جمال مسقط تشكله كل هذه المفردات التي تتمازج مع بعضها وتعطي مسقط قيمتها الحقيقية وعمقها وجوهرها الذي يجعلنا نصفها بأنها من بين أجمل مدن العالم.
وإذا كانت «ليالي مسقط» بكل دلالاتها وسحرها ستجعل السياح يقصدونها من كل المدن العمانية ومدن العالم فإن جمال ليالي مسقط وأمكنتها في كل مساحاتها وكل مفرداتها التي تستحق أن يقف عندها السائح ويتأملها ويضعها في سياقاتها الحقيقية ويجعلها ضمن لذة عناق المدن العريقة في العالم.