مع سريان لائحة تنظيم "صناعة السوق".. كيف تستفيد الشركات والمستثمرون الأفراد؟
آلية ناجحة في أسواق المال:
- الحد من تقلبات الأوراق المالية
- رفع حجم الثقة في أسهم الشركات المؤهلة للعمل من خلال صانع السوق
- ضمان مستويات عالية وسريعة لتحويل الأسهم والأوراق المالية إلى سيولة
- تسهيل التخارج أو إعادة بناء المحافظ والمراكز المالية للمستثمرين
تمضي بورصة مسقط في طريق التوسع والتنوع وخفض الارتباط التقليدي مع النفط
مع صدور لائحة تنظيم أنشطة صناعة السوق وتزويد السيولة في بورصة مسقط وبدء سريانها من تاريخ إصدارها الأربعاء الماضي، تدخل إلى حيز التنفيذ واحدة من أهم المبادرات لتطوير سوق الأوراق المالية وتعزيز دورها في دعم النمو في مختلف القطاعات الاقتصادية.
ويأتي صدور اللائحة بعد الإعلان مؤخرا عن عدد من المبادرات لتنشيط التداول في البورصة ومنها صندوق برأسمال 100 مليون ريال عماني لتعزيز السيولة.
ويدخل نشاط صناعة السوق للمرة الأولى إلى بورصة مسقط ويمهد لتنشيط التداول وتحقيق العديد من الفوائد للبورصة ككيان استثماري مرموق ومكون هام في قطاع رأس المال في سلطنة عمان، كما يساهم في العديد من أوجه الدعم للشركات المدرجة والمستثمرين الأفراد، حيث يعد صانع السوق آلية ناجحة في العديد من أسواق المال من خلال دوره في الحد من تقلبات الأوراق المالية ورفع حجم الثقة في أسهم الشركات المؤهلة للعمل من خلال صانع السوق وضمان مستويات عالية وسريعة لتحويل الأسهم والأوراق المالية إلى سيولة في حالة رغبة المستثمرين في التخارج أو إعادة بناء محافظهم ومراكزهم المالية.
وصانع السوق أحد المبادرات المهمة التي تستهدفها بورصة مسقط ضمن توجهاتها الاستراتيجية نحو دور أوسع في دعم التنويع الاقتصادي وهي استراتيجية بدئ تنفيذها عقب تحويل البورصة إلى شركة مقفلة تابعة لجهاز الاستثمار العماني ضمن إعادة الهيكلة الواسعة التي شهدتها الاستثمارات والشركات الحكومية والجهاز الإداري للدولة تمهيدا لانطلاقة الرؤية المستقبلية عمان 2040، كما يأتي تنفيذ البرنامج الوطني للاستدامة المالية وتطوير قطاع رأس المال بمبادرات عديدة تعزز دور القطاع كممول وداعم للقطاع الخاص.
وتساهم مبادرة صناعة السوق في حل أحد التحديات التي تواجه التداولات في بورصة مسقط وهو رفع حجم السيولة وقيم التداول.
وبينما ظلت البورصة لسنوات طويلة أحد وجهات الاستثمار التي تقدم عوائد جيدة ومرتفعة للمستثمرين من خلال توزيعات الأرباح، كانت أحجام التداول خلال السنوات الأخيرة عاملا يحد من جاذبية البورصة نظرا لعدم سهولة الحصول على السيولة بأسعار ملائمة وفي توقيتات تتناسب مع خطط المستثمرين وعمليات إعادة بناء المراكز المالية وفق المتغيرات التي تحدث سواء في البورصة نفسها أو في الشركات وفي بيئة الاقتصاد والأعمال والاستثمار بشكل عام سواء في سلطنة عمان أو على المستوى الإقليمي والعالمي.
ويقوم صانع السوق بدور مهم في توازن وتنشيط التداول، إذ يكون مستعدا دائما على مدار أيام وساعات التداول لإتمام عمليات بيع وشراء وتعزيز السيولة المتاحة في السوق.
ويعتقد البعض أن مصطلح صانع السوق يشير لكبار المستثمرين والمضاربين ممن يملكون استثمارات كبيرة مؤثرة في البورصات، لكن الواقع أن صانع السوق نشاط مستقل مرخص يتضمن قيام شركات وساطة أو كيانات استثمارية ترتبط بعقود محددة مع البورصات للقيام بأنشطة صناعة السوق وتزويد السيولة وفق قواعد ونظم التداول المحددة في التشريعات واللوائح التنفيذية المنظمة.
وجرت العادة في البورصات العالمية التي يتواجد فيها نشاط صناعة السوق، أن يكون متاحا لصانع السوق بيع وشراء الأوراق المالية المؤهلة لهذا النشاط لحسابه مباشرة أو يمكن أن يكون لديه محفظة متنوعة تضم أسهم شركات وأوراق مالية مدرجة في البورصة ويعمل صانع السوق لحسابها عبر مساندة عمليات البيع والشراء وتوفير السيولة لأسهم الشركة ويقدم ذلك دعما كبيرا للثقة في تداول أسهم هذه الشركات وللبورصة بشكل عام، أما القائم بنشاط صانع السوق نفسه فهو يقوم بإدراج عروض البيع والشراء ويستفيد من هامش ربح وفق الأسس التنظيمية ويحققه من خلال ما يحصل عليه من فارق بين بيع وشراء الأوراق المالية أو ما يطلق عليه خبراء البورصات "سبريد".
وفي العديد من البورصات العالمية الكبرى، يعد نشاط صانع السوق أحد مصادر حيوية ونشاط التداولات وأداة مهمة للتوازن بين البيع والشراء، فإذا كان هناك طلب مرتفع على الشراء مع عروض بيع أقل من مستوى الطلب في سوق الأسهم، سترتفع الأسعار بشكل كبير، والعكس صحيح إذا كان المستثمرون يبيعون أكثر من الشراء، إذ إن سعر الأسهم يتراجع، ودور صانع السوق ضمان وجود شراء وبيع دائم بشكل سلس وسريع وبما يحافظ على توازن السوق ويحد من التقلبات.
وتعد أسواق المال من أكثر القطاعات التي استفادت من التقدم التقني العالمي، وغالبا ما يتم التداول في البورصات بسرعة وسهولة في أي وقت ومكان عبر أنظمة ومنصات التداول الإلكترونية وبمجرد تقديم طلب للبيع أو الشراء لشركة الوساطة التي تتعامل معها الشركات أو المستثمرون الأفراد، لكن تنفيذ الأمر في حالة البيع على سبيل المثال يتطلب وجود مشترين، ولذلك قد يتباين وقت التنفيذ وفق طبيعة الأسهم وظروف السوق، ومن هنا جاءت أهمية أنشطة صناعة السوق التي تواكب التقدم التقني وتسرع من وقت وحجم التداول بشكل كبير، مما يسهل عملية الدخول أو الخروج من المراكز المالية ويخفض كلفة ومخاطر التداول لكافة الأطراف في السوق المالية التي تحتاج للعمل بسلاسة وسرعة لأن المستثمرين يفضلون الشراء والبيع بسهولة ويتوجهون أكثر نحو البورصات التي تتوافر فيها هذه الاشتراطات.
وفي ظل التوجه متسع النطاق نحو التنويع الاقتصادي وخفض الاعتماد على عوائد وقطاع النفط بعد تقلبات عديدة أدت إلى التأثير سلبا على معدلات النمو والمراكز المالية للدول المنتجة للنفط، تسعى عديد من دول مجلس التعاون نحو تعزيز النمو المستدام وتعطي اهتماما كبيرا بتطوير وتنشيط أسواق المال وقطاع رأس المال عبر برامج ومبادرات متعددة ومتنوعة منها أنشطة صناعة السوق مع انفتاح متزايد للأسواق تجاه الاستثمار الأجنبي وتبني أفضل الممارسات العالمية، وتحقق هذه التوجهات دعما متبادلا ما بين أسواق المال ومختلف القطاعات الاقتصادية، وقد أعلن جهاز قطر للاستثمار إطلاق برنامج دائم لصناعة السوق في بورصة قطر يستمر على مدى السنوات الخمس القادمة لدعم نمو الاقتصاد وتنافسيته وتعزيز السيولة في السوق وزيادة ثقة المستثمرين، كما يلعب صناع السوق دورا متزايدا في السوق الكويتي الذي يستهدف زيادة التداولات وجذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية، وتعزيز الثقة في أداء سهم الشركات لخدمة مصالح المساهمين، كما دشن سوق تداول السعودية في نهاية العام الماضي إطار عمل صانع السوق لأسواق الأسهم والمشتقات المالية، وذلك ضمن جهود ضمان توفر السيولة ودعم نمو السوق المالية السعودية تحقيقا لمستهدفات رؤية المملكة 2030.
وعبر العديد من المبادرات التي تعزز مكانتها إقليميا وعالميا، تستهدف بورصة مسقط استيفاء كافة اشتراطات الترقي من بورصة حدودية إلى بورصة ناشئة، ضمن الاستراتيجية الطموحة التي يتم تنفيذها حاليا وتواكب توجهات التنويع الاقتصادي في سلطنة عمان والتي تعمل على فك الارتباط بين مسار النمو الاقتصادي والاستقرار المالي من جانب وبين قطاع النفط من جانب آخر، وتمضي بورصة مسقط على نفس طريق التوسع والتنويع عبر زيادة الخيارات وفرص الاستثمار المتاحة للمستثمرين وخفض الارتباط التقليدي للبورصة مع صعود أو تراجع النفط.
واتخذت بورصة مسقط العديد من الخطوات المهمة خلال الفترة الماضية في إطار توجهاتها الاستراتيجية نحو جذب الاستثمارات منها تنشيط الإدراجات الجديدة، الأمر الذي دفع القيمة السوقية إلى مستويات قياسية وتقترب حاليا من 24 مليار ريال عماني، وكانت قد سجلت نحو 20 مليار ريال عماني في نهاية عام 2020 والذي شهد تفشي الجائحة وتراجعات حادة في أسعار النفط وأسواق المال، كما نشطت حركة الاكتتابات بدعم من برنامج التخصيص الذي ينفذه جهاز الاستثمار العماني، وكان من المحفزات المهمة التوجيهات السامية بإلغاء ضريبة الخصم من المنبع على توزيعات أرباح الأسهم وفوائد الصكوك والسندات للمستثمر الأجنبي بهدف تنشيط الاستثمار الأجنبي، كما تم أيضا رفع حدود الملكية للاستثمار الأجنبي إلى 100 بالمائة ضمن جهود تشجيع الاستثمارات الجديدة.
وشهد العام الماضي تحسنا نسبيا في قيم التداول لتصل إلى نحو 940 مليون ريال عماني، مقارنة مع 818 مليون ريال عماني خلال عام 2021. وتراوح متوسط قيم التداول اليومية عند نحو 3.8 مليون ريال عماني خلال 2022 مقابل 3.3 مليون ريال عماني في 2021، لكن حجم التداولات بشكل عام ما زال يقل عن متوسطات التداول اليومي التي حققتها بورصة مسقط في فترات صعودها، كما ظل المؤشر العام للبورصة عند مستويات منخفضة بفعل التوترات السياسية التي أثرت على معدل نمو الاقتصاد العالمي وتقلبات النفط فضلا عن توجه البنوك المركزية العالمية نحو رفع الفائدة المصرفية لمواجهة التضخم.
وتاريخيا، شهدت بورصة مسقط طفرات في مستويات المؤشر العام وأحجام التداول وأسعار الأسهم وذلك في أوقات تزامنت مع صعود النفط أو الارتفاعات الكبيرة التي شهدتها البورصات العالمية، وكان آخرها ما قبل الأزمة المالية العالمية في عام 2008، كما شهدت بورصة مسقط تجارب سابقة لتحقيق توازن السوق من خلال كيانات استثمارية مثل صندوق التوازن وصندوق النمو العماني.
وبدءا من عام 2021 تحول سوق مسقط للأوراق المالية إلى شركة مساهمة عمانية مقفلة باسم "بورصة مسقط" تتبع جهاز الاستثمار العماني بناءً على المرسوم السلطاني رقم ٥ / ٢٠٢١م، الذي قضى بإنشاء الشركة وأيلولة كافة المخصصات والأصول والحقوق والالتزامات والموجودات والسجلات الخاصة بسوق مسقط للأوراق المالية إليها، ويمهد هذا التحول لإمكانية إدراج بورصة مسقط في المستقبل كشركة مساهمة عامة وهو ما سيكون نقلة نوعية للمستهدفات الاستراتيجية نحو تعزيز دور ومكانة بورصة مسقط.
