هل أصبحت تركيا عدوا لأمريكا؟

18 يناير 2023
18 يناير 2023

ترجمة :أحمد شافعي

في مؤتمر ميونخ الافتراضي للأمن الذي أقيم في فبراير من عام 2021، أعلن جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حديث الانتخاب آنذاك أن «أمريكا قد رجعت. والتحالف العابر للأطلنطي قد رجع»، وكان بايدن قد أوضح في مرحلة ما قبل الانتخابات أن الناتو يقع في صلب الأمن الوطني الأمريكي وأنه حصن المثل الديمقراطية الليبرالية.

حتى اليوم، تمسك بايدن بوعده وأعاد تنشيط الناتو في موقفه ضد الحرب الروسية الأوكرانية. وينطبق مثل هذا على أوروبا التي أفاقت من سباتها واتخذت موقفا حازما هي الأخرى.

كما أوضح بايدن أن الولايات المتحدة سوف تسحب الأغلبية الكاسحة من قواتها من حروب الشرق الأوسط وأفغانستان، محدِّدا وقاصِرا مهمة أمريكا على إلحاق الهزيمة بالقاعدة والدولة الإسلامية (داعش). وقد تركز هذا التحول على أكثر العمليات الأمريكية فعالية من حيث الكلفة، حيث تحالف ألفان من القوات الخاصة والأصول الاستخباراتية مع القوات الديمقراطية السورية ذات القيادة الكردية في شمالي سوريا لإلحاق الهزيمة بداعش.

في أكتوبر من عام 2019، انقلب الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب على سياسة أمريكية بأن أعطى الضوء الأخضر خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوجان باقتحام تركي ثالث لسوريا وأمر بسحب القوات الخاصة الأمريكية من المنطقة. رأى ترامب في تلك خطوة «عبقرية من الناحية الاستراتيجية» على الرغم من أن بريت مكجيرك، الذي كان ذات يوم مبعوث ترامب الرئاسي الخاص للتحالف العالمي لهزيمة داعش، قد وصفها بأنها «ردة استراتيجية». ومع ذلك، أبقت القوات الأمريكية الخاصة على موطئ قدم في المنطقة.

وبناء على ذلك، فإن دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية، وعمودها الفقري أي وحدات حماية الشعب الكردي، لا يزال مثار خلاف بين الولايات المتحدة وحليفتها المفترضة تركيا. وفي هذا الأسبوع يقوم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بزيارة واشنطن في محاولة لتسوية الخلافات مع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن. وتتضمن المواضيع خطة لبيع أربعين طائرة مقاتلة من طراز إف 16 وقرابة ثمانين مجموعة تحديث لتركيا، وشراء أنقرة لنظام إس 400 الروسي للدفاع الجوي.

لكن من غير المفهوم أن ترى إدارة بايدن أن بيع طائرات إف 16 يتماشى مع مصالح الأمن الوطني الأمريكي ووحدة الناتو على المدى البعيد. بل إن رسالة وزارة الخارجية للكونجرس التي توصي بالبيع مضت إلى حد الزعم بأن تركيا «رادع مهم للنفوذ الخبيث في المنطقة».

والحقيقة أن تركيا قررت أن تستغل قيمتها المزعجة. فعلى سبيل المثال، حاولت في عام 2019 أن تمنع خطط الناتو للدفاع عن بولندا ودول البلطيق ما لم تقم بتصنيف قوات الدفاع السورية ذات القيادة التركية ضمن المنظمات الإرهابية. وهي تفعل مثل ذلك مع طلبي فنلندا والسويد بعضوية الناتو، ما لم تقم السويد ـ بصفة خاصة ـ بتسليم عدد من اللاجئين السياسيين.

قبل خمس سنوات، أشار نيت شنكان مدير المشاريع في فريدم هاوس آنذاك إلى أنه في حين أن احتجاز الرهائن سمة في السياسة الخارجية التركية، فقد أدت إلى نتائج عكسية عند محاولة أنقرة مبادلة القس أندرو برونسن بالإمام التركي فتح الله جولن.

إن قانون شراكة الطاقة والأمن في شرق المتوسط يمثل حجر زاوية لسياسة الولايات المتحدة الخارجية في المنطقة، والقانون يشير إلى اليونان بوصفها عضوا ذا قيمة في الناتو، وإلى إسرائيل باعتبارها حليفا ثابتا، وإلى قبرص باعتبارها شريكا استراتيجيا. وفي عام 2021، تم تحديث اتفاقية التعاون الدفاعي المتبادل بين الولايات المتحدة واليونان لتعزيز التعاون الدفاعي والأمني.

على النقيض، تبنت تركيا استراتيجية «الوطن الأزرق» البحرية التي تطالب بمساحة 462 ألف كيلو متر مربع في شرق المتوسط وبحر إيجة والبحر الأسود منها مياه إقليمية يونانية وقبرصية. وقد هدد أردوجان أيضا اليونان بضربة صاروخية.

على ضوء هذه الخلفية، فإن إمداد تركيا بأسلحة إضافية أمر مناف للمنطق من الناحية الاستراتيجية. ووفقا للصحافة التركية فإن بيع طائرات إف 16 صفقة منتهية بالفعل. ووفقا لتقرير نشرته صحيفة حريت اليومية فإن «إدارة [بايدن] تقصد من الصفقة المحتملة أن تحث تركيا على توقيع قبول انضمام فنلندا والسويد في الناتو». ولو أن هذا هو الأمر، تكون إدارة بايدن قد استقرت على سياسة الاسترضاء.

يرى مستشار الأمن الوطني السابق جون بولتن رأيا آخر، فيؤمن بأن عضوية تركيا في الناتو يجب أن توضع في موضع المساءلة بسبب تأييدها لروسيا.

سوف يشهد شهر يونيو القادم انتخابات رئاسية وبرلمانية في تركيا. وفي حال توافر تكافؤ في الفرص، فسوف يواجه أردوجان الهزيمة، ولا يتمثل أقل أسباب ذلك في معاناة الاقتصاد التركي من أزمة نقد وتضخم هائل.

لقد اعتقل أردوجان بالفعل صلاح الدين ديميراتس الرئيس المشارك لحزب الشعب الديمقراطي ذي القاعدة الكردية، وعلقت المحكمة الدستورية التركية تمويل الحزب على أساس روابط مزعومة بالإرهاب. والمنافس الأساسي لأردوجان، وهو أكرم إماموغلو رئيس بلدية إسطنبول يواجه فترة سجن ومنع سياسي بتهمة إهانة مسؤولين انتخابيين. ولكن ثمة منافسون ثلاثة لأردوجان يحظون بفرصة جيدة للحلول محله.

والآن يفكر أردوجان في طريقة مجربة لحشد الدعم الشعبي: أي اقتحام رابع لسوريا ضد حلفاء الولايات المتحدة الأكراد، ومن أجل هذا يريد من موسكو الموافقة، ومن واشنطن أن تدير وجهها إلى الاتجاه الآخر.

وفي حال فشل هذه كله، فثمة مخاوف من أن أردوجان قد يحاول الإطاحة بالنظام الدستوري بدعم من ميلشيا سادات التابعة له وهي الشبيه التركي لبلاكووتر وواجنر جروب.

روبرت إيليس مستشار دولي لمعهد بحوث الدراسات الأوروبية والأمريكية في أثينا.

«خدمة نيويورك تايمز» ترجمة خاصة بجريدة $