humada
humada
أعمدة

في ذاكرتها

20 أغسطس 2017
20 أغسطس 2017

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected] -

هذا الأسبوع كنت على موعد مع لقاء خاص مع جدتي التي جاهدت لتذكر اسمي، في موقف سيظل محفورًا في الذاكرة، فقد كنت أراهن طوال السنين الأخيرة بأنها ستنسى الجميع ولن تنساني، لكنني بدأت أسقط من ذاكرتها، أسوة بأسماء أخرى كنت ألاحظ بانها بدأت تسقط تدريجيًا، ولكن السعادة تغمرني كل مرة عندما تنطق اسمي بحنان منقطع النظير وأنا ألقي بنفسي في حضنها، فبين يديها تتلاشى السنون، وأعود تلك الطفلة الصغيرة التي كانت تغمرها حبًا وحنانًا، عندما كان يضن به علي الكثيرون، أحرص على البقاء أطول فترة ممكنة وكأنني أختزل كل العمر في تلك اللحظة، رغم القلق الذي يراودني بعد كل زيارة بأنني قد لا أراها مرة أخرى، إلا أنني في كل مرة أخرج مبتهجة لأن اسمي لم يسقط ضمن الأسماء التي سقطت من ذاكرتها.

خلال الزيارة الأخيرة توقفت للحظات قبل أن تنطق اسمي، هوى قلبي هلعا، وأنا أراها تنظر إلي وكأنها تجد صعوبة في تذكر اسمي، لم أتمالك نفسي ودخلت في نوبة بكاء، متضرعة إلى المولى ألا يريني تلك اللحظة التي اسقط فيها من ذاكرة أغلى من بقي لي في هذا الوجود، مدركة أنني لن أكون قادرة على تحمل ذلك الموقف، تنفست الصعداء وهي تتذكر الاسم مسبوقا بالغالية، لكنها تذكرتني طفلة انتزعت منها، واستذكرت بكاءها الشديد لوداعي، وأظنها عادت بالذاكرة للحظة التي قرر فيها والدي اصطحابي لمدينة العين القريبة لألتحق بمقاعد الدراسة في ظل غياب المدارس في قريتي، لحظات لم أعد أتذكرها ذلك أن ذاكرتي لا تحمل إلا ذكريات جميلة لهذه السيدة، التي كانت تفيض حنانا.

أتذكر دفاعها المستميت عني من عنف المحيطين بي، ومن اضطهاد الأطفال بمن فيهم أبناؤها لي، بدوري كنت ألجأ لها هي قبل غيرها مشتكية أو طالبة حماية، وكنت أدرك أنه لن يجرؤ مخلوق على المساس بي بين ذراعيها.

عندما كبرت بدأت تتكون عندي ذكريات أكثر جمالًا عن تفانيها، ووفائها منقطع النظير لجدي الذي رقد في غيبوبة سكر ما يزيد عن العقد ونيف من الزمن، فقدمت في رعايته أجمل صور الوفاء، وأنبل أشكال الحب والتفاني.

لقد قضت ما يناهز العقدين من عمرها بجواره، رافضة أن يعتني به أحد غيرها، أو يحال للمستشفى للعناية به، ولم أسمعها يوما شاكية أو متذمرة رغم الجهد النفسي والبدني الذي كان يتطلبه العناية برفيق دربها منها، والذي ترك آثاره على صحتها.

لقد كانت وما زالت مدرسة رائعةً ونموذجًا لكل ما هو جميل، أن أراها اليوم تجاهد من أجل تذكر الوجوه، هو أصعب موقف مر بي معها، تمنيت ألا أعيشه لتظل صورتها كما عهدتها دوما قوية باسمة، معتدة بنفسها ورمزا للعطاء الذي لا ينضب، إنها لحظة لا أتمناها لمخلوق أن يمر بها، فهي أشد إيلاما من الفقد ذاته، لا يدرك مقدار هذا الألم إلا الذي عايشه.