أفكار وآراء

قوانين المنافسة (كومبيتشن)

16 أغسطس 2017
16 أغسطس 2017

د. عبد القادر ورسمه غالب -

[email protected] -

تقوم التجارة على العمل الجاد والأمانة في التعامل مع الزبون وغيره، وباب التجارة مفتوح للرزق الحلال وخدمة الآخر على خير وجه.. ومع العولمة توسعت أبواب التجارة وآفاق التعامل، وتعزيز التجارة في كل العالم يعتبر من الأهداف الرئيسية لمنظمة التجارة الدولية (دبليو تي أو) التي قامت بإصدار العديد من الأنظمة والقوانين لتحقيق هذا الطموح، ومن ضمنها نجد «قانون المنافسة»، والغرض من كل هذه التشريعات تهيئة الأرضية القانونية لممارسة التجارة بعيدا عن التجاوزات والأخطاء والمنافسة غير الشريفة دعما للتجارة وحماية للمستهلك وكذلك النظام العام والذوق العام. وبصفة عامة، فإن «قانون المنافسة» ينطبق على جميع المؤسسات والشركات وجميع من يعمل في التجارة حتى يتم تهيئة الجو الملائم للتنافس والمنافسة السليمة لفتح المجال لزيادة الانتاج التجاري والابتكار والابداع والاختراع والتطوير من أجل زيادة الأرباح .. وتقديم أفضل الخدمات.. ومن كل هذا يستفيد المستهلك الزبون.

ولكن، من واقع التجارب العالمية المكتسبة تبين ضرورة استثناء بعض المرافق من قوانين المنافسة ، وهذا ما سارت عليه القوانين الحديثة، حيث تم استثناء قطاعات التمويل المختلفة والنفط والغاز وخدمات البريد والكهرباء والماء والاتصالات والنقل الجوي والبري والبحري والمستحضرات الصيدلانية والأعمال التجارية الخدمية التي تقوم بها الحكومة أو مؤسساتها العامة... وذلك للضرورة ولأهمية هذه القطاعات للجميع وفي جميع الأوقات..

من الأغراض الأساسية لقوانين المنافسة عدم السماح باستغلال الوضع لصالح شركة معينة وذلك عندما تكون هذه الشركة مهيمنة أو مسيطرة على السوق وبدرجة قد تؤثر على حرية التجارة والمنافسة بين التجار. ومن هذا يتم منع الاحتكار لما له من آثار ضارة يسببها الجشع والمنفعة الذاتية علي حساب الآخر. وأيضا من الأغراض، تنظيم التصريح من الجهات المختصة باندماج أو استحواذ الكيانات المؤسسية والشركات التجارية، أو بالمقابل عدم التصريح لها لأية أسباب قانونية أو تجارية. وفي بعض الحالات، قد يتم عدم الموافقة كليا أو جزئيا بعد استيفاء بعض الشروط المعينة التي تحددها الجهات المختصة كالتنازل من بعض النشاطات مثلا . كما يتم تنظيم تنفيذ «الاتفاقيات التقييدية» كتلك التي تصدرها الشركات لتحديد الأسعار، أو عمل تسعيرة جماعية، أو الامتناع عن الصناعة، أو الانتاج للتأثير على السوق، أو وضع أسعار وهمية، أو عزل مجموعات من السوق بعدم التعامل معها، أو الاتفاقيات التي تضر بالمصلحة العامة....

ووفق مبدأ التجارة الحرة فإنه يجوز للشركات المنافسة في كافة الأعمال شريطة ألا يقود هذا الوضع الى الهيمنة على السوق أو اساءة استخدام هذه القوة المهيمنة لصالح الشركة وبما يقود الى التقليل من منافسة الشركات الأخرى أو من خنقها بدرجة لا تمكنها من التحرك بحرية مهنية دون مبرر منطقي، أو لتحقيق أرباح على أسس تنافسية غير سليمة... اذ قد تقوم شركة بمنافسة الشركات الأخرى وذلك بعد اندماجها مع شركة أخرى أو الاستحواذ عليها. ولذا فإن قانون المنافسة يضع شروطا معينة لا بد من استيفائها ليتم الحصول على الموافقة الرسمية للاندماج أو الاستحواذ الذي يتطلع له العديد من الشركات لأسباب يرونها. وفي حالات عديدة، نلاحظ عدم موافقة بعض الدول الأوروبية على اندماج بعض الشركات، واذا تعددت الحدود قد لا يتم الحصول على موافقة ادارة السوق الأوروبية لأن هذا الاندماج المأمول أو الاستحواذ سيضر بالمنافسة التجارية السليمة .. ولهذا بالطبع مردود «عكسي» سيئ على الخدمة وعلى المستهلك الذي سيتضرر من عدم المنافسة المثلى التي تقود الى بذل الجهود للحصول على السوق وقبول المستهلك ورضاه.

ان المحاور الرئيسية لقوانين المنافسة تتمثل في حماية المستهلك، كما تعمل هذه القوانين أيضا من أجل تحرير الأسواق وازالة كل العوائق والاشتراطات التي تحد من المنافسة، وكذلك تسعى لتعزيز التوجه نحو تحويل العمل التجاري للقطاع الخاص بدلا عن القطاعات الحكومية لأن سيطرة الحكومة قد تحد من توفر المنافسة بالقدر المطلوب. وقوانين المنافسة تعمل على حظر «الاتفاقيات التقييدية» كتلك التي تهدف لتحديد الأسعار أو تملك الحصص في الأسهم أو بيع منتج أو التمييز في أسعار البيع والشراء أو تحديد شروط خاصة بناء على اعتبارات جغرافية معينة. ولكن يجب علينا ملاحظة أن بعض هذه النقاط قد يكون مسموحا بها وفق قوانين أخرى كقانون الوكالات التجارية مثلا الذي يضع اعتبارات جغرافية للوكيل أو نظام الوكيل الحصري وفي نفس الوقت غير مسموح بها وفق قانون المنافسة وبعض القوانين الأخرى لمنظمة التجارة العالمية. ومثل هذا التعارض يجب النظر اليه بعين الحسبان لأن المنافسة الحرة يجب أن تتم، على المدى البعيد، دون أية حواجز والا فإن فلسفة تنظيم المنافسة ستبقي مبتورة.

ان المنافسة في الأعمال التجارية أمر ضروري ولا بد منه حتى تتفتق الآفاق والاذهان بالجديد المثير والمسيل للعاب المستهلك، ولكن هناك من يضع العراقيل التي تؤثر على المنافسة السلسة والشريفة ومن هنا نشأت الحاجة لإصدار التشريعات لتقويم الوضع وتهيئة المناخ المناسب للمنافسة التجارية السليمة. ويجب تطبيق هذه القوانين حتى تتحقق الفائدة للمنافسة التجارية الحرة مع وضع البدائل الجادة لمحاربة الاحتكار والجشع والأنانية التي يعاني منها البعض من قليلي الفكر والهمة ... ولنقف جميعنا في وجه المنافسة غير الشريفة والتي لا يقبلها العقل والوجدان السليم ولا القانون.