1078847
1078847
إشراقات

السفر من منظور إسلامي

11 أغسطس 2017
11 أغسطس 2017

آداب .. في البيئات المختلفة -

هلال بن علي اللواتي -

«.. من أهم الآداب التي ينبغي على المرء أن يتحلى بها وبالخصوص في الوقت الراهن إذا ما سافر إلى الدول غير الإسلامية أن يعكس الصورة الحقيقية للسلام الإسلامي، والتي تتجلى في كلمات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فإن الخلق الكريم مع الآخرين سوف يعكس الصورة الصحيحة الحقيقية للإسلام، وسوف تشكل حالة من التفكير المنصف في الإنسان غير العارف عن الدين الإسلامي».

السفر حاجة نفسية وعقلية وبدنية لدى الإنسان، وهل يمكن أن يقال إنها حاجة فطرية، فلا يمكن الاستبعاد، ولربما الذي يرجح هذا المعنى هو ما جاء في الأخبار الشريفة وهي تحث على السفر لما فيه من الفوائد على العقل والنفس والروح والبدن، فقد ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين:«سافروا تصحوا وترزقوا»، ولكن قد يقال إنه كيف يمكن الجمع بين هذه الرواية المتقدمة مع رواية أخرى تقول: «السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهته فليعجل الرجوع»!، فالجواب هو كما هو متعارف لدى الفقهاء بما يعرف بالجمع العرفي، فيمكن الجمع بين هذين الخبرين بالتوجيه الآتي: كأن يكون المقصود أخذ أسباب السفر، وعدم التقصير فيها، لكون الإنسان ينقطع عن كل شيء، فإذا لم يأخذ الأهبة والاستعداد المناسب فإنه يتعب نفسه، ولا سبيل إلى الراحة سوى الرجوع إلى البلد، ويمكن أن يكون بلحاظ طول السفر وقصره، أو لعله بلحاظ الصحبة .. خلاصة: فإن العلل واللاحاظات كثيرة لإمكانية الجمع بين الأخبار الشريفة، والأمر سهل إن شاء الله تعالى.

ومن خلال ما تقدم نجد أن موضوع السفر لم يكن مهملاً في النصوص الشريفة، بل أخذ له حيزاً، ونشأت عليها أحكام شرعية تتناولها الأحكام التكليفية الخمسة: «حلال ومستحب ومباح ومكروه وحرام»، فلعل هذا من باب أن ما من واقعة إلا ولله فيها حكم، وقد بين الأعلام العلة في كون لكل واقعة حكم شرعي ولا حاجة لذكرها هنا الآن.

وقد جاءت الروايات الشريفة في موضوع السفر بين بيان حكم تكليفي لازم وبين حكم إرشادي توجيهي من قبيل الأب الذي يهتم لأولاده فيقسم نصائحه بين حكم لازم عليهم وبين توجيه وإرشاد ويترك لهم حرية الاختيار، ومن تلكم الروايات الشريفة التي حملت محمل الإرشاد والتوجيه هي: التي ورد في موضوع اختيار الرفيق الموافق في الطريق، فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين: «الرفيق ثم الطريق»، ولعل هذا كي يعين هذا الآخر على مشقة السفر، من حيث الحمل، أو لعل أحدهما سقط مريضاً فيكون الآخر مدارياً إياه، فالأسباب متعقلة جداً لاصطحاب الرفيق في السفر.

فالسفر كما أنه قد يجب على الفرد لعلة من العلل الموجبة، وقد يحرم عليه السفر لعلل أخرى، وكل هذا يخضع للظرف الموضوعي الذي تحدده نوعية السفر فتأتي الأحكام الشرعية تبعاً لذلك.

ولكن.. بقطع النظر عن تلكم التفصيلات.. فإن ما يمكن الوقوف عليه الآن في هذه المقالة الأمر المتعلق بسلوك المسافر في سفره، والذي يحد أيضاً بمجموعة من العناوين، فمثل هذا الأمر يتعلق تارة بسلوك المسافر في الطريق، أي أثناء الانتقال من بلده إلى البلد الذي سافر إليه، وأخرى يتعلق في بلد السفر الذي هو فيه، وثالثة يتعلق بمأكله، وبمشربه، ورابعة يتعلق بالرفقة التي معه، وخامسة بالذين يتعامل معهم في السفر، وسادسة بالأدوات والأغراض التي تقع بين يديه في السفر، وسابعة تتعلق بالوقت وإدارته وأهميته، وثامنة بعلاقته مع ربه، وتاسعة بالبيئة التي ذهب إليها، فتارة تكون العربية، وأخرى تكون غير عربية، وقد تكون مسلمة واخرى لا وهكذا تتنوع البيئات التي يقصدها المسافر، أو يمر عليها في طريقه، وهكذا تتنوع العناوين بتنوع المواضيع التي يمر بها المسافر في سفره.

ولكن لنقف قليلاً عن البيئات التي يسافر إليها المسافر؛ فإننا في هذه الحالة نجد أنفسنا أمام عناوين يمكن أن تشكل مشتركاً لا تختلف باختلاف البيئات، فيكون على المسافر التحلي بها في كل سفرة يسافرها كيفما كانت تلك السفر، وأينما كانت، وهناك عناوين تتجدد بتجدد المكان والزمان والنوع، فمن الأحكام المشتركة في كل الأسفار هي: إدارة وقت الصلاة، حيث يكون الإنسان على موعد دائم مع ربه، فالحفاظ على موعد اللقاء مع الله تعالى يعكس الصورة الجميلة الطيبة للمقابل عن مستوى حفاظ المرء على مواعيده إضافة إلى مستوى وعيه لإدارة وقته من تقسيم بين وقت اللقاء مع الرب وبين تقسيمه في شؤونه الخاصة.

ومنها: كيفية ترجمة حالة اللقاء مع الله تعالى في أوقات العبودية إلى سائر أوقات الحياة، بحيث يعكس الإنسان صورة الإنسان المحافظ على وعده مع الله تعالى لما يقول المصلي في صلاته: «إياك نعبد وإياك نستعين»، ويقول:« أشهد أن لا إله إلا الله»، فإن التصرف على خلاف هذه الكلمات التي يلهجها الإنسان المسلم يصنع انطباعاً سلبياً عن الإنسان المسلم، بل ويتوجس المرء منه خيفة، فإن من يستطيع أن يخالف وعده مع ربه كيف يمكنه أن يحافظ على وعود سائر العباد.

ومنها: أدب الحديث والتحرك والحفاظ على الأمانة كأدوات غرفة الفندق، وما فيه من الأغراض، وكيفية التعامل مع من يرافقهم، فكل هذه من المشتركات التي ينبغي على المرء مراعاتها في جميع أسفاره.

وأما المختصات التي ينبغي مراعاتها حسب نوعية السفر هي من قبيل: الملبس، فإن ما قد يلبسه المرء في مكان من لباس قد لا يتلاءم نفس هذا اللباس في مكان آخر، وهنا لعله جاءت الأحكام الفقهية المتعلقة باللباس بعنوان: لباس الشهرة، فعلى المرء أن يبتعد عن ذلك الملبس الذي يوجب التهكم به وبشخصيته وبمرافقيه، فإن المرء مأمور بحفظ كرامته وعزته، وأن لا يعرضها إلى سوء ومذلة.

ومن أهم الآداب التي ينبغي على المرء أن يتحلى بها وبالخصوص في الوقت الراهن إذا ما سافر إلى الدول غير الإسلامية أن يعكس الصورة الحقيقية للسلام الإسلامي، والتي تتجلى في كلمات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين:«إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فإن الخلق الكريم مع الآخرين سوف يعكس الصورة الصحيحة الحقيقية للإسلام، وسوف تشكل حالة من التفكير المنصف في الإنسان غير العارف عن الدين الإسلامي، أو الإنسان الذي تشكلت لديه بعض الصور السلبية عن الإسلام بسبب ممن انتحلوا لباس الدين الإسلامي وارتكبوا باسمه الكثير من الأعمال السلبية، والأدهى والأمر أنهم حاولوا نسبتها إلى الدين الإسلامي!، ولكن يظل الحق شعاعه لا يمكن حجبه بتلكم السفاسف، فإن الدين دين الفطرة لهذا تميل إليه الضمائر ذوي الفطرة السليمة وإن كانت غير مسلمة، فهذا هو الرهان الأقوى الذي يمكن الاعتماد عليه في دحر تلكم التصرفات السلبية، وفي فضح من يحاول تشويه سمعة هذا الدين الحنيف.

فالسلوك الإيجابي المعتمد على التعاليم الدينية وعلى سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين لما أن يتجلى في سلوك الإنسان المسلم فإنه يعكس جمال الشريعة المقدسة، ورسالتها السلمية الرحمانية بين الناس، وهذا ما يريده الدين الإسلامي منا أن نكون عليه في حياتنا اليومية فضلاً عن السفرات، ونختم المقالة بهذه الرواية الجميلة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين:«من المروءة في السفر كثرة الزاد وطيبه وبذله لمن كان معك، وكتمانك على القوم أمرهم بعد مفارقتك إياهم، وكثرة المزاح في غير ما يسخط الله عز وجل».