واضح للأعمى أن بنيامين نتنياهو لا يريد وقفًا لإطلاق النار في غزة أو لبنان أو في أي مكان غيرهما، أو أنه لا يريده في الوقت الراهن على الأقل. وبوسع إدارتي بايدن وستارمر أن يواصلا الانغماس في خيالهما السياسي اللطيف فيتصورا أن مقتل يحيى السنوار زعيم حماس الأسبوع الماضي يفتح المجال للسلام. لكن هذا محض هراء. فرئيس وزراء إسرائيل يعيث في الأرض كأنه بلطجي سكران ملء يديه حجارة واردة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ويلذ له صوت تحطيم الشبابيك. الحقيقة الكريهة هي أن نتنياهو، وحلفاءه في اليمين المتطرف وعدد هائل للأسف من المواطنين الإسرائيليين، يؤمنون إيمانا أحمق بأنهم يحققون النصر في الحرب التي بدأتها حماس في السابع من أكتوبر من العام الماضي والتي وسَّعتها إسرائيل منذ ذلك الحين على نحو إجرامي لم يتوقف. وهم يرون أن وفاة السنوار، بعد سلسلة من الاغتيالات لشخصيات رفيعة المستوى، تمثل أحدث إقرار لسياسة التدمير والحرق التي ينتهجها نتنياهو، حتى لو أن النهاية المحتومة لهذه السياسة هي أن تثمر نتائج عكسية. وماذا عن الهدف القادم؟ إيران. ما الذي يفكر فيه نتنياهو؟ إنه يهدف إلى تحقيق أقصى قدر من القوة والمدى ونفوذ القوة، وذلك جزئيا لكي يحمي نفسه سياسيا في المستقبل. لقد كثفت إسرائيل عملياتها العسكرية في شمال غزة برغم أن حماس مقطوعة الرأس مفككة تقلصت مقاومتها إلى أفعال عشوائية. وكالعادة، يطيب لنتنياهو أن يحتمل الانتقادات الدولية الناجمة عن ارتفاع حصيلة القتلى المدنيين في الأماكن المدمرة من قبيل جباليا. فلماذا؟ لأنه في حين لا يمتلك نتنياهو خطة متماسكة لـ«اليوم التالي» في غزة، فإنه عازم على تعظيم سيطرة إسرائيل وتعظيم موقفه قبل اليوم الذي يقرر فيه هو ـ وليس جو بايدن أو أي شخص سواه ـ أن يوقف إطلاق النار. لا يزال نتنياهو يرفض نصيحة القادة العسكريين الإسرائيليين، ونصيحة الأمريكيين أيضا، بأنه يجب استغلال قتل السنوار في التوصل إلى اتفاق على الرهائن، حسبما ذكرت صحيفة هارتس، إذ قال أحد مفاوضي الرهائن للصحيفة «إننا لا نزال، إلى حد كبير، في الموقف نفسه. فلم ينشئ الاغتيال مرونة. وأهداف الحرب لم تتغير فيما يتعلق بإنهاء حكم حماس. وعليه، فإن الأوامر الصادرة لمؤسسة الدفاع لم تتغير هي الأخرى». ومن جانب حماس، لم يحدث تحول أيضا حسبما قال المفاوض. والتعنت الإسرائيلي واضح بالمثل في لبنان حيث تكثفت الغارات الجوية على بيروت ومدن أخرى، فضلا عن التقدمات البرية، منذ مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله. وفي يوم الاثنين الماضي وسعت القوات الإسرائيلية ضرباتها لتشمل أهدافا غير عسكرية. في إشارة إلى ازدرائه لصناع السلام، لم يبد نتنياهو أي تحفظ في الأمم المتحدة فيما يتعلق بحربه، سواء سياسيا ـ حيث ألقى الشهر الماضي كلمة سافرة العنف والعدوانية أمام الجمعية العامة ـ أو عسكريا من خلال هجمات على اليونيفيل (أي قوة الأمم المتحدة في لبنان)، وقد أصيب بعض قوات حفظ السلام، كما تلقى الجيش اللبناني ضربات برغم أنه أيضا قوة غير مقاتلة. يدفع عاموس هوكشتاين المبعوث الأمريكي للسلام الذي وصل إلى بيروت يوم الاثنين إلى وقف لإطلاق النار على أساس قرار مجلس الأمن التابع للأم المتحدة رقم 1701 الذي حدد الخط الفاصل بين الجانبين في حرب لبنان عام 2006. وثمة حديث عن تكوين قوة دولية جديدة لتأمين الحدود بين إسرائيل ولبنان. وفي الوقت نفسه يقال إن إسرائيل تطالب بحق التدخل مستقبلا في لبنان برا وجوا كلما شعرت بالتهديد. والمطالب الأخيرة غير مقبولة لأي بلد ذي سيادة مهما بلغ من الضعف. لكنها تعكس النهج العام للقائد الإسرائيلي. فما في غزة هو ما في لبنان. يبدو نتنياهو ـ الذي يعلم أنه لن يستطيع مقاومة الضغط الدولي إلى الأبد ـ عازما على إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بحزب الله عسكريا وتنظيميا وأن يغنم أكبر قدر ممكن من الأرض في انتظار انتهاء الأعمال العدائية بشروط مواتية يفضل أن يمليها هو بنفسه. ويستحيل ألا نشفق على أنطوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي. فاتباعا لوهم بايدن بأن مقتل السنوار يمثل فرصة، وليس محض معلم آخر على طريق الجحيم، تلقى بلينكن أوامر بالقيام بجولة أخرى هذا الأسبوع مما يسميه الأمريكيون على سبيل الطرافة بجولات صنع السلام في الشرق الأوسط. فوصل إلى تل أبيب في الثاني والعشرين من أكتوبر في ثنايا دوي إنذار الغارات الجوية مع زعم حزب الله قصفه للمدينة. لكن بلينكن غير مزود بأي عصي، وإنما بجزر فقط، ونتنياهو من أكلة اللحوم. وبالنسبة لنتنياهو، يعني الحديث مع بلينكن الإنصات إلى ما لديه، والموافقة على أنها أفكار جيدة، ثم الاستمرار بغض النظر عن ذلك فيما يفعله فور أن يدير الزائر ظهره. تنبيه أول: تركيز رحلة بلينكن الأساسي لا ينصب على غزة أو لبنان. إنما يتعلق بتحجيم الأهداف، والقوة التدميرية، والتصعيد الذي قد يكون مرتبطا بجنون نووي لضربة إسرائيل الوشيكة ثأرا من إيران في أعقاب هجوم طهران بـ181 صاروخا بالستيا في وقت سابق من هذا الشهر. تنبيه ثان: يعلم كل من بلينكن ونتنياهو أن بايدن لن يحاول بجدية كبح جماح إسرائيل قبل الانتخابات الأمريكية في الخامس من نوفمبر وأنه لن تنقطع الأسلحة، ولن تفرض عقوبات قد تؤدي إلى خسارة أصوات الديمقراطيين. أخشى ما يخشاه بايدن الآن هو مواجهة متفجرة خارجة عن السيطرة بين إيران وإسرائيل في الأسبوع الحالي أو التالي، فقد تجر مثل هذه المواجهة القوات الأمريكية إلى مستنقع آخر في الشرق الأوسط قبل أن يختار الناخبون بين كامالا هاريس ودونالد ترامب. فالانتخابات الأمريكية هي الأفق الحقيقي لنتنياهو. وهي ما يتطلع إليه. ولهذا السبب سيستمر دونما رادع في فعل ما يحلو له، وخاصة في غزة ولبنان خلال الأسبوعين المقبلين على الأقل. وفي حال فوز هاريس، قد تكون الولايات المتحدة في وضع أفضل لأن تفرض الشروط، في ضوء ما يبدو من إحساس هاريس بجسامة التكلفة الإنسانية للحرب - ولو أن القيام بذلك يتطلب إرادة سياسية تبدو غائبة حاليا. وفي حال أن يكون النصر حليفا لترامب، وهو صقر متطرف من اليمين المتطرف معاد للفلسطينيين، سوف يتسنى لنتنياهو أن يستفيد من أوراقه في الوقت الذي يروق له والإصرار من موقع قوته الحالي على التوقيت والشروط وشكل أي هدنة وتسوية لاحقة طويلة الأجل. هذا ما يفكر فيه نتنياهو، وهذا هو السبب في أنه لن يفكر في وقف إطلاق النار الآن. لولا أنه لا هو ولا أي شخص آخر يعرف ماذا ستفعل إيران إذا تعرضت لهجوم على النطاق المثير للقلق الذي توحي به أوراق الإحاطة الأمريكية المسربة. ها هو نتنياهو، الانتهازي المتهور، يمضي بحافة هاوية لا قرار لها إلى أبعد مما يجب. وفي الأيام المقبلة، قد تنفجر لعبته القاتلة أخيرًا في وجهه ووجه إسرائيل. سايمون تيسدال معلق الشؤون الخارجية في أوبزرفر عن الجارديان البريطانية |