الملف السياسي

خطوات طيبة .. تحتاج إلى الدعم والمساندة والتنسيق!!

16 أكتوبر 2017
16 أكتوبر 2017

د. عبد الحميد الموافي -

في إطار تعزيز ثقافة البحث العلمي لدى الطلاب وحفز قدراتهم، وإظهار جانب من قدراتهم الأكاديمية والبحثية والابتكارية، تستعد جامعة السلطان قابوس لعقد المؤتمر الطلابي الأول للبحث العلمي في ابريل القادم وهو المؤتمر الأول من نوعه لطلاب البكالوريوس والدراسات العليا بكليات الجامعة وبشروط محددة ومعلنة أيضا، وهو ما يساعد في فرز وإظهار باحثين نابهين لرعايتهم والأخذ بيدهم ودفعهم الى الأمام لتحقيق ما يعود بالخير على المجتمع والتنمية الوطنية.

ليس من المبالغة في شيء القول إنه إذا كان الجميع تقريبا يدرك أهمية وقيمة وضرورة العلم، والبحث العلمي، للنهوض بحياة الفرد والمجتمع، في مختلف المجالات، وعلى كافة المستويات، فان المجتمعات والدول تتفاوت كثيرا فيما بينها في مدى عنايتها واهتمامها بالتعليم بوجه عام، وبقطاع البحث العلمي، والجانب التطبيقي منه بوجه خاص، وذلك لأسباب واعتبارات كثيرة ومتعددة الجوانب أيضا، منها ما يتصل بالأولويات ومدى إلحاحية بعضها، ومنها ما يتصل بظروف المجتمع والمستوى الثقافي ومدى انتشار التعليم بين ابنائه، ومنها ما يتصل ايضا بمستوى التعليم العالي والجامعات ومدى توفر المراكز العلمية والبحثية، وكذلك مدى انتشار الثقافة المهنية والحرفية في المجتمع، ودورها الحيوي في الربط، وتكوين حلقة الوصل الضرورية بين ما يصل إليه البحث العلمي من نتائج وبين تحويلها إلى منتج عملي، قابل للتطبيق والاستخدام والإسهام في حل مشكلات موجودة او تجويد خدمة قائمة،بل ان موقف الإدارة من الباحثين والعلماء ومدى تقديرها لهم ولدورهم في خدمة تقدم المجتمع وحل مشكلاته يؤثر في الواقع في نظرة المجتمع ككل للبحث العلمي وللعاملين فيه ولدورهم، وبالطبع في المناخ العام، مما ينعكس على مختلف المؤسسات العلمية ومراكز الأبحاث القائمة او ذات الصلة بذلك. وإذا كان من غير المطلوب المبالغة في تقدير العلماء والنابهين، فان المجتمع يخسر كثيرا من الاستهانة بهم، او التقليل من شأنهم، او تقييم جهدهم بمعايير مادية متدنية، وهو ما يفتح المجال واسعا أمام هجرة هذه العقول، بحثا عن بيئة افضل ووسط علمي وبحثي اكثر ملاءمة، وليس بالضرورة اكثر وفرة مالية، فالأغلبية العظمى من هؤلاء يكفيهم التقدير، بقدر ما يؤلمهم الإهمال او التجاهل والتقليل من نتاج جهودهم أحيانا.

وإذا كان فاقد الشيء لا يعطيه، سواء على مستوى الفرد او المجتمع، فإن دولة او مجتمعا لا ينتشر فيه التعليم، ويفتقر إلى مراكز البحوث، خاصة في المجالات العلمية والتطبيقية، ولا يهتم بمستويات الجودة والابتكار والتطوير في جامعاته ومراكز البحوث المتوفرة لديه، ولا يهتم بمجالات نشر البحوث العلمية والانفتاح على مراكزها في الخارج، هو مجتمع يصعب الحديث فيه عن البحوث العلمية، القادرة على الإسهام بدور مؤثر في التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيه او في حل مشكلات مهمة، او فتح آفاق جديدة في هذا الجانب او ذاك، لأن البحث العلمي في اي مجتمع وتطوره، هو أمر لا يحدث فجأة، ولا بمجرد التمني، ولا حتى بتشكيل هياكل او مؤسسات علمية مختلفة، لأنه يتطلب بالضرورة غرس ثقافة البحث العلمي لدى الابناء والطلاب في مراحل التعليم المختلفة، وفرز النابهين والمتميزين في مجالات محددة تؤهلهم لها مهاراتهم وقدراتهم الذاتية والعلمية، وتوجيههم للدراسة والبحث في مراكز علمية متطورة، داخل الدولة وخارجها عند الضرورة، والانفاق على بحوثهم ورعايتهم اقتصاديا واجتماعيا وعلميا ايضا، وتيسير المراجع والمعامل والمختبرات العلمية اللازمة لإجراء تجاربهم وبحوثهم العلمية، وبالطبع تكوين وإعداد الكوادر العلمية المؤهلة جيدا لشغل الوظائف والمراكز المؤثرة في المؤسسات والهيئات والمراكز العلمية، ليكون هؤلاء عناصر دفع ايجابية للباحثين والخبراء والعلماء والطلاب في مراحل الماجستير والدكتوراة، والأخذ بيدهم للوصول إلى ما يفيد العلم والبحث العلمي في المجالات التي يعملون فيها، وليس كما يحدث أحيانا من اثارة المشكلات او التعقيدات او العقبات امام الباحثين لأسباب لا تمت بصلة لا إلى البحث العلمي، ولا حتى إلى العلاقات الطبيعية بين اشخاص على مستوى رفيع من العلم والثقافة .

على اية حال فانه يمكن القول بأن السلطنة الآن، وبعد سبعة واربعين عاما من انطلاق مسيرة النهضة المباركة، باتت تمتلك الآن، بل ومنذ سنوات منظومة متكاملة، إلى حد غير قليل من المؤسسات التعليمية والاكاديمية والبحثية، والاكثر من ذلك توفر اعداد تتزايد عاما بعد عام، من الباحثين والنابهين والعلماء الذين اثبت بعضهم تفوقه على مستويات اقليمية ودولية، وفي بحوث تجريبية ايضا، فضلا عن استمرار الجهد الحكومي، وبتشجيع مباشر وقوي ومتواصل من جانب حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- لأبنائنا وبناتنا على التفوق والابتعاث للدراسة في الخارج في مجالات متطورة ومختارة، تفيد احتياجات التنمية الوطنية في السنوات القادمة، إلى جانب دعم جلالته للبحوث الاستراتيجية، في إطار مجلس البحث العلمي والمراكز البحثية التابعة لجامعة السلطان قابوس، هذا فضلا عن إنشاء مجلس البحث العلمي منذ عام 2005، اي قبل اثني عشر عاما ليقوم بدور اساسي ومحوري في مجال تشجيع ودعم البحث العلمي في السلطنة وبلورة استراتيجية وطنية في هذا المجال بالغ الأهمية، وشديد الصلة بتقدم ورفاهية المجتمع وحل اية مشكلات قد تعترض هذا القطاع او ذاك من قطاعات الاقتصاد الوطني .

ومع الوضع في الاعتبار ان وقتا يمر بالضرورة، حتى تتحقق درجة كبيرة، من التواصل والاهتمام المتبادل والقدرة على التواؤم والتنسيق، تتعمق شيئا فشيئا، بين مراكز البحث العلمي وبين مجلس البحث العلمي من جانب، وبين قطاعات التنمية المختلفة، وفي مقدمتها الصناعات والخدمات وتقنية المعلومات وغيرها من القطاعات المعنية من جانب آخر، وهو ما يواكبه بالضرورة تطور ونمو قطاع الصناعات المهنية والحرفية والصناعات الصغيرة والمتوسطة ومراكز التدريب والكليات التقنية القادرة على تخريج كوادر تدرك اهمية وقيمة العمل المهني، وتحويل النتائج العلمية إلى منتجات عملية مفيدة، او الاستفادة منها في تطوير اجهزة او معدات قائمة، او ايجاد ادوات جديدة مفيدة في هذا المجال او ذاك، وهو ما يحتاج بالضرورة إلى غرس وتنمية ثقافة البحث العلمي والابتكار والإبداع، وتشجيع أبنائنا وبناتنا، منذ مراحل التعليم الاولى، على التعبير عن انفسهم وتجربة تحويل افكارهم إلى مشروعات عملية، والمؤكد ان ذلك يتطلب بالضرورة توفر ورش ومعامل ومختبرات علمية متاحة ومتوفرة امامهم، سواء في اطار المديريات التعليمية بالمحافظات على الأقل، وفي اطار واحة المعرفة مسقط، او في نطاق المصانع المهتمة بتطوير منتجاتها، او في اطار مراكز البحث العلمي التابعة لجامعة السلطان قابوس، او في اطار مجمعات علمية، يمكن ان يشرف عليها مجلس البحث العلمي بشكل او بآخر من اجل ان تعنى بأفكار أبنائنا وبناتنا في مراحل الدراسة الجامعية والدراسات العليا، وتعمل على تحويلها إلى مشروعات عملية مفيدة، والإنفاق على ذلك، لأن ابناءنا وبناتنا لن يتمكنوا ان يحولوا أفكارهم الابداعية إلى مشروعات عملية، لأن ذلك يتجاوز إمكاناتهم المادية بالتأكيد. وهنا تحديدا فإن دورا مهما وضروريا لا بد للقطاع الخاص ان يقوم به، سواء في العناية بالبحوث العلمية ذات الصلة بمجالات نشاطه المختلفة، وبما يحقق مزيدا من الجودة العالية والتطوير والابتكار، او في مجال دعم مراكز البحوث وتبني مشروعات بحثية مفيدة بالنسبة له والإنفاق عليها حتى تحقق النتائج المرجوة منها، مع التعاون بالطبع مع منظمات المجتمع المدني المعنية بذلك، والتنسيق ايضا مع الجهات الحكومية والجامعية والمراكز البحثية لتحقيق ما يفيد المجتمع والاقتصاد الوطني .

وفي هذا الاطار، وفي حين تسعى حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- إلى التحول نحو الحكومة الذكية، وتشجيع بناء اقتصاد المعرفة، ونقل وتوطين التكنولوجيا، والاستفادة بتطبيقاتها في مختلف القطاعات، وإنشاء البنية الأساسية اللازمة لذلك، سواء على مستوى الجامعات ومراكز البحث العلمي، او على مستوى الجهاز الإداري وقطاعات الاقتصاد الوطني، فانه يمكن الإشارة إلى عدد من الخطوات الطيبة، التي تكتسب أهميتها من انها تتم في عدة اتجاهات، وعلى مستويات مختلفة، وعلى نحو يتكامل ليعود بالفائدة والخير على المجتمع والاقتصاد العماني، في حاضره ومستقبله، وبما يحقق استفادة متزايدة ومتواصلة من نتائج البحوث العلمية، ولعل من ابرز هذه الخطوات ما يلي : * انه في الوقت الذي يقوم فيه مجلس البحث العلمي ووزارة التعليم العالي وجامعة السلطان قابوس بتشجيع البعثات الخارجية والداخلية، في مجالات استراتيجية وذات أولوية للتنمية الوطنية، فان مجلس البحث العلمي انشأ النظام الوطني لنقل التكنولوجيا في السلطنة بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا- الاسكوا- والذي يضم مكاتب لنقل التكنولوجيا في مؤسسات التعليم العالي والمؤسسات الصناعية ذات العلاقة والمؤسسات الحكومية، وقد أشار مدير دائرة المراكز البحثية بمجلس البحث العلمي الدكتور علي بن راشد الشيذاني إلى اهمية «صناديق دعم الابتكار والاستثمار التي تشكل حاضنات للأعمال، فضلا عن وجود استراتيجية وطنية للابتكار» كجناح لاستراتيجية البحث العلمي التي يتم التعويل عليها كثيرا في هذا المجال. ومن شأن تشجيع التنافس بين الباحثين والنابهين والعلماء، عبر القنوات والجوائز المتاحة، ان يثمر عن نتائج ملموسة على الصعيد التطبيقي الملموس، وليس النظري فقط.

* إنه في الوقت الذي توجد فيه عشرة مراكز علمية في جامعة السلطان قابوس، تحظى بدعم من المقام السامي، فإن إنشاء الجامعة مركزين آخرين هما مركز أبحاث الطاقة المستدامة، ومركز أبحاث تقنية النانو من شأنه تعزيز اتجاه السلطنة لتشجيع البحث العلمي، في قطاعات على جانب كبير من الأهمية للتنمية الوطنية، خاصة في مجالات الطاقة المتجددة، التي تتجه السلطنة إلى زيادة إسهامها في خريطة الطاقة الوطنية بشكل متزايد خلال السنوات القادمة، وقد بدأت بالفعل بعض المشروعات في هذا المجال في محافظة ظفار على سبيل المثال . وقد أشار مدير مركز أبحاث الطاقة المستدامة الدكتور عامر بن سيف الهنائي إلى ان المركز «سيقدم توصيات واستشارات إلى مختلف الجهات والمؤسسات بالسلطنة سواء الجهات الحكومية او القطاع الخاص» واعرب عن أمله في ان يتحول المركز إلى « مركز وطني يوحد كل الجهود في السلطنة في مجال الطاقة المستدامة لتكون تحت مظلة واحدة اسوة بالمراكز البحثية الوطنية بدول العالم».

من جانب آخر وفي اطار تعزيز ثقافة البحث العلمي لدى الطلاب وحفز قدراتهم، وإظهار جانب من قدراتهم الأكاديمية والبحثية والابتكارية، تستعد جامعة السلطان قابوس لعقد المؤتمر الطلابي الأول للبحث العلمي في ابريل القادم وهو المؤتمر الاول من نوعه لطلاب البكالوريوس والدراسات العليا بكليات الجامعة وبشروط محددة ومعلنة ايضا، وهو ما يساعد في فرز وإظهار باحثين نابهين لرعايتهم والأخذ بيدهم ودفعهم إلى الامام لتحقيق ما يعود بالخير على المجتمع والتنمية الوطنية.

* على صعيد آخر وعلى علاقة مباشرة بغرس وتنمية ثقافة البحث العلمي لدى أبنائنا وبناتنا في مراحل التعليم العام فانه في الوقت الذي تزداد فيه اهمية وضرورة تطوير مناهج التعليم وأساليب التدريس وقدرات المعلمين، للأخذ بيد الطلاب وتشجيعهم على أساليب البحث العلمي، تستعد وزارة التربية والتعليم لتنظيم « مهرجان عمان للعلوم 2017 » وهو المهرجان الاول الذي تنظمه مديريات التربية والتعليم في المحافظات يومي 24 و25 اكتوبر الجاري، ثم تنظمه الوزارة في مركز عمان للمؤتمرات والمعارض في الفترة بين 26 و28 اكتوبر الجاري، ويضم نحو 300 فعالية في مجالات التكنولوجيا والابتكار والرياضيات والهندسة والروبوت والعلوم والابتكارات الطلابية، ومن بين أهدافه الأساسية إبراز أهمية وضرورة غرس وتعميق ثقافة البحث العلمي لدى أبنائنا وبناتنا في سن مبكرة وتشجيعهم على الابتكار وترسيخ الإيمان بأن العلم هو طريق التقدم والتطور والارتقاء للفرد والمجتمع أيضا.

ومن المؤكد ان دعم وتشجيع هذه الخطوات وغيرها، يعد أمرا ضروريا، ومهمة تقع بالأساس على عاتق مجلس البحث العلمي، خاصة على صعيد تحقيق التنسيق والتكامل بين كل الجهود المبذولة وتيسير الاستفادة منها لخدمة المجتمع والاقتصاد والتنمية الوطنية في الحاضر والمستقبل، والمجلس قادر بإمكاناته وموارده على القيام بذلك.