hamda
hamda
أعمدة

حيــاة ثـانـيـة

13 أغسطس 2017
13 أغسطس 2017

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected] -

الحياة بعد الخمسين تتسم في الغالب بالرضا والقناعة والحكمة التي تجعل توافه الأمور تضمحل تدريجيا ومن ثم تختفي كلية، تاركة مساحة للشعور بالسعادة نتيجة انخفاض مستوى القلق الناتج عن ضغوطات الحياة، كالقلق بشأن إيجاد التخصص الدراسي المناسب والبحث عن وظيفة العمر وشريك الحياة المناسب والإنجاب وهموم تربية الأطفال، وهلم جرا، فالضغوطات وفقا للدراسة التي أجراها فريق من جامعة ستوني بروك في نيويورك والتي نشرت في الأكاديمية الوطنية للعلوم تبدأ في الانحسار تدريجيا من عمر ال20 حتى تكاد تختفي تماما، فيما يستمر القلق حتى بداية الخمسين ثم يبدأ هو الآخر بالانحسار التدريجي، سامحا للشعور بالسعادة أن يحل محله ويبدأ بالتنامي مع التقدم في العمر، ذلك لأن هذا العمر يأتي معه بالحكمة والقدرة على التناغم مع مشاعرنا، وهو ما يجعلنا أكثر قدرة على التركيز على الإيجابيات في الحياة والتي تتضاءل السلبيات أمامها، وتصبح القدرة على كبح الغضب سمة سائدة مما يتيح لنا تذوق السعادة في أبسط الأشياء من حولنا، ويميل الناس في هذه الفئة العمرية إلى التركيز على الأهل والأصدقاء والجوانب المشرقة من الحياة، هذا على الرغم من أن الكثيرين منهم يعانون من أمراض مزمنة، لكن حتى مع هذه الأمراض وجدت الدراسة أن الشعور بالسعادة هو الشعور الغالب لدى هذه الفئة العمرية. الحياة لا تبدأ في الأربعين كما يقال، وإنما تبدأ حياة ثانية لأن التقدم الكبير في مستوى الخدمات الصحية ومستوى الحياة جعل من سن الأربعين فعلا سن بداية الشباب، فقد تزوج من تزوج واختار وظيفة العمر وأسس منزله فلم يعد هناك مجالا للقلق على هذه القرارات الصعبة، خاصة لمن استطاع استغلال ما تعلمه من دروس وتجارب في النصف الأول من حياته فيجعل النصف الثاني منها حياة حافلة بالبهجة، وفرصة لبداية حياة جديدة، سواء من حيث بناء أسرة أو العودة إلى دراسة التخصص الذي أجبرته الظروف على التخلي عنه شابا، وبدء مهنة جديدة بالتالي في مجال شغفه، ذلك أنه مع ارتفاع متوسط عمر الأفراد فإن المرء الذي يصل سن الخمسين وهو في صحة جيدة من المتوقع أن يعيش حتى عمر الثمانين، وهي فترة كافية لتدارك ما فات من أحلام وطموحات، وعيش حياة حافلة بالبهجة والعطاء، فلا أعذار لمن وصل حتى هذه المرحلة، فالمعرفة متاحة والخبرة متوفرة وتجارب الحياة صقلت المهارات والمواهب، فأصبح لدى المرء قاعدة متينة ليبدأ بها حياة استثنائية يستحقها.

خذ الخطوة الأولى، خذها الآن، فالأوان لم يفت بعد.