No Image
العرب والعالم

سكان شمال القطاع محاصرون بين الموت والجوع

06 ديسمبر 2024
أطفا ينبشون الركام ونساء يبكين على الأنقاض
06 ديسمبر 2024

غزة - مراسل «عُمان» - بهاء طباسي: "كل أفراد عائلتي استشهدوا تحت أنقاض منزلنا الذي استُهدف في غارة. لم أتمكن حتى من دفنهم لأنني بقيت تحت الأنقاض لمدة يومين قبل أن يُنقذني أحد الجيران. أعيش الآن بلا مأوى أو أي أمل في الحياة".

تلك كانت كلمات عُمر عليان، 41 عامًا، الناجي الوحيد بين أفراد عائلته، بعد استهداف منزله في منطقة مشروع بيت في شمال قطاع غزة.

نجح عمر عليان في الخروج وحيدًا من تحت الأنقاض، ليجد نفسه بلا أسرة أو مأوى، ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها سكان شمال قطاع غزة تحت القصف والحصار المستمرين من قبل جيش الاحتلال​.

ومنذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية في شمال قطاع غزة في 5 أكتوبر الماضي، يعيش السكان في ظروف مأساوية تصفها المصادر الإنسانية والميدانية بأنها كارثية. في شهادات مؤثرة، يعكس الأهالي معاناتهم اليومية تحت الحصار والتصعيد العسكري، مطالبين العالم بالتدخل لإنقاذهم.

نناشد العالم

عالية معروف، المعروفة بـ«أم علي»، 54 عامًا، من مشروع بيت لاهيا، تصف الأوضاع بكلمات ترتجف منها القلوب: «والله محاصرين، لا في مياه ولا أكل ولا شرب. الناس تهجرت من دورها، جاعت وترحلت. المنظر يقطع البدن».

تناشد أم علي الأمة العربية والعالم التدخل لرفع الظلم والهم عن أبناء الشعب الفلسطيني وإنهاء هذه المعاناة التي تكاد تقضي على كل مقومات الحياة.

أحمد حمودة، البالغ من العمر 36 عامًا، يروي ما يحدث في منطقة جباليا البلد بكلمات تخلو من أي أمل: «يتم إطلاق النيران على الناس في الشوارع. هذه إبادة جماعية. لا أكل ولا شرب ولا ماء ولا علاج».

وينتقد أحمد، العالم الذي اكتفى بالصمت ومشاهدة ما يحدث من مجازر للشعب الفلسطيني، وعجز عن توفير ممرات آمنة، لوصول المساعدات الإنسانية لأبناء الشعب الفلسطيني في شمال قطاع غزة: «ليس لهم أي نخوة، المساعدات لا تصل. والله لا يجزيهم الخير».

في السياق نفسه، يصف وليد فارس (34 عامًا)، من مخيم جباليا، الأوضاع بأنها «لا عقل ولا دين يقبل ما يحدث». وأضاف: «الناس محاصرة في بيوتها. كل من يخرج يُقتل فورًا. المستشفيات خرجت عن الخدمة، وأطقم الإسعاف تتعرض لإطلاق النار أثناء أداء عملها».

شادي عبد ربه، 33 عامًا، أحد سكان مخيم جباليا، لا يستطيع وصف ما يحدث في المخيم، لكنه يؤكد أنهم «يعيشون دون ماء أو طعام، والأطفال يصرخون من شدة الجوع».

ويشير الشاب الثلاثيني إلى أن سكان مدينتي جباليا وبيت لاهيا يشاهدون نسف المربعات السكنية بواسطة الروبوتات المفخخة بشكل يومي، لدرجة أنهم يخافون الخروج من المنازل خوفًا من الاستهداف.

ويتابع: «تتربص طائرات (الكواد كابتر) بالمواطنين في الشوارع، والشهداء بالمئات، جثثهم تبقى ملقاة في الطرقات بالأيام، بسبب قيود الحركة المفروضة على فرق الإنقاذ».

وعن المستشفيات في شمال قطاع غزة، يوضح شادي أنها لا تستطيع استقبال الجرحى والمصابين، بسبب نقص المعدات والكوادر الطبية، حيث يتم العمل بأقل الإمكانات الطبية المتاحة، ما يؤدي إلى ارتفاع أعداد الشهداء بصورة مطردة.

مياه ملوثة لتنظيف الجروح

وتؤكد إحدى الممرضات في مستشفى كمال عدوان، أن الكوادر الطبية تعمل في ظروف مستحيلة: «لا كهرباء. والأدوية نفدت منذ أسابيع. نقوم بإجراء العمليات الجراحية تحت أضواء الهاتف المحمول، والمياه ملوثة بالكاد تكفي لتنظيف الجروح».

وتتحدث الممرضة، التي فضلت عدم ذكر اسمها، عن حالة من الرعب، تنتاب الطواقم الطبية والمرضى، بسبب قصف المنازل المحيطة بالمستشفى: «نسمع أصوات القصف في كل لحظة، ولا نعلم إذا كنا سنعود إلى منازلنا سالمين».

مدير مستشفى كمال عدوان، حسام أبو صفية، يشير إلى وجود جثامين 200 شهيد تحت أنقاض منازل دمرها جيش الاحتلال في شمال قطاع غزة، خلال الـ48 ساعة الماضية.

أبو صفية يشدد على وجود أحياء تحت الأنقاض في منطقة مشروع بيت لاهيا، معبرًا عن ذلك بقوله: «ما يدمي القلوب هو سماع أصوات أحياء يستنجدون من تحت الركام، وعند محاولة المواطنين إنقاذهم، يتم استهداف الطواقم الطبية والمواطنين بالطائرات الإسرائيلية، ما يجعل الوصول إلى تلك المناطق شبه مستحيل».

الدمار يملأ المكان

الصحفي أحمد حمدان يرى أن ما يعيشه سكان الشمال أشبه بفيلم رعب شديد الخطورة: «تجولت في بيت لاهيا وجباليا، حيث الدمار يملأ المكان. رأيت أطفالًا يبحثون في الأنقاض عن طعام، ونساءً يبكين على أطلال منازلهن. هذا عمل درامي مرعب، يعيشه الفلسطينيون على أرض الواقع».

ويحذر الصحفي من خروج المستشفيات عن الخدمة بشكل كامل، بسبب نقص الإمدادات الطبية، ثم يستفيض في وصفه لدراما الرعب في الشمال، موضحًا: «لا توجد أي وسيلة للتواصل مع العالم الخارجي. الناس هنا محاصرون بين الموت والجوع».

إسماعيل الثوابتة، مدير مكتب الإعلام الحكومي في غزة، يصف شمال القطاع بأنه أصبح عنوانًا للصمود، لكنه يعاني بطشًا غير مسبوق، حسب تعبيره.

ويؤكد الثوابتة أن مشاهد الموت والدمار في شمال غزة تفوق الخيال: «الأطفال يتقلبون جوعًا أمام أعين آبائهم، والشهداء تبقى جثثهم في الشوارع تنهشها الكلاب الضالة».

ويضيف: «المشهد لا يمكن أن يتحمله إنسان. الأهالي يعيشون بلا ماء ولا طعام، والمستشفيات غير قادرة على استقبال المرضى بسبب نقص الأدوية والكوادر الطبية».

2300 شهيد في 57 يومًا

ووفقًا لتقارير رسمية صادرة عن الحكومة في قطاع غزة، يشهد شمال القطاع أوضاعًا إنسانية متدهورة منذ 57 يوميًا، إذ أسفرت العملية العسكرية الإسرائيلية هناك عن استشهاد أكثر من 2300 شخص، بينهم أطفال ونساء، فيما يعاني آلاف الجرحى من نقص الرعاية الطبية، بسبب استهداف المستشفيات وشح الأدوية.

بالإضافة إلى ذلك، تم توثيق إصابات متعددة بين العاملين في القطاع الطبي جراء القصف المتكرر على المرافق الصحية، مثل مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، الذي شهد إصابة 12 من الطاقم الطبي، نتيجة القصف المباشر​.