ما هي التوابع «السياسية» لزلزال فبراير على مستقبل أردوغان والأسد؟؟
بعد الزلزال الكبير المفجع الذي ضرب جنوب شرق تركيا وشمال سوريا في السادس من هذا الشهر الذي وصلت بعض المصادر الصحفية إلى تقديرات مخيفة تمزق نياط القلب تزعم أنه قد يخلف في البلدين ما يقرب من 200 ألف قتيل. عاد إلى الواجهة سؤال كيف سيؤثر ذلك على النظام السياسي في البلدين استقرارا أو تغييرا؟
فمنذ وقت ليس بالقصير لم يعد مشهد التغيير السياسي الشامل أو المحدود الذي قد يتعرض له النظام السياسي في دولة ما مقصورا على رد الفعل على التراجع الاقتصادي أو الاجتماعي فيه بل صار تعامل الحكومات مع الكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية مثل الاحتباس الحراري وغيره سببا قد لا يقل أهمية عن الأخطاء المعروفة مثل الأخطاء السياسية أو الاقتصادية أو سوء توزيع عوائد التنمية على المواطنين.
من المعترف به أن التغيير الذي شهدته مصر عام 2011 كان في جزء منه لتراكم الإحباط من أداء الحكومات المصرية المتعاقبة «11 حكومة في عهد مبارك من 1981 إلى 2011» في وقف الفساد الموجود في الإدارات المحلية التي تساهلت وأغمضت عينيها عن تطبيق اشتراطات البناء على المقاولين لدرجة أن وزير شؤون رئاسة الجمهورية آنذاك الدكتور زكريا عزمي وصف الفساد بأنه وصل للركب وهو تعبير عامي مصري يشير إلى استشراء الفساد. فكانت النتيجة هي سقوط المباني المكتظة بالسكان بمئات القتلى والمصابين المصريين عند أي هزة أرضية خفيفة أو كبيرة (زلزال 1992) أو حتى من غير هزة علي الإطلاق كما حدث في هضبة الدويقة التي تجاهلت فيها نفس الإدارات عشرات التحذيرات والمناشدات على مدى سنوات على أنها على شفا الكارثة.
المشهد التركي
وتركيا نفسها مثال أكثر أهمية على علاقة الكوارث الطبيعية ومدى كفاءة النظام في التحضير والاستعداد له ومدى كفاءته في التعامل معها عند حدوثها في عمليات الإنقاذ سرعة في الزمن وشمولية في إغاثة المتضررين بالمستقبل السياسي للحكومة القائمة وقت حدوث الكارثة الطبيعية. فمن المتفق عليه أن فشل حكومة رئيس الوزراء التركي الأسبق بولنت ايجيفيت في التعامل بكفاءة مع زلزال 1999 .
كان بكل وضوح أحد الأسباب الرئيسية في انتقام الناخبين منه في أول انتخابات عامة تالية 2002 والتصويت لحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية ليفوز بالسلطة منذ ذلك الوقت وحتى الآن. ومع وجود موعد محدد لإجراء الانتخابات العامة 3 أو 4 أشهر من الآن فإن السؤال يطرح نفسه هل سيعيد التاريخ والناخب التركي نفسه فيكون زلزال ٢٠٢٣ هو مقدمة لإزاحة الحكومة الحالية والرئيس رجب طيب أردوغان كما فعل قبل نحو عقدين من الزمن؟
دوافع طرح السؤال عديدة من ملاحظات نقدية قاسية - لا تعتمد على انتقادات المعارضة التركية التي ربما تريد استغلال الحدث المفجع في زيادة آمالها المحدودة في الإطاحة بالرئيس أردوغان وحزبه من السلطة - ولكن على انتقادات الخبراء المحايدين والسلطات المحلية في مناطق الزلزال في عشر مدن تركية كاملة.
من هذه الانتقادات
- تجاهل حكومة العدالة والتنمية لتحذيرات علماء أتراك تعب لسانهم من التنبيه منذ 12 عاما. أي منذ الهزّة التي ضَربت إيلازيغ عام 2010، أن الخطر لن يقف عند هذه الحدود وأن زلزالا لا بدّ وأن يحدث في المناطق هناك، وقد ناشدت السلطات للاستعداد لذلك لأن العِلم كان يقول ببساطة إن «هذا الفالق سوف ينكسر».
- تجاهل الحكومة للمكاتبات وتحذيرات رسمية أحدث أي قبل أسبوعين من وقوع الزلزال الأخير أرسلتها إليها السلطات المحلية في أنطاكيا وهاتاي «الإسكندرون» تنبه إلى احتمال وشيك لوقوع الزلزال وتطلب دعما واستعدادا مبكرا من المركز وهو أمر لم يتم حسب رئيس بلدية هاتاي لطفي صاواش: إن «هاتاي لم تكن مستعدّة للزلزال، على رغم أنّني حذّرت منه قبل أسبوعين فقط... لقد كتبنا للحكومة عشرات الرسائل لتدارك الوضع قبل حدوثه. ولم نحصل حتى على أجوبة لرسائلنا. إن الحكومة لا تَعتبرنا حتى موجودين». - ما كشف عنه انهيار مبان فورا وصمود مبان أخرى متجاورة في المدن المنكوبة من أن الحكومة لم تستطع توفير رقابة صارمة على قطاع التشييد والبناء الذي عادة ما تباهى به باعتباره أحد أهم قاطرات الاقتصاد التركي. وبسبب ما يمكن وصفه بضعف الرقابة على اشتراطات البناء طبقا للمعايير الأوروبية انهارت كثير من المباني ووقع أعداد أكبر من القتلى والمصابين. ورغم ادعاء المعارضة أن الأمر ليس ضعفا في الرقابة بل محاباة ومحسوبية وإغماض عين متعمد لعمليات بناء تقوم بها ما تسميهم شركات المقاولات الخمس الكبرى القريبة من الحكومة ففي الحد الأدنى هناك تقصير حكومي ما في الرقابة على مواد البناء الرخيصة المستخدمة من قبل مقاولين.. الخ.
- ما يراه خبراء من عدم تحويل الحكومة الاستراتيجية الوطنية لمواجهة الكوارث الطبيعية- والتي تأخرت كثيرا في إقرارها- إلى خطة عملية وحقيقية لمواجهة الزلازل مما جعل الاستعداد ضعيفا لمواجهة ما يوصف بأنه أكبر زلزال يضرب تركيا في المائة عام الأخيرة «الأكبر كان عام 1939» فوقعت إصابات عديدة في الأرواح كان يمكن إنقاذها لو كانت الاستراتيجية موجودة على الأرض وليس على الورق.
- على أن الرئيس التركي الذي أثبت باستمرار انه لا ينقصه الغرائز والمواهب السياسية واستطاع تحويل تحديات وتهديدات كبيرة واجهته في الماضي إلى فرص ومكاسب له للاستمرار على قمة هرم السلطة في بلاده بل وتعزيز سلطات رئيس الجمهورية على حساب المؤسسات السياسية- الأخرى قد يستطيع هذه المرة أيضا التعامل مع هذه الانتقادات الجادة لو تمكن من أن يجعل لحظة الكارثة المفجعة لحظة وحدة وطنية لكل الأتراك بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الإثنية.أي أن يعلو فوق هذه الخلافات ويخرج بمعركة الإنقاذ وتوفير الغذاء والملاذ للمنكوبين- إلي مشروع وطني يشارك فيه الجميع وليس حزبه الحاكم فقط الذي تلقى أحد أكبر قادته انتقادات كبيرة لإصراره على نسب جهود الإنقاذ الجارية في الأناضول فقط إلى تحالف يقوده الحزب.
المشهد السوري
بينما تتكافأ تقريبا فرص أن تضعف كارثة الزلزال الرئيس التركي أو تقويه.. يبدو الرئيس السوري بشار الأسد في وضع يميل بوضوح إلى أن تتسبب فاجعة الزلزال في شمال سوريا في تقوية مركزه السياسي سواء في الداخل أو في فك العزلة الدولية غير العادلة التي فرضها الغرب ودول عربية على سوريا منذ أكثر من عقد من السنوات.
فالرئيس السوري -الممزقة بلاده في حرب دموية منذ 2011 وتقع بعض مناطق سوريا تحت سيطرته «القسم الأكبر» ولكن توجد مناطق أخرى تحت سيطرة الجماعات الإسلامية المتطرفة أو تنظيم الأكراد أو مناطق تسيطر عليها قوى أجنبية مثل تركيا - لا يمكن والحال كذلك أن يتم لومه على أي تقصير أو انعدام كفاءة في جهود حكومته في عمليات الإنقاذ. إذ إن التدخل الخارجي في شؤون بلاده لأي- علة مسيطرا على موارد الدولة ولا قادرا على توظيفها في التعامل مع كارثة كبرى ككارثة الزلزال.
وقوع جزء من المناطق المتضررة من الزلزال في قبضة أعدائه وبالتالي فإن مسؤوليته محدودة في مساعدة أهلها من المنكوبين بالزلزال.
إصرار الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة ـ التي يزعم تقدير صيني أنها تستولي على 80% من نفط سوريا على تغليب الاعتبارات السياسية على اعتبارات حقوق الإنسان والاعتبارات الإنسانية حتى في كارثة بهذا الحجم وضحاياه بهذا العدد المهول.. فهي ترفض ما تسميه بأن يستفيد نظام الرئيس بشار الأسد من الزلزال في فك عزلتها الدولية بجعل كل مواد الإغاثة لسوريا تمر عبر حكومة دمشق أي وكأنه تثبيت عملي لشرعيتها.
وفي هذا فإن مكاسب الرئيس السوري السياسية تبدأ أولا- على عكس نظيره وغريمه التركي- من أنه ليس لديه ما يخسره، وثانيا من أن بعض الدول التي التزمت بقرارات معاقبة سوريا الغربية كسرت هذا الالتزام في الكارثة الأخيرة وتحركت للاتصال بالرئيس الأسد على أعلي مستوى وبدأت في إرسال معوناتها الإنقاذية والغذائية عبر قنوات النظام السياسي السوري وليس المعارضة السورية.
وجود مؤشرات عديدة على أن روح المواطنة - السورية الواحدة والانتماء لسوريا بتاريخها العظيم كوطن ودولة في الحضارة الإنسانية والعربية قد عادت نسبيا لأول مرة منذ وقوع حرب الـ11 عاما عابرة لمناطق النظام ومناطق المعارضة. بعبارة أخرى فإن الشعور بالوحدة الوطنية الذي هو أساس لابد من توافره لأي حل سياسي لحرب أهلية مريرة كالتي تعيشها سوريا يتبلور لأول مرة منذ 11 سنة وهنا يستطيع الرئيس السوري أن يعيد تقديم نفسه للسوريين كلهم بغض النظر عن انتماءاتهم وموالاتهم أو معارضتهم له كساع لحل سياسي دستوري على أساس وحدة الدولة والأراضي السورية وعلى أساس المواطنة التامة التي لا تفرق بين سني وعلوي وكردي وعربي...الخ، وعلي أساس حق الشعب في اختيار حكومته.
وتحتاج مبادرة كهذه لعمل إجراءات على الأرض تقنع كل الأطراف السورية بنزاهتها وجديتها وإلى دعم عربي لسوريا العظيمة للأسف تلكأ معظم العرب في تقديمه وأولها إعادة سوريا إلى حضنها العربي وجامعتها العربية.
حسين عبدالغني إعلامي وكاتب مصري