نجاة علي: فكرة «الجيل» خرافة رسخ لها النقاد الكسالى
الرومانتيكية فخ يعميك عن رؤية متناقضات الحياة
أثمن شيء جاهدت للحفاظ عليه هو فرديتي
قصائدي لا تخلو من مطاردات الأب لي
الكاتب الحقيقي لا يمكن أن يكون نتاج ثقافة محلية أبدا
محفوظ أستاذي وقراءتي له مبكرا أحد أسباب تطور وعيي بالعالم
الشعر نادر بطبيعته لا يأتي سهلا لكل من يطارده
أعترف أنني أخاف من الشعر ولا أنشر كل ما أكتبه
الشعر عوضني عن فقد الأب ومنحني معنى للحياة ووسيلة للشفاء
النقد تراجع أمام الإعلام والصحافة و«جروبات» القراءة والجوائز والترجمة
علاء خالد وعماد أبو صالح نموذجان لـ«الشاعر النبيل المثقف»
تعد الشاعرة نجاة علي واحدة من أبرز الأصوات الشعرية في مصر، رغم أنها لم تصدر سوى ثلاثة دواوين هي «كائن خرافي غايته الثرثرة»، و«حائط مشقوق»، و«مثل شفرة سكين»، بالإضافة إلى مختارات من الدواوين الثلاثة بعنوان «قبور زجاجية»، وخلال فترة قريبة يصدر لها ديوان «الوقت.. خارج الوحدة». لفتت تجربتها الأنظار بتميزها وقدرتها على التقاط التفاصيل والنفاذ إلى صميم روح الشعر في قصيدتها.
نجاة حصلت كذلك على عدد من الجوائز منها جائزة طنجة للشعراء، واختيرت كأحد أفضل الكتّاب الـ39 العرب لمشروع بيروت 39. في هذا الحوار نتحدث معها حول تجربتها مع الشعر وآبائها الشعريين في مصر والعالم العربي.
تنتمين إلى جيل يؤمن بقتل الأب في الكتابة.. لكن قصائدك - على خلاف ذلك - تعكس حنانا ما بهذا الأب، ورغبة في لقائه حيث يحيا في السماء، هل هذا نابع لعلاقتك الجيدة بالأب، حيث كان صديقك في الواقع؟
مبدئيا لستُ مؤمنة بفكرة الجيل أو المجايلة التي يرددها البعض وأرى أنها خرافة، وعادة ما نسمعها كثيرا من النقاد التقليديين أو الكسالى الذين يرغبون في تنميط أي كتابة جديدة ووضعها في قوالب جاهزة وإعطائها سماتٍ محددة دون مراعاة لخصوصية كل تجربة على حدة. الشعر مشروع فردي بالأساس، وربما كان أثمن شيء جاهدتُ للحفاظ عليه هو فرديتي بعيدا عن أي سلطة سواء كانت هذه السلطة أبوية من أي نوع أو حتى أعراف جمالية يسير على خطاها الكثيرون.
وأنت لو أمعنت النظر قليلا في الشعراء المتميزين الذين ينتمون إلى جيل التسعينيات من الناحية العمرية - على سبيل المثال - سيكون من الصعب عليك أن تجزم أن هناك سمات جامعة مانعة تشملهم جميعا. بالعكس ربما تكون مناطق الاختلاف بينهم أكثر من مواضع الاتفاق. ويمكن أن نختبر هذا الرأي جيدا، إذا عدنا إلى دواوين الشعراء عماد أبو صالح وأحمد يماني وياسر عبداللطيف أو هدى حسين أو عصام أبو زيد أو كريم عبد السلام أو جرجس شكري وآخرين غيرهم.
دعني أقول إن علاقتي مع الأب - كما تبدو في قصائدي - لا يمكن توصيفها في إطار علاقة جيدة أو سيئة - حتى وإن كان صديقي في الواقع - بل الأقرب أو الأدق هو توصيفها بالعلاقة المعقدة. ولعلي كنت أحاول فك التباسات تلك العلاقة من خلال فعل الكتابة نفسه.
وبالمناسبة مفهوم «قتل الأب» الذي تتحدث عنه جاء إلينا أصلا من علم النفس، وهو ما أسماه العالم النمساوي سيجموند فرويد بـ«عقدة أوديب»، وهي عقدة نفسية تصيب الذكر الذي يتعلق بأمه ويرتبط بها إلى حد يكره معه والده لأنه يشاركه والدته، وبالتالي يسعى إلى إبعاده. ويقابل هذه العقدة «عقدة إليكترا» التي تنشأ عند الأنثى بسبب حب الأب إلى درجة كبيرة، وبالمناسبة لي قصيدة تحمل اسم «إليكترا» وهو ما جعلني أفكر كثيرا في أنني لا أستطيع أن أنجو أثناء الكتابة من قراءاتي المتعددة في علم النفس. والحقيقة أنني حين أتأمل صراحة عددا من الكتابات الأدبية، أجد الأب يشغل حيزا غير قليل بها، خاصة فكرة التعلق بالأب أو البحث عنه أو انتظاره، وغالبا ما يرتبط بفكرة فقدان الحماية أو الحيرة أو انعدام اليقين التي تولدها الكثير من الأسئلة حول جدوى الحياة والوجود. وأظن أن معظم دواويني لا تخلو من مطاردات طيف الأب لي، أو محاولة مني للبحث عنه حتى لو كان بين القبور.
ونحن لا نعاني من الأحياء - فقط - بل من الأموات أيضا، إذ إن «الميت يمسك بتلابيب الحي» على حد تعبير ماركس، وهذا ما قد يفسر أن بعض قصائدي قد تبدو أحيانا أشبه بأحلام اليقظة أو تهيمن عليها أجواء كابوسية.
وقد تتخذ صورة الأب في قصائدي مستويات متعددة، فمن الممكن أن يكون المقصود الأب الحقيقي أو الرمزي أو الأب الإله أو أي سلطة أبوية، سواء كانت ثقافية أو سياسية، أو قد تكون في مستوى أبعد يمكن أن تتخذ صورة اللغة الشعرية السائدة المليئة بالمجازات التي تهمين على تصوراتنا وأفكارنا وتحتاج إلى أن نعيد التفكير فيها، ومن ثم التمرد عليها وتجاوزها.
ودعني شخصيا أعترف أن أكثر الأعمال الأدبية التي أثرت في وعيي في بداياتي كانت تدور حول فكرة الأب بتنويعاتها مثل: مسرحية «هاملت» لشكسبير، ورواية «الطريق» لنجيب محفوظ، حيث شغلتني رحلة «صابر الرحيمي» في البحث عن الأب الغائب.
لهذا أود أن أقول إن مفهم «قتل الأب» في الأدب أمر مختلف وليس الأمر يخص جيلا دون غيره، حيث أرى أن أول درجات تطور الوعي عند المبدع الحقيقي في أي زمن، يبدأ برغبته في التمرد على الأب في الكتابة وقتله، ومن ثم تجاوزه، ومفهوم الأب هنا يعني «الأسلاف» أو كل من مثلوا بالنسبة للآباء في الشعر لنا، حيث يصبح القتل هنا ضرورة جمالية لا مفر منها لتجاوزهم، وأظن أن انحيازي لتيار الشعرية الجديدة في الكتابة كان أول خطواتي لإعلاني هذا التمرد.
تقولين في قصيدة «الغريمة» من ديوان «مثل شفرة سكين» إن «غريمتها، كانت أكثر براءة منها، ولا تكتب الشعر».. هل تتطلب كتابة الشعر نوعا ما من الشر، أو التخلي عن قناع الطيبة؟
كلمة «الشر» هنا وفي مواضع أخرى من قصائدي تحمل معنى السخرية بالتأكيد، فالطيبون أو القديسيون - كما وصفتهم أنا في قصيدة أخرى - لا يكتبون الشعر ولا ينبغي لهم - لأن لديهم يقينا يجعلهم مطمئنين ولا تشغلهم أسئلة مؤرقة تستدرجهم إلى الشعر أو الكتابة عموما.
وبالنسبة لقصيدتي «الغريمة» لفت نظري ذات مرة قراءة لناقد شاب رأى أن الذات الشعرية داخل هذا القصيدة، هي ذات منقسمة تتأمل نفسها في مرآة الوعي والكتابة، وتسخر منها في الوقت ذاته أيضا، والقصيدة تحاول توصيف هذا الانقسام ورصده لاكتشاف أبعاده.
الغريمة أو الغريم، القرينة أو القرين، تظهر ويظهر بشكل مكثف في تجربتك.. هل هي أو هو شيطانك الخاص؟ هل هي أو هو غريمك الأبدي؟
أتصور أن الشاعر لا يكون واعيا تماما بكل هذه العلاقات المتشابكة لحظة الكتابة، ولهذا أميل كثيرا إلى مفهوم الشعر الذي عرّفه أحد علماء النفس بأنه هو «ذلك الصراع المرير بين الوعي واللاوعي»، وبالفعل حين أتخذُ مسافة من كوني كاتبة هذه القصائد، يمكنني أن ألاحظ حضورا كبيرا بها لمسألة الشبح والطيف والقرين والقرينة. ويبدو أنها مجازات للتعبير عن هواجس تلح على اللاوعي عندي، لهذا تتخذ صورا متعددة وأترك أمر تأويلها للنقاد فليس لديَّ تفسير كامل لهذا الأمر، على الأقل الآن.
هناك مفردات وأسماء شخصيات، تنتمي إلى ثقافات أخرى في قصائدك، كالجنرال، وجسر بروكلين، وفرويد ولاكان، وإليكترا.. لماذا؟
أظن أنه من الصعب على الكاتب أو الشاعر أن ينفصل عن قراءاته أو تجاربه الخاصة أو خبراته التي عاشها أو تلك التي اكتسبها في الماضي أو الحاضر، لكن في الوقت نفسه علينا أن نعترف أن الكاتب الحقيقي لا يمكن أن يكون نتاج ثقافة محلية أبدا، بل عليه أن يتجاوز ثقافته وبيئته، وأن يكون متصلا بثقافات أخرى متعددة، فنحن جميعا ننتمي إلى ثقافة إنسانية أوسع.
وفيما يخص هذه الكلمات الأجنبية التي ذكرتها في سؤالك أو غيرها من الأسماء التي وردتْ في القصائد فهي ليست ديكورا أو أشياء مستعارة أو ولعا بالأسماء الغربية كما يظن البعض. بل هي تؤدي دورا مهما يكون مرتبطا بدلالة معينة في القصيدة، بعضها يمكن أن يكون تأثرا بقراءاتي المتعددة في علم النفس طبعا أو بقراءاتي في الأدب العربي أو في العالمي أو حتى بتجاربي الخاصة نتيجة الاحتكاك بثقافات أخرى أو بأشخاص ينتمون لهذه الثقافة. وبالمناسبة حضور أو استخدام بعض الكلمات التي تراها أنت من ثقافات أخرى ليست من ابتداعي وستجدها عند شعراء كثيرين، بعضهم ينتمي جماليا إلى تيار الشعرية الجديدة، عليك فقط أن تعود إلى دواوينهم فتعرف أنه أمر ليس غريبا بالمرة.
هل ما يربط بين «الشحاذ» في إحدى قصائدك و«شحاذ» نجيب محفوظ هو أن الاثنين يشحذان المشاعر.. وما الاختلافات بينهما؟
دعني أقول شيئًا قد يدهشك أن الكاتب نجيب محفوظ أحد أساتذتي الكبار الذين تعلمت منهم، وقراءتي لرواياته مبكرا، كانت أحد أسباب تطور وعيي بالعالم وأظنني ظللت لفترة مسكونة بأعماله خاصة رواياته ذات الطابع الفلسفي الرمزي مثل: «الطريق، الشحاذ، السمان والخريف» وغيرها من الروايات التي تجسد فلسفة الشك والبحث عن يقين أو معنى لهذا العالم.
بالفعل أثرت فيّ رواية «الشحاذ» وتحديدا شخصية «عمر الحمزاوي» بطل الرواية، ووجدت أن ثمة تشابها أو تقاطعا بينها وبين الشخصية التي تتحدث عنه قصيدتي، وقد وصفته فيها بـ«الصعلوك المراهق»، فكلاهما يعاني من حالة الإفلاس المعنوي للإنسان، وكلاهما يعاني أزمة وجودية بالأساس، ويبحث عن معنى لوجوده ولا يجد إجابة شافية عن أسئلته المؤرقة عن معنى الحياة الموت، وينتهي به اليأس وانعدام اليقين إلى أحضان نساء متعددات، ينشد اللذة أو اليقين دون جدوى. وحين كتبت قصيدتي التي حملت اسم الرواية «الشحاذ» وأهديتها للأستاذ نجيب محفوظ كنت واعية تماما بهذا التقاطع بين الشخصيتين، لكن على الجانب الآخر هما شخصان مختلفان وما كتبته مجرد قصيدة في نهاية المطاف وليس رواية تحاكي عمل محفوظ الروائي.
هناك حس أقرب إلى السخرية الخفيفة من الرومانتيكية ورفضها.. هل على القصيدة الجديدة أن تتخلى عن الرومانتيكية؟
التورط في الرومانتيكية أحيانا يعميك عن رؤية متناقضات الحياة والنفس البشرية، وبالتالي أراها أحد الفخاخ التي ينبغي على الشاعر أن يكون واعيا بها وبمزالقها الكثيرة. أما السخرية فهي أداة مهمة في الكتابة، فإن تسخر من شيء فهذا معناه أنك تضع مسافة بينك وبينه، وهو ما يجعلك تراه بشكل أكثر دقة ووضوحا.
ذكرتِ اسمك بشكل واضح «نجاة» في قصيدتك «الطريق إلى طلعت حرب» من ديوان «مثل شفرة سكين».. ما الفلسفة خلف هذا؟
ليس هناك تخطيط مسبق لاستخدام اسمي أو ذكره في هذه القصيدة أو غيرها. وبالطبع لم يكن الغرض منه الزهو به، بل إن استخدامه يكون في سياق محدد ولأمر يتعلق بدلالة معينة في القصيدة، وبالتالي وجوده ليس زائدا فيها أو مقحما عليها.
وهناك شعراء قدماء ومحدثون استخدموا أسماءهم داخل القصائد من أول الشاعر العربي القديم عنترة بن شداد وليس انتهاء بالشاعر المصري الرائع ياسر الزيات. وبالتالي لم أخترع شيئا جديدا يتعلق بهذا الأمر.
يعكس ديوانك «حائط مشقوق» الوحدة التي يعيشها الناس في كل مكان، الناس الذين تتساقط أعضاؤهم، ويموت الآخرون في غرفهم، هل الوحدة سؤالك الأساسي في الشعر؟
سؤال الوحدة هو بالفعل أحد أسئلتي الأساسية في الكتابة، ولكنه ليس السؤال الوحيد على أي حال. ولهذا أراني أتذكر الآن بشكل تلقائي تساؤل يحمل معنى التعجب يتعلق بفكرة الوحدة، طرحه الناقد «رولان بارت» في كتابه «الغرفة المضيئة»: «أليست الحياة ذاتها تتكون من تلك اللحظات الصغيرة من الشعور بالوحدة»؟!
فكل أماكن ولحظات عزلتنا الماضية، والأماكن التي عانينا فيها من الوحدة، أو رغبنا فيها، تظل راسخة داخلنا. وبالنسبة للشاعر يصبح المكان المرتبط بوحدته مكانا خلاقا يفتح له طريقا أو بابا إلى الشعر.
هل قصيدة «هيلين» من ديوانك الجديد «الوقت.. خارج الوحدة» هي تنويع على فكرة الغريمة؟ وهل هو محاولة من الذات لمد يدها إلى العالم ومغادرة عزلتها أخيرا؟
هناك تقاطعات وتشابكات بالطبع بين قصيدتي «الغريمة» و«هيلين»، ولكنهما ليستا الحالة نفسها على الإطلاق، فهيلين شخصية حقيقية (أمريكية الجنسية) وهذا اسمها وقد انتحرت في الواقع، عرفتها عن بعد وتأثرتُ بما جرى لها، لكنني أعدتُ صياغتها مرة أخرى وفق مخيلتي أثناء الكتابة. وطبعا لا يمكنني المصادرة على هذا التأويل من جانبك، لأنني أؤمن أن الشعر حمّال أوجه ويسمح بتأويلات متعددة، وهذا يعزز من استمرار وجوده فترات طويلة معنا.
أصدرت منذ عام 2002 أربعة دواوين، أي بمعدل ديوان كل خمس سنوات.. هل هذا تطبيق لمقولة «الشعر عزيز»؟
أتصور أن الشعر نادر بطبيعته وهو لا يأتي سهلا لكل من يطارده وهو حالة خاصة ومختلف عن بقية الأجناس الأدبية في طريقة التعامل معه، لكنني بالقطع لا أرغب في ترديد مبالغات تتعلق بشأن علاقة الشعر بالإلهام.
ربما أتخيله - أعني الشعر - يأتي لنا في هيئة الصيد المراوغ يحيطه به الظلام من كل جانب، ويحتاج منّا إلى بصيرة لاكتشافه، وأدوات خاصة لاقتناصه والقبض عليه.
ودعني أعترف أنني أخاف من الشعر ولا أنشر كل ما أكتبه وأتمهل كثيرا قبل الإقدام على إصدار عمل جديد. ولك أن تتخيل أن ديواني الأخير «الوقت.. خارج الوحدة» ظل لسنوات في الدرج قبل أن أقرر نشره بعد استشارة عدد من الأصدقاء المقربين لي ممن أطمئن إلى آرائهم.
لماذا أنت قليلة الظهور في الإعلام والصحافة؟ هل على الشاعر أن يستقر في الظل؟
بالفعل أنا قليلة الظهور في الإعلام والصحافة وحتى في التجمعات الأدبية إلى حد ما، وقد يعود هذا إلى فكرتي أو تصوري عن الطريقة التي ينبغي أن يحضر بها الشاعر أو الكاتب، فأنا أفضِّل أن أحضر من خلال نشر كتاباتي الشعرية عن الحضور الفيزيقي المبالغ فيه من دون هدف محدد، وهو الأمر الذي يبدد الطاقة والجهد، بالإضافة إلى تركيبتي الشخصية التي تميل إلى الهدوء والعزلة أكثر، فروحي لا تحتمل كل هذا الضجيج. الكتابة بشكل عام، والشعر على وجه الخصوص يحتاج إلى شيء من الإنصات إلى الذات والاشتغال عليها بالقراءة، والثقافة التي توسع من تجاربنا تضيف إلى خبراتنا في الحياة.
هل ترين أن تجربتك مظلومة بالقياس إلى تجارب آخرين بدأوا معك أو حتى بعدك.. وما سبب ذلك؟
لا أرى أنني مظلومة نهائيا ولا أقارن نفسي بأحد، الكتابة منحتني الكثير ويكفي أنها أنقذتني كثيرا من تجارب قاسية مررتُ بها وكادت أن تحطمني نفسيا، لقد عوضني الشعر - إلى حد ما طبعا - عن فقد الأب. ومنحني معنى للحياة، ووسيلة للشفاء أيضا، حين حولت تجاربي إلى كتابة ومجاز أستطيع من خلالهما فهم نفسي والعالم حولي.
أما ما يخص التقدير النقدي لكتابتي، فهذا أمر لا يشغلني كثيراً، خاصة أنه لا توجد حركة نقد حقيقية الآن يعول عليها، بالعكس سلطة النقد تفككت لصالح سلطات أخرى مهيمنة، منها سلطة الإعلام والصحافة وجروبات القراءة وصفحات الفيس بوك والجوائز والترجمة.
لكن هذا لا يمنع أن هناك اجتهادات فردية من جانب بعض المشتغلين في مجال النقد الأدبي يتمتعون بالنزاهة ويمتلكون ضميرا نقديا حيا، إلى جانب حساسية خاصة في التعامل مع الكتابات الشعرية الجديدة.
وعلى الرغم من هذا فقد كتب عن دواويني الأولى شعراء ونقاد من أبناء جيلي، وآخرون من أجيال سابقة، منهم مثلا وائل فاروق، وسمير مندي وصلاح فاروق ومحمد أبو زيد وآخرون من أجيال سابقة.
إلى جانب هذا، فأنا أشعر بالرضا - إلى حد ما - فيما يتعلق بالتقدير الذي نالته كتابتي الشعرية خارج مصر، فمثلا حصلت على عدة جوائز منها: جائزة طنجة في الشعر في الدورة التي حملت اسم الشاعر المصري صلاح عبد الصبور، كما تم اختياري إلى جانب الشاعر المصري أحمد يماني في الشعر من مصر باعتبارنا من أفضل الكتاب الشباب العرب عام 2010، هذا إلى جانب المنح الأدبية التي حصلت عليها من قبل، للسفر إلى أمريكا، وترجمة قصائدي إلى عدد من اللغات الأجنبية، ودعوتي لعدد من المهرجانات الشعرية العالمية.
من أساتذتك الشعريون ولماذا؟
لي أساتذة ومعلمون كثيرون من أرض الشعر ومن خارجه أيضا كانوا سببا في تغيير وعيي بالعالم وهم كثيرون جدا وكانوا متغيرين بحسب المرحلة التي أمر بها ويصعب ذكرهم جميعا، وإن كنت أتذكر أنني في الجامعة كنت أحفظ قصائد لمحمود درويش وأمل دنقل من فرط محبتي لهما.
أخيرا.. من الأرواح الشعرية الأقرب إلى قلبك من مصر والعالم العربي؟
من العالم العربي أشعر بأن أقرب الشعراء إلى قلبي هم محمود درويش، أنسي الحاج، وديع سعادة، عباس بيضون، سيف الرحبي، وأمجد ناصر.
ومن مصر، هناك شعراء كثيرون أحبهم لكنني سأذكر الذين تعرفت على تجاربهم مبكرًا وقرأت لهم وأنا في الجامعة وشعرت بأن ثمة علاقة أو جسورا بيني وبين كتابتهم، من جيل السبعينيات مثلا أحمد طه وعبدالمنعم رمضان، ومن تيار الشعرية الجديدة علاء خالد وعماد أبو صالح، والاثنان سعيت للتعرف عليهما بعد انتهاء دراستي الجامعية، وكلاهما نموذج للشاعر النبيل المثقف، ثم فيما بعد أحببت شعراء آخرين بعضهم صاروا أصدقاء لي في الحياة.
