
الصوافي: الإسلام حرّم كل ما يضر بصحة الإنسان ويوقعه في المهالك
عادات غذائية سيئة أفسدت على الناس صحتهم.. لابد من الانتباه لها -
حاورهما :سالم الحسيني -
أوضح أمين الفتوى بمكتب سماحة المفتي العام للسلطنة الشيخ إبراهيم بن ناصر الصوافي أن الإسلام هو دين اعتدال في كل شيء فللإنسان على نفسه حق ولأهله عليه حق، مبينا، أن الناس قد ابتلوا في هذا الزمان بعادات سيئة أفسدت عليهم صحتهم -فلابد من الانتباه لها- فتولدت عن ذلك أمراض كثيرة قضت على كثير من الطاقات.. جاء ذلك في لقائنا معه للحديث حول اعتناء الإسلام بصحة الفرد والمجتمع تماشيا مع احتفال العالم باليوم العالمي للصحة حيث قال فضيلته:
الإسلام دين النظافة والطهارة سواء كانت مادية أو معنوية فكل ما فيه يدعو إلى الطهارة يقول الله عز وجل: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)، ويقول سبحانه (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).. ويقول: (يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: (الطَّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ: تَمْلَأُ- مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَك أَوْ عَلَيْك، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. ومن يتأمل في تعليمات وأحكام هذه الشريعة يجد فيها ما يكفل للإنسان صحته وعافيته لو حافظ عليها والله سبحانه حذرنا من الخبائث وحرمها علينا قال تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ). ومن هنا حرّم الإسلام كل ما يضر بصحة الإنسان وجعل المحافظة على صحته أمانة مسؤول عنها قال تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، وقال سبحانه: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) والرسول صلى الله عليه ويقول: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا». ومعنى ذاك أن الإنسان عليه أن يبتعد عن كل ما يسبب له الأضرار أو يوقعه في المهالك لأن جوارح الإنسان أمانة عنده فإذا فرط فيها أو تسبب في تلفها فهو مسؤول عنها، سواء كانت الجوارح الظاهرة كالعينين واليدين والرجلين أو الباطنة كالكبد والكلى ونحوها.
وأضاف: كما شرع الإسلام ما يعرف بالحجر الصحي كما في حديث الطاعون عندما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم من كان في قرية وبها الطاعون أن لا يخرج منها، خوف أن ينقل المرض إلى مكان آخر، ومن كان خارج بلد الطاعون فلا يدخل عليها، خوف أن تنتقل إليه العدوى، وهذا ما توصل إليه العلم الحديث كما هو متقرر عند الأطباء.
وأوضح الصوافي أن الإسلام دين اعتدال في كل شيء فللإنسان على نفسه حق ولأهله عليه حق، فلابد أن يعطي كل ذي حق حقه، ولابد أن يأخذ من العبادة قدر ما يستطيع ولا يكلف نفسه ما لا تطيق، والله عز وجل يعطيه على نيته، قال الله عز وجل: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).. وقال سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ويقول: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)، مبينا، أن الناس قد ابتلوا في هذا الزمان بعادات سيئة أفسدت عليهم صحتهم فلابد من الانتباه لها ومن ذلك كثرة الأكل والشرب والإكثار من السكريات والدهنيات وقلة الحركة والعمل البدني مما يتولد عن ذلك أمراض كثيرة وقضى على كثير من الطاقات وبهذا كان من الواجب ونحن نتذكر احتفال العالم باليوم العالمي للصحة أن نعتني بالصحة البدنية وان يقوم الإنسان بجهد بدني يخلصه من السموم والأمراض ويحفظ له بدنه، ومن لم يكن له جهد بدني أن يعوض ذلك بأنواع من الرياضة التي يعوض بها الجهد البدني كالركض أو المشي أو السباحة أو نحوها من الرياضات الجائزة المفيدة.
وأضاف: وإذا أصيب الإنسان بمرض فلابد من أن يأخذ بأسباب العلاج فان الله عز وجل قد بنى هذا الكون على أسباب لابد من التعاطي معها وقد قال الرسول- صلى الله عليه وسلم- في أمر العلاج: «تداووا عباد الله فان الله لم ينزل داء إلا وجعل له دواء»، وعلى هذا فلابد من الأخذ بالحمية الدوائية والابتعاد عن كل ما يضر وألا يستهين المريض بالنواهي الطبية التي يقصد منها حماية بدنه من انتشار المرض مما يعود بنتيجة سلبية على الإنسان، ولابد أن يحذر من إدخال الطعام على الطعام خاصة إذا اعقب ذلك الكسل والخلود إلى النوم مما يضاعف المشكلة على الإنسان وقد قيل: «درهم ورقية خير من قنطار علاج، وترك الذنب مقدم على معالجة التوبة».
وبين فضيلته قائلا: وقد أحلّ الله عز وجل لعباده الطيبات وامتن عليهم بها وأباح لهم أن يتوسعوا في استعمالها كل ذلك من غير أضرار للبدن ولم يحرم عليهم إلا ما فيه مضرته فحرم الإسلام الميتة وذلك لضررها البيّن نظرا لانحباس الدم داخل عروقها مما تنتج عنه أمراض مستعصية كما حرم الخنزير لضرره البالغ على الإنسان وحرم الخمر لأنها تذهب العقل فهي أم الخبائث ومفتاح كل شر، وحرم كل ما يضر بالبدن كالدخان الذي استفحل وانتشر وتفنن الناس في استعماله، فنتجت عنه أمراض عظيمة حار الطب أمامها، فإذن ما من جهاز من أجهزة الجسم إلا ويتضرر منها كما حرم الإسلام المخدرات بشتى أنواعها كل ذلك محافظة على هذا الإنسان الذي كرمه الله عز وجل ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وسخّر له ما في السماوات وما في الأرض، وأكرمه بنور العقل وجعله مستخلفا في هذه الأرض ومستعمرا فيها، فلابد أن يدرك الإنسان الغاية من خلقه، وسر وجوده في هذه الحياة. كما أن الصوم هو عبادة عظيمة ففيه رفع للدرجات وتكفير للسيئات ويعود للجسم فوائد صحية عظيمة وكثير من الأمراض في هذا الزمان تعالج بالصيام وبالتقليل من الأكل وهذا يدل على عظمة هذا الدين، وانه لم تشرع عبادة من العبادات فيه إلا لمصلحة الإنسان.
من جانبه أوضح الشيخ محمد حسن محمد البهنساوي أخصائي مدارس القرآن الكريم بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية فيقول: اعتنى الإسلام بصحة الإنسان النفسية والجسدية والقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على صاحبها افضل الصلاة والسلام ملأى بالمآثر التي تحث الإنسان على الاعتدال في مطعمه ومشربه وفي كل شيء ونجد في القرآن الكريم الكثير من الإرشادات الدالة على ذلك فالحق سبحانه وتعالى يقول: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، كذلك أمرنا القرآن الكريم أن نتناول الطعام الطيب الذي يحسن صحة الإنسان، حيث الحق سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)، كذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الاعتدال في المأكل والمشرب ففي الحديث الشريف عنه عليه افضل الصلاة والسلام الذي رواه الترمذي في سننه من حديث المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه». مضيفا: أن الإسلام الحنيف دعا إلى السعي لكسب الرزق والى بذل المجهود البدني لتحقيق ذلك الهدف وهذا بحد ذاته رياضة بدنية تهذب النفس وتساعد على صحة الإنسان العامة.
أما في مجال الصحة النفسية وطمأنينة القلب فالقرآن الكريم مليء بالآيات التي تحث الإنسان على ذكر الله سبحانه وتعالى، فمثلا نجد ان الله سبحانه وتعالى يقول: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، ونجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم حثنا على الاذكار اليومية حفاظا على صحة النفس الإنسانية حيث إن هذه الاذكار تساعد العبد على طمأنينة القلب حيث نجد أن كثيرا منا يشكو من الهموم ومن الأحزان ولكن العلاج في ذكر الله تبارك وتعالى وهو العلاج الذي غفل عنه الكثيرون، فهناك اذكار الصباح التي يستفتح بها العبد يومه وهي التي تجعل الإنسان يعيش يومه في طمأنينة، وقد أرشدتنا السنة النبوية على صاحبها افضل الصلاة والسلام أن الواحد منا عندما يخرج من بيته عليه أن يبدأ بالدعاء الذي امرنا نبينا الكريم به وهو أن يقول: «بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله» فيرد عليه ملك: هديت وكفيت. وكذلك عليه أن يقول وهو يخرج من بيته: «اللهم أني أعوذ بك من أن أضِل أو أضَل، أو أذِل أو أذَل أو اجهل أو يجهل علي».. مبينا أن هذه الأمور حثنا عليها الرسول الكريم للوقاية من أي مكروه يصيب الإنسان، كذلك عندما يهم الإنسان بركوب السيارة عليه أن يدعو بدعاء السفر فيقول: «سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون» حيث إننا نجد كثرة الحوادث في هذه الأيام هي نتيجة ابتعادنا عن هذه التعاليم التي حثنا عليها القرآن الكريم ونبينا عليه افضل الصلاة وأزكى التسليم، كذلك حينما يأكل عليه أن يسمي الله، وكذلك عند دخول إلى الخلاء يدخل بقدمه اليسرى ويستعيذ بالله من الخبث والخبائث وعليه كذلك أن يقدم رجله اليمنى عند خروجه من الخلاء، فهذه الأمور ربما يفعلها الكثير من باب العادة ولكن نريد أن نقلب هذا الأمر من عادة إلى عبادة، مؤكدا من يفعل ذلك من باب العادة لا يأخذ عليها أجرا أما الذي يفعلها بنية العبادة فسينال على ذلك أجرا من الله سبحانه وتعالى. وهو الأمر الذي يجعل العبد يعيش في طمأنينة لأنه اقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله.
وأضاف: أن الله سبحانه وتعالى وحفاظا على صحة هذا الإنسان حرم بعض الأطعمة والأشربة التي تضر بصحة الإنسان، وقد جاء ذكر ذلك في الكتاب العزيز حيث يقول سبحانه وتعالى: (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ، إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قد اثبت الطب الحديث أن هذه الأطعمة تضر بصحة الإنسان، كذلك حرم من المشروبات كل مسكر حيث حرم الخمور فالحق سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وما ذلك إلا لضرره البالغ على صحة الإنسان، فلو تتبعنا تقارير الطب الحديث والتحاليل التي أجريت على هذه الأطعمة والأشربة نجد أن الحكمة واضحة في تحريم هذه الأطعمة والأشربة.
فعلينا إذن اتباع منهج الله سبحانه وتعالى في أكلنا وشربنا وفي حياتنا وان نخلص النية اقتداء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.