هل غيرت الصين ميزان القوى في الشرق الأوسط؟
ترجمة: أحمد شافعي -
في وقت مبكر من الشهر الحالي، اتفقت إيران والمملكة العربية السعودية على استعادة الروابط الدبلوماسية بعد سبع سنين، ووقعتا اتفاقية بوساطة صينية اعتبرت بمثابة فتح في المنطقة. فكيف يؤثر هذا على الوضع الجيوستراتيجي لأمريكا في المنطقة؟ وما الفئتان الأولى والثانية من العواقب المترتبة على إضعاف حضور الولايات المتحدة وموقفها في الخليج لصالح المنافس الجيوسياسي الرئيسي لواشنطن؟
في حين يرى البعض أن التقارب السعودي الإيراني نجاح دبلوماسي لافت للصين، يزعم آخرون أنه لا يعدو سعيا من بكين إلى إدخال نفسها في منطقة استراتيجية من خلال لعب دور صانع السلام. وفي نهاية المطاف، كان فشل حملة «الخروج» الصينية ـ الرامية إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية وتنمية البنية الأساسية في الخارج ـ قد تسببت في خسائر بقيمة مليارات الدولارات. كما أن دبلوماسية الذئب المحارب التي انتهجتها بكين وأظهر بموجبها المسؤولون سلوكا عدوانيا مهينا قد أتت بنتائج عكسية. غير أن الانفراجة التي تم التوصل إليها حديثا بين المتنافسين السني والشيعي في الشرق الأوسط تحسِّن قدرة الصين على الاستفادة من علاقات الطاقة في المنطقة، في حين أن تنافس القوى الكبرى في الخليج قد يزيد من التوتر هناك.
لقد صعب على الولايات المتحدة أن تساعد حلفاءها على تحييد البرنامج النووي الإيراني والحيل الإمبريالية المتطرفة الإيرانية العديدة ومنها دعم الحوثيين في اليمن والميلشيات الشيعية في العراق وحزب الله في إيران. في الوقت نفسه، سمحت الولايات المتحدة لعلاقتها مع الحليف السعودي القديم أن تتدهور وتنتقل من سيء إلى أسوأ. وفي ثنايا ذلك، كانت الصين توسع نفوذها في الشرق الأوسط. وبذلك كان يعاد ترتيب القوى في المنطقة الغنية بالطاقة بينما أمريكا غافلة. وحان الوقت لأن تفيق من سباتها.
لم يأت من عدم ذلك التطور السعودي الإيراني الأخير. فقد أقامت الصين علاقات سياسية واقتصادية قوية مع الشرق الأوسط من خلال زيادة التبادل التجاري والاستثمار في المنطقة. ومن خلال الحفاظ على تدفق نقدي ثابت، حولت الصين الشراكات الاقتصادية إلى شراكات سياسية. والجنود، مثلما كان البريطانيون يقولون، يمضون على خطى التجار.
ثمة أدوات استراتيجية عديدة تستعملها الصين، منها منظمة شنجهاي للتعاون التي توسعت لتشمل العديد من بلاد الشرق الأوسط ومنها إيران وتركيا بوصفهما «شريكي حوار». وهذا النمو المحسوب لم يأت بين عشية وضحاها، ولكنه ينم عن إيقاع عمدي لتنامي نفوذ بكين.
إن مشروع الرئيس شي جينبنج الرائد، أي مبادرة الحزام والطريق، يهدف إلى الظفر بالوصول إلى الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وما وراءه. وتتضمن العقود الحديثة المبرمة تحت مظلة مبادرة الحزام والطريق ثلاثة موانئ، اثنين في إسرائيل وواحدا في الإمارات العربية المتحدة، وآلاف الأميال من السكك الحديدية والطرق السريعة، وخمسة عقود لإنشاء شبكات الجيل الخامس، ومصنعا للطائرات المسيرة، بل ومشروع توسعة لقناة السويس بقيمة 8.5 مليار دولار، مع استثمار الصين قرابة خمسة مليارات دولار في منطقة القناة الاقتصادية. وتبلغ القيمة التراكمية للاستثمار الصيني في الخليج 137.27 مليار دولار بينما بلغت 213.9 مليار دولار في منطقة الشرق الأوسط بعامة بين عامي 2005 و2021.
كما أن الصين هي الزبون الأكبر لكل من النفط السعودي والإيراني، وهو ما يفسر مصلحة بكين في المضي قدما بتسوية بين البلدين ومكانهما وسط كبار المنتفعين من مبادرة الحزام والطريق. وقد وافق الصينيون على استثمار بقيمة 400 مليون دولار خلال السنوات الخمس والعشرين التالية في قطاع إيران المصرفي، وقطاعات الاتصالات والموانئ والسكك الحديدية والرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات في مقابل تخفيض كبير على إمدادات النفط الإيراني.
وحتى القادة الذين قد يكونون ودودين تجاه الغرب لن يقاوموا نفوذ الصين الزاحف في الشؤون الإقليمية في ضوء الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن تجنيها بلادهم من خلال الروابط مع الصين. والولايات المتحدة بحاجة إلى أن تتعامل مع عمق الامتداد المالي للصين وأن تضع استراتيجية لمواجهة نوايا بكين السياسية الواضحة.
للولايات المتحدة أيضا استثمارات كبيرة في الشرق الأوسط، لا ترمي فقط إلى المصالح الاقتصادية، وإنما ترمي أيضا إلى أمن المنطقة الذي يؤثر مباشرة على الأمن الوطني للولايات المتحدة. وهذه الاستثمارات أهم من أن تتعرض للخطر بتجاهل مساعي الصين المحسوبة لتقويض الدور الأمريكي.
ومن ثم فإن الخطوة المنطقية التالية من الولايات المتحدة هي أن تدفع من أجل خضوع إيران التام للبروتوكول الإضافي لمعاهدة منع الانتشار النووي، بالتخلي عن كل اليورانيوم عالي التخصيب، والسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول الكامل إلى المنشآت النووية لديها. كما يجب أن تعزز الولايات المتحدة تعاونها العسكري مع دول الخليج في الوقت الذي لن يتلاشى فيه الخطر الإيراني.
إن أثر التبادل التجاري في النفط والغاز على سياسة المنطقة أهم من أن يتم تجاهله. وأسواق الطاقة مهمة للعلاقات الجيوسياسية حتى لو أن بعض أصحاب المصلحة الأمريكيين يفضلون سياسة خارجية مستقلة عن الاقتصاد الهيدروكربوني. وأخيرا، من المهم أيضا أن نشتبك مع بلاد الخليج في جهودها لتنويع اقتصاداتها، خاصة وأن لدى الولايات المتحدة الكثير الذي يمكن أن تقدمه في مجالات التقنيات المتقدمة، وتقنيات الإنترنت، والصحة، والتعليم، وغيرها من الصناعات.
في الوقت الذي يقوم فيه شي بزيارة موسكو متظاهرا بالتوسط في السلام بين روسيا وأوكرانيا، فإن التحقق من نفوذ الصين في المناطق الاستراتيجية في العالم، ومنها أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا أمر حيوي بالنسبة للأمن الوطني للولايات المتحدة. والتنافس مع الصين في العلوم والتكنولوجيا والأعمال والدبلوماسية والأمن العالمي أصبح الثيمة الفارقة في القرن الحادي والعشرين. وما الاتفاقية الإيرانية السعودية التي تمت بوساطة من الصين إلا اختبار لقوة واشنطن وحنكتها. وإنها لتحد لا تملك الولايات المتحدة رفاهية الفشل في مجابهته.
آرييل كوهين مدير برنامج الطاقة والنمو والأمن في المركز الدولي للضرائب والاستثمار وزميل أول غير مقيم في المجلس الأطلسي.
عن ذي ناشونال إنتريست