
الرويشدي: لغتنا العربية اختارها الله للقرآن الكريم وعاء ومنهجًا وأسلوبًا
تشريفا وإعلاء لمكانتها ومنزلتها -
واجبنـا كـأمـة مسلمـة تعلمـهـا وتعليمـها أبـنـاءنـا وحثـهـم للمحـافظـة عليـهـا -
حاوره: سيف بن سالم الفضيلي -
«فواجبنا كأمة مسلمة- وقد علمنا أن الوقوف على مراد الله تعالى إنما يتم عن طريق اللغة العربية، أن نتعلم اللغة العربية ونحافظ عليها، ونعلمها أبناءنا، ونحثهم على المحافظة عليها بشتى الطرق والوسائل».. هذا ما دعا إليه عبدالله بن علي بن سالم الرويشدي الموجه الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية.. في لقاء معه حول «اللغة العربية في عصر التحديات».
وبيّن الرويشدي أن الله سبحانه وتعالى اختار اللغة العربية للقرآن الكريم وعاء ولكتابه العزيز منهجا وأسلوبا؛ تشريفًا وإعلاء لمكانتها ومنزلتها.
وذكر أنه إذا كان قد فهم ما جاء عن الله تعالى وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- متوقفًا على فهم اللغة العربية وإتقانها فإن الشريعة الإسلامية كلها متوقفة على ذلك.. وإلى ما جاء في الجزء الأول من اللقاء.
- اللغة العربية.. لغة القرآن الكريم.. ما واجبنا كأمة إسلامية في الحفاظ عليها، وتحبيب أبنائنا إليها؟
ولا يخفى عليكم أن الله عز وجل قد شرف البشرية عمومًا والأمة العربية خصوصًا بإنزال القرآن الكريم الذي جعله ختامًا لكتبه السماوية، كما جعل نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ختامًا لجميع الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد ميّز المولى تعالى كتابه الخاتم ببيان بليغ، ولحن رفيع، وقالب بديع، اختار له اللغة العربية وعاء، واتخذ من أساليبها في الخطاب لكتابه العزيز منهجًا وأسلوبًا، وفي هذا من التشريف وإعلاء المكانة والمنزلة للغة العربية ما لا يخفى، يقول جل وعلا: (نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين)، وليست اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم فحسب بل هي لغة من أنزل عليه القرآن صلى الله عليه وسلم، ولغة أهل الجنة في الجنة كما ورد في السنة، ولربما يطيب لبعض المتخصصين الذين كتبوا عن سعة اللغة العربية أن يذكروا الملايين من مفرداتها في معاجمها المشهورة المعروفة ولكني أقف عند قول الحق تعالى: (قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددًا)، وأقف بكم مع قوله: (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم)، وغير خاف أن المتبادر من «كلمات الله» في الآيتين السابقتين -والسياق يعضده- أنها الكلمات التي تقرأ وتكتب أن لو مد الله تعالى بها كتابه الكريم الذي أنزله على عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- باللسان العربي ما كان لها من نهاية، ولم تقف إلى حد وغاية، وفي هذا التعبير عن سعة اللغة العربية الغنية والكفاية..
ولما كانت اللغة العربية هي اللغة التي اختارها الله عز وجل لإيصال مراداته إلى خلقه وجب على المخاطبين بها أن يتقنوها حق الإتقان، ليفهموا عن خالقهم سبحانه ما يريده منهم حق الفهم، إنهم لو لم يفعلوا ذلك كانوا حقيقين بأن ينالهم ما نال الكافرين الذين نعي الله تبارك وتعالى عليهم في كتابه عدم استعمال عقولهم في تدبر ما جاءهم عن خالقهم سبحانه وتعالى وتعقله؛ (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يعقل إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون)، (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) ومن أقفالها: الجهل باللغة العربية التي أنزل القرآن الكريم بها...
فواجبنا –كأمة مسلمة- وقد علمنا أن الوقوف على مراد الله تعالى إنما يتم عن طريق اللغة العربية أن نتعلم اللغة العربية ونحافظ عليها ونعلمها أبناءنا، ونحثهم على المحافظة عليها بشتى الطرق والوسائل..
وجميع ما قيل مما يتعلق بفهم مراد الله تعالى من خلقه وأنه معلق بفهم اللغة العربية فهو كذلك يقال في فهم ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قولًا أو فعلًا أو تقريرًا، فإن المنقول عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما نقل باللغة العربية، وإذا كان فهم ما جاء عن الله تعالى وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- متوقفًا على فهم اللغة العربية وإتقانها فإن الشريعة الإسلامية كلها متوقفة على ذلك، وهل الشريعة إلا ما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم؟، ومن هنا يتبين أن منزلة اللغة العربية منزلة رفيعة فهي القالب للدين كله، ومتى كانت كذلك وجب على جميع المنتسبين إلى الإسلام أن يعكفوا عليها دراسةً وتدبرًا، ويتباروا في إتقانها، ويحرصوا على وصل أبنائهم بها..
- ترسخ في أذهان الناشئة فكرة مؤداها أن اللغة العربية صعبة بضوابطها الكثيرة التي قلما تجدها في لغة أخرى.. فإذا كان ذلك صحيحًا إلى حد ما فما هي الوسائل التي يمكن من خلالها تبسيط ذلك وتقريبه من فهم الناشئة؟
أما ما يقيم به الواحد لسانه، ويستطيع معه أن يقرأ كتاب الله تعالى وأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم قراءة صحيحة فليس بحاجة إلى التعمق الواسع في اللغة العربية والرسوخ في سبر أغوارها، بحسب الواحد أن يفرق بين ما حقه الرفع أو النصب أو الجر أو الجزم من الكلمات، وألا يصل المقطوع ويقطع الموصول من العبارات، وأن يقف على أبواب النحو وشيء من الصرف حتى لا يتقول على الله تعالى وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بما ليس له به علم، أما الوقوف على تفاصيل الأحكام النحوية والصرفية وأسباب الاختلاف بين النحاة من البصريين والكوفيين وأشباه ذلك فإنما هو للمتخصصين والذين يريدون التمكن في فهم أسرار اللغة العربية، فليس تعلم اللغة العربية بذلكم الأمر الصعب الذي يطيب لبعض الناس تهويله، وجميع فنون العلم لا يتم للإنسان تحصيلها من غير جد واجتهاد، كما يقول الشاعر:
تمنيــت أن تمسي فقهيــــا منـــاظرا
بغـــير عنــــــاء والجنــون فــنــون
ولـيس اكتسـاب المال دون مشقة
تحملـــها فالعــلم كيــف يكــــون؟!
ومع تقدم البشرية في علومها العصرية ظهرت ولله الحمد وسائل تقنية كثيرة سهلت عمل المعلمين ومكنتهم من القدرة على توصيل المعلومات إلى أذهان المتلقين بطرق متعددة، فأصبحت المقاطع الصوتية عبر رسائل برامج التواصل الاجتماعي تخدم المعلم في توصيل المعلومة، وهكذا المقاطع المرئية المسموعة عبر الشبكة العالمية (الإنترنت)، وتعددت –ولله الحمد- المواقع التي تخص اللغة العربية وتوضيح قواعدها، وتعددت الخرائط الذهنية، والمشجرات والجداول وغيرها مما يتعلق بفني النحو والصرف، لقد تجاوز بنا الزمان مرحلة الكتاب والمجلة والجريدة والمطويات المنشورة، فإذا بنا نشهد القرص المدمج الذي يحوي مئات المكتبات في مختلف فنون العلم، وليس ما يتعلق باللغة العربية وحدها، ثم تلاه القرص الصلب في سعة تنمو باستمرار، ليسهل عملية نقل مكتبات ضخمة متنوعة في فنون العلم، ويرتحل معك حيثما نزلت وارتحلت، ثم نافست ذلك الذاكرات الصغيرة، ورقائق الذاكرة التي تزود بها الهواتف المتنقلة، ولا تزال تتسع مساحات الحفظ فيها باطراد متواصل، فإذن قطوف هذا العلم دانية قريبة، تبقى الهمم –بعد توفيق الله تعالى- هي التي تصعد بصاحبها أو تهبط به..
* ما سبب عدم إقبال طلاب اللغة العربية على دراستها بكل جدية خصوصًا في هذا العصر؟
أما طلاب اللغة العربية الذين هم طلابها فهم موجودون في الحقيقة ومتوزعون في المراكز العلمية في شتى بقاع العالم ولا يغض من شأنهم، ولكن العلم الذي يجني من ورائه طالبه ثمرته العاجلة قد يراه بعض الناس في غير تعلم اللغة العربية، فلذلك يكون إقبالهم على تعلم اللغة العربية ليس هو الإقبال المحمود، وشاهد هذا أن تجد كثيرًا من الأسر تهتم بتعليم أبنائها منذ نعومة أظفارهم اللغة الإنجليزية –مثلا-، وكم آلمني أثناء تسوقي ببعض المراكز التجارية ببلادنا الحبيبة رؤية أسر عمانية وعربية يتخاطب أفرادها فيما بينهم من صغير وكبير بغير اللغة العربية، ومقصدهم بذلك واضح وهو أن يجيد أبناؤهم الصغار النطق بتلكم اللغة الأجنبية، وتحرص أمثال هذه الأسر على إلحاق أفلاذ أكبادها بمدارس الحضانة والمدارس الخاصة التي تهتم بتعليمهم اللغة الأجنبية قبل غيرها في المقام الأول، نعم قد يتقدم هؤلاء الأبناء والبنات في النطق بتلكم اللغة ولكنهم من غير شك سيتأخرون في إتقان اللغة العربية، وسيصعب عليهم تعلمها فيما بعد، وسيرونها صعبة عليهم، ولربما سينادون بما ينادي به أعداء اللغة العربية من أن مقامها بين اللغات العالمية أن تكون بآخر الركب؛ لأنها ليست لغة العلم في عالم اليوم إلى ما هنالك من تلكم الشبهات، وهذه في الحقيقة جريمة ليس في حق اللغة العربية فحسب بل في حق الشريعة المحمدية الخالدة.. والله المستعان.
- هل ترى أن الجهود في نشر اللغة العربية وتدريسها لغير الناطقين بها كافية؟ أم أنها قليلة في هذا الشأن؟ وما الذي ينبغي من الجهات الرسمية والأهلية حيال هذا الموضوع؟
الذي آمله ألا يؤثر هؤلاء الذين لا ينطقون اللغة العربية كالوافدين –مثلا- على أهل البلاد، وهذا حاصل وللأسف الشديد، حيث إن العماني منا يتنازل عن التحدث بلغته العربية الأصيلة إلى لغة مكسرة هزيلة، وبدلًا من محاولته أن يصلح من لسان الوافد يقوم هو بإفساد لسانه، وهذا نوع من الانهزام النفسي واللغوي وللأسف الشديد، ولذلك تجد كثيرًا من الكلمات الأجنبية الدخيلة على لغتنا سببه هذا الذي ذكرت، كـ: «برابر» بدلا من صحيح، و«تيكا» بدلا من إن شاء الله، و«أوكي» بدلا من موافق، و«هالو» بدلا من السلام عليكم، و«سويك» بدلا من مفتاح، و«ولف» بدلا من صنبور، و«تاير» بدلا من إطار، و«تلفون» بدلا من هاتف، والأمثلة كثيرة جدا لو حاول الواحد تتبعها، أصبح كثير من الناس يقولونها بعفوية، ولو تدبرنا لأدركنا أنها انهزامية..
ولا أنكر أن الدولة لها شيء من الاهتمام بتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، ولكني آمل أن يكون الاهتمام أكبر، حتى يشمل المقبلين على الإسلام وغيرهم ممن يرغبون في تعلم اللغة العربية..
- ماذا عن اهتمام الأسر العربية بتعليم أبنائها اللغة الأم وتحبيبها إليهم.. هل هنالك وعي كاف في هذا المجال؟
لقد غزت الألعاب الإلكترونية بخلفياتها الثقافية المختلفة وبلغاتها الأجنبية الأسر العربية، ومن آثار ذلك أنه لم يقتصر الأمر على مجرد ضعف الأبناء في النطق باللغة العربية اشتغالا منهم بغيرها من اللغات بل تعداه إلى اكتساب سلوكيات وتصرفات لا تمت إلى تعاليم ديننا الحنيف بصلة بتاتا، فأصبحنا نسمع ونقرأ ونشاهد عبر رسائل التواصل الاجتماعي عن ضحايا تلكم الألعاب من أبنائنا؛ منهم من ينتحر، ومنهم من يقتل بعض أفراد أسرته، رضوخا منه لتعليمات اللعبة التي يلعبها، ومرد كل هذا إلى تخلي الأسرة عن واجبها في تربية أفلاذ الأكباد تربية صحيحة، تغرس فيهم بداية القيم الدينية، والفضائل الأخلاقية، والمعاني الروحية النبيلة، وتحرص على وصلهم بكتاب الله عز وجل، الذي هو مفتاح السعادة الأبدية، وتحرص على وصلهم بسنة نبيهم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم شمس الهداية الربانية... ولا يعني هذا أنه لا توجد أسر تهتم بهذا الجانب بل على العكس تماما هنالك أسر ناجحة في تربية أبنائها تربية تغبط عليها، وقد تنبهت تلكم الأسر إلى أهمية اكتساب أبنائها مهارة التحدث باللغة العربية الفصيحة، وإتقان كتابتها منذ سني أعمارهم الأولى، وتحصينهم بكتاب الله تعالى، الذي -حفظ الله تعالى- به اللغة العربية من الزوال والاندثار أو الذوبان في اللغات الأخرى، فتجد تلكم الأسر تجد في البحث عمن تصل أبناءها به من المعلمين المخلصين في عملهم، وتبحث عن المدارس الخاصة المتميزة باهتمامها بلغة القرآن الكريم، أسأل الله العظيم أن يكثر من أمثال تلكم الأسر.. ولا يفوتني هاهنا الإشادة بجهود مدارس القرآن الكريم التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، والتي يقوم على متابعة أعمال المدرسين والمدرسات فيها مشرفون ومشرفات جادون في عملهم، كلل الله تعالى جهودهم جميعا بالنجاح..