«مسار الفكر» أول دار عمانية متخصصة للنشر للطفل
لم تتمن عبير الرواحية وهي ما تزال طالبة في الثانوية أن تصبح كاتبة بعد أن سحرها منظر الكتب في معرض الكتاب، ولفتها مشهد الناشرين وهي تلفهم في أجنحتهم المربعة والمستطيلة، بل تمنت أن تصبح ناشرة، لكنها بعد ذلك بوقت طويل أصبحت الاثنين معا -كاتبة وناشرة- في الوقت نفسه، وأسست (مسار الفكر) أول دار متخصصة للنشر للطفل في عمان.
تقول عبير: "عندما خضت تجربة النشر شعرت أني مستعدة وجاهزة للكتابة، فبدأت أشتري الكتب وأقرأ كثيرا في كتب التربية وكنت حين ذاك لم أكن أما بعد، وأذكر أني كنت اقرأها سرا، كان يراودني سؤال كيف يمكن التعامل مع الطفل بذكاء. كنت ألاحظ أن الأمهات من حولي يصعب عليهن التعامل مع الطفل، فعندما يبكي الطفل لم يكن يفعلن شيئا أكثر من الغضب، واكتشفت أنني كلما تعاملت مع طفل ما وجدتني أجيد التعامل معه، ولغة التفاهم بيننا كانت تبدو جيدة فبدأت العلاقة.
كنت في أوقات فراغي أجمع أطفال الحي أتحدث معهم وأقضي معهم وقتا للعب، واكتشفت أنني قادرة حتى على شرح الرياضيات لهم بشكل لم أتوقعه، فبقيت على هذا الحال حتى أصبحت أما، فشغلني هم النجاح في تربيتهم والطريقة الصحيحة للتربية وكنت أعاملهم بناء على ما كنت أقرأه فشعرت أني نجحت في ذلك، وكنت أنموذجا للمحيطات بي".
وأضافت: "هذا النجاح جعلني أؤسس (مسار الفكر) الذي أعتبره ترجمة للجهد الذي أبذله مع أبنائي الأربعة، وأصبحت أعرف بالتحديد ما الذي يحتاجه الطفل، فأصبح مسارات مكتبة في 2019 وبدأنا نبيع كتبا أكثر، وبعدها كنت أحلم أن تصبح هذه المكتبة دار نشر، ففعلت.
فبدأت باختيار النصوص التي كان كُتابها من العمانيين في الغالب وبعضهم من خارجها. من خلال تجربتي التي كونتها في 16 عاما، والتجربة التي كونتها مع الناس في 5 سنوات، تجعلني أجزم أن 70% من تربية الطفل هي وعي الأمهات. وهذا أمر مهم ويسعدني أن الأمهات والآباء يأتون إلى هنا ويختارون لأطفالهم معا، عملية اختيار الكتب للأطفال يجب ألا تنبع حسبا لسنوات عمره ولكن باتباع رغبات الطفل واحتياجاته، خاصة أن رغبة كل طفل تختلف عن أي طفل آخر، وبذلك تصبح رحلة اختيار الكتاب للطفل أسهل".
وحول التحدي الذي تصنعه التقنية والأجهزة وألعاب الفيديو بالنسبة لها كناشرة قال: "نحن لسنا ضد التقنيات الجديدة ولكننا في صفها، ولا أعتبر أنها تحد لي كناشرة، ولكن أن نكون أذكياء في التعامل معها، وحتى لا يفقد الصغار القراءة لا بد أن نكون قدوة لهم ونقرأ أمامهم فالطفل مقلد من الدرجة الأولى، وما دام مقدمو الرعاية يقرأون أمام صغارهم ويخلقون التوازن بين ذلك وبين المشتتات الأخرى سنجتاز ذلك".
وحول المتلقي في عمان -الفئة التي تستهدفها الدار قالت: "المتلقي مهتم غالبا باقتناء ما يخص المنهج الدراسي، ولا أظن أن ذلك خاطئا، ولكن يجب أن نغير بعض الشيء في هذا الأمر، فالمنهج خلق حتى يكفي الطفل في المدرسة، ولا أظن أنه محتاج إلى إضافة، ولكنه بحاجة إلى أن نصنع منه طفلا مختلفا شغوفا وواعيا وقياديا ومشغولا بالبحث والتفكير، وهذا يحدث من خلال القراءة والبحث والتفاعل في الورش التعليمية، وليس من خلال منهج دراسي إضافي آخر. ودور الأم أن تضيف للطفل ما لا يتلقاه في المدرسة. المنهج يعمل كما يراد له ولكن دور المربين دعم الطفل بتنمية مهاراته ودعم شغفه واحتياجاته. وهذا التحدي الذي أواجه في الحقيقة لأن الأسر تأتي باحثة عما يدعم المنهج التعليمي".
وأضافت: "في هذه الدورة من المعرض أسعدني أن الكثير من الآباء يمنحون الفرصة للطفل أن يختار وأصبحت لديهم معرفة بتوجهاته، وعملنا على الكثير من البحوث والورش للأمهات في منصاتنا حول القراء للطفل، وآمل أن أكون قد أسهمت بتشكيل جزء من هذا الوعي لدى بعض الأمهات والآباء. واحدة من أهم الأشياء التي نعمل عليها هي أن نحدث تغييرا في مسألة فهم قيمة الاستثمار في الطفل، وبالنسبة لي أن تكون دارنا أول دار عمانية تهتم بالنشر للطفل أمانة كبيرة نتحملها".
وعن النصوص التي تختارها عبير للنشر تقول: "يحتاج الطفل نصوصا تحمل أنماطا لغوية قوية، تعطية حصيلة لغوية قوية، لذلك اهتممت باختيار نصوص تمنح الطفل هذه الحصيلة، و أظنني أصبحت بعد هذه التجربة الطويلة ملمة بما يحتاج إليه الطفل، فأبحث عن كل ذلك في النصوص".
وقالت في ختام حديثها: "الكتاب يأخذ منا الكثير، والناشر لا يفكر من منظور التاجر بقدر تفكير في الكيفية التي يقدم فيها محتواه، ولا أقول أنه لم تمر علي لحظات لم أفكر فيها بإغلاق الدار أو المكتبة، حدث هذا من قبل في الحقيقة، ولكنني أردد دائما أن الاستمرار يأخذنا إلى النجاح، وأنا مستمرة اليوم من أجل شغفي وما أحب بغض النظر عن الربح".
