الزيدية مذهب اليمن المعلوم
كتب بدر العبري مقالا نشره في جريدة عُمان بعنوان: الزيدية مذهب اليمن المجهول، وهو يأتي في سياق اهتمامه الجميل بالتواصل مع كل المدارس الدينية، بعيدا عن التعصب والانغلاق، فجزاه الله خير الجزاء على هذا، ونفع الله بقلمه ورسالته السامية في التقريب والتعايش وتصحيح المغالطات.
وهنا ملاحظات سريعة على بعض ما جاء في المقال من أمور تحتاج إلى تثبت أو لعلها سبق قلم!
الملاحظة الأولى: كنت أتمنى أن يعود الشيخ في التعريف بالزيدية إلى كتبهم وهي منشورة ومشهورة وتملأ الأرفف والشبكة العنكبوتية، ولكني تفاجأت باكتفائه بنقل كلام بعض الأشخاص الذين حاورهم حول الزيدية، وكأن المذهب الزيدي جماعة سرية باطنية، لا يُعرف حقيقتها إلا من خلال الأحاديث المسربة!
الملاحظة الثانية: قال الكاتب في مقاله: «الزيدية محسوبون في علم الكلام على المعتزلة، ولكنهم يختلفون عنهم في بعض المسائل التفصيلية»، وهذا الكلام في نظري يحتاج إلى تحرير، من يطالع التراث الكلامي الزيدي سيرى أنه يُقدم نفسه بعيدا عن الارتماء في أحضان المعتزلة، بل المعتزلة هم من يُسندون مذهبهم إلى الإمام علي كرم الله وجهه، وهذا نجده على سبيل المثال في «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد، فنجد من المعتزلة من يقول: «وسند المعتزلة لمذهبهم أوضح من الفلق، إذ يتصل إلى واصل وعمرو اتصالاً شاهراً ظاهراً، وهما أخذا عن محمد بن بن علي بن أبي طالب، وابنه أبي هاشم عبدالله بن محمد، ومحمد هو الذي ربّى واصلاً وعلّمه حتى تخرّج واستحكم، ومحمد (ابن الحنفية) أخذ عن أبيه علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».
نعم صلات المعتزلة قديمة بثوار العلويين خصوصا النفس الزكية رحمه الله، فهناك شواهد تاريخية كثيرة على دعم المعتزلة له في ثورته، وهذا موقف سياسي اشترك فيه أيضا بعض فقهاء السنة، فالمعتزلة والزيدية والإمامية كلها مذاهب تلتقي في جوانب كثيرة خصوصا الموقف الكلامي من قضايا الصفات والقول بالعدل، وموالاة أهل البيت ورفض الحكومات الجائرة، لكن هذا لا يعني أن الزيدية هي نوعٌ من المعتزلة، وفي الحقيقة الخلافات بين المذاهب الإسلامية كلها بسيطة جدا وتعد بالأصابع، ولكن قاتل الله السياسة كم ضخمت الفروع وتعمدت إغفال القواسم المشتركة، ولبيان اختلاف الزيدية عن المعتزلة في كثير من الفروع أُحيلك إلى (مجموع السيد حميدان) وفيه بيان واسع لأوجه اختلاف أئمة الزيدية عن المعتزلة في بعض مسائل الكلام وفي منهج البحث فيها.
الملاحظة الثالثة: قال الكاتب: «الزيدية يرون الإمامة شوروية عن طريق البيعة وليس الوراثة في البطنين»، وللأسف هذا خطأ كبير وقع فيه أستاذنا، فالزيدية ترى الإمامة في البطنين في كل من قام من الفاطميين وشهر السيف داعيا إلى الحق وآمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر، ولهم اشتراطات وتفريعات في صفات القائم أو الإمام، خلاصتها أن يكون عالما تقيا شجاعا مستجمعا للفضائل والمكارم وأن يكون فاطميا، وكتب الزيدية كلها على هذا، نعم لا تقول الزيدية بوراثة الإمامة؛ لذلك كان هناك على تاريخ اليمن الطويل كثير من القلاقل عندما يموت إمام، حيث يقوم أكثر من فاطمي بالدعوة بالإمامة وقد يقع قتال بينهم، وهذا أمر مشهور، وفيما يخص النص عن الإمام علي كرم الله وجهه للزيدية قولان في هذا، هناك من قال بالنص الجلي وهناك من قال بالنص الخفي، والزيدية لا تقول بإمامة المفضول على الفاضل ولا تُصحح إمامة المشايخ الثلاثة، وهذا معلوم بأدنى مطالعة لما كتبه الزيدية، نعم اشتهر عن الزيدية في كتب الملل والنحل نسبة القول بجواز إمامة المفضول على الفاضل، ولكن ما في كتب الزيدية يُخالف هذا، بل حتى من ينظر بإيجابية إلى المشايخ الثلاثة كالإمام يحيى بن حمزة، لا يُصحح إمامتهم وإنما يتأول لهم ويعتبر فعلهم صغيرة ويترحم عليهم، فتحتاج المسألة إلى مراجعة من كتب الزيدية أنفسهم!
المسألة الرابعة: قال الكاتب: «وبعد مقتل زيد بن علي صارت الإمامة في ابنه يحيى بن زيد (ت 125هـ)، ومضى إلى خراسان، واجتمعت عليه جماعة كثيرة، وبعده في الإمامين محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن، أما الأول قتل بالمدينة سنة 145هـ، قتله عيسى بن ماهان (ت 195هـ)، والثاني قتل بالبصرة سنة: 145هـ، قتل بأمر الخليفة جعفر المنصور (ت 158هـ)، ولم يظهر الأمر بعدهما إلا على يدي ناصر الدين الحسن بن علي الأطروش (ت 304هـ) في طبرستان والديلم شمال إيران».
وقع الكاتب بدر هنا في لبس عندما تصور أن الجانب السياسي للزيدية خمد بعد قتل النفس الزكية وأخيه إبراهيم، والأمر في الحقيقة ليس كذلك فالزيدية عاشت على طول التاريخ الإسلامي في حالة ثورية ومثلت المعارضة المسلحة للعلويين ضد الحكومات الجائرة في عصرها، وأُحيلك على (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الأصفهاني لتقف على الثورات الزيدية، أما فيما يتعلق بالوجود الزيدي كدولة في إيران فهو سابق على إمامة الناصر الأطروش، فقد استطاع الحسن بن زيد تأسيس دولة في طبرستان ثم قام بالأمر بعده أخوه محمد بن زيد، يقول المسعودي: «وفي خلافة المستعين وذلك في سنة ٢٥٠هـ، ظهر ببلاد طبرستان الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فغلب عليها وعلى جرجان بعد حروب كثيرة وقتال شديد وما زالت في يده إلى أن مات سنة سبعين ومائتين».
خامسا: قال الكاتب بدر: «وأول إمام لهم في اليمن الإمام محمد المرتضى ابن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين»، وهذا سبقُ قلمٍ من الأستاذ العزيز فأول إمام للزيدية في اليمن هو الإمام يحيى بن الحسين الملقب بالهادي إلى الحق، ثم جاء بعده ابنه محمد المرتضى ثم أخيه أحمد الناصر.
سادسا: قال الكاتب بدر متحدثا عن الزيدية: «ويقولون ببدعية صلاة التراويح جماعة خلاف الإمامية حيث يرون بدعية التراويح كليا»، وهذا أيضا تعبير غير مُحرّر للأستاذ، فالزيدية مذهبها في التراويح عينُ مذهب الإمامية، صلاة الليل عندهم في رمضان فرادى ولا تشرع فيها الجماعة، والأستاذ يعلم أن اسم التراويح ليس من وضع الشارع، وما صلاة التراويح إلا قيام رمضان، وبقي السؤال هل يُشرع في نافلة الليل الجماعة أم لا؟ فذهب السنة إلى الجماعة فيها، وذهب الزيدية والإمامية إلى صلاتها فرادى، فلا أفهم معنى للتفريق بين الزيدية والإمامية في هذه المسألة!
سابعا: قال الكاتب: «مشهور الزيدية أن المهدي المنتظر رجل من أهل البيت، يولد في زمانه، ولا يخصونه بمحمد بن الحسن، خلافا للجارودية الذين يقولون بقول الإمامية». لا أدري كيف نسب الكاتب القول بمهدية محمد بن الحسن العسكري إلى الجارودية؟! والذي لا أشك فيه أنه وهم في هذا وجانبه الصواب أو لعل هذا استعجال قلم أو نقل من مقالات الصحفيين؛ لذلك من الواجب علينا كباحثين مراجعة كتب الزيدية أنفسهم خاصة وأنها ولله الحمد متوفرة، وعدم الاكتفاء بآراء من مقابلات شخصية!
ثامنا: نسب الكاتب الزيدية قولهم بعدم عصمة الأئمة، وهذا يحتاج إلى تفصيل، فالزيدية تقول بعصمة أفراد أصحاب الكساء وهم: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين، أما بقية أهل البيت فلا تقول بعصمة آحادهم، وإنما تذهب إلى عصمة مجموعهم، ومن هذا الباب قالوا بحجية إجماع أهل البيت، روى الحافظ محمد بن سليمان الكوفي «الزيدي» في كتابه مناقب أمير المؤمنين، بسنده، عن الإمام زيد بن علي أنه قال: «المعصُومون منّا خمسة: النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين»، وكل كتب الزيدية على هذا، أعني إثبات عصمة أهل الكساء بأعيانهم، وإثبات عصمة إجماع أهل البيت، فاختلاف الزيدية مع غيرهم من الشيعة هو في عصمة أعيان من جاء بعد الإمام الحسين.
ختاما: لا أُخفي سعادتي بجهود الكاتب بدر التنويرية، وسعيه الحثيث إلى مدّ جسور التواصل مع الجميع، وهذه رسالة سامية، كم نحن بحاجة إليها، خصوصا في وقتنا هذا، الذي تكالبت علينا فيه الأمم!
الحبيب سالم المشهور كاتب عماني
