ليبيا على أبواب الانتخابات.. فرص قائمة وتحديات صعبة

16 أكتوبر 2021
16 أكتوبر 2021

مع اقتراب الموعد المقرر لإجراء الانتخابات الليبية الرئاسية والتشريعية وهو الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل، رفعت الولايات المتحدة من سقف انخراطها في الجهود المبذولة لحل الأزمة الليبية الممتدة منذ أكثر من عشر سنوات، يؤازرها في ذلك مواقف مشابهة من كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا. وتتجه كل التحركات نحو الحرص على إجراء هذه الانتخابات، والاستعداد لتقديم كافة أوج الدعم لإنجاحها، ويرجع ذلك الاهتمام إلى اقتناع كل هذه الدول الفاعلة في الأزمة بأن الانتخابات هي الطريق إلى إيجاد سلطة شرعية واحدة في دولة واحدة كاملة السيادة، تكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها نحو شعبها والعالم.

ومن الناحية المبدئية فإن إجراء الانتخابات هو استحقاق تم الاتفاق عليه سلفًا من جانب ملتقى الحوار الوطني الذي قاد إلى حد كبير خطوات نحو انفراج الأزمة بعد سلسلة طويلة من الخلافات بين القوى الليبية المؤثرة على الساحة السياسية والأمنية، كما كان الاتفاق عليه تفعيلًا لما دعا إليه مجلس الأمن في قراره 2570.

وبرغم ذلك كان قد مضى وقت ليس بالقليل دون أن تلوح في الأفق بوادر على أن خطوة الانتخابات يمكن أن تتم فعلًا نظرًا لاستمرار هذه الخلافات المستعصية نفسها على الحل حتى بات مطروحًا أن تذهب أدراج الرياح الجهود الدولية الممتدة منذ مؤتمر برلينو شملت تحركات عديدة في الاتجاه نفسه من جانب ما يعرف بدول الجوار الليبي، ولكن جديد الأزمة في الأعوام الثلاثة الأخيرة هو توفر إرادة دولية للحل، حيث كان هناك جلد وإصرار وضغوط مختلفة على الأطراف المحلية للتعامل مع خطوة الانتخابات موضع الجد.

وفي هذا الإطار كان للدور الأمريكي تأثير واضح في دفع التطورات إلى الأمام بحكم ثقله الدولي، والمعروف أن هذا الدور كان قد تراجع كثيرا في عهد الرئيس ترامب الذي لم يكن معنيا بالأزمة، إلى أن جاءت إدارة بايدن حيث تغير الموقف تمامًا وأصبحت الولايات المتحدة معنية بشدة بوضع نهاية لهذه الأزمة وفقًا لخريطة الطريق التي وضعها مؤتمر برلين وحظيت بتأييد ودعم مختلف الأطراف الفاعلة دوليًا وإقليميًا.

وتبلور الموقف الأمريكي الجديد في محورين متلازمين لا منفصلين هما العمل على إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، والمطالبة بضرورة خروج القوات الأجنبية من ليبيا بما فيها المرتزقة، وفي الاجتماع الأخير للجمعية العامة التقى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع نظرائه من فرنسا وألمانيا وإيطاليا، حيث أكد بلينكن دعم الولايات المتحدة لأن تكون ليبيا آمنة وموحدة ومستقرة ذات سيادة خالية من أي تدخل أجنبي.

وتضمن البيان الذي أصدرته الخارجية الأمريكية بخصوص الاجتماع، أن الوزير الأمريكي أكد دعم بلاده للانتخابات الرئاسية والتشريعية، ودعا البيان القادة الليبيين إلى اتخاذ الخطوات الضرورية لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة وفقًا لما نصت عليه خريطة الطريق للحوار الوطني الليبي بما في ذلك الاتفاق على إطار دستوري وقانوني. وعلى جانب آخر أكد بيان لسفارات فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا في ليبيا أن إجراء الانتخابات في موعدها هو خطوة أساسية لتحقيق المزيد من الاستقرار وتوحيد ليبيا، كما أكدوا انضمامهم للمبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيش بعد إحاطته إلى مجلس الأمن، في حث جميع الجهات الفاعلة الليبية على ضمان الشمولية والحرية وإجراء الانتخابات في موعدها. ورحبت هذه الدول في بيانها بالإجراءات التي اتخذتها حكومة الوحدة الوطنية لتسهيل الاستعدادات لإجراء الانتخابات سواء من حيث ما وفرته من تمويل لمفوضية الانتحابات أو من استعدادات أمنية، كما أعربت الدول عن استعدادها لدعم السلطات الليبية في تنظيم الانتخابات حالة طلبها ذلك منها.

وهناك تقارير صدرت مؤخرًا أفادت بأن الولايات المتحدة أبدت استعدادها لمعاونة السلطات الليبية في تأمين الانتخابات من خلال القوات المشاركة في القوات الإفريقية المعروفة باسم الإفريكوم، ومما يضاف تأكيدًا للاهتمام الأمريكي بإجراء الانتخابات ما أفادت به تقارير أخرى بأن الإدارة الأمريكية وجهت ما يعد تهديدًا لأي قوى أجنبية كانت أم محلية بأنها ستواجه بعقوبات إذا ما صدر منها ما يعوق الحكومة الحالية عن القيام بهذه الخطوة على أفضل نحو ممكن.

ومن الواضح وفق هذا الاهتمام غير المسبوق سواء من جانب الولايات المتحدة أو العواصم الأوروبية المعنية أنها متفقة على أن الخروج من الأزمة الليبية يتحقق بتحقيق الاستقرار السياسي والأمني ولا يتم ذلك إلا بالعودة إلى لإقامة دولة بالمعنى المتعارف عليه عند الجميع وهو سلطة شرعية واحدة مقبولة من الشعب ومؤسسات موحدة والتمتع بالسيادة الكاملة، هذا بغض النظر عن التوجهات السياسية للحكم المعبر عن هذه السلطة، ومن هنا أهمية الانتخابات وصفها الطريق للوصول إلى هذه السلطة، وأهمية خروج القوات الأجنبية لأن وجودها يعني نقصان السيادة الوطنية، ولكن إذا كان هذا التصور يمثل الفرصة القائمة فعلًا للخروج من الأزمة، فإنه هو ذاته يحمل بين طياته تحديات صعبة ليس من المستبعد أن تؤدي إلى إجهاض هذه الفرصة!، بمعنى أن كلًا من مطلبي الانتخابات وخروج القوات الأجنبية يشير إلى أنه يتعرض لعقبات ليس من السهل تجاوزها وفقًا لمعطيات المشهد الليبي على أرض الواقع قبل نحو شهرين من الموعد المقرر للانتخابات. فمنذ أن تم الإعلان عن هذه الخطوة ضمن خريطة الطريق، والجدل لا يتوقف بين الأطراف المعنية الليبية حول كيفية إجرائها من حيث الشكل بما لا يفرز مشكلات لاحقة من ناحية، والشخصيات المتوقع ترشحها خاصة بالنسبة لمنصب الرئيس من ناحية ثانية، ومدى الرضا عن النتائج أي القبول بها كيفما تأتي أو الرفض من ناحية ثالثة. فقد أثيرت مثلًا مسألة الإطار الدستوري للانتخابات، هل وفقًا لما هو موجود في الإعلان الدستوري المؤقت الصادر عام 2011، باعتباره متضمنا في حد ذاته ما يجري الحديث عنه الآن تحت مسمى القاعدة الدستورية، أم بوضع قاعدة دستورية جديدة.

ومع أن التقارير الإعلامية تضمنت في الأسابيع الأخيرة ما يفيد الانتهاء من الاتفاق على هذه القاعدة الدستورية سواء من جانب البرلمان أو المجلس الأعلى والتي يفهم منها أن الانتخابات الرئاسية تتم أولا ثم تعقبها بفترة الانتحابات التشريعية وتكون بأسلوب الانتخاب المباشر من الشعب، إلا أن هناك أيضا من التقارير التي تشير إلى عدم الموافقة من جانب بعض القوى الليبية سواء من البرلمان أو المجلس الأعلى أو خارجهما على هذه الآلية، فيما يفسر على أن هناك من يريد عرقلة إتمام الانتخابات، والخلاف نفسه قائم بالنسبة لمن سيترشحون للرئاسة.

كما أن هناك مشكلة فنية أخرى تتعلق بالقانون الذي ستجرى الانتخابات وفقًا له، هذا بالإضافة إلى جدول الانتخابات ذاته الذي يحدد من لهم حق التصويت وأين يمكنهم ذلك وكيف الحال بالنسبة لمن هم في الخارج.

ومن يتابع الأخذ والرد في مثل هذه الأمور يصل إلى انطباع بأن هناك غموضا يلف عملية الانتخابات في حد ذاتها أو أنها تواجه عقبات سياسية وقانونية وفنية!. والمشكلة هنا أنه بافتراض توفر الإمكانيات والدعم السياسي والفني دوليًا للانتخابات، فإن إجراءها وسط استمرار حالة الغموض حول طريقة تنفيذها على أرض الواقع نتيجة علامات الاستقواء أو الاستعصاء القائمة بين الأطراف الليبية المعنية، يفتح باب الشك حول نتائجها، بمعنى أنه قد يقبلها البعض ولا يقبلها البعض الآخر، بما يسبب مظاهر جديدة لعدم الاستقرار مستقبلا.

وأما بخصوص المطالبة بخروج القوات الأجنبية فهو بدوره يحمل بين طياته تحديات صعبة، ومن الصحيح أنه يعد تطورا مهما في مسار الأزمة خصوصا عندما يأتي من دولة كالولايات المتحدة التي كانت يوما ما في السابق واحدة من الدول الغربية التي تتحمل مسؤولية الخراب الذي لحق بليبيا وصنع الأزمة الراهنة.

ومن المؤكد له صداه على الصعيد الداخلي الليبي بالنظر إلى أن الوجود الأجنبي العسكري يعزز الموقف السياسي لبعض القوى الليبية التي لا تريد النجاح للانتخابات لأنها ترفض -وفقًا لمصالحها- عودة الاستقرار لليبيا، ولكن هذه المطالبة بخروج القوات الأجنبية من المنطقي أن تصطدم بمواقف الأطراف الخارجية التي انخرطت في الأزمة من البداية.

وكملاحظة أولى فإنه بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بالطريقة التي أحرجت إدارة بايدن فإن كثير الأطراف المؤثرة فقدت المصداقية في المواقف الأمريكية من الأزمات الساخنة في الشرق الأوسط، مما يعني أن هذه الإدارة تحتاج إلى جهد كبير لإقناع الأطراف التي لها وجود أجنبي في ليبيا بالموافقة على سحب قواتها أو حتى المرتزقة. وعموما فإنه ولأول وهلة يندرج الأمر تحت بند الصراع الدولي القائم بين روسيا والولايات المتحدة في عهد بايدن، والأولى لن تقبل به بسهولة حيث تجعله مشروطا بمستقبل الحل السياسي وما يتيحه لها من مصالح وإن وافقت فسيكون تدريجيا متمشيا مع ما يمكن تحققه من نتائج على المسار السياسي.

ولأول وهلة أيضا يعني الصدام مع تركيا التي لم تعد الولايات المتحدة راضية عن تقاربها إلى روسيا، وبدورها لن تتقبل الأمر بسهولة، وفوق هذا وذاك فإن التواجد الأجنبي على الأراضي الليبية مرتبط بخريطة المصالح النفطية حيث يتنافس المعنيون الدوليون على الكعكة النفطية الليبية ويهمهم أن السلطة التي ستأتي بها الانتخابات لا بد وأن تتماهى مع مصالحهم في هذا المجال، ثم من وجهة نظرهم لا بد من الانتظار في تلبية المطلب الأمريكي لحين اتضاح مستقبل العلاقات بينهم وبين النظام الجديد الذي ستأتي به الانتخابات.

ولا شك أن مسألة كهذه تحتاج بوجه عام إلى اتفاق دولي وثيق ومُرضٍ بين الأطراف الدولية المعنية حول تقاسم المصالح، وهو ما يحتاج إلى وقت ليس بالقليل وإلى جهود مكثفة، هذا بافتراض حسن النيات مبدئيا!.