محاضرة تبحث في العلاقة بين اللغتين السومرية والسلوتية العمانية القديمة
خميس العدوي: بحثي قادني لجمع مائة كلمة من لسان اللغة السلوتية -
نزوى مكتب «عمان»: محمد الحضرمي:-
نظمت مكتبة الندوة العامة ببهلا مساء الجمعة الماضي، محاضرة ثقافية حملت عنوان «العلاقة بين اللغتين السومرية والسلوتية - العمانية القديمة»، قدمها كل من الدكتور الباحث عبدالمنعم المحجوب أستاذ اللغة السومرية واللغات الأفروآسيوية، والباحث خميس بن راشد العدوي، متحدثا عن اللغة السلوتية العمانية القديمة.
تحدث الدكتور المحجوب عن اللغة السومرية القديمة، مقدما لها بتمهيد عن بداية تكون الجغرافية العربية، ونشأة الشعب السومري في العراق القديم، ومواقع أخرى مما يعرف اليوم بالعالم العربي، ثم عن بداية تكوين اللغة السومرية، وتدوينها على الألواح المسمارية، ودلالات هذه اللغة العريقة المندثرة، والتي بعد دراستها خرج الدكتور المحجوب بقناعة علمية أن اللغة التي نتحدثها اليوم هي تلك اللغة السومرية القديمة. وبالأخص الكلمات الجذرية للغة العربية.
ومن تقديم الكاتب خميس العدوي تعرفنا على شخصية المحجوب العلمية، فهو باحث في مجال اللغة السومرية واللغات القديمة، وله دراسات من بينها كتاب «ما قبل اللغة، الجذور الأولى للغة العربية واللغات القديمة»، و«معجم اللغة السومرية»، وكتب أخرى في مجال اللغة والفلسفة والفكر.
د. المحجوب: عمان مبهرة بحضارتها
في البداية تحدث الدكتور عبدالمنعم المحجوب في الرحلة العلمية التي زار فيها مواقع كثيرة في السلطنة، بحثا عن آثار للحضارة السلوتية القديمة، والتي تكسو ربوع عمان، أو كما يرى الباحث العدوي أنها تمتد من أقصى الجبال المطلة على البحر في محافظة جنوب الشرقية، إلى أقصى شمال عمان، في هذه السلسلة الحجرية نشأت الحضارة السلوتية، خلال الألف الثالث قبل الميلاد، ولا تزال بعض من آثارها شاخصة إلى اليوم.
وعن هذه الرحلة العلمية يقول الدكتور المحجوب: لقد تجولنا في ربوع عمان، بين الوديان والجبال، وكانت بالنسبة لي رحلة مبهرة، وهذه هي المرة الأولى، ولكن ما رأيته يتجاوز بكثير ما قد كنت سمعته عن عمان.
السومريون ذوو الرؤوس السوداء!
وعن أصول السومريين يتحدث الدكتور المحجوب: السومريون يسمون أنفسهم «ذوي الرؤوس السوداء»، أي إنهم لم يكونوا أوروبيين، مع التأكيد أن المواصفات العرقية لا تنجح دائما في التصنيف، ولا في وضع أساس للوصول إلى رأي علمي نهائي، كما أن دراستي لحضارة سومر بلغتها الأولى العريقة، استمرت أكثر من 15 سنة متواصلة، وانتهت بكتاب «ما قبل اللغة»، وليس المقصود به لغة محددة، وإنما اللغة في اكتمالها وتداولها، وقد كنت خلال خمسة عشر عاما أفكر كثيرا في «المسألة السومرية»، وهي البحث في أصل السومريين، وانتهيت إلى رأي واحد وهو أن السومريين هم مجموعة من القبائل، أو مجموعات بشرية كانت تتنقل في هذه الربوع التي نعرفها اليوم، وكانت تتحرك في صحراء شبه الجزيرة العربية بحثا عن الاستقرار، فاستقروا في العراق عندما أصبحت أرضا صالحة للزراعة والاستقرار، وبعضهم انتشر في ربوع الصحراء الكبرى، وهؤلاء استقروا في مصر، ثم بدأ تدوين اللغة التي سميت بالسومرية بطريقة بدائية، وهي الرقن على ألواح الطين، كانوا يرقنون بأعواد من القصب، رموزا أشبه بالمسامير، ولهذا السبب سميت كتابتهم بالمسمارية.
وعن تفاصيل الكلمة السومرية قال الدكتور المحجوب: إن هذه اللغة تتشكل من حروف مجردة، أو «فونيمات»، أو «مورفيمات»، أي صوت له معنى، وهذه المقاطع عندما تجمع مع بعضها، تكون معنى جديدا آخر، وبالتدريج بدأ السومريون يصنعون لغتهم، ويدونونها بواسطة الكتابات المسمارية.
العربية ذات الجذور السومرية
وقال أيضا: إن كتابي «ما قبل اللغة» يناقض هذا التفسير جملة وتفصيلا، طارحا هذا السؤال: هل يعقل أن تحيا لغة على مدى ثلاثة آلاف عام وفي موقع العراق القديم، دون أن تتأثر بهذا المكان أو تؤثر فيه؟ وما العلاقة بينها وبين اللغات المجاورة؟ يقول الدكتور المحجوب: لقد بدأت البحث بطريقة يخالف بها كل المناهج الموجودة في قراءة اللغة، وهذا ينعكس أيضا على اللغة العربية، فاللغة العربية لغة جذرية، تعود إلى جذورها المثبتة في معاجمنا القديمة، ولا يمكننا القفز على التركيبة الجذرية في اللغة العربية، وهذا هي فكرة كتابي «ما قبل اللغة»، حيث عدت إلى اللغة السومرية، وبدلا من أن أقرأها في شكلها المطبعي، قرأتها بشكل جذري، ثم عدت إلى اللغة العربية، ولم أقرأها قراءة جذرية بل قراءة مقطعية، وحللت هذه الجذور ورددتها إلى أصولها المقطعية، وقرأت السومرية فخرجت بها من صيغتها المقطعية، وجعلت لها صيغة جذرية، ثم قارنت بين اللغتين فوجدت أننا جميعا ودون أن ندري نتحدث اللغة السومرية، هذه الكلمات التي نتحدث بها هي في حقيقتها مقاطع سومرية مركبة، ومضافة وملصقة ببعضها البعض.
وعلى سبيل المثال: عندما نقول «كتب»، فإن جذر هذه الكلمة لا يمكن تحليله إلا إلى ثلاثة حروف وهي: الكاف والتاء والباء، كتب تتألف من ثلاثة مقاطع سومرية، ك/ بمعنى كلام، ت/ بمعنى بواسطة شيء، بـ/ لوح الكتابة الطينية.
وقال في محاضرته أيضا: إن اللغة السومرية القديمة هي أولى اللغات المدونة في التاريخ، ولم يسبق أن دونت لغة قبل السومرية، ومن جهة أخرى فإن جميع المقاطع المفردة والمثناة السومرية، كامنة في لغات الشرق القديم، ونحن نتحدث بها في لهجاتنا أيضا، وهذه الأمر بالنسبة لي أصبح يقينا علميا، رغم أنه لا يقين في العلم.
واختتم محاضرته بالقول: في زيارتي هذه لعمان، تفاجأت بشق آخر مبهر من الموضوع، وهو شق «اللغة السلوتية»، ورغم أن البحث في رأيي ما يزال في أوله من قبل الباحث خميس العدوي، إلا أن المعطيات جديرة بأن يقف الإنسان، ليعيد التفكير فيها، لأنها ليست معطيات عابرة، ونجد مثل هذه المعطيات مجتمعة مع بعضها البعض في عمان، أو في مجان القديمة.
اللغة العمانية القديمة: السلوتية
وعن اللغة العمانية القديمة أو «اللغة السلوتية»، تحدث الباحث خميس العدوي بالقول: إنه بدأ في البحث عن الحضارة السلوتية قبل عشر سنوات، وقال أيضا: كما تحدث الدكتور المحجوب أن السومريين لم يسموا أنفسهم بهذا الاسم، فكذلك أنا أذهب إلى أن سكان هذه المنطقة لم يسموا أنفسهم بالسلوتيين، وهذا ليس ببدع في علم موضوع الحضارات، وعندما أسمتيها بالحضارة السلوتية، ثم قلت بوجود اللغة السلوتية، إنما لشواهد تحصلت عليها في أرض الواقع، فعندنا كثير من المواقع العمانية تحمل اسم «سلوت» صريحا، منها سلوت في بسيا، وسلوت في العارض، وسلوت في بلاد سيت، وفي الحمراء، وسلوت في الجبل الأخضر، وسلوت في القابل، و»صلوت» بتفخيم الصاد، والصلوتيات وني صلت، وحارة ني صلت، ومجموعة أماكن تدل على هذه التسمية، فملت إلى تسميتها بهذا المسمى.
عندما أقول الحضارة السلوتية فإنه لابد لي أن استبين أمرين مهمين، أولهما جانب جغرافي وآخر جانب زمني، إذ كنت أتوقع في بداية بحثي أن «سلوت» هي فقط الموقع المعروف: سلوت بسيا، وهي مدينة أثرية تقع قريبا من مدخل قرية بسيا، إحدى قرى ولاية بهلا بمحافظة الداخلية، ثم حين استحضرت أماكن أخرى، من بينها المركز العبادي في الموقع المعروف بحجرة «ني صلت» بالحمراء، والمواقع المحيطة ببهلا، تصورت أن «حضارة سلوت» هي ما بين جبل الكور إلى جبال إزكي، ثم قمت بعدة رحلات بحثية، لاستكشف الأمر على أرض الواقع، ووجدت أن هذه الحضارة ممتدة على طول سلسلة الحجر الشرقي والغربي، وأنها تبدأ من الرؤوس الجبلية المطلة على ولاية صور، وتنتهي إلى نهاية جبال الحجر بشمال عمان، وبين سفحي هذا السلسلة العظيمة من الجبال، تقع عشرات المستوطنات القديمة المكتشفة، تأخذ شكلا متدرجا في تطورها الحضاري.
سلوت حضارة الألف الثالث ق.م
وقال أيضا: إن أقدم موقع أثري تم اكتشافه في «رأس الحمراء» بمسقط، يصل عمقه التاريخي إلى عشرة آلاف سنة قبل الميلاد، لكننا نستطيع أن نرجع الفعل الحضاري لسلوت إلى الألفية الثالثة أو الرابعة قبل الميلاد، وهذا تقسيم بالنسبة لنا، أما هو فمتواصل، وكان بطيئا في التحول، لذلك فإن معالم هذه القلادة الحجرية وسلسلة الحجر في عمان، تأخذ بملامح واحدة مع اختلافها الزمني.
وقال أيضا: يمكنني الآن أن أضع تحديدا للزمن الذي قامت فيه «الحضارة السلوتية» وهو الألفية الثالثة قبل الميلاد، وظهرت معها الحضارة السومرية، وشهدت الألفية الثالثة أوج ازدهارها، ولدينا من الشواهد في عمان ما يسبق الألفية الثالثة، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هاتان الحضارتان السومرية والسلوتية نشأتا في نفس الفترة؟ وبالتالي فما نجد من جذور ومعان من كلامنا يرجع إلى اللغة السومرية أو العكس، أي أن الحضارة السلوتية هي الأم للغة السومرية، وبالتالي سنسهم في حل مشكلة ما تسمى بالمشكلة السومرية.
100 كلمة من اللغة السلوتية
وقال العدوي أيضا: إن ما أذهب إليه الآن - وأرجو أن لا أكون قد أخذتني العاطفة للموقع - ولكن باستدلالات وشواهد عثر عليها في الألواح السومرية، ما أذهب إليه الآن هو أن آباء السومريين خرجوا من هذه المنطقة، لشواهد ذكرتها.
ثم تحدث عن العلاقة اللغوية بين اللغتين السومرية والسلوتية، فقال العدوي: منها مقطعية وتم إلصاقها ببعض، ومن إلصاق الحروف تكونت كلمات جديدة، وكثير من الكلمات توجد فقط في عمان، ولا توجد في غيرها، وبناء على انحصارها في عمان، اعتبرتها باللغة السلوتية، ووصلت في بحثي بالحصول على مائة كلمة، وأرجو أن يتطور البحث بالحصول على مفردات سلوتية أخرى.