الملف السياسي

البحث والتطوير أداة التنويع الاقتصادي

16 أكتوبر 2017
16 أكتوبر 2017

د. محمد رياض حمزة -

بالعودة إلى جائزة نوبل وهي الجائزة ذات الشهرة العالمية التي تمنح سنويا للمنجزات البحثية المبتكرة بتقنيات جديدة تخدم الإنسانية علميا وطبيا واجتماعيا. في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب والاقتصاد والآداب والسلم.

يلعب البحث والتطوير دوراً مهماً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول الصناعية المتقدمة، فهناك عشرات الآلاف من مراكز البحث والتطوير في جامعاتها وشركاتها وبنوكها. وما تنعم به البشرية اليوم من مقومات الحياة في الغذاء والصحة والسكن ووسائط النقل والاتصالات ... وغيرها ما كانت ستتحقق من غير البحث العلمي.

ولا يقتصر البحث العلمي على العلوم الصرفة فهناك البحوث المتخصصة في العلوم الإنسانية (الاقتصاد والإدارة والمجتمع والتربية والتعليم وغيرها). كما أن مستويات البحث العلمي يمكن أن تقسم إلى: بحوث نظرية أساسية، وبحوث تطبيقية، وتضع المدرسة الألمانية في البحث العلمي مستوى ثالثا هو البحوث الوسيطة التي تنقل البحوث النظرية الأساسية إلى بحوث تطبيقية.

في السلطنة يمثل مجلس البحث العلمي صرحا علميا حاضنا وداعما لكل جهد بحثي يسهم في إثراء وتعزيز البحث العلمي. يهدف المجلس إلى تأسيس منظومة إبداعية تستجيب للمتطلبات المحلية والتوجهات العالمية، وتعزز الانسجام الاجتماعي وتقود إلى الابتكار والتميز العلمي. وبرؤية تستشرف وضع السلطنة محورا إقليميا للإبداع ورائدة في ابتكار الأفكار وتوفير السلع والخدمات الجديدة. وأن تمتلك السلطنة سعة بحثية شاملة على مستوى المنطقة. وأن تتوفر لدى السلطنة منظومة بحثية تستجيب بشكل قوي وفعَّال للاحتياجات المحلية الاجتماعية والاقتصادية. وأن تتمكن السلطنة من توفير أبحاث السياسات المستنيرة المبنية على الأدلة. ووضع المجلس أهدافا استراتيجية تتمثل ببناء السعة البحثية، وتحقيق التميز البحثي، وتأسيس الروابط البحثية ونقل المعرفة، وتوفير البيئة البحثية المحفزة.

وانطلاقا من رسالة ورؤية وأهداف مجلس البحث العلمي في السلطنة الجهة القادرة على إنجاز الدراسات التي تسبق تنفيذ مشروعات القطاعات التي تبناها البرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي «تنفيذ» التي تشمل في المرحلة الأولى (السياحة، والصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية) إضافة إلى الممكنات الداعمة وهي قطاع سوق العمل، وقطاع التمويل، فيما ستغطي المرحلة الثانية من البرنامج قطاعي (الثروة السمكية والتعدين).

ــ فقطاع السياحة في السلطنة الذي ينمو متسارعا لإسهام أكبر بقيم مضافة للناتج المحلي حقق تقدما ملموسا خلال خطة التنمية الخمسية الثامنة ويتابع التوسع في سنوات الخطة التاسعة (2016 - 2020). وهنا يمكن للدراسات البحثية أن تسهم في تطوير توسع هذا القطاع وتحقيق أهداف حكومة السلطنة لإرساء استراتيجية جديدة يتم من خلالها مراجعة كل ما يتعلق بجذب الاستثمارات السياحية وتذليل العقبات وتسهيل الإجراءات لمساهمة أكبر في الناتج المحلي.

ــ الصناعات التحويلية: لعل أكثر القطاعات حاجة للبحوث والدراسات

هو قطاع الصناعة التحويلية بسبب سعة مدخلات ومخرجات العملية الإنتاجية وتنوعها في هذا القطاع، فالبحوث والدراسات في هذا القطاع ستخرج بإجابات بشأن إمكانية موازنة العلاقة بين الهيكل الإنتاجي وهيكل الصادرات لضمان تحقيق مساهمة الصناعات التحويلية كمصدر دائم للموارد المالية ورديف لقطاع النفط والغاز في الناتج المحلي والتشغيل والاستثمار وميزان المدفوعات وميزانية الحكومة ومساهمة أكبر في عملية التنمية وتحقيق التغيير الجذري في البنيان الاقتصادي.

الصناعات التحويلية تحتاج لنقل التكنولوجيا بتكاليف مالية كبيرة، بقدر حاجتها للموارد البشرية المؤهلة. ولم تتمكن معظم الدول النامية من تحقيق متطلبات هذا القطاع. ولا بد للبحوث في مجال الصناعات الهندسية أن تمكن السلطنة من إرساء قاعدة علمية لنقل التكنولوجيا بأقل التكاليف.فوجود قطاع صناعة تحويلية متكامل سيعمل على تعزيز الاستقلال الاقتصادي للسلطنة ويقلص استيراد السلع المصنعة بكافة أنواعها، وسيمهد ذلك للحد من التبعية التجارية والتكنولوجية للدول الصناعية المتقدمة.

ـــــ الخدمات اللوجستية: تحتلّ السلطنة موقعاً جغرافياً استراتيجيا بين شرق آسيا وغربها وذلك يمكنها من أن تكون مقصدا مهماً وريادياً في مجال الخدمات اللوجستية في منطقة الخليج والدول المطلة على المحيط الهندي وبلدان شرقي إفريقيا. وبما أن هذا القطاع لا يزال ناشئا في السلطنة ويحتاج للمال والخبرات البشرية وجاهزية البنية الأساسية لمشاريع الخدمات اللوجستية. فالمتوقع أن تسهم بحوث التطوير ودراسات مشاريع القطاع في تعزيز توجهات السلطنة في هذا القطاع وكي يصبح مركزاً أساسياً للخدمات اللوجستية على مستوى العالم. فالبحوث اللوجستية يعول أن تستكمل متطلبات التواصل التجاري والسياحي وكافة الأنشطة الاقتصادية التي تربط السلطنة بمحيطها الخليجي والعربي والآسيوي والعالمي.

ــ الثروة السمكية: حظيت الثروة السمكية بقدر كبير من اهتمام الدولة لأهمية هذا القطاع ودوره البارز في توفير الغذاء لأبناء هذا البلد، ولا تزال الثروة السمكية تشكل ركيزة من ركائز التنمية الاقتصادية لما تتمتع به من موارد متجددة خاصة في ظل إدارة واعية وعلمية لهذا المورد الذي حافظ على استدامة مساهمته في إجمالي الناتج المحلي، وما يحققه من عوائد تصديرية تدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية الخاصة إذ أنهم التزموا بالمحافظة عليها رغم كثرة تنوع مصادر الرزق الأخرى التي تلت اكتشاف النفط وما سايره من تطور اقتصادي واجتماعي. ولعل نتائج البحوث والدراسات في هذا القطاع يمكن أن ترسي أسساً للصناعات السمكية في السلطنة. وتمثل الثروة السمكية بالنسبة للعمانيين جانبا هاما من الحياة الاجتماعية. إذ لا تزال السلطنة تستورد معظم حاجة أسواقها من منتجات الصناعات السمكية من الخارج.

ــ التعدين: تعكف الهيئة العامة للتعدين على بناء استراتيجية عمل تتمثل بوضع الخطط والسياسات الخاصة بتنميته وجذب وتشجيع الاستثمار، وتشير الدراسات الجيوفيزيائية إلى وجود خامات معدنية وغير معدنية في مختلف التضاريس في أرض السلطنة. وقامت الهيئة بإعداد قانون جديد للتعدين سيمكن السلطنة من تطوير العمل في هذا القطاع. فما تختزنه أرض السلطنة من ثروات معدنية وبمستويات عالية من الجودة والتنوع، يعطيها أهمية اقتصادية متميزة. وكذلك وجود العديد من المعادن الفلزية كالنحاس والكروم والمنجنيز وغيرها من المعادن. تأتي هذه المؤشرات من خلال الدراسات والبحوث والخرائط الجيولوجية والتعدينية والبيانات التعدينية. وبما أن قطاع التعدين في السلطنة من القطاعات الواعدة في تنويع مصادر الدخل ولا يزال في مرحلة ممهدة لتفعيل مشروعاته فلا بد للبحوث والدراسات أن تستكمل عمل الهيئة في تطوير القطاع.

ولا بد من الإشارة إلى أن مجلس البحث العلمي الجهة الأكثر تأهيلا وإمكانيات لإجراء البحوث والدراسات التي تحتاجها القطاعات الواعدة كافة في برنامج التنويع الاقتصادي «تنفيذ».