الملف السياسي

بلاد العرب أوطاني

18 سبتمبر 2017
18 سبتمبر 2017

د.محمد رياض حمزة -

عندما تشرق الشمس على جبهة «مسقط» أول عاصمة عربية في شرق الوطن العربي فإنها ستشرق بعد خمس ساعات على «نواكشوط موريتانيا» أقصى عاصمة عربية في غرب الوطن العربي. تلك هي الرقعة الجغرافية التي تمتد من بحر عمان والخليج العربي شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا.

وتاريخيا فإنه بين نوفمبر من عام 1915 ومايو من عام 1916 بمفاوضات سرية بين الدبلوماسي الفرنسي «فرانسوا جورج بيكو» والبريطاني «مارك سايكس»، وكانت على صورة تبادل وثائق تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك. (مارتن سبكر، الشرق الأوسط في القرن العشرين ــ 2001) ولقد تم الكشف عن الاتفاق على تقسيم الوطن العربي إلى دول بالتفاهم مع قوى محلية متنفذة آنذاك ..... وبعد قرن من الزمن أصبح الأمر واقعا والدول العربية اليوم 22 دولة منتظمة تحت مظلة «جامعة الدول العربية». وحسب منظمة «الأسيسكو» فإن مساحة الوطن العربي 13 مليونا و333 ألفا و296 كيلومترا مربعا. وإن عدد نفوسه 400 مليون و700 ألف نسمة «توقعات 2012»؛ لذا ولأهمية الوطن العربي حاضرا وتأريخا أسهم في صنع الحضارة الإنسانية فأخذ مسمى (The Arab World) بعدد من اللغات الأجنبية.

قبل تقسيم الوطن العربي عام 1916 كان المواطن العربي يتمثل قول عز من قائل وما ورد في سورة «الملك»، الآية 15، في القرآن المجيد «هوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» فيمكن أن تجد اليوم في المغرب العربي مواطنين من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا ينتمون إلى قبائل المشرق العربي. ومن مصر وإلى كل دول المشرق العربي تنتشر القبائل العربية بمسميات وأصول تؤكد أن جذورها واحدة.

وبالرغم من كل ما يطرأ من خلاف أو تناقض بين الدول العربية فإن الذي يجمع العرب العرق واللغة والتاريخ.. وإذا كان تقسيم الوطن العربي عام 2016 كان مقدمة من صنع القوى الأجنبية المهيمنة فإن تلك القوى لا تزال تتطلع لمزيد من تفتيت وإضعاف الدول العربية كافة، وذلك بدءا من احتلال فلسطين عام 1948م.

يمكن القول: إن ما حدث ويحدث وسيحدث في الوطن العربي من تهديد لأمن واستقرار الدول العربية، فرادى ومجتمعة، هو احتلال فلسطين وقيام كيان إسرائيل. ولا مغالاة أو تطرفا في هذا الرأي. فمنذ 1948 وبحلف غير معلن بين الغرب والإسرائيليين ومن موقع السيطرة السياسية والاقتصادية والعسكرية حُكمَ على الدول العربية أن تخضعَ لرقابة صارمة في تطورها علميا واقتصاديا إلا بالقدر الذي يجعلها غير قادرة على النهوض بالقدر الذي يكافئ مقوماتها البشرية وثرواتها الطبيعية وموقعها الجغرافي.

ومع كل ما مورس على معظم الدول العربية من رقابة وتدخلات فإن الدول العربية تمكنت من التقدم والتطور لتأخذ مكانتها بين أمم الأرض دولا عصرية تتابع مسيرة التقدم الحضاري في العالم. وبالرغم من كل المحاولات التي تستهدف قتل روح الانتماء القومي للمواطن العربي من خلال السياسة فإنهم وإن اختلفوا فإنهم جميعا مؤتلفون في «جامعة الدول العربية» التي تعتبر مرجعية قادرة على أن تسهم في تعزيز الاحترام المتبادل بين الدول العربية.

وتسعى جامعة الدول العربية إلى توثيق جميع العلاقات التعاونية ما بين الأعضاء، وتحقيق التعاون بين الدول العربية الأعضاء في المجالات المختلفة والعمل على تحقيقها ودعمها بكافة الوسائل، والحفاظ على الاستقلالية والسيادة التي تمتلكها كل دولة عربية عضو في هذه الجامعة. والدفاع الجماعي عن أيّ دولة عربية عضو عند تعرضها لأي عدوان خارجي، وتوفير الحماية اللازمة لها. وتوفير الأمن والسلام بين الدول العربية الأعضاء، والعمل على حل جميع المشكلات التي تواجهها بكافة الطرق والوسائل الصحيحة والسلمية، وتحفيز وتشجيع عملية التبادل التجاري لعمل سوق عربية مشتركة، الالتزام بجميع المبادئ التي جاءت بها الأمم المتحدة، ولعل أهمّ أهدافها تحقيق الوحدة العربية بين جميع هذه الدول.

واليوم يعتبر التطرف والإرهاب أحدث الأساليب التي يراد منها بث المزيد من الفرقة والتناقض بين الدول العربية.

وقد أدركت معظم الدول العربية هذا الخطر، وإنها ماضية بالعمل المشترك على التعاون والتنسيق للقضاء كافة مسببات إحداث الفرقة.

شواهد كثيرة تجمع العرب في منتدياتهم الثقافية والاقتصادية والفنية. فالتقرير العربي الموحد منذ صدور العدد الأول منه عام 1980م يوثق التطورات الاقتصادية في الدول العربية. ويعد نموذجا للتعاون المثمر بين مؤسسات العمل العربي المشترك، حيث يشارك في إعداده كل من الأمانة العامة لجامعة الدول العربية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وصندوق النقد العربي ومنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (الأوبك).

ويتجلى الشعور بالانتماء القومي العربي في لقاءات المنتديات الثقافية التي تسمو على أي تناقض وتؤكد قوة الترابط لمستقبل عربي أفضل.