1095422
1095422
إشراقات

د.النابلسي: العيد تجديد للرابطة الاجتماعية على أقوى ما تكون من الحب والوفاء والإخاء

31 أغسطس 2017
31 أغسطس 2017

الفرح فيه واجب لأنه يوم تعم فيه المسرات وتلبى فيه الحاجات -

قال فضيلة د.محمد راتب النابلسي في إحدى خطبه لصلاة عيد الأضحى المبارك: نحن في أيام العيد، عيد الأضحى المبارك، والعيد عند المسلمين مظهر من مظاهر الدين، أعيادنا دينية، أعيادنا إسلامية، وشعيرة من شعائره، وينطوي العيد في الإسلام على حكم عظيمة، ومعانٍ جليلة، وأسرار بديعة، نتميز بها عن بقية الأمم في شتى أعيادها. فبادئ ذي بدء، العيد في معناه الديني شكر لله تعالى على تمام العبادة وتمام الهدى، قال تعالى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَةَ وَلِتُكَبِرُوا اللَهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَكُمْ تَشْكُرُونَ).. هذا المعنى الديني. والعيد في معناه الإنساني يوم تلتقي فيه قوة الغني وضعف الفقير على محبة الله ورحمته وعدله، عنوانها الزكاة في رمضان، والإحسان، والتوسعة، والأضحية في عيد الأضحى المبارك. والعيد في معناه النفسي حد فاصل بين تقيد تخضع له النفس في أيامها الرتيبة، وتسكن إليه الجوارح، وبين انطلاق تنفتح له اللهوات، وتتنبه له الحاجات. والعيد في معناه الزمني قطعة من الزمن خصصت لنسيان الهموم واستجمام القوى الجاهدة في الحياة، في معناه الاجتماعي يوم الأطفال يفيض عليهم بالمرح والسعادة، ويوم الفقراء يلقاهم الأغنياء باليسر والسعة، ويوم الأرحام يجمعها على البر والتقوى، ويوم المسلمين يجمعهم على التسامح والتزاور، ويوم الأصدقاء يجدد فيهم أواصر الحب ودواعي القرب، ويوم النفوس الكريمة تتناسى أضغانها فتجتمع بعد افتراق وتتصافى بعد كدر وتتصافح بعد انقباض.

وأضاف: والعيد تجديد للرابطة الاجتماعية على أقوى ما تكون من الحب والوفاء والإخاء، فيه أروع ما يضفي على النفوس من الأنس والبهجة، وعلى الأجسام من الراحة، ومن المغزى الاجتماعي أنه تذكير لأبناء المجتمع بحق الضعاف والعاجزين، حتى تشمل الفرحة بالعيد كل بيت، وتعم كل أسرة، إلى هذا المعنى الاجتماعي يرمز تشريع صدقة الفطر، في عيد الفطر ونحر الأضاحي في عيد الأضحى، فإن من تقديم ذلك قبل العيد أو في أيامه إطلاقا للأيدي الخيرة في مجال الخير، فلا تشرق شمس العيد إلا والبسمة تعلو كل الشفاه، والبهجة تغمر كل القلب.

وقال: وفي العيد يستروح الأشقياء ريح السعادة، ويتنفس المختنقون جوا من السعة، وفيه يذوق المعدمون طيبات الرزق، ويتنعم الواجدون بأطايبه، في العيد تسلس النفوس الجامحة في قيادها إلى الخير، وتهش النفوس الشحيحة إلى الإحسان، في العيد أحكام تقمع الهوى، من ورائها حكم تغذي العقل، ومن تحتها أسرار تصفي النفس، ومن بين يديها ذكريات تثمر التأسي في الحق والخير، وفي طيها عِبر تجلي الحقائق، وموازين تقيم العدل بين الأصناف المتفاوتة من البشر، ومقاصد سديدة في حفظ وحدة وإصلاح شأنها، ودروس تطبيقية عالية في التضحية والإيثار والمحبة.

وأوضح أن العيد في الإسلام ميدان استباق إلى الخيرات ومجال منافسة في المكرمات حيث تظهر فضيلة الإخلاص معلنة للجميع، ويهدي الناس بعضهم بعضا القلوب المفعمة بالمحبة، وكأنما العيد روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها، في العيد تتسع الأرواح، وتمتد حتى يرجع البلد الواحد بيتا واحدا، في العيد تنطلق السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول على حقيقتها، العيد في الإسلام سكينة ووقار، وتعظيم للواحد القهار، وبعد عن أسباب الهلكة ودخول النار، العيد في الإسلام ميدان استباق إلى الخيرات، ومجال منافسة في المكرمات.

وبين أنه مما يدل على عظم شأن العيد أن الإسلام قرن كل واحد من عيديه العظيمين بشعيرة من شعائره العامة التي لها جلالها الخطير في الروحانيات، ولها خطرها الجليل في الاجتماعيات، ولها ريحها المهابة بالخير والإحسان والبر والرحمة، ولها أثرها العميق في التربية الفردية والجماعية .. هاتان الشعيرتان أو العبادتان هما: شعيرة الصيام وشعيرة الحج، العيدان الكبيران في الإسلام، عيد الفطر وعيد الأضحى يأتيان عقب عبادتين كبيرتين، ومعنى العيد أنك تفرح برضوان الله: (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِمَا يَجْمَعُونَ).. فرح المؤمن بطاعة الله، فرح المؤمن بالهدى، فرح المؤمن بالقرب من الله، فرح المؤمن أن الله قواه على أداء هذه العبادة.

وأشار إلى أن الأعياد في الإسلام رابط إلهي يجمع بين المسلمين، كاشف على وجه حقيقة الإسلام، عيدان دينيان كبيران ندب النبي عليه الصلاة والسلام المسلمين إلى الأعمال الصالحة؛ إلى صلة الرحم، إلى إطعام الفقراء والمساكين.. قد يغيب عنا أن من أعظم العبادات التعاملية صلة الأرحام، وأن الله عز وجل وعد عليها المؤمنين بكثرة الرزق، وطول الأجل بمعنى خاص من معاني طول الأجل أن يكون هذا العمر مفعما بالأعمال الصالحة، حتى اللقمة تضعها في العيد في فم زوجتك هي لك صدقة، ويراها المؤمن يوم القيامة كأنها جبل أحد، هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام، العيد في الإسلام جمال، وجلال، وتمام، وكمال، وربط، واتصال، وبشاشة تخالط القلوب، واطمئنان يلازم النفوس، وبسط، وانشراح، وهجر للهموم وطراح لها، وكأنه شباب نضر أو غصن ربيع عاوده الإزهار.

وأكد قائلا: والفرح في العيد واجب لأنه يوم تعم فيه المسرات وتلبى فيه الحاجات .. فيجب أن تفرح في العيد، يجب، مهما ألمت بالأمة المآسي والأحزان، الفرح في العيد فرض، ويجب أن تلقي الفرح في قلوب من حولك، من أولاد صغار، من زوجة وفية، هذا الذي يفتعل مشكلة في العيد بعيد عن الإسلام بعد الأرض عن السماء، هذه أيام فرح، هذه أيام أكل وشرب، هذه أيام لقاء أسري، لقاء بين الأقارب، هذه أيام صلة الأرحام، هذه أيام الاقتراب من الواحد الديان، فليس العيد هو يوم يبتدئ بطلوع الشمس وينتهي بغروبها، ولكنه يوم تعم فيه المسرات، تلبى فيه الحاجات، يرأب الصدع بين الأسر، تكون العلاقة بين من حولك علاقة حسنة، قال تعالى : (فَاتَقُواْ اللهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ).. وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، أصلحوا ذات بينكم قال بعض العلماء: أصلحوا العلاقة بينكم وبين الله، وقال بعض العلماء: أصلحوا العلاقة بينكم وبين الخلق، المؤمن له حركة نحو الخالق، حركة نحو السماء، حركة نحو عبادة الله، وطاعته، وحبه، والإقبال عليه، وله حركة نحو الخلق. وليس الإسلام تقوقعا، ولا انزواء، ولا انسحابا من الحياة، الإيمان عطاء، أنت بالاستقامة تسلم، وبالعمل الصالح تسعد، وأيام العيد أيام عمل صالح، وأيام العيد أيام زيارات، أيام دعوة على الله، أيام تذكير، أيام تصبير: (اصْبِرُوا وَصَابِرُوا).

وأضاف: إن الحكمة، والإخلاص، والوطنية إن صح التعبير، والإنسانية، والتدين الصحيح، يمنعنا أن نطرح أية قضية خلافية، بحاجة إلى رأب الصدع ولمِ الشمل؛ لذلك لما دخل النبي عليه الصلاة والسلام المدينة ماذا قال؟ يوجد بالمدينة أوس وخزرج مسلمون، ووثنيون، وفيها يهود، وفيها نصارى، فيها أعراب، فيها مهاجرون قرشيون، أول وثيقة كتبها النبي بعد قدومه للمدينة قال: أهل يثرب أمة واحدة، سلمهم واحد، وحربهم واحدة، لليهود دينهم ولنا ديننا، أي لتعيش بمجتمع يجب أن تتواصل، هناك قواسم مشتركة، هناك تحديات مشتركة، مصالح مشتركة، مطالب مشتركة، تحديات مشتركة، في ضوء هذه المصالح والمطالب والتحديات نتعاون، أما عقائدنا لنا عقائدنا، لنا إيماننا، لنا مبادئنا، لنا قيمنا، لنا صلواتنا، لنا عباداتنا، هذا الموقف الكامل الآن، التعاون، التواصل وبالتعبير المعاصر جدا التعايش، والمعاصر جدا الوحدة الوطنية، الآن الأرض لا تصلح إلا بهذه المبادئ التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام في أول يوم في المدينة المنورة قال: أهل يثرب أمة واحدة، مع أنهم مختلفون.