randa
randa
أعمدة

عطر : أكرهُ زوجي

16 أغسطس 2017
16 أغسطس 2017

رندة صادق -

[email protected] -

فنجان قهوة وقطع من الحلوى المنزلية كانا يفصلان الصمت بيننا، زيارة غير متوقعة لوجه كنت أظن انه من الوجوه التي طواها النسيان، لكن الحمد لله الذاكرة بخير، حين وقفت على بابي تمعنت كثيرا في وجهها يبدو أننا كبرنا، فحتما ليست هي وحدها التي تركت السنوات بصماتها القاسية على وجهها وجسدها، انتشرت خطوط من التجاعيد الرفيعة حول فمها وعيونها، لكن من الواضح أنّها أجرت بعض التعديلات لجبينها بحقنه من البوتوكس، وعدلت أنفها، ومع هذا ورغم التغيرات ما زالت جميلة وأنثوية بمسحة متحدية، رحبت بها وجلسنا وسألتها سؤالا كنت أضغط على أسناني لكتمه: ما الذي ذكرك بي؟ 

ومن قال اني نسيتك؟،ردت على سؤالي بسؤال، وهذا في أسلوب الحوار يحمل تدويرا لزوايا الطرح: في الحقيقة أنتِ حضورك في حياتي دائري، مهما ابتعدت حتما سأعود لن أطيل عليكِ، أتابع كتاباتك وجئت باحثة عن النصيحة، جئت لعل هناك رؤية تساعدني على الخروج من سجن مشاعري التي احتكرتها ظروفي فغاب عني الصبر والهدوء، وبت أخشى الزمن وتأثيره على صمودي وقوة اتزاني.

من حيث لا أدري نمت في داخلي مشاعر غريبة، أخاف أن أصنفها أو ان أمنحها توصيفا فتظهر جانبا قبيحا من شخصيتي. وهي تتكلم كنت أفكر كم امرأة تعيش ارتباكك وتخاف من مشاعر الخوف وتتعثر بقلقها مثلك؟ كنت أشعر بأنفاسها ففضلت الإصغاء على مقاطعتها، تابعت: أنا أكره زوجي، أكره صوت أنفاسه، خطواته المقولبة في ممرات المنزل، أكره ثرثرته في السياسة وكأنه محلل دولي، أكره كيف يسعل ويأكل، أكره تواصله معي، وكلما نظرت إليه انتابني الرعب من المستقبل وأصبت بهلع يصل حد الأزمة النفسية، أخشى كثيرا يا صديقتي ان المنزل بعد سنوات قليلة سيصبح فارغا من الأولاد، وأني سأبقى معه لأكون ربما ممرضته، ألعب دور الحريصة على صحته المهتمة بمواعيد دوائه المصغية الى ترهاته، أخاف ظلام الغد القادم، اليوم يبعثر الأولاد هذه المشاعر، فأنا مشغولة بهم وبتفاصيلهم، ولكن غدا، حين تخطفهم الحياة كيف سأتابع ما تبقى من عمري مع رجل أكرهه؟

جاء دوري بالرد ولكن ماذا أقول؟ هل ألومها؟ هل أعطيها نصيحة روتينية تقليدية تحت عنوان: لم يبق من العمر الا القليل؟ هل أطلب منها انقاذ ما تبقى من سنواتها وترك كل شيء وراءها وتوضيب حقائب الرحيل؟. أسئلة كثيرة عاقبت نفسي بها، علمت أني لا أملك صلاحية النصيحة في حياة الآخرين، قد أعري تجربة أو أكتب جملة أو أشير الى قضية، قد أكتب عن الحب أو الكره من زاويتي، ولكن ليس لأقرر مصير من يظن اني قادرة على مساعدته، لم تعد قضيتي قصتها معه بل ردة فعلي على هذه القصة، ولكن لا يمكن أن أبقى صامتة: هل تعلمين أنك ككثيرات مثلك، الازدحام الشديد في محطات العمر جعلك تصعدين في قطار ليس لكِ، ولم تكتشفي ذلك الا متأخرة، ورحلة هذا القطار باتجاه واحد لا يمكن فيه عكس الزمن اذا لا عودة الى الوراء.

لم أرغب في البحث عن أسباب هذا النفور، كنت أريد أن ألملم الموقف وذلك لأنني لا موقف لدي أرد به على طلبها، سوى أن أطلب منها الهدوء محاولة تغيير المعادلة: يا عزيزتي أن تكرهيه فهذا يعني أنّه يعني لك الكثير، فالكره هو الوجه الآخر للحب، حين تأتين لتقولي لي : “لا أملك أي مشاعر نحوه” سأقول لك: أتركيه، الآن أعيدي فهم ذاتك قبل ان تفهميه. (كنت أعلم أنها لم ولن تتحرر لا من كرهه أوربما حبه ) .