----
----
ثقافة

وئام غداس: أريد أن أترك أثرًا في الحياة وأن تُسمع كلمتي

21 سبتمبر 2024
استمدت فكرة روايتها «ابنتي حبيبتي» من تجربة شخصية
21 سبتمبر 2024

- روايتي تنتصر لكل شخص يُعاقَب يوميًا على شكله أو أصله أو ظروفه

- أخاطب القارئ بشكل مباشر وأحكي له الحكاية كما لو أنه طرف فيها

- عندما تكتب لليافعين فأنت تحاول بشكلٍ ما غرس قيمة مترسخة بداخلك فيهم

- استمعت إلى قصصٍ مؤلمة يقوم فيها الوالدان بتوقيع عقد للتخلي عن طفلهما

- كل التفاصيل الواردة في روايتي المتعلقة بقرية الأطفال فاقدي السند حقيقية

- قلما أقرأ كتبًا تحترم عقول الفتيان .. والجوائز خلقت لأدب اليافعين مكانًا في المكتبة العربية

- لا أتعامل مع الترجمة كمهنة .. ولو اضطررت للاختيار سأحب أن أكون شاعرة فقط

حين فكرت الشاعرة والروائية والمترجمة التونسية وئام غداس في كتابة روايتها «ابنتي حبيبتي» لليافعين، زارت بعض مراكز الرعاية واستمعت إلى قصص مؤلمة وحزينة تخص الأطفال فاقدي السند، فبعض الآباء لديهم من قساوة القلب ما يجعلهم يوقعون بأعصاب باردة عقودًا بالتخلي عن أطفالهم. هذه الرواية الجميلة صاغتها وئام بمشاعرها وأعصابها، فقد عاشت تتخيل فترة طويلة أنها سترحل وتترك شقيقتها بدون رعاية، وشعرت أن هناك واجبًا يحتم عليها أن تكتب وتنتصر لهؤلاء الأشخاص المهزومين، الذين يواجهون الحياة بدون سند العائلات.

وئام مترجمة متميزة نقلت إلى العربية عددًا كبيرًا من الأعمال الروائية لليافعين والكبار، وحصلت على جائزة الشارقة للإبداع العربي 2016 عن مجموعتها القصصية «أمشي وأضحك كأني شجرة»، وجائزة كتارا للرواية العربية 2018 عن رواية «قصة شمسة»، فرع روايات اليافعين، ولها كذلك ديوان «حديقة مصابة بالألزهايمر»، ورواية «نيران الرحمة» لليافعين، وأخيرًا رواية «ابنتي حبيبتي»، لليافعين التي يدور حولها هذا الحوار.

- تدور رواية «ابنتي حبيبتي» حول فقد الأب، والأبناء «بلا سند».. كيف جاءتك فكرتها؟

• لن تكون معلومة جديدة، لو قلت إن فكرة الرواية، ليست من اختراعي، سواء من ناحية الشكل أو الموضوع، وهذا طبيعي بما أنني لا أظن أن هناك فكرة أو موضوعًا لم يُكتب مرة ومرات كثيرة، أو لم يتم تناولها في مجالات فنية كثيرة وليس في الأدب فقط. موضوع الفقد، موضوع إنساني يلازم الإنسان. الحياة مبنية على المكسب والخسارة، وهذا المبدأ لا يستثني العلاقات البشرية. السؤال الآن، والذي لطالما تبادر إلى ذهني مع هذه الرواية وغيرها من الأعمال التي كتبتها لليافعين: هل من الضروري إخبار مراهق بمبدأ الحياة هذا؟ بالنسبة لي نعم. بما أنه اكتشاف كثيرًا ما طال الصغير مثل الكبير.

وكما كتبتُ في الإهداء، فإن فكرة الرواية كان مصدرها تجربة شخصية، عشتها مع أختي الصغيرة، التي أكبرها بخمسة عشرة عامًا، والتي أعتبر علاقتي بها لا تشبه علاقة الأخوة، بقدر ما تُشبه علاقة الأم والابنة. عندما كانت طفلة صغيرة، كان لديَّ هاجس يلازمني وهو: ماذا لو مت، ماذا ستفعل هذه الصغيرة؟ كنت مصدر حب بالنسبة لها، وحماية وأمان، وكنت متطوعة لفعل ذلك، لأسباب كثيرة، أجهلها جميعًا إلا واحدًا فقط، ألا وهو: حبي الكبير لها. أفكار الموت والفراق هذه عندما كانت تنتابني، كنت أسارع للأوراق والقلم، لأكتب لها رسائل وداع، وكتبت لها بالفعل رسائل كثيرة جدًا، نسيتها فيما بعد، رغم أنني احتفظت بها، حتى وجدتها في أحد الأيام، وتذكرت. هذه التجربة الشخصية لم تكن وحدها ما ألهمني كتابة هذه الرواية، فقد تطرقت لها السينما أيضًا، بعضها كان مبنيًا على الخيال، ولكن كان منها ما كان مبنيًا على قصص حقيقية، شخصيًا شاهدت فيلمين إيطاليين مبنيين على قصص حقيقية لأمهات عرفن أنهن سيمتن قريبًا، فقررن ترك الرسائل أو المذكرات لأبنائهن. لذلك فأنا واحدة ممن وجدن هذه الفكرة -التي تبادرت لذهني بدوري في فترة من حياتي- رائعة، الحياة لا تمهل الناس دائمًا، ولا تعطيهم مثل هذه الفرص لمرافقة مخلوقات عزيزة عليهم بعد الموت، إلى الحد الذي يجعل الموت في حالات كهذه أضعف من الحُب.

أما موضوع الأطفال «فاقدي السند»، فهو واحد من المواضيع المهمة التي شغلتني وحملتها في عقلي طويلًا، وكانت من بين المشروعات التي لطالما تمنيت الكتابة فيها، حتى وجدت الفرصة في هذه الرواية.

- الرواية مبنية على مجموعة رسائل تركها الأب الغائب لابنته.. لماذا اخترتِ هذا الشكل؟ ما الذي قدمه لكِ فنيًا؟

• لأن الفكرة نفسها قائمة على هذا، بما أن الأب ميت والفتاة ستتلقى شيئًا منه كل عام في عيد ميلادها، حتى لو كانت هناك طرق أخرى، لكن الرسالة تظل أكثر رقة وحميمية حسب رأيي. أما فنيًا، فلن أخفيك أنني كنت مفتونة بهذا الشكل، لأنني قرأت كتبًا كثيرة في أدب الرسائل. وأنا ممن يفضلون ويميلون دائمًا، إلى الاجتهاد في الشكل والبناء وأحاول جاهدة الابتعاد عن الأشكال الكلاسيكية أو المعتادة، ويمكن للقارئ أن يفهم هذا في رواياتي السابقة.

ثمة أيضًا فلسفة أخرى في هذا، إذ أنني أطمح لأن أكرس لمخاطبة الشباب اليافعين، كأشخاص مُميزين، وعلى قدر من النضج، والفهم على كل المستويات في الكتابة، أي شكلًا ومضمونًا، وتجنب كل أشكال الاستسهال. كما أتاح لي هذا الشكل الفني، طريقة أحبها، قد يعبر عنها البعض باستياء أنها «المباشرة»، -لا أزال حتى الآن لا أفهم مكمن السوء فيها- وهي مخاطبة القارئ بشكل مباشر، كما لو أنه أمامي وأنا أحكي له الحكاية أو الرواية، تمامًا كما لو أنه طرف فيها، وأنني أكتب وأذكره أنه معي في هذا، وهو ما حدث في الرسائل، والبطل يتوجه لابنته بشكل مباشر، سواء عبر ذكرياته أو توجيهاته لها، يمكن القول إنني كنت أكتب باستمتاع وراحة إذن؛ لكن هذا لم يمنع مدى الصعوبة التي وجدتها في توزيع الرواية على الرسائل مع الحفاظ على متانة الحبكة وتوازن الأحداث بينها، فلا تكون رسالة خفيفة وأخرى مُثقلة، حتى من ناحية طولها وقِصرها وعدد كلماتها، دون الإخلال بسير الأحداث، ثم موازنة تقدم الأحداث بتقدم الابنة في العمر، واختيار المواضيع المناسبة لكل سِن.

- ما البدائل الأخرى للشكل التي تخليتِ عنها؟

• واجهت مخاوف متعلقة بأن تكون الرواية كلها قائمة على سبع رسائل، وفكرت في وقتٍ معين أن تكون هذه الرسائل جزءًا من رواية، أي أن تكون مضمنة داخل رواية أكبر، تتناول حياة الفتاة خارج هذه الرسائل، فمن سيقرأ هذه الرواية، سيكتشف أن الابنة بلا دور فيها، وأن البطل اليافع الذي سيتمثله القارئ هو الأب طفلًا ثم يافعًا ثم شابًا، لذلك عندما تظهر الفتاة في آخر صفحة في الرواية، سيعتقد ذلك القارئ أنه على الرغم من أن الرسائل لها، لكن الرواية رواية أبيها، تروي حياته وحكايته، كما قلت لنفسي إنني لو لجأت إلى أن تكون الرسائل جزءًا من الرواية، سيصبح القارئ أمام روايتين، وهذا كثير، فضلًا عن أنني أحببت التركيز على حياة الأب فقط، حياة الأطفال فاقدي السند، واندمجت فيها، ولم يكن هنالك أي داعٍ لتشتيت القارئ بمواضيع أخرى.

- هل هناك موقف وراء اختيار فكرة الأطفال «بلا سند» موضوعًا للرواية؟

• هنالك موقف طبعًا، موقف إنساني أمام كل الأشخاص الذين لم يختاروا أصولهم، لم يختاروا عائلاتهم أو ألا يكونوا بلا عائلات من الأساس. موقف ينتصر لكل شخص يُعاقَب يوميًا من أشخاص آخرين على أشياء لا ذنب له فيها، مثل شكله، أو أصله أو ظروفه. موقف ضد الأحكام الجاهزة وتمزيق الآخر بشكل مجاني. موقف للقول إنها أشياء يُفترض أنها لا تُعيب، وأن المعيب هو أشياء أخرى تمامًا، الأذى شيء من بينها، وأنه بالعكس علينا إكبار وتقدير كل شخص استطاع بالرغم من سوء قدره ألا يكون كائنًا مشوهًا، وأن ما يسند الكائن حقًا ليس شيئًا إلا أخلاقه ومدى ما يتمتع به من تسامح تجاه الآخر المختلف عنه. عندما تكتب لليافعين فأنت تحاول بشكل ما، غرس قيمة ترسخت بداخلك كشخص بالغ، عبر خبراتك، وعبر السنوات، من المهم قول شيء له، بطريقتك، وسط هذا الكم الهائل من التأثير اليومي الذي يتعرض له هنا وهناك، ومن يدري فقد تكون كلمتك هي ما تبقى في عقله، خصوصًا لو قلتها بشكل جيد.

- هل احتاجت منك الفكرة إلى بحث ودراسة؟

• نعم، بالتأكيد. لكن ليس بمعنى البحث والدراسة. كنت بحاجة لأن أرى ما سأتكلم عنه، بحاجة إلى معاينته عن كثب. هذا دفعني إلى زيارة أحد مراكز الرعاية التابعة لمدينتي، والتحدث مع مديرها والموظفين فيها، لأفهم كيف يستقبلون هؤلاء الأطفال، ولماذا، وما الشروط التي يجب توفرها في الطفل ليعيش في كنف هذه المراكز التابعة للدولة، وما الحالات التي تعتبرها الدولة قصوى لإجبار عائلة على التخلي عن طفل فيها، وما الظروف التي يعتبرون أنه من المستحيل أن يعيش فيها طفل، وكيف تتم عملية إيواء الطفل؟ سألت عن حالات بعينها، وسمعت قصصًا مؤلمة جدًا، لقد حدثني المسؤولون عن مواقف أشبه بأفلام، عن حالات الوداع، واللحظات الأخيرة التي تكون بين طفل وأمه.

حدثتني موظفة هناك اسمها زينب (لا أزال أتذكر اسمها كما ترى وشكلها أيضًا، حتى لون طلاء أظافرها!) عن طفل قررت أمه أن تتزوج وتسافر مع زوجها إلى فرنسا، وكان زوجها رافضًا أن يأوي أكثر من طفل واحد، إذ كان لها ولدان، من زوجها الذي مات، فقررت أن تسلم الأكبر من بينهما إلى الدولة (كان في الخامسة ربما، ولا يزال من المستحيل عليَّ فهم كيف قامت بالمفاضلة، كيف قررت أنها ستحتفظ بهذا وليس بذاك!). راحت المرأة تصف لي اللحظة الأخيرة بين الولد وأمه وأخيه، كيف تشبث بها باستماتة ورفض تركها، فاحتاجوا أن ينتزعوه بالقوة، وأفلت منهم في لحظة ما وهرب إلى الطريق ملاحقًا السيارة التي كانت تحمل أمه وأخاه، كم مرة شاهد الواحد شيئًا كهذا في السينما أو التلفزيون؟ يتضح لك في لحظة معينة أن الواقع أشرس من الخيال والسينما. قالت لي زينب إنها خلال السنوات الطويلة، تعده أصعب شيء شاهدته هنا.

هل تعرف أن هناك شيئًا اسمه «عقد التخلي»؟ هذا عقد يستطيع الأب أو الأم (إن وُجدا طبعًا) أن يوقعا عليه، في حال كانا يريدان محو هذا الطفل من حياتهما كأنه لم يكن ولا يعودان لرؤيته أبدًا. ستعتقد أنه عقد شكلي لا يتم اعتماده، أو أن ذلك يحدث في حالات نادرة، لكنهم أخبروني أنها ورقة تُوقَّع باستمرار من آباء وأمهات. تفاصيل كثيرة أثرت بي جميعًا، إلى حد لا يمكنك تخيله.

حرصت أيضًا على رؤية هؤلاء الأطفال، طريقة عيشهم، أمهاتهم البديلات، العلاقات فيما بينهم، أذكر أنني مكثت مرة ما يزيد عن الساعات الثلاث واقفة وراء زجاج نافذة أحد المكاتب، أراقب الحياة وهي تسير هناك فقط. كل التفاصيل الواردة في رواية «ابنتي حبيبتي» المتعلقة بحياة قرية الأطفال فاقدي السند كانت حقيقية وصحيحة تمامًا، وهذا أمر حرصت عليه، لأنني سأتمنى طبعًا أن يقرأها أطفال يعيشون هناك فلا يشعرون بأي فرق بين واقعهم وما كُتب عنهم، كما أنني أنتظر وصول النسخ، لأحمل جزءًا منها إلى أطفال القرية التي زرتها، آملة أن يتم توزيعها على قرى كثيرة ليس في تونس فقط، بل في العالم العربي أيضًا.

- تخاطبين الأولاد «بلا سند» في الإهداء: لا تصدقوا اسمكم هذا ولا تقتنعوا به. هل كانت هذه هي الفكرة التي قادتك إلى كتابة الرواية؟

• أنا أعتبر نفسي مشغولة ومهمومة حقًا بموضوع «العائلة»، خصوصًا في حياة الطفل والمراهق، العائلة حجر الأساس لبناء إنسان سوي أو مشوه. والحقيقة أن العائلة تقوم بالأمرين في المجتمعات، فكما أنتجت عائلات كائنات سوية وصالحة، أنتجت عائلات أخرى كائنات غير سوية بالمرة. ما أردت قوله من خلال الإهداء للأطفال الذين بلا عائلات: ما الذي كان سيضمن لك أن حالك لن تكون أسوأ بأشواط لو كانت لك عائلة؟ لذلك خذوا القدر مثلما أتاكم وتقبلوه واجعلوا قلوبكم وعزيمتكم هي السند، ستكبرون وتصادفون بالضرورة وحوشًا حقيقية تربت داخل عائلات، كما ستصادفون شخصيات ملائكية مقطوعة من شجرة.

- رغم أن الرواية عبارة عن رسائل إلا أننا لا نعدم التشويق فكل رسالة تحمل جديدًا عن ماضي الأب.. ما تعليقك؟

• نعم أهداف هذه الرسائل تسير في خطين، الأول هو البقاء بجانب الابنة لأطول وقت ممكن، وعدم الغياب فجأة وبشكل كلي، مواساتها ومؤازرتها، وكذلك مدها بالإرشادات اللازمة التي كان سيقولها أي أب لابنته حيًا كان أو ميتًا، أما الثاني فكان إخبارها بقصة حياته، لا تستحق كل حياة أن تُحكى، ولكن قصة شاكر (الأب) كانت تستحق بالطبع، لأنها لم تكن عادية ببساطة. توزعت فيها الأحداث واختلفت وتناقضت أحيانًا، سارت ببطء ثم تصاعدت ثم استقرت بخبر الموت الوشيك، عنصر التشويق عبر الرسائل كان طبيعيًا إذن، فضلًا عن أن الكتابة لمراهق، تتطلب هذا النوع من شد الانتباه، خصوصًا مع الجرعات الوجدانية الثقيلة ربما التي كانت تحملها هذه الرواية.

- ما الصعوبة في الكتابة للفتيان؟ ما المختلف بين الكتابة لهم أو للكبار أو للأطفال؟

• سأبسط الأمر إلى أبعد الحدود، وأقوله كما أراه، سواء في الكتابة للكبار أو للأطفال، الفرق بين المواضيع، اللغة، البناء، واضح جدًا ويمكن الفصل بينها بخطوط حمراء عريضة، لا تحتمل الجدل أو النقاش، بينما الكتابة لليافعين تقع في المنتصف، يمكنك التطرق لأغلب المواضيع لكن بحذر شديد، أن تكتب بلغة رفيعة ولكن ليست معقدة أو ملغزة، ولا مبسطة أو طفولية، يمكن التلاعب بالبناء والاجتهاد والابتكار دون مغالاة أيضًا، في هذا الحذر وهذه الفروقات تكمن صعوبة الكتابة للفتيان حسب رأيي.

في العالم العربي، نعاني من عدم فهم ضرورة التمييز هذه. فنجد أن كثيرًا من كتابات اليافعين لا تختلف في شيء عن قصص الأطفال. وقلما أقرأ كتبًا تحترم عقول هذه الشريحة العمرية، التي خرجت من الطفولة وبدأت تكتسب شيئًا من النضج، خصوصًا مع الأجيال الجديدة، التي أعتبرها أشد ذكاءً واتصالًا بالعالم الخارجي، وهي نتيجة طبيعية للانفتاح الذي نعيشه بسبب تطور التكنولوجيا. إذا كان جيلنا والجيل الذي سبقه قرأ كتبًا على قدر من الصعوبة والتعقيد في مراهقته فما بالك بجيل اليوم؟ كيف يمكنني أن أخاطب شخصًا في الخامسة أو السابعة عشرة كما أخاطب آخر في العاشرة؟ إنه أمر ما زلنا متأخرين فيه مقارنة بما يكتب للشباب في دول أوروبية وأمريكية، سأخبرك أمرًا بهذا الخصوص، عندما ترجمت رواية «الندبة»، تمت قراءتها في العالم العربي على أنها رواية للبالغين، ظللت أتابع واكتشفت أن عددًا ضئيلًا جدًا من القراء انتبهوا أنها رواية تصلح لليافعين، والحقيقة أنها كانت رواية لليافعين، تصلح لأن يقرأها بالغ، ويستمتع بها، كتبها بروس لاوري عام 1961، نعم، انتبه الغرب منذ ذلك الوقت وقبله، أن المراهق ليس طفلًا، وليس من حق الكاتب أن يعامله كطفل، لا لغة ولا أسلوبًا ولا موضوعًا.

- كيف تقيمين الجوائز الموجهة لأدب اليافعين؟

• الجوائز أمر جيد دائمًا، وفي كل مجالات الكتابة، لأنها تقدير لجهد الكاتب، تقدير مادي ومعنوي، وقد أسهمت في تحريك عجلة الإنتاج لأدب اليافعين، فهناك أشخاص كثيرون لم يكونوا ليجدوا جدوى في كتابة هذا النوع من الأدب، لولا الجوائز. هذا حقيقي، يمكنك النظر فقط إلى عدد هذه الكتب قبل عشرة أعوام ومقارنتها بعدد اليوم، وستفهم، كان لدي أصدقاء يعانون في إيجاد كتب لأولادهم المراهقين، تغيرت الحال اليوم، لذلك فلننظر إلى الجانب الإيجابي من الأمر، هذه الجوائز جعلت لأدب اليافعين مكانًا في المكتبة العربية، وهذا ضروري.

- أنت شاعرة وساردة وهذا يعني أنك لا تؤمنين بالتخصص، لماذا؟

• أؤمن بالتخصص، إن لم يكن ثمة مفر منه، لكن إذا كان الكاتب قادرًا على أن يكتب في أكثر من جنس أدبي واحد وعلى قدر واحد، أو لنقل متقارب من الإبداع، فلمَ لا؟ ولو شعر برغبة حقيقية في كتابة هذا وذاك، فلا معنى لكلمة التخصص عندئذ. أنا مع احترام النص وقارئه بغض النظر عن جنسه.

- وفي أي الأنواع تجدين نفسك أكثر؟

• أصبح معروفًا أنني لو اضطررت للاختيار، فسأحُب أن أكون شاعرة فقط. أين أجد نفسي؟ أجدها في الشعر أيضًا، لأنه يشبهني، الشعر بالنسبة لي أسلوب حياة، طريقة عيش، أقرب لأن يكون طبعًا يُخلق به الواحد، حتى لو لم يكتب قصيدة واحدة في حياته، وأنا ممن يعيشون الحياة، يتعاملون معها، وينظرون إليها من الزاوية الأكثر شِعرية على الإطلاق.

- رغم أن مجموعتك القصصية «أمشي وأضحك كأني شجرة» نالت كثيرًا من المقروئية والتشجيع إلا أنك لم تكرري تجربة كتابة القصة، لماذا؟

• لأني كاتبة لا تكتب دائمًا ولا تكتب كثيرًا. ولو نظرت إلى تجربتي الأدبية ستجد أنها طالت كل المجالات، الشعر والقصة والرواية والمقالة والترجمة، لكنها قلما تكررت أو لنقل إنها لم تكن كثيفة.

عدم نشري للقصة لا يعني توقفي عن كتابتها. لدي مجموعتان كاملتان، لكني شعرت أنهما أشد عادية من أن تُنشرا، وأنا أفضل نشر مجموعة قصصية أكثر جودة.

- كيف يؤثر عملك بالترجمة عليكِ ككاتبة؟ هل الترجمة هي المهنة التي تحبينها؟

• ككاتبة تسمح لي الترجمة بالاطلاع على تجارب كثيرة في الكتابة مختلفة تمامًا، بطريقة أشد عمقًا مما تحققه القراءة، ترجمة نصّ تعني أن يترسب فيك أيضًا بكل جوانبه، وأن تعطيه من روحك بدورك، وهو ما يجعلني لا أتعامل مع الترجمة كمهنة، إنه عمل أحبه جدًا وأستمتع به وأعتبر أن أدواته ليست متاحة لكل شخص قد يُتقن لغة معينة، الترجمة عمل إبداعي قائم بذاته، وهو ما يفرق بين مترجم وآخر. كما لا أعتبر الترجمة مهنة فعلًا، ولذلك أختار ما أترجمه بنفسي، فبخلاف سلسلة مقالات آريان شومان حول ميلان كونديرا، لم أقبل أي اقتراح ترجمة من أي دار نشر، كل الكتب التي ترجمتها كانت من قراءاتي الشخصية، وهي أعمال أحببتها إلى حد رغبت معه في نقلها إلى لغتي الأم، وليقرأها غيري أيضًا، أنا أقرر العمل الذي سأترجمه، وأنا من يعد ملفه ويعرضه على دور النشر العربية، وأنا غالبًا من تسهل الأمر على الناشر فتتواصل بنفسها مع دور النشر الأجنبية أو وكلاء الكتاب الأدبيين وهكذا، أتعامل بشكل شخصي جدًا مع كتبي التي ترجمتها وأراها على القدر نفسه من الأهمية عندي مع مؤلفاتي.

- أخيرًا.. ما طموحك من وراء الكتابة؟

• طموحي منقسم، شخصي وعام، الشخصي يتمثل في هوسي وخوفي من فكرة أن أمرَّ على الحياة دون أثر، وهذه حقيقة، وشيء متعلق بشخصيتي التي تميل إلى البروز لا التواري وتندفع لا شعوريًا نحو الضوء وتكره أن تكون في الظل، أحمل هذا الهاجس منذ طفولتي إلى اليوم، كان يمكن أن يتحقق هذا عبر طرق كثيرة، أو في أي مجال آخر، لكن القدر والظروف وأشياء كثيرة تجمعت لتضعني على طريق الأدب، لذلك لا مفر من نحت هذا الاسم على هذا الدرب.

أما العام، وإن بدا كلامًا مستهلكًا وببغائيًا، لكنه حقيقي، الأدب رسالة أيضًا، والكاتب يطمح للتأثير بشكل إيجابي في مجتمعه، وأن تُسمع كلمته، وأن يحقق أيضًا شعورًا جيدًا لمن يقرأه، حتى لو كان شخصًا واحدًا فقط.