randa
randa
أعمدة

عطر : رسائل غامضة

20 سبتمبر 2017
20 سبتمبر 2017

رندة صادق -

[email protected] -

في أدمغتنا كلمات لا نفهمها، ولا نعرف كيف نترجمها، ولا ندرك كيف تصرّ وترغب أن تخرج لتجاهر بأفكارنا وتشي بجنوننا. في أدمغتنا أحلام مؤجلة، ووعود ساقطة والكثير من الفوضى الممزوجة بنوايا التنظيم. الألوان، الأسماء، الوجوه، الزمان، المكان، وأمور أخرى كثيرة تلتف حولنا أو تنبع منا. نمر بمراحل منها نمونا، صخبنا، وخوفنا، وأطماعنا، وطيبتنا التي لا يغادرها الشر أحيانا، ويقضي عليها في أحيان أخرى، نحن الكائنات الملتبسة التي ترتجف من فكرة الفراغ الكوني، فنحن ذرة سابحة في عالم لا يدرك أحد حقا بدايته، ولا يمكن لأحدٍ أن يجزم بنهايته.

في حقيقة الأمر لا نعرف من المشوش أكثر أدمغتنا أم محيطنا الخارجي، ولا نستطيع أن نحدد من يؤثر في الآخر عالمنا الداخلي أم عالمنا الخارجي؟ علاقة الإنسان بالطبيعة علاقة تقوم على إشكالية وجودية وعلى انقسامات في فهم الوجود وحركة الكون وسرمدية البقاء أو نهايته المفاجئة، تمامًا كقضية من سبق الآخر البيضة أم الدجاجة؟ التي حيرت الفلاسفة والحكماء، حتى بات البعض يقول ليس المهم من سبق، من المهم أنه وجد.

الإنسان الذي لم يفهم الطبيعة، في البداية خاف منها لدرجة أنه عبدها وأصبح لمظاهرها آلهة مثل آلهة الشمس والقمر والنار وألخ، الأشياء الغامضة بالنسبة له كانت ملجأ له، كان يخشى أن تنقلب عليه الطبيعة فجأة وتدمره أو تشرده، هذه المرحلة من مراحل وجود الإنسان أراد بشدة أن يصنع فيها مجتمعا ثابتا وآمنا، فبناء وأسس المجتمعات وتفاقم خوفه رغم معرفته بكثير من أسرار الطبيعة، استمر يهرب منها بعبادتها، فكلما ضخُمت الأشياء تقزم الإنسان وتعالى الخوف، إلى أن جاء فكر التوحيد وعدم الإشراك بالله الواحد الأحد وهبطت الرسائل السماوية لتعلمنا أننا خلقنا لنعبد الله سبحانه وتعالى وهذا دورنا الأروع.

ومع هذا الإنسان لم يهدأ، بل حاول أن يتوسع فيخضع حينا ويرفض حينا ويستسلم في حين آخر لفكرة الإيمان، وكل ذلك وهو يحبس خوفه وقلقه، ويبحث عن الأمن في مشاعر الإيمان ويلتف حول عقيدته، فالله بات في قلبه ينير دربه، فمن آمن أدرك سر أسرار الوجود ونعم بالسلام الداخلي. ورغم كل شيء بقيت الطبيعة تشكل بالنسبة للإنسان مجالاً حيويا استطاع من خلاله ضمان استمرار حياته، حيث برهن من خلالها على ما لديه من أفكار وقدراتٍ ومواهب ورغبة دائمة في التعلم والاكتشاف، الإنسان هو الكائن الفاعل أما الطبيعة تشكل مجالاً لفعله، وعن طريق هذا التفاعل المتبادل سعى الإنسان إلى استغلال موجودات الطبيعة ليحولها إلى نتاج يعتمد عليه لاستمرار عجلة الحياة. هذا كله لم يوقف تلك الرسائل في داخله التي لا يعرف إلى من يرسلها أو كيف يوقف سيل تدفقها في عوالمه؟

فإن كانت حياة الإنسان مجموعة من التساؤلات، هي أيضا مجموعة من الرسائل على المتنورين أن يلتقطوها ويفكوا شفرتها ليتحرروا من الخوف والغموض معا، ويعرفوا إلى من يرسلوها دون أن يصيبهم الضلال أو يشوه قدرتهم على استقبال الطاقة الإيجابية في محيطهم. بين الحب والكره والخوف والشجاعة، بين سلسلة من التناقضات وغربة عن الذات، وعمر له بداية ونهاية، المطلوب منا أن نعيش الحياة ونتعامل مع الطبيعة بوعي فلسفي وفكري وعلمي وعاطفي وديني متوازن، أي أن نتمكن من الإمساك بالعصا من وسطها، لنعبر مسرح الغموض مسرح الحياة وملهاة التناقضات، وهذا ليس بالأمر السهل أن نفكر بالضوء حين تعم العتمة ويزحف الجليد ليستوطن نبضنا ويبطئ حركتنا، خاصة أن الرسائل التي نلتقطها من هنا وهناك رسائل أكثر ضبابية وغرابة.