1199808
1199808
تقارير

عام على معركة حلب .. مدينة مدمرة تلملم جراحها

21 ديسمبر 2017
21 ديسمبر 2017

حلب (سوريا) ـ (أ ف ب): في حي الكلاسة شرق مدينة حلب عادت زحمة السير إلى شوارع انتشرت فيها عربات بيع الخضار، ولكن الدمار المتفشي من كل حدب وصوب يبقى شاهدا على معركة غيرت مسار النزاع في سوريا نهاية العام الماضي.

ينظر خيرو مسلماني وهو سائق سيارة أجرة سابق حوله في الحي الذي كانت تسيطر عليه الفصائل المعارضة، ويقول: «اليوم هناك الكثير من الناس. إنهم يعودون».

وعلى بعد عشرات الكيلومترات من هنا في محافظة إدلب (شمال غرب) المجاورة، يتحسر آخرون من مدنيين ومقاتلين معارضين على مدينة تم إجلاؤهم منها قبل أن يسيطر الجيش السوري عليها.

طوال أربع سنوات، بقيت مدينة حلب مقسمة بين أحياء شرقية تسيطر عليها الفصائل المعارضة وأخرى غربية تحت سيطرة القوات الحكومية.

وشكلت طوال هذه الفترة مسرحا لمعارك عنيفة تسببت بمقتل آلاف المدنيين ودمار هائل في الأبنية والبنى التحتية في الأحياء الشرقية التي تعرضت لقصف جوي سوري وروسي كثيف.

وإثر عملية عسكرية لقوات النظام أحكمت خلالها حصار الأحياء الشرقية بدأت في 15 ديسمبر أولى عمليات إجلاء المدنيين والمقاتلين المعارضين من هذا الجزء. استمرت عملية الإجلاء أسبوعا كاملا.

وبعد دقائق على خروج آخر حافلات المغادرين إلى مناطق سيطرة الفصائل المعارضة خارج المدينة، أعلن الجيش السوري في 22 ديسمبر استعادة حلب بالكامل.

وسجلت قوات الجيش السوري بذلك أبرز انتصاراتها منذ بدء النزاع في سوريا في مارس 2011، فيما شكلت خسارة شرق حلب أكبر انتكاسات الفصائل المعارضة.

ومنذ ذلك الحين، حققت قوات الجيش السوري إنجازات ميدانية متلاحقة بدعم من مقاتلين إيرانيين ولبنانيين وعراقيين وبغطاء جوي روسي، وسيطرت على مناطق واسعة إن كان في مواجهة الفصائل المعارضة أو تنظيم «داعش».

بعد مضي عام على انتهاء معركة حلب تعود الحياة وإن ببطء إلى الأحياء الشرقية، بعد إصلاحات أجريت على شبكات المياه والكهرباء، وإزالة جبال الركام من شوارع عديدة فيها وإعادة تزفيتها.وعاد إلى الأحياء الشرقية، وفق تقديرات غير رسمية، نحو 500 ألف شخص.

وكان عدد سكان المدينة 2,5 مليون قبل النزاع، لكنه تراجع إلى نحو 1,5 مليون نسمة، كان 250 ألفا منهم محاصرين في شرق حلب حتى قبل بدء هجوم قوات النظام.

ونزح أكثر من نصف المحاصرين جراء المعارك إلى الأحياء الغربية، وتم إجلاء عشرات آلاف الآخرين لاحقا.

غادر خيرو مسلماني (67 عاما) منزله إثر سيطرة الفصائل المعارضة على شرق حلب في صيف عام 2012، وانتقل إلى مدينة طرطوس الساحلية ليعيش في خيمة مع عائلته.

لم ينتظر مسلماني كثيرا، فبعد أيام على سيطرة الجيش السوري على كامل حلب عاد خيرو في الأسبوع الأول من يناير إلى مدينته ليجد جدران منزله قد سُويت بالأرض.

استخدم خيرو الخردوات وأجهزة مكسرة لينشئ غرفة صغيرة يشوي فيها اللحم ويسترزق منها.

ويُعرب اليوم عن سعادته بعودة الحركة من حوله، ويقول «حين عدنا في بداية 2017، كنا نحلم أن نرى رجلا في الحارة اليوم هناك سيارات تدخل وتخرج الحمد الله هناك أمن وطمأنينة».

وبرغم ذلك، لا تزال معالم الدمار بادية على الأحياء الشرقية من شوارع خالية تماما وأخرى انتشرت على جانبيها المباني المدمرة بالكامل أو تلك التي تضررت جدرانها أو انهارت أسقفها.

وفي أحد أزقة شرق حلب، يعمل شبان على إغلاق فجوة في حائط أحد المنازل، وآخرون يضعون الألواح البلاستيكية لتكون بديلا عن سقف مدمر.

في حي الصالحين في حلب، يتذكر صلاح مغاير «في زمن المسلحين، شعرنا بالجوع والحصار والظلم».

كان صلاح، العامل في إحدى الحمامات الشامية التقليدية، في عداد المواطنين الذين جرى إجلاؤهم من الأحياء الشرقية، وعاد إليها مسرعا بعد أيام على سيطرة الجيش السوري عليها رمم صلاح منزله ويعمل اليوم حمالا ويقول «الحمام دُمر، سأعود إليه بعد ترميمه».

ويقول الخبير في الجغرافية السورية فابريس بالانش «سيكون إحياء الاقتصاد صعبا» خصوصا بعد النهب الذي تعرضت له المنطقة الصناعية في حلب وفرار رجال الأعمال إلى خارج سوريا.

ويتواجد هؤلاء حاليا، وفق بالانش، في غازي عنتاب في تركيا «حيث بنوا مصانعهم وأتوا بعمالهم القدامى، ولا يفكرون بالعودة إلى سوريا».

لم تسلم المدينة القديمة الأثرية في حلب من المعارك جراء موقعها على خط تماس سابق. وحل الدمار على بواباتها القديمة وأسواقها وخاناتها.

«وداعا لكل حجر»

رغم استعادة السيطرة على كامل المدينة، إلا أن الانقسام بين سكانها لا يزال جليا.

وفي وقت تحولت أبنية الأحياء الشرقية إلى جبال من الركام، حملت أبنية الأحياء الغربية آثار دمار جزئي وأضرار جراء القذائف التي اعتادت الفصائل المعارضة إطلاقها.لا يرغب سكان تم إجلاؤهم من شرق حلب بالعودة أو ليس بمقدورهم ذلك، ويتحدث بعضهم عن اعتقالات من قبل الأجهزة الأمنية بحق أشخاص تجرؤوا على العودة.

ويقول محمد لؤي (22 عاما) الذي يدرس حاليا في جامعة إدلب: «لم أفكر بالعودة إلى حلب لأني لا استطيع العيش تحت حكم نظام الأسد القمعي»، مضيفا «من المستحيل ألا يتم اعتقالي من اليوم الأول».

ويتذكر لؤي الذي كان يُدرس مادتي الفيزياء واللغة الإنجليزية في حلب: «أثناء خروجنا، كنت أشعر وكأن أحدهم انتزع شيئا من قلبي لم نخرج من الصدمة إلا بعد مرور نصف عام».

تركت ازدهار المرأة العشرينية والوالدة لطفلين خلفها جواز سفرها وصور شقيقها الذي قتل جراء العنف. وانتقلت على غرار الآلاف غيرها إلى إدلب.

وتقول ازدهار «في الفترة الأخيرة كنا نودع كل حجر في حلب، وأملنا بالله كبير جدا بأن يأتي اليوم الذي نعود فيه».

ويتذكر المقاتل المعارض محمد عساف (22 عاما) بدوره «كنا سعداء، نعيش في منازلنا حتى لو كان الأمل بتحرير كامل المدينة واحدا في المائة فقط»، وحول آخر يوم له في حلب، يقول: «لا نحب أن نتذكر ذلك اليوم، إنه يوم مأساوي».