1116806
1116806
آخر الأخبار

لطفي بو شناق: «الغناء إما صوفي أو لا يكون» ومحمد ثروت: «يكفينا شعارات»

24 سبتمبر 2017
24 سبتمبر 2017

مسقط/٢٤سبتمبر ٢٠١٧/ متابعة- عاصم الشيدي: حلق حضور دار الأوبرا السلطانية مساء أمس الأول في سماوات صوفية بأجنحة نورانية مع الكلمات التي صنعت لنفسها إيقاعها الخاص واخترقت الحجب وحلّت في الملكوت الأعلى من القلب والروح عندما أحيا كل من الفنان التونسي لطفي بو شناق والفنان المصري محمد ثروت ليلة ابتهالات صوفية تنوعت مشاربها واختلفت إيقاعاتها ولكن بقيت روعتها عصية على الوصف.

حضر أبو مسلم البهلاني وحضر شيوخ الكلمة الصوفية وأقطابها من تكاياهم عبر نصوصهم الشعرية أو عبر أرواحهم التي بقيت تحلق بين الحضور، فكان أن صادف الحضور ابن عربي وابن الفارض وسيدي أحمد البدوي والنقشبندي وغيرهم من كبار المتصوفة. ومع قوة الكلمة وفلسفة المعنى كان الصفاء يعم المشهد وتنجلي الهموم مع صعود الابتهالات عاليا إلى السماء ابتهالا للمولى جل في علاه وفق إيقاع متناغم بين الصوت والآلة أو بين الصوت ونغم الكلمة وإيقاعها الداخلي الساحر.

وكان الفنانان قد عقدا جلسة حوارية مع الصحفيين ضمن برنامج «قهوة وتمر» الذي تنظمه دار الأوبرا السلطانية قبل يوم من بدء حفلاتها الأساسية.

وامتد اللقاء أكثر من ساعة عرف فيها الفنانان كيف يتخلصا من أسئلة مدير الجلسة الدكتور عصام الملاح «العميقة» ويذهبا إلى المساحات التي أراداها لمخاطبة الحضور بطريقتهم الخاصة، سواء من خلال استحضار العبارات «الشعارية» والخطاب القومي أو من خلال توسل الذكريات والتاريخ. لكن بقيت روعة الفنان على خشبة المسرح لا على طاولة المساءلة الصحفية.

لطفي بو شناق وضع محددا أساسيا منذ البدء لرؤيته الغنائية عندما سأله الملاح عن فكرة الالتزام بالغناء الصوفي فقال بشكل واضح وكرر عبارته أكثر من مرة «الغناء عندي إمّا أن يكون صوفيا أو لا يكون». مشيرا عندما تريد أن توصل الرسالة التي تريدها، لا بد أن تخرج تلك الرسالة من روحك، وعندما تريد أن تغني للوطن أو تغني للحب لا بد أن تخرج غناءك من روحك وهذا يتطلب أن ترقى درجة ثانية. والغناء الصوفي الذي هو في الحب الإلهي هو غناء للحب أيضا ولكن عند مستوى أكبر من المستويات العادية.

ورأى بو شناق أن الفنان أو أي إنسان حتى يرقى للدرجة الثانية فإنه يحتاج إلى روحانيات، يحتاج إلى صعود عال وإخلاص.. حتى الغناء للحرية وللديمقراطية والتسامح والسلام كل هذا يحتاج إلى روحانيات ويحتاج إلى صعود للدرجة الثانية.

ثم قال بو شناق: أتمنى أن لا يفهم كلامي على اعتبار أنه تنظير، أنا أسعى، بإذن الله، وأعمل جاهدا لأكون في هذا المستوى في كل الأنماط الغنائية التي أكون فيها، والتي تعاملت معها خلال مسيرتي الفنية التي تمتد الآن إلى أكثر من 35 سنة، وأتمنى أن أكون صادقا، وسأبقى صادقا لأنني عندما أشعر أن عليّ أن أقول كلمة أقولها، وقلتها في كل وقت، وأقوم بالدور الذي عليّ كفنان. وعندما أنظر لنفسي في المرآة لا أخجل منها، لأنني قلت ما كان عليّ قوله.

وعلق الدكتور عصام الملاح على بو شناق قبل أن ينقل الحديث إلى محمد ثروت بالقول: لطفي بو شناق وضع الصوفية معيارا للجودة، فالجودة عنده لا بد أن ترتبط بالصوفية، وأضاف الملاح أنه قصد عندما افتتح الحديث أن هناك فنانين يلتزمون بالجودة ولكنهم لا يقتربون من الغناء الديني «الصوفي»، لكن يبقى فنهم فنا جيدا وعميقا.

وهنا رد بو شناق وكان رده بعيدا عن تعليق الملاح: أنا عملت لأبي مسلم البهلاني، الشاعر الصوفي الكبير،600 بيت شعري في أسماء الله الحسنى، والبهلاني شاعر كبير والعالم العربي لا يكاد يعرفه، وأنا اشتغل في شعره من أجل أن يعرفه العالم العربي فهو شاعر كبير ولا بدّ لأعماله أن تنتشر ليعرفها العالم العربي.

أما محمد ثروت فتحدث عن مشواره في الغناء الديني في مستهل إجابته عن فكرة ارتباط الجودة لديهم بالغناء الديني وعاد من أجل ذلك إلى طفولته يوم كان عمره 6 سنوات فقط. وعاد بالتحديد إلى مدينته طنطا التي كانت تعج بالأصوات، أصوات المنشدين وأصوات المغنيين وأصوات مقرئ القرآن الكريم.

تذكر أصوات مثل أصوات الشيخ عبده الحمولي أو محمد صوفي أو عفاف راضي، والشيخ النقشبندي والشيخ الحصري والشيخ مصطفى إسماعيل، وهناك في طنطا أيضا كان هناك حضور كبير لصوت سيدي أحمد البدوي.

وفي سن السادسة اصطحبني جدي لأمي، والحديث لمحمد ثروت، للحضرة ، والحضرة، كما يتحدث عنها محمد ثروت، عبارة عن قراءة القرآن وقراءة أوراد وأذكار ومدائح نبوية يقرأها النقشبندي وعمي الشيخ إسماعيل وهكذا تشكلت في هذه المساحات وبين هذه الأصوات التي تأت من كل مكان.

ثم ذهبت للتلفزيون والتحقت ببرنامج للأطفال كانت تقدمه في ذلك الوقت «ماما سميحة» وبقيت هناك سنتين، لكن أبي قلق أن يؤثر ذلك على دراستي.

ووصل الفنان محمد ثروت ليقول الأغنية الدينية معي بدأت بالتحديد عندما منعني والدي من الغناء للأطفال في برامج التلفزيون، ولم يكن حينها أمامي إلا مولد سيدي أحمد البدوي، وهذا المولد مدرسة كبيرة تجد فيها كافة أنواع الغناء سواء الصوفي منه أو المدائح ولا يوجد مطرب في مصر إلا ومر على هذا المولد. وفي هذا المولد تعلمت أشياء كثيرة لا يمكن أن أتعلمها إلا فيه مثل الارتجال والغناء اللحظي.

وردا على عبارة لطفي بو شناق من أن الغناء «أم أن يكون صوفيا أو لا يكون» يقول محمد ثروت: الغناء هو الحب، والحب لله أيا كان هذا الغناء، ففي النهاية إن لم يكن به حب سواء كان غناء عاطفيا أم غناء أطفال أو غناء ديني أو وطني أما الغناء الديني فقد جُبل عليه الإنسان حيث وجد نفسه يعبر عن ذلك عبر عدة طرق.

وحول أسرار البقاء والتألق في الغناء الصوفي يقول الفنان لطفي بو شناق: كل شيء من عند الله، الصوت من عند الله والذاكرة من عند الله وأنا أدين بكل شيء لله. والسؤال هو كيف أوظف كل ما أعطاني ومنحني إياه ربي.

ثم قال بو شناق: هناك أناس تلهث وراء الشهرة ويبحثون عن موقع لهم في الساحة وهناك من يبحث له في هذه الساحة عن بصمة، وعمل يذكره التاريخ له. وأضاف: أنا لا أبحث عن موقع بقدر ما أبحث عن بصمة تبقى لي في هذا التاريخ، وفني هو قناعاتي الشخصية التي أؤمن بها تماما. ودعا بو شناق لأن يبحث الفنان عن بصمته في الحياة أو ما يضيفه لهذه المساحة الزمانية والمكانية التي يعيش فيها لا أن يقضي زمانه في البحث عن مجرد شهرة زائفة.

ثم غير بو شناق سياق الحديث ليقول: ما تعيشه الأمة العربية اليوم هو أكثر فترة حالكة في تاريخها وأسوأ فترة عرفتها هذه الأمة ويتحمل الفنان من هذا الوضع 70%، وبكثير من الأسف قال بو شناق: مع الأسف الشديد فإن الفنان العربي لم يتخطَ حاجز الكلام عن الحب، وما نراه اليوم في وسائل الإعلام من فيديو كليبات، «وحبني وأحبك» كلها لا تغني ولا تسمن من جوع. واستدرك بو شناق بالقول: صحيح أن الحب هو سر الحياة ولسنا ضد الحب ولكن ليس الحديث عن الحب هو كل شيء، هناك مواضيع كثيرة تهمنا لتوحيد صفوفنا ولنشر التسامح في هذه الأمة ومواضيع كثيرة أخرى.

صمت بو شناق قليلا قبل أن يقول: نغني الديني ولكن هناك أيضا قضايا مصيرية أمامنا لا بد أن نعرف فيها موقف الفنان.. ما هو موقفك؟ حتى يكون الفنان صادقا فلا بد أن يمثل عصره ويكون مرآة له. لا يكون هو في واد وعصره ومجتمعه في واد آخر.. بل عليه أن يعكس كل ذلك في مرآة فنه، فكل الساسة سيذهبون وينتهون ولكن سيبقى الفن وعندما تدرس تلك الفترة الزمنية سيكون الفن معبرا عن تفاصيلها وعن همومها وعن مشاكلها.

ثم تحدث بو شناق عن الثقافة معتبرا أنها هي الحل لكل ما نعيشه.. «الثقافة هي الحل» الثقافة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، مشيدا بتبني السلطنة افتتاح ورعاية دارا مثل دار الأوبرا والتي تعبر عن رؤية السلطنة لدور الثقافة ولدور الفنون في بناء حضارات الأمم. داعيا في الوقت نفسه لضرورة الاهتمام بالنشء منذ نعومة أظفارهم لتربيتهم على القيم وعلى الأصالة وحثهم على ترك بصمة في هذه الحياة، وهذا يستدعي قراءة واعية للتاريخ والانفتاح على الآخر.

أما محمد ثروت فقد رد على عبارة بو شناق «الثقافة هي الحل» بعبارة «الإنسان ابن مناخه» فقبل أن تخترع وسائل الإعلام الحديثة كان الإنسان ينقل ثقافته عبر الغناء الشعبي وعبر الحكايات وعبر المواويل والأقصوصات كل ذلك تحول اليوم إلى تراث أمة. مسؤوليتنا تتحدد وفق الفترة التي نعيشها.. والمهم إنه «كفاية شعارات.. كفاية شعارات». لكن الفنان محمد ثروت طرح تساؤلا حول الجودة.. كان النجاح مقترنا بالجودة، ولكن اليوم الوضع اختلف تماما. هناك أغانٍ «هابطة» لكنها تحقق نجاحا كبيرا، وهناك أفلام سيئة جدا وتحقق نجاحا كبيرا، لم يعد اليوم الأمر بيد المطرب والفنان.. ولم يعد النجاح دليل جودة ولذلك من هو الفنان؟.

لكن بو شناق رد عليه بالقول: أصر أن الأمر في يد الفنان، وأوضّح فكرتي بالقول كيف وصلنا أنا وأنت إلى هنا؟ إلى دار الأوبرا السلطانية التي لا تفرط في الجودة، أليس بسبب أن فننا يمتلك جودة عالية؟ الناس تعرف وتقدر وتقيم، تعرف أين هو الفن الجيد؟ وأين هو الفن غير الجيد؟

ثم شن بو شناق هجوما على الإعلام العربي الذي اعتبره لا يمثل الأمة العربية ولا يمثل طموحاتها ولا تاريخها ولا مستقبلها.. مشيرا إلى أنه لا يكفي أن تبني عمان دارا للأوبرا وتقيم مثل هذه الحفلات الراقية لا بد أن يكون هناك إعلاما مواكبا لطموحات هذه الأمة وأحلامها وزارعا الوعي في نفوس النشء وناقلا لتاريخها. مضيفا: الحروب اليوم تكتسب بالإعلام.. الشباب العربي إذا سألتهم اليوم عن مايكل جاكسون يعرفونه تماما ولكن إذا سألتهم عن سيد درويش سيضحكون لأنهم لا يعرفونه. معتبرا أن الإعلام العربي يسحب الشباب من تاريخهم ومن تراثهم بتأثيره البصري الشديد.

وقال بو شناق إنه لم ينتظر الثورات العربية من أجل أن يغني للحرية والديمقراطية ولذلك لم يتغير لديه شيء بعد مرحلة الثورات العربية وبقيت رسالته كما هي.

وعندما سألناه عن العلاقة التي تجمع بين غنائه الديني وبين عبارة «الغناء إما أن يكون صوفيا أو لا يكون» وبين غنائه السياسي قال: ماذا تقصد بالغناء السياسي؟.. وواصل: الفنان هو شاهد على عصره، أنا لست سياسيا ولكني مطالب أمام الله إذا رأيت خطأ أن أعبر عنه من خلال فني. وفي رده على سؤال هل هناك مساحة جيدة للغناء الديني/‏‏‏‏ الصوفي أمام صنوف الغناء الأخرى؟ قال: الغناء الديني لم يظهر اليوم حتى نسأل عن المساحة التي حصل عليها وإنما كان موجودا من قبل!!

أما محمد ثروت فقال ردا على سؤال العلاقة بين الغناء الديني والغناء السياسي: لا يوجد شيء اسمه سياسة الاقتصاد هو الذي يقود كل شيء.