الطاقة الخضراء.. ومستقبل عُمان

من حق العالم أن يكون أكثر تفاؤلا فيما يخص الطاقة الخضراء، فالتكنولوجيا الحديثة تُسرّع كثيرا أمل التحول الكبير إلى الطاقة النظيفة. وسيكون بمقدور العالم أن يستفيد أكثر من الشمس الساطعة والرياح العاصفة. كانت التوقعات في عام 2010 تشير إلى حاجة العالم إلى 15 عاما قبل أن يستطيع الحصول على 180 جيجا واط منبثقة من محطة للطاقة الشمسية إلا أنه بعد 7 سنوات فقط من ذلك التاريخ استطاع الحصول على أكثر من 290 جيجا واط من الطاقة الناتجة عن محطة شمسية ما يقارب القدرة التشغيلية لليابان. وهذه الأرقام والقفزات الزمنية تعزز الأمل لدى الكثير من الحالمين بالتحول الكامل إلى الطاقة الخضراء.

والواضح أن هذا التحول مدفوع بجهود كبيرة للحد من ظاهرة التغير المناخي الذي يهدد كوكب الأرض خلال العقود القادمة. ونستطيع أن نستذكر هنا الجهود الكبيرة التي بذلت من أجل جعل اتفاقية باريس للتغير المناخي موضع التنفيذ بعد التوقيع عليها عام 2015 رغم ما أصاب الاتفاقية من انتكاسة بعد انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب قبل أن يعود خلفه بايدن إلى الانضمام لها ثانية الأمر الذي عزز الاتفاقية والمشاريع المرتبطة بها.

وما يجعل العالم أكثر تفاؤلا بالتحول إلى الطاقة النظيفة ليس فقط موافقة القيادات السياسية في العالم على ذلك التحول ورغبتهم فيه ولكن أيضا تكاليف الطاقة النظيفة لم تعد باهظة الثمن كما كانت قبل عقدين من الزمن. وتشير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إلى أن توربينات الرياح انخفضت تكلفتها بما يقارب 30% منذ عام 2009، فيما انخفضت تكلفة الألواح الشمسية بما يقارب 80%، كما انخفضت منذ عام 2010 إلى اليوم تكلفة إنشاء مشاريع محطات الطاقة الشمسية بنسبة 40% ما يجعل هذه المشاريع قابلة للتطبيق في جميع دول العالم في القريب العاجل. وكلما تطورت التكنولوجيا وانخفضت تكاليفها وتوفرت الإرادة السياسية فإن مثل هذه المشاريع ستحل سريعا محل مشاريع الطاقة الحالية القائمة على النفط والغاز والفحم.

وتبذل السلطنة جهودا كبيرة في مجال مشاريع الطاقة الخضراء، بل جعلتها أحد ركائز رؤية «عمان 2040». وانضمت السلطنة إلى الاتفاق الإطاري لإنشاء التحالف الدولي للطاقة الشمسية في شهر يوليو من العام الماضي في رغبة واضحة من السلطنة للاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة وخاصة الطاقة الشمسية.

وتسعى رؤية عمان 2040 إلى أن تساهم مشروعات الطاقة المتجددة في إنتاج ما يقرب من 30% من إجمالي توليد الكهرباء في السلطنة عام 2030، ما يعني إنتاج 2560 ميجا واط. وهذه النسبة قابلة للزيادة مع تطور التكنولوجيا وانخفاض تكلفتها.

ويعمل في السلطنة الآن أكثر من مشروع في هذا المجال بينها «عبري للطاقة الشمسية» و«محطتا منح» و«ظفار لطاقة الرياح»، وافتتح العام الماضي «مركز عامن للهيدروجين» بمقر الجامعة الألمانية للتكنولوجيا وهو أول مركز أبحاث في السلطنة يهدف ليكون قاعدة لبناء المهارات والمعارف المطلوبة لتوجه السلطنة نحو تبني الطاقة الخضراء ومن ثم نحو تحول اقتصادي شامل.

وأعلنت أمس شركة الطاقة العمانية العالمية المتكاملة عن بدء تطوير مشروع ضخم للوقود الأخضر في السلطنة بالتعاون مع عدد من الشركات الدولية ومنها شركة إنتركونتينتال للطاقة وشركة إنرتك. ويضم المشروع مرفقا يعمل بسعة قصوى تبلغ 25 جيجا وات من الطاقة الشمسية المتجددة وطاقة الرياح لإنتاج ملايين الأطنان من الهيدروجين الأخضر الخالي من الكربون سنويًا، والذي يمكن استخدامه محليًا أو تصديره مباشرة أو تحويله إلى الأمونيا الخضراء للتصدير للأسواق العالمية.

وهذا المشروع الكبير خطوة بين خطوات كبيرة تعمل عليها السلطنة في إطار تحولها إلى الطاقة الخضراء وكذلك في إطار تنويع مصادر الدخل. ويستفيد المشروع من الطاقة الشمسية نهارا وطاقة الرياح ليلا.