أفكار وآراء

الروهينجا... إشكالية التمييز !

23 سبتمبر 2017
23 سبتمبر 2017

إميل أمين/ كاتب مصري -

[email protected] -

مع نهاية زمن الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي ساد نوع من الأمل لدى شعوب العالم بأن عصر العولمة، لاسيما بعد سقوط الجدار أو الستار الحديدي، بين دول أوروبا الشرقية ودول أوروبا الغربية، قد حان أوانه، وأنه الوقت الذي تختفي فيه من على الساحة الأممية ملامح العنصرية والقومية، عطفا على الشعوبيات والشوفينيات، وفي هذا السياق كان لا بد للإشكالية العرقية أن تتوارى بعيدا، وأن تحل محلها علاقة متوازنة داخل الأوطان قائمة على فكرة المواطنة، وبعيدا عن التمايز الطبقي والطائفي.

لكن الرياح وكما رأينا في العقدين المنصرمين جاءت بما لم تكن تشتهيه السفن، وقد فسر البعض مثل الراحل الكبير الدكتور بطرس غالي، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة تنامي الأصوليات في الشرق، وظهور حركات القومية واليمين المتطرف في الغرب، بانه رد فعلى طبيعي على مظاهر وظواهر العولمة، بمعنى الخوف من الآخر، هو الذي دفع البعض للرجوع إلى زمن السلف، وآخرين إلى العودة للتنقيب في الشؤون والشجون القومية.

يعني لنا أن نتساءل: ما هو مصدر الصراعات العرقية في حقيقة الأمر؟ يقدم لنا البروفيسور «إيان لوو» الباحث في الدراسات العرقية والعنصرية، في جامعة ليدز بالمملكة المتحدة ومديره، رؤية حقيق بنا أن نقف أمامها وذلك عبر مؤلفه الفخيم «العنصرية والتعصب العرقى» الصادر عن المركز القومي للترجمة في مصر ومن ترجمة الأستاذ «عاطف معتمد».

عند البروفيسور «لوو» أن إعلان حوار الحضارات ومنع الصراع الصادر عن مؤتمر وزراء الثقافة الأوروبيين عام 2003 قد أكد على أن الأشكال الجديدة من الصراع تزيد صعوبة إقامة حوار بين الحضارات، وأن هذا الأمر تديره مجموعات لها أهداف غير معلنة في إثارة العداء وكراهية الأجانب، والمواجهة بين الجماعات المختلفة، وقد تم التأكيد على أن الإفقار والتهميش من ناحية، والإجحاف والتجاهل من ناحية أخرى، بمثابة الأسباب الرئيسية المسؤولة عن العنف وعن سيادة أنماط معينة من الآخرين، ولذلك فإن الصراع يبدأ بخلاف «حقيقي أو مزيف» يتزايد إلى أن يتحول إلى سلوك عنيف أو ظلم قد يتوج في النهاية بعنف مدمر لا يمكن السيطرة عليه.

من الكلام السابق يستطيع المرء أن يتفهم أن الصراع الاثني هو نتاج لرفض الاعتراف بثقافة الاختلاف والتعدد، وكذا التنوع الحضاري، والانفتاح الديمقراطي في العالم الذي نعيش فيه، وغالبا ما تتمحور أسباب الصراع الاثني والثقافي حول التنازع والسيطرة على الأرض، كما تلعب إشكالية غياب العدالة الاقتصادية دورا بالغا في تحفيز الصراع الاثني، وينتج عن عدم العدالة تلك إحياء المزاعم القديمة، وكذا إيجاد مزاعم حديثة عن التعويضات وإعادة توزيع الثروات.

يعني لنا أن نتساءل: «ما الذي أعاد فتح هذا الملف من جديد»؟

المؤكد أنه لم يغلق أبدا، غير أن تطورات ما يجري لمسلمي الروهينجا في بورما، يبقى الداعي الأهم والأكثر إلحاحا في طرح السؤال مخلصين الطرح والبحث عن الجواب.

لمن لا يعرف بداية تبقى «الروهينجا» أقلية مسلمة آسيوية تعيش في ميانمار (بورما سابقا) ذات الأغلبية البوذية، وجلهم يسكن ولاية «اراكاين» ويبلغ عددهم نحو مليون نسمة تقريبا.

ولعل أصل المشكل هناك هو أن حكومة ميانمار ترفض اعتبارهم مواطنين، رغم وجود جماعات عرقية أخرى في البلاد تتجاوز المائة جماعة، ما يطرح علامة الاستفهام الأكثر «ألما»... «هل يعاقب الروهينجا على أساس انهم مهاجرون غير شرعيين، تعود أصولهم إلى حضارة بنجال الشرقية التي تعرف حاليا ببنجلاديش أم أن الأمر هو اضطهاد ديني بسبب انهم مسلمون؟

هنا أيضا تقول حكومة ميانمار ان الروهينجا ليسوا إلا متسللين جاءوا من بنجلاديش، وعلى هذا الأساس لا حق لهم تملك الأرض، وان أية ممتلكات تخصهم يجب أن تصادر، ما دعا منظمة «هيومن رايتس ووتش» للقطع بأن هناك تمييزا عنصريا يجري ضدهم على أساس العرق والدين معا، الأمر الذي يزيد المعاناة بشكل غير مسبوق.

يتساءل بعض المراقبين للأزمة التي نحن بصددها هل كانت مسيرة ميانمار نحو الديمقراطية والتي بدأت عام 2011 أحد الأسباب التي دعت إلى تصاعد أزمة مسلمي الروهينجا؟

يمكن القطع بأن ذلك كذلك بالفعل، ففي مجتمعات تتعدد فيها الأعراق، وتكثر المذاهب والطوائف، لا يمكن لأي مسيرة ديمقراطية أن تمضى قدما وبشكل جدي وجذري إلى الأمام، ذلك أن الرغبات المكبوتة، حكما ولا بد من أن تطفو على السطح في لحظة ما، سواء أكانت عرقية أم دينية، وهذا ما حدث هنا بالفعل خلال العام 2012 حين وقع بعض مئات من الروهينجا ضحايا لمتطرفين بوذيين، بالإضافة إلى نزوح أكثر من مائتي ألف من منازلهم الى دول مجاورة مثل بنجلاديش، غالبا ما ترفض استقبالهم، ويسقط منهم صرعى في البحار والمياه المئات، أو يقعوا في أيدي المتاجرين بالبشر وبالأعضاء البشرية.

كان للتعاطي العنصري مع مسلمي الروهينجا أن يولد رد فعل طبيعي متسم بالعنف لدى بعض شباب الروهينجا، وقد قام البعض منهم في 2016 ببعض الهجمات على بعض المواقع الحدودية ، وعلى مدى شهرين تقريبا، فشلت المفاوضات بين القوات النظامية المسلحة في ميانمار، وبين الأهالي لتسليم المتمردين، وفي النهاية كانت الطامة الكبرى، عندما شن الجيش البورمي هجوما كبيرا على عدد من قرى الروهينجا بحسب تقرير الأمم المتحدة في فبراير 2017.

هل تحولت المسألة العرقية في ميانمار إلى أزمة حرب أهلية أو شبه أهلية على أقل تقدير في البلاد؟

في تقرير أخير لها حول الأزمة التي نحن بصددها، تقول مجموعة الأزمات الدولية، إن هناك حركة مسلحة تطلق على نفسها «حركة اليقين»، ويترأسها أحدهم المدعو «عطا الله»، وتضم الحركة عدة مئات من الشباب الروهينجا، باتت تشكل ذراعا مسلحا في مواجهة جيش ميانمار، في حين تقول الحكومة الرسمية للبلاد ان عدد أفراد تلك الجماعة يقرر حاليا بنحو 400 مقاتل، وباتت الفكرة انه طالما يقتلوننا ويسلبون منا حقوقنا، فإنه ليس أمامنا من حل سوى العمل المسلح، والعنف كأداة.

يستلفت النظر في أزمة مسلمي الروهينجا أن هناك بعدا ما بعينه يعد مثيرا للتأمل ، بل والقلق، ويتصل بالأصولية في قارة آسيا، لاسيما بعد أن اعتبرت الأصولية طوال العقود الماضية تهمة تطارد المسلمين في شرق الكون وغربه.

حينما تحدث «صموئيل هنتنجتون» عن نظريته الخاصة بصراع الحضارات، رأيناه قسم العالم إلى فسطاطين، إن جاز التعبير، واحد جمع فيه الشرق الأدنى بمسلميه وكونفوشيوسيه، غير أن ما يجرى الآن يفشل النظرية في شقها الآخر، سيما بعد أن علا صوت الأصولية البوذية في السنوات الأخيرة، وباتت تهدد وحدة وسلامة النسيج الاجتماعي للدول القائمة بها ، فالمسلمون والمسيحيون أيضا في بعض الدول الآسيوية يلاقون عنتا واضطهادا واضحين من بعض التيارات البوذية، إلى الحد الذي تحدث معه البعض بالقول إن ما يجري هناك يمكن أن يجر آسيا إلى دوامة من الصراع العرقي المهلك.

تشير الأزمة في ميانمار إلى تشابك وتعقيد غير مسبوق في المشهد بين ما هو سياسي، وما هو عقائدي، أو عرقي، فعلى سبيل المثال العلاقة بين ميانمار والولايات المتحدة، فالسلطة الحالية هناك هي بيد المؤيدين للولايات المتحدة، أي أنها تميل إلى الديمقراطية، وهذا ما شعرت به الروهينجا، لذلك بدأت تناضل من أجل حقوقها، غير أن البعض يأخذ عليهم أن النضال المسلح عبر الهجمات الإرهابية لن يؤدي إلى الحصول على أي حقوق.

هل كانت الأمم المتحدة بعيدة عن الأزمة؟

الأمر على خلاف ذلك فقد زارت لجنة مستقلة برئاسة الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي أنان، واكتشفت أن حقوق الروهينجا تنتهك بفظاعة، وكان الاستنتاج الوحيد الذي خرجت به هو إجبار سلطات ميانمار على منح الروهينجا نفس الحقوق الممنوحة لمواطنيها، ولكن هذا غير ممكن في ظل ظروف ميانمار الحالية، حيث معظم السكان يعدون الروهينجا غرباء. يتساءل المراقبون للمشهد في «ميانمار» ونحن معهم بطبيعة الحال... «كيف يمكن أن تكون على رأس حكومة ميانمار امرأة «أون سان سوتشي» تحمل جائزة نوبل للسلام، والتي تسلمتها عام 1991، وترى وتقبل بتلك الانتهاكات الإنسانية وبعضها يصل إلى درجة جرائم حرب، تحاسب وتحاكم عليه القوى والمحاكم الدولية؟ ربما كان ذلك هو السبب الذي دعا المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) للمطالبة بسحب جائزة نوبل من «سوتشي» سيما وإن ما تقوم به سلطات ميانمار من جرائم بشعة ضد أقلية الروهينجا المسلمة لا يغيب عن رئيسة وزرائها، وهو عمل يتناقص مع أهداف جائزة نوبل ومع القانون الدولي وحقوق الإنسان».

أحسن الأزهر الشريف في القاهرة حين دعا مرصده الخاص بمكافحة التطرف، جميع العقلاء حول العالم للتدخل لحل أزمة مسلمي الروهينجا، وقد كان صاحب رؤية استشرافية، عندما حذر من أن هذه الممارسات التي لا تزال ترتكب ضد المسلمين، ستجعل من أرض أراكين بيئة خصبة للتطرف والإرهاب، وقد تدفع الكثير من أبناء هذه الأقلية المسالمة إلى ممارسه العنف أو الاستقطاب من قبل جماعات الإرهاب الأسود، وهو ما أكده تقرير لجنة وضع الحلول الدائمة للازمة هناك، برئاسة الأمين العام السابق كوفي عنان، فقد ذكرت اللجنة في تقريرها حالة عدم احترام حقوق الإنسان واستمرار تهميش الروهينجا سياسيا واقتصاديا، قد تجعل من ولاية «أراكين» الشمالية أرضا خصبة للتطرف وقد تصبح أكثر عرضه للتجنيد على أيدي المتطرفين.

الحـــــقوق لا تتجزأ والدفاع عن الأقليات مسألة إنسانية وليس فقط دينيــــــة، وصمــــت المجتمع الدولي على ما يجري دليل على حاجة العالم لإيقاظ الضمائر شرقا وغربا وإلا فالأسوأ لم يأت بعد.