مؤتمر المناخ.. صدامات جيوسياسية ووعود لا تتحقق

22 نوفمبر 2022
22 نوفمبر 2022

واشنطن بوست -

ترجمة: أحمد شافعي -

يمتلئ التاريخ الحديث لدبلوماسية المناخ بمصادمات جيوسياسية، ووعود خلابة لم تتحقق، وأيضا، وعلى الرغم من ذلك كله، بقدر لافت من التقدم. فقد أقامت المفاوضات العالمية بنية للمحادثات والالتزامات تمثل أفضل فرصة للحد من الخراب المناخي.

انتهى مؤتمر الأمم المتحدة الضخم للمناخ في شرم الشيخ بمصر في نهاية الأسبوع الماضي بالطريقة التي دائما ما تبدو عليها هذه الاجتماعات، إذ تشاحن المتفاوضون حتى تجاوزوا الموعد النهائي المحدد، بينما انتشرت التكهنات بأن المحادثات في طريقها إلى الانهيار، لتخرج الوفود بصفقة الدقيقة الأخيرة. غير أن هذه الصفقة تنطوي على أسباب للقلق بشأن مستقبل العملية الأممية كاملة.

كيف وصلنا إلى هنا

تجري المشاركة الدولية في مسألة التغير المناخي على مستويين متفاعلين. إذ تدعو الأمم المتحدة بوتيرة منتظمة ممثلي العالم للتفاوض حول كيفية معالجة مشكلة عالمية، وذلك أساسا من خلال التزامات طوعية تأتي بها البلاد إلى المحادثات. في الحين نفسه، يشتبك لاعبون كبار من قبيل الصين والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة في مجموعات منفصلة من المفاوضات لبناء الثقة الحاسمة بأن البلاد إذا ما تحركت من أجل المناخ فإنها لن تكون وحدها في ذلك.

استقر العالم على هذا المسار الثنائي بعد أن جرَّب تقريبا كل المسارات الأخرى. إذ حاول المتفاوضون في عام 1997 أن يقيموا معاهدة تلزم قانونيا البلاد المتقدمة بتخفيضات محددة في الانبعاثات. رفضت الولايات المتحدة أن تتبنى بروتوكول كيوتو الذي نجم عنها ولم يتضمن أيضا ملوثين كبارا مثل الصين التي رأته تنازلا غير مقبول عن سيادتها. وفي السنين التالية، عملت بعض البلاد بمفردها أو في مجموعات أصغر ـ أبرزها الاتحاد الأوربي ـ لتقليل انبعاثاتها. ولكن وتيرة التغير كانت بطيئة.

هكذا في 2015 أجهد المتفاوضون أنفسهم حتى خرجوا علينا بما عرف باتفاقية باريس التي لم تلزم بلادا بحصص محددة من الانبعاثات وإنما أقامت نظاما تجتمع بموجبه البلاد بصورة منتظمة، وتقدم تقارير عن انبعاثاتها وتلتزم بتخفيضات طوعية وتضغط إحداها على الأخرى لتحسين الأداء. كان السبب الأكبر في نجاح مفاوضات باريس هو أن الولايات المتحدة والصين، اللتين تمثلان مجتمعتين قرابة نصف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، اتفقتا مسبقا على تخفيضات كبيرة من تلقاء نفسيهما، بما أدى إلى اتفاق أوسع. ويقضي نظام باريس بدورات منتظمة من الطموح المتصاعد، فقد كان من المتوقع في العام الماضي أن تزيد البلاد من تعهداتها بخفض الانبعاثات، وفي العام التالي سوف تقوم بإجراء «حصر» لما تحقق من ذلك.

على المستوى النظري، يكون الدافع هو ضغط الأقران: إذ تفي البلاد بالتزامات كبيرة في الانبعاثات لتجتنب الشعور بالعار في مؤتمر المناخ التالي. وعلى المستوى العملي، حسبما يشير المنتقدون، لم يزل العالم متأخرا كثيرا عما أوصى به العلماء. إذ تبين لتقرير أممي صدر الشهر الماضي أنه ما من «مسار مضمون» لتخفيض الاحترار إلى ما دون 1.5 درجة مئوية (2.7 فهرنهايت)، وهي عتبة الخطر التي يقول العلماء إن الإنسانية لا يجب أن تتجاوزها. وتشي السياسات الراهنة بارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2.8 درجة مئوية وهو ما قد يدمر عددا لا حصر له من الأنظمة البيئية ويهدد مليارات البشر.

لكن قبل مؤتمر المناخ، كان العالم قد ابتعد كثيرا عن المسار. تراوحت تقديرات الاحترار وصولا إلى 3.5 درجة مئوية وأعلى وقد لا يبدو فارق 0.7 بالشيء الكبير، لكن كل تناقص بمقدار عُشر درجة ينعكس في كميات لا حصر لها من اجتناب المعاناة. وقد تبين لتقرير أممي صدر الشهر الماضي أن الاحترار سيصل إلى قرابة 2.4 درجة مئوية إذا التزمت البلاد بتعهدات اتفاقية باريس، و1.8 درجة مئوية إذا حققت الأهداف الطموحة على المدى الأبعد.

من اللافت أن الاحترار دون درجتين مئويتين لا يزال ممكنا، إذ تبين لتقدير موثوق فيه وصادر من باريس قبل سبع سنين أن العالم لديه فرصة 8% فقط لتحقيق هذا الهدف.

التوترات الباقية

جاء هذا التقدم جزئيا بسبب أن المفاوضين المناخيين برعوا في التعامل مع الخلافات الدائمة بين البلاد الثرية والفقيرة التي كثيرا ما تهدد بإخراج العملية الأممية عن مسارها. في مصر في هذا العالم، ضغطت البلاد الفقيرة ـ التي تحتمل عبء آثار تغير المناخ مع عدم مسؤوليتها عمليا عن الانبعاثات المسببة له ـ على البلاد الثرية طالبة تعويضات. وبرغم وجاهة حجتها الأخلاقية فالواقع هو أنه سوف يستحيل تمرير خطة تعويضات مناخية في الكونجرس وبرلمانات البلاد المتقدمة الأخرى ـ وبخاصة إذا تضمنت قبول البلاد الثرية عمليا مسؤولية قانونية غير محدودة عن الأضرار المناخية في الخارج. البلاد الثرية مقصرة أصلا في الوفاء بالتزاماتها السابقة بإنفاق 100 مليار دولار سنويا لمساعدة البلاد الفقيرة على الحد من الانبعاثات والتكيف مع التغير المناخي. ولا شك أنها يجب أن تنفق المزيد وتستفيد من تلك النقود في جذب تمويلات خاصة من خلال الاستثمار الكافي ـ على سبيل المثال ـ في مشاريع الطاقة النظيفة بهدف جذب مستثمرين من القطاع الخاص لتقديم البقية.

لكن نجاح العملية الأممية لن يقوم على التوصل أو عدم التوصل إلى حل دقيق لما يبدو إلى الآن نزاعا مستعصيا على الحل حول من يدين لمن. فمن المهم ألا تخرج هذه الصراعات عن المسار وإلا حادت بالخطوات المفضية إلى الهدف الأسمى وهو تقليل الانبعاثات التي تدفع الأزمة. إن العالم بحاجة إلى أن يستثمر تقريبا ثلاثة أمثال ما يستثمره حاليا في الطاقة الخالية من الانبعاثات. والأمم المتحدة يجب أن تحافظ على تركيزها الأساسي بالتودد للبلاد الكبرى لتلبية تعهداتها الحالية المتعلقة بالانبعاثات ولزيادة طموحها.

هذا هو السبب في أن أهم تطور في النضال المناخي الأسبوع الماضي ربما جرى على بعد ستة آلاف ميل من مصر. إذ التقى الرئيس جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينج وجها لوجه في مؤتمر مجموعة العشرين في بالي بإندونسيا واتفقا على استئناف المحادثات المناخية الأمريكية الصينية. وتعِد هذه الانفراجة ـ ضمن أشياء كثيرة ـ بتحفيز العمل من أجل اتفاقية لتخفيض انبعاثات الميثان، وهو أحد عناصر الاحتباس الحراري المتطرفة.

قد تكون دبلوماسية المناخ صادمة ـ فهي سلسلة من المؤتمرات التي تحتدم فيها النقاشات حول مواضع الفواصل في الوثائق الرسمية. لكن الصورة الكبيرة، من حسن الحظ، تشي بتقدم لا يجب أن يعتبره العالم أمرا مسلما به.

مقال افتتاحي في جريدة واشنطن بوست ترجمة خاصة بجريدة $