1132477
1132477
تقارير

الموصل بعد الحرب على «داعش»

12 أكتوبر 2017
12 أكتوبر 2017

الموصل-(العراق) -(د ب أ):لا يزال خالد الجبوري قادرا على تذكر كيف كان شكل هذه الساحة. هناك أعلى كان تجار الخضروات، وإلى جانبهم كانت هناك مطاعم ومقهى، كانت الحياة نابضة.

«كان المكان هنا مزدحما دائما، إنه مركز الموصل» حسب الرجل ذي الشعر الرمادي والصوت الذي أصبح مبحوحا بسبب السجائر.لقد نشأ هنا، لقد لعب هنا، كان يعرف كل زاوية، كان باب الطوب، اسم هذا الميدان، هو وطنه.

ينظر خالد الآن إلى بيوت دمرتها القنابل، بيوت تشبه هياكل عظمية مشوهة، على جبال من الحطام والأحجار، متربة، رمادية وخاوية.

لا يزال خالد مصابا بالوجوم «فمن الصعب جدا الاعتقاد بأن كل هذا حدث» حسبما قال خالد بصوت مبحوح، عندما واصل السير بسيارته عبر أكوام الحطام في الموصل حيث يعمل مديرا لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية.

كانت مدينة الموصل المليونية، شمالي العراق،على مدى 3 أعوام مركزا لتنظيم «داعش»، ومنها انطلق المتشددون في صيف عام 2014 للسيطرة على أجزاء واسعة من العراق.

هنا ظهر زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي علنا في المسجد الكبير للمرة الأولى والوحيدة للإعلان عن «الخلافة الإسلامية». عندما بدأت حملة قوات الأمن العراقية لتحرير الموصل قبل عام في 16 أكتوبر كان الكثيرون يعلمون أن الحرب يمكن أن تكون أطول وأشرس.

كان معهم حق «لقد كانت هذه المعركة منذ معركة ستالينجراد هي أسوأ معركة تتم في مركز مأهول» حسبما قال عامل إغاثة دولي فضل عدم ذكر اسمه.

كانت المعارك أشد عنفا بشكل خاص في الجزء الغربي من نهر دجلة وهو الجزء، الذي طالته قذائف المدفعية والقنابل بشكل أكثر شراسة.

تمر الشوارع وسط منازل تحولت لأنقاض وعلا فيها الركام، ودمرت فيها طلقات الرصاص زجاج النوافذ وأصبحت جدران المنازل بها شقوق هائلة، وفقدت بعض المباني الأسوار الحاملة لها ومالت كالميت.

أيضا بعد ثلاثة أشهر من النصر على تنظيم «داعش» في الموصل، لا تزال قوات أمن عراقية تطوق المدينة القديمة في الحي الغربي من الموصل حيث تحصن المتشددون حتى النهاية.واختفت تحت الأنقاض مفخخات لا حصر لها وضعها مقاتلو تنظيم الدولة هناك. هناك في الطريق إلى المسجد الكبير، سيارات خاصة وسيارات نقل صغيرة مكومة في حفرة تظهر عليها آثار قذف الغارات الجوية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن منظر البيوت المدمرة والسيارات، التي تحولت لأنقاض، هو فقط الذي يخيف، حيث حول أتون الحرب المدينة القديمة إلى حي أشباح، خاوية من البشر، من الخضرة، من الحياة، من الأمل.

ويخيم على الشوارع سكون مزعج، إنه هدوء مخيف عقب العاصفة.هذه أسرة من أب و أم و ابن صغير تسير وحدها في أحد هذه الشوارع.

كانت هذه الأسرة تسكن هناك أعلى في أحد بيوت الأنقاض الواضعة على الناصية حسبما أوضح جاسم -رب الأسرة- ذو الشعر الأبيض والقسمات العميقة في الوجه، البالغ من العمر 47 عاما، مضيفا: «ليس لنا مكان آخر، إلى أين نذهب؟» بينما تعود الحياة لشرق الموصل ببطء، فإن غربها يشبه مدينة ميتة بدون كهرباء أو ماء.

يقول موظف الإغاثة الدولي إنه ليس هناك أمل للمدينة القديمة لأن المعارك والغارات الجوية دمرت المنطقة جدا، «فلم يعد من الممكن إصلاحها، لابد من بنائها من جديد من الأساس، على الحكومة الجديدة أن تتخذ قرارا». يعتقد القائمون على برنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP أن الأحياء الـ15 غرب المدينة، تلك الأحياء التي كانت وطنا لنحو 250 ألف شخصا، قد دمرت بالكامل. وقال المسؤولون عن البرنامج إن هناك حاجة لنحو مليار يورو فقط لإصلاح البنية التحتية الحيوية في الموصل.

وسيركز برنامج UNDP لإعادة الإعمار، أحد أكبر البرامج في التاريخ، أولا على تشغيل محطات الكهرباء والمياه والمستشفيات والمدارس وكذلك الشوارع.ولتوفير عمل للناس هناك، فإن البرنامج يعطي رواتب لمنظفي الشوارع .

وتعتبر ألمانيا ثاني أكبر دولة مانحة في البرنامج بعد الولايات المتحدة، حيث تنفق وزارة التعاون الدولي والتنمية على مشاريع، من بينها إنشاء شبكة لمياه الشرب وإعادة إعمار الجامعة. ورغم المساعدة فربما استغرق الأمر سنوات، إذا لم يكن عقودا، حتى تعود الحياة للكثير من أحياء غرب الموصل.

ويبدو العمل في المستشفى العام هناك أيضا وكأنه حرب يومية على البقاء.

ما الذي ينقص هناك؟ اضطر مدير المستشفى حسن إبراهيم 60/‏‏ عاما/‏‏ للتفكير قبل الإجابة على السؤال ثم قال: «لا أعرف من أين أبدأ». قال المدير إنه ليس لديه ميزانية خاصة بالمستشفى بل يعتمد على مانحين من الخارج وإن قطر تبرعت بمال للمستشفى، وكذلك ألمانيا.

ولكن هناك نقص حاد في الأدوية لرعاية مئات المرضى الذين يأتون يوميا للمستشفى، حسبما أوضح الطبيب العراقي.لا يستطيع الأطباء استخدام سوى الطابق الأرضي وتحت الأرضي من المستشفى، حسبما أشار المدير، الذي أوضح أن الطوابق العليا من المستشفى دمرتها الحرب وأن جدران المستشفى أصبحت سوداء وأدت القذائف المدفعية إلى إحداث شروخ في سطح المستشفى، ولم يعد مصعده يعمل منذ فترة طويلة.ولكن كل ذلك لا يتجاوز الأضرار المادية، حيث إن أرواح البشر الجريحة ربما كانت أكثر إيلاما.

يقول حسن إبراهيم إن تنظيم الدولة قتل شقيقه و ابن أخيه.أما هو نفسه فقد استدعاه التنظيم أمام المحكمة اربع مرات بتهمة نشر اتهامات «سخيفة» مضيفا: «ظننت في المرة الأخيرة أنهم سيقتلونني». قال ذلك همسا حيث لم ينقشع الخوف بعد.