No Image
ثقافة

الاستشراق: بين إدوارد سعيد وسينما هوليوود

22 مارس 2022
22 مارس 2022

الاستشراق عادةً هو شكل من أشكال العمل الأكاديمي الذي يهدف إلى دراسة مجتمعات الشرق من وجهة نظر غربية، كما يشير إلى تقليد أو تصوير جوانب مختلفة من الحضارات الشرقية من قبل الرواة والفنانين من الغرب. ومع ذلك، أصبح الاستشراق مفهومًا سلبيًا، متضمنًا صورًا وتفاسير ضارة بالحضارة الشرقية خاصة القديمة، وكذلك المجتمعات، والأفراد، وأوضح الكاتب والناقد الفلسطيني المولد إدوارد سعيد في كتابه "الاستشراق" بأنه منذ القرن الثامن عشر ظهرت طريقة غربية للسيطرة على الشرق أكد فيها أن دراسات الشرق كانت متحيزة ومدفوعة بأغراض استعمارية ذات نوايا وأهداف غير معلنة بغض النظر عن مدى ظهور مثل هذه الدراسات بصورتها الموضوعية والعلمية، وبالإضافة إلى ذلك، لعب الإعلام الغربي دورًا مهمًا في تعزيز الصورة النمطية للشرق، ولا شك أن عدم التوازن في التغطية الإعلامية للشؤون الشرقية ونقلها بصورة صحيحة وبشكل أكثر تحديدًا صورة العالم الإسلامي يسهم بشكل كبير في زيادة العداء وكراهية الإسلام في الخطاب السياسي والاجتماعي الغربي.

أطلقت هوليوود عام 2019 فيلم "علاء الدين" الذي وصفه كثيرون بأنه شكل من أشكال الاستشراق لأنه مليء بالصور الاستشراقية مقرونة بتصوير سلبي وعنصري للثقافة العربية، الأمر الذي دفع مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية إلى المطالبة بمعالجة الصور النمطية الدينية والعرقية التي يكرسها الفيلم، وقد كان إدوارد سعيد قبل وقت طويل من إطلاق الفيلم، درس الأدب والروايات التي استخدمها المؤلفون الغربيون لتصوير آسيا والشرق الأوسط بشكل أسطوري على أنهما عالم غريب وساحر ورومانسي مع أرض خيالية غامضة خدمت وجهات النظر الاستعمارية في المنطقة، ويعتبر الفيلم استمرارًا لهذه الصورة النمطية الاستشراقية، حيث تتحول ياسمين إلى أميرة تتوق للهروب من الثقافة القمعية والمسيطرة بهدف الحصول على الاستقلال الكافي والزواج على أساس الحب في الوقت الذي يبدو فيه والدها السلطان ضعيفًا يمكن خداعه والتلاعب به بسهولة، كما تضمنت الأغنية الافتتاحية المسماة "الليالي العربية" صورًا عنصرية وساخرة، وهذا يعزز طرح إدوارد سعيد القائل بأن الغرب كان قادرًا على إنتاج الشرق سياسيًا واجتماعيًا وأيديولوجيًا وعلميًا وحتى خياليًا.

واعتبر الاستشراق مركزيا وسائدا لدرجة فرض قيوده على الفكر الشرقي وعلى من يكتب عن الشرق بغض النظر عن هويته، وكما يدعي الكاتب أن مثل هذا السلوك من قبل الغرب يمنحه مزيدًا من القوة والهوية ولكن يضعه في نفس الوقت في مواجهة الشرق، حيث إن التأطير العنصري للشرق في السينما ليس نتاج عصر ومرحلة، ولكنه موجود منذ ولادة السينما، حيث يكون الشرق مكانًا لتجارب ساحرة وغريبة ورؤية أشخاص غير مألوفين، ومع ذلك فإن استخدام السينما لتصوير الآخرين لا يقتصر على العرب والمسلمين، فخلال الحرب الباردة رسم الإعلام الغربي صورة للشيوعيين والاتحاد السوفيتي على أنهم شر مطلق يتربص بالعالم ويسعى إلى خرق الأمن والسلم العالميين، ولكن بعد انهيار المعسكر الشيوعي، افتقرت صناعة السينما في هوليوود للعدو الوحشي الذي يتطلب من المخابرات الأمريكية محاربة الخطر وإعادة الاستقرار للوطن الأمريكي والعالم، غير أن هذا الفراغ لم يدم طويلا، حيث أصبحت السينما الأمريكية غير قادرة على تكوين مادة غنية لتصنيع أفلام الإثارة، وبالتالي كان عليها خلق عدو خارجي لإعادة تعبئة الأجهزة الأمنية، فوجدت هوليوود ضالتها في الشرق وتحديدًا العرب والمسلمين، مما يجعل السياسة الخارجية الأمريكية متوافقة مع الاستعمار الثقافي الذي يعطي الشرعية والغطاء الأيديولوجي للممارسات الاستعمارية غير المباشرة من خلال تقديم الشرق كمنطقة غنية بالثروة المفرطة، وكمجتمع بربري، وغير متحضر، وعنيفة.

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، قامت هوليوود برد سينمائي عنيف على الشرق تغذيها الكراهية والعنصرية، مما مهد الطريق لانتشار الإسلاموفوبيا بأبشع صورها، وأصبحت الحروب التي شنت على أفغانستان والعراق محورية في عدد كبير من أفلام الحركة والإثارة في هوليوود، وكما قدمت هوليوود الجندي الأمريكي بصورة الشجاع والبطل، فإنها ركزت على نزع الصفة الإنسانية عن الطرف الآخر أي العرب والمسلمين.

وتدور أحداث فيلم علاء الدين في مدينة من صنع الخيال اسمها "أغربة" على شكل منطقة من الشرق بصحرائها المقفرة، وبيوتها الطينية المتواضعة، وفي نفس الوقت قصور فخمة تمتلكها النخب الثرية في المجتمع الشرقي، كما يستعرض الفيلم قصة الشاب علاء الدين الذي يكسب رزقه من السرقة والاحتيال ثم يقع في حب الأميرة ياسمين التي كانت ضحية للسلطة الأبوية التي أسستها الثقافة العربية، ويأتي دور علاء الدين لتحرير الأمراء من القمع بعد أن جرد نفسه من صفاته البربرية العربية، وانضم إلى طريق الحضارة والتطور، وأصبح يشبه الشباب الغربي مع امتلاكه لقيم مثل الصدق والأناقة، الأمر الذي جعل مجتمع الفيلم ينقسم إلى معسكرين، المعسكر الطيب الذي يمثله علاء الدين وياسمين أصحاب البشرة الفاتحة "مقارنة بشخصيات أخرى في الفيلم"، حيث يجيدون التحدث باللهجة الأمريكية، ومعسكر الشر الذي يمثله جعفر ورفاقه ذوو البشرة السمراء بلهجتهم الثقيلة.

"لقد جئت من أرض بعيدة حيث تتجول الإبل مع صيحاتها، وحيث تقطع أذنك إذا لم يعجبهم وجهك، فالمجتمع بربري، لكنه الوطن، فاصعد إلى بساط الريح وسافر معنا إلى ليلة أخرى من الليالي العربية"

بهذه الكلمات، وموسيقى مليئة بعبق وسحر الشرق، ورائحة "ألف ليلة وليلة" والجمال التي تجوب الصحراء يبدأ الفيلم ليأخذ المشاهد من لحظته الأولى إلى مكان بعيد مليء بالمشاهد السحرية والغريبة ولكنه مليء كذلك بالوحشية والعدوانية والهمجية التي يطلق عليها الشرق، ورغم أن الفيلم قد خضع فيما بعد للتحرير بحذف بعض كلمات أغنية ألف ليلة وليلة وبسبب الجدل الذي أحدثه في الأوساط العربية والإسلامية في الغرب، بقي السياق الاستشراقي حاضرًا في جميع المشاهد، وربما يكون فيلم علاء الدين هو المثال الأكثر وضوحا للاستشراق في صناعة السينما بسبب الصورة النمطية التي رسمها للأطفال الشرقيين، ولا يزال الأطفال الأمريكيون الذين كبروا الآن يعتقدون أن صورة الشرق التي أظهرتها لهم ديزني خلال طفولتهم ليست سوى صورة عرض للواقع العربي والشرقي.

وفي سياق متصل قدم فخري صالح في كتابه "كراهية الإسلام: كيف يصور الاستشراق الجديد العرب والمسلمين" الخطاب الغربي من خلال ما أورده عدد من الكتاب مثل فيدياذار سوراجبراساد واثنين من أشهر الأسماء الأمريكية في دراسات العالم الإسلامي هما برنارد لويس وصموئيل هنتنغتون، واعتبر فخري صالح هؤلاء المؤلفين نتاج الحاجة الاستراتيجية الغربية لبناء عدو جديد، حيث امتاز عملهم الأدبي بحمل صورة أيديولوجية أكثر من كونها علمية أو موضوعية، وأخذ فخري صالح في الاعتبار الظروف والسياقات المختلفة التي ساهمت في تحول الاستشراق وفي نفس الوقت خدمت الغرض لبقاء القطب الأوحد الذي تمثله الولايات المتحدة في سعيها لترسيخ هيمنتها السياسية والاقتصادية على العالم، وعليه يبدو الاستشراق الجديد خاليًا من المعرفة النظرية والأدبية الحقيقية، بل يركز أكثر على المصالح الاستراتيجية العليا، كما أدى صعود اليمين إلى تفاقم تحول الاستشراق الأمريكي من التقاليد النظرية الموروثة من القرن العشرين، ويرى فخري صالح أن هذا الرأي متجذر في تقليد الاستشراق الجديد الحاد الذي يخلط بين التطرف والعنف وانتقاد الإسلام نفسه وليس الأشخاص بنفس الطريقة التي تخلط فيها الإدارة الأمريكية بين الجماعات الإسلامية العنيفة والمعتدلة.

أخيراً.. يكفي القول إن فيلم علاء الدين مشوه بمزيج غريب جدًا من كل دول الشرق، حيث لوحظ هذا المزيج في الرقصات التي يؤديها علاء الدين والأسواق والمباني التي تضمنت مزيجًا من الهندسة المعمارية للعالم الشرقي من المغرب إلى بلاد فارس والهند وشبه الجزيرة العربية، ورغم أن الفيلم تضمن انتقادات سياسية واجتماعية وجندرية واضحة، فإنه قدم صورة سيئة للشرق لتجعله شكلاً من أشكال الاستشراق.

سعيد البيماني

كاتب عماني

saidalbimani@hotmail.com