أفكار وآراء

تفكك الدولة الوطنية العربية.. أي تأثير على الأمن الإقليمي؟

23 سبتمبر 2017
23 سبتمبر 2017

د. أشرف محمد كشك/ مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة -

مع التسليم بتعدد مصادر تهديد الأمن الإقليمي فإن جلها على الإطلاق هو تفكك الدولة الوطنية الموحدة والذي يعد الهدف الاستراتيجي للجماعات دون الدول ـ سواء الجماعات الإرهابية المسلحة أو التي تعد مكونا من مكونات الدولة ولديها نزعات نحو الانفصال ـ والتي أضحت رقما صعبا في منظومة الأمن الإقليمي وخاصة منذ اختلال تلك المنظومة في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وواقع الأمر أن فكرة الانفصال ليست بالأمر الجديد بل هناك حالات عديدة ليس فقط في الغرب بل في منطقتنا العربية ابتداءً بانفصال إريتريا عن إثيوبيا عام 1993 ومرورا بانفصال دولة جنوب السودان عام 2011 وانتهاءً بإعلان أكراد العراق رغبتهم في الانفصال من خلال تنظيم استفتاء لهذا الغرض في الخامس والعشرين من سبتمبر الجاري.

وبغض النظر عن مدى نجاح تلك الدول من عدمه في أعقاب الانفصال، وبعيداً عن الوقوع في خطأ التعميم إذ تبقى لكل حالة خصوصيتها وظروفها، فإن ما يعنينا هو تأثير التوجهات الانفصالية على معادلة الأمن الإقليمي، إذ أن المشكلة لا تكمن في عدد الدول التي تتألف منها منظومة ذلك الأمن ولكن في طبيعة الدويلات الساعية للانفصال والتي ترتب مخاطر خمسة :

أولها: تأسيس تلك الدويلات على أسس عرقية ودينية وهو أمر يتنافى ليس فقط مع اعتبارات الواقع وإنما مع مفهوم الدولة الوطنية الحديثة التي يتوارى فيها الحديث عن أي انتماءات عرقية أو دينية، بل أن ذلك يعيد إلى الأذهان حرب الثلاثين عاماً في أوروبا (1618-1684) إذ سيكون العامل الديني والعرقي هو المحدد لعلاقة تلك الدويلة سواء مع الدولة الأم أو مع جيرانها من الدول الأخرى، وثانيها: أن نشوء دول صغيرة على أساس عرقي في مناطق تماس تضم دولاً اكبر تحتوي على العرقية ذاتها يعني أن تلك الدولة الأصغر ستكون عرضة للاستقطاب الإقليمي بشكل كبير، وهذا يعني الحد من قراراتها الاستراتيجية، إذ سيكون لكل طرف إقليمي مصالح لا تتفق بالضرورة مع نظيرتها من الأطراف الأخرى، تلك المصالح التي ربما تنعكس في مظاهر عديدة للصراع ، وبالتالي إمكان إحداث ثغرة في العمق الاستراتيجي العربي، فضلا عن إمكانية نشوء صراع حدودي مزمن بين تلك الدولة الأصغر وبين جيرانها على غرار المشكلات الحدودية بين إريتريا وكل من جيبوتي وإثيوبيا. وثالثها: تأثير الوضع الاقتصادي لتلك الدولة الأصغر على محيطها الإقليمي إذ ستكون بين خيارين كلاهما مر سواء أكان لديها موارد اقتصادية هائلة ومن ثم تكون عرضة للضم والإلحاق، أو أن تكون محدودة الموارد بما يجعلها بؤرة جاذبة للجماعات المتطرفة من محيطها الإقليمي لتقدم نموذجاً لمفهوم «الدولة الفاشلة» وهو ما سيكون تحدياً هائلاً للأمن الإقليمي.

ورابعها: أثر العدوى «نظرية الدومينو»، وهو ما يعني بقاء كافة الاحتمالات قائمة بالنسبة للدول التي تضم عرقيات مماثلة للدولة الجديدة إما أن تحذو الحذو ذاته أو تطالب بالانضمام لتلك الدولة الأصغر، الأمر الذي يسهم في تعقيد المشهد الإقليمي برمته بإضافة عناصر جديدة للصراع الذي يتجاوز الخلاف السياسي ذو القابلية للحل إلى خلاف عرقي ديني مما سيكون سببا في مواجهات عسكرية مؤكدة لن تكون الأطراف الإقليمية بمنأى عنها. وخامسها: تكريس الخلل في التوازنات الإقليمية لصالح أطراف غير عربية وهي الظاهرة التي كانت- ولا تزال- تمثل تحدياً للأمن العربي ومنظومة الأمن الإقليمي ككل في ظل سعي الأطراف العمل على نزع الهوية عن المنظومة العربية والترويج لمفاهيم أكثر نطاقاً.

ومع التسليم بأن فكرة تفكك الدول ليست بالأمر الجديد فإن التساؤل المنطقي هل تعد شأنا داخليا بعيدا عن أي مسؤولية إقليمية أو دولية؟

وواقع الأمر أنه هناك مسؤولية إقليمية تقع على عاتق الدول العربية المؤثرة وكذلك المنظمات العربية نحو الحفاظ على وحدة الدول العربية انطلاقاً من أن قوة الأمن القومي العربي تستمد من قوة الوحدات المكونة له ويجب أن تترجم تلك المسؤولية إما في تفعيل آليات الحفاظ على الأمن القومي العربي أو استحداث ما يلزم من آليات لصيانة ذلك الأمن، من ناحية أخرى أتصور أن تلك التوجهات الانفصالية يتعين أن تكون في بؤرة الاهتمام العالمي لسببين أولهما: أنه كان هناك اهتمام أممي مبكر بشأن تعريف الأمن العالمي متمثلاً في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 188 في الدورة 38 لعام 1983 حيث عرف فريق الخبراء الحكوميين الذي شكله الأمين العام للأمم المتحدة ونشر عام 1986 «الأمن الدولي بأنه نتيجة وحاصل أمن كل دولة عضو في المجتمع الدولي»، وثانيهما: أنه في ظل تنامي مخاطر الجماعات الإرهابية وخاصة أيديولوجيتها التي لا تعترف بالحدود الوطنية للدولة فلا مجال للحديث التقليدي عن مستويات 3 للأمن «محلي وإقليمي وعالمي» سوى لأغراض البحث العلمي، فيكفي أن تعلن جماعة إرهابية مسلحة استيلاءها على ممر بحري عالمي وهو مثال تنصهر فيه الحدود الثلاثة للأمن.

وأخيرا وليس آخرا أعتقد أن هناك حاجة ماسة لإيلاء فكرة الدولة الوطنية الموحدة المزيد من الاهتمام ليس فقط على مستوى العمل السياسي بل والأكاديمي أخذاً في الاعتبار أن التحديات الأمنية الراهنة التي تشهدها الدولة الوطنية الموحدة يتجاوز تأثيرها الحدود الوطنية للدولة لتشكل واقعاً إقليمياً بالغ التعقيد سواء من حيث أطرافه أو مسارات وقضايا الصراع المستقبلي بين أطرافه.